وصل الوضع في الخليج العربي إلى نقطة تحول، بحيث لم يعد من الممكن احتواء الأمر من دون نتائج سلبية، حتى وإن اختلف المراقبون والمحللون في حجم تلك النتائج وتبعاتها، فقد تعرضت سفن تجارية أجنبية لهجمات ومحاولات قرصنة في نطاق خليج عُمان، وأظهرت تلك العمليات نقلة نوعية جديدة في معركة السفن الدائرة على المسرح البحري الإقليمي.
يأتي هذا بعد أن تعرضت سفينة “MT Mercer Street” الإسرائيلية نهاية يوليو الماضي لهجوم، لحقه في اليوم التالي، تعرُّض سفينة سعودية تابعة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لمحاولة استهداف فاشلة من المليشيا الحوثية، وفي ٣ أغسطس الجاري، تعرضت سفينة “Princess Asphalt” لمحاولة اختطاف “غامضة”.
بالتالي تؤشر تلك الهجمات إلى أن المعركة لم تعد مقتصرة على إيران وإسرائيل فقط، بل باتت معركة متعددة الأطراف بالنظر إلى كون السفن المستهدفة هي سفن تجارية تملكها دول وتشغلها دول أخرى، ويمكنها رفع علم طرف ثالث، بالإضافة إلى متغير أداة الهجوم، حيث استخدمت الطائرات من دون طيار “الدرونز” في الهجمات للمرة الأولى على السفينتين الإسرائيلية والسعودية، فضلاً عن كونها المرة الأولى التي تشهد سقوط ضحايا، إذ سقط قتيلان أحدهما بريطاني والآخر روماني في الهجوم على السفينة الإسرائيلية.
بناء عليه تم إرسال مذكرة شكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن، تُتهم فيها بمهاجمة ناقلة “ميرسر ستريت”، والتقى وزيرا الأمن والخارجية الإسرائيليان، بيني غانتس ويائير لبيد، مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وذلك “في إطار المجهود السياسي الإسرائيلي لحشد تنديد ورد فعل دولي ضد عمليات النظام الإيراني الإرهابية”.
وقامت رومانيا باستدعاء سفير إيران بسبب حادثة السفينة الإسرائيلية، ثم قامت إيران باستدعاء القائم بأعمال السفارة البريطانية بعد اتهامات استهداف السفينة الإسرائيلية، واستدعاء سفير رومانيا، على خلفية اتهامها مماثلة، كما قامت إيران بنقل صواريخ “إس – ٣٠٠” إلى بوشهر استعدادا للرد على هجمات عسكرية محتملة.
أولا: لغة الخطاب السياسي والإعلامي
ما بين لغة تصعيدٍ وخطاب تهدئة، باتت الأطراف المشتركة في تأجيج الأحداث في تناقض تام، تارة إزاء الطابع السياسي وطورا إزاء الخطاب الإعلامى، ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه ساسة أمريكان عن التهدئة كان الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، يقوم بالتأكيد على هذا الخطاب، وعلى الجانب الآخر كانت وسائل الإعلام الأمريكية قد انتهجت خطاباً تصعيدياً، واعتمد بايدن على نهج تغيير لغة الخطاب السياسي سريعاً إلى التصعيد، وفي الوقت نفسه كان البيت الأبيض يصدر تصريحات وبيانات على النقيض من ذلك.
أما الجانب البريطانى، فقد انتهج خطاباً تصعيدياً منذ اندلاع الأزمة، وبدا ذلك أمراً ضاغطاً على الجانب الإيرانى، الذي بدوره أصدر تصريحات سياسية إعلامية تصعيدية، وكذلك الجانب الإسرائيلي الذي انتهج أيضاً لغة الخطاب التصعيدي، مع الإشارة والتأكيد المستمر على نقطة أساسية، ربما تكون هي قلب الصراع، ألا وهي: أنه لن يرد بمفرده على الجانب الإيراني.
في السياق نفسه هناك تصريحات وبيانات رسمية سواء من الأمم المتحدة، التي أدانت بدورها سريعاً الجانب الإيراني، أو من الاتحاد الأوروبي الذي انتهج سياسة لغة التصعيد الشفهي من دون إصدار قرارات أو أفعال ملموسة، وكذلك الجانب الروسي والصيني اللذان نأيا بذاتيهما عن دائرة الصراع، مع تقديم بعض الدعم الإعلامي والسياسي لإيران.
وبالرغم من عدم التصريح من الجانب الإيراني بأنه المسؤول عن هذه الحواداث، والتي سماها إعلام طهران بـ”المريبة” وفقاً لقول وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ربما جاء ذلك لتسهيل عملية المساومة وتدعيم موقفها إزاء الضغوط التي تمارسها على الدول الغربية حيال التوسط لعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي مرة أخرى.
فإيران تعطي رسائل مختلفة من تلك الحادثة، أبرزها أنها ضاقت ذرعًا بالعقوبات الاقتصادية وتعثر الاتفاق النووي، واتهام الدول الأوروبية لها بعدم الجدية والمماطلة بشأن هذا الاتفاق، خاصة بعد تصريح المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي” بأن إيران لا تثق في دول الغرب.
ثانيا: فحوى التصريحات الرسمية
في الوقت الذي أكد فيه المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني “محمود مشكيني”، أن إسرائيل لا تملك القدرة التي تؤهلها لمهاجمة قوات بلاده في سوريا أو سفنها في البحر.
أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ” نفتإلى بينيت”، بياناً ذكر فيه أنه انتهي زمن الجلوس بكل راحة في طهران، وإشعال الشرق الأوسط بأسره من هناك، وأشار بينيت إلى أنه سيعمل على حشد العالم، ولكن أكد على فكرة العمل الفردى، قائلاً: “إيران تعلم ما هو الثمن الذي نجنيه عندما يهدد أحد أمننا”.
وأكد وزير الجيش الإسرائيلي “بيني غانتس”، على أن قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، أمير على حجي زادة، هو الذي يقف وراء عشرات العمليات التي كانت ضالعة فيها طائرات بدون طيار وصواريخ في المنطقة، وأن والمسؤول المباشر عن عمليات إطلاق طائرات مفخخة بدون طيار هو “سعيد أراجاني”، الذي كشف اسمه في حديثه بمجلس الأمن لأول مرة.
ثم قام وزراء خارجية مجموعة السبع بالرد الفوري على الجانب الإيرانى، وذلك في بيان عن الهجوم على السفينة مرسير ستريت، حيث دعا الاتحاد إيران لوقف كل الأنشطة التي لا تتسق مع قرارات مجلس الأمن. كما صرّح رئيس وزراء بريطانيا، بأنه يجب على إيران مواجهة عواقب الهجوم “الشائن” على السفينة الإسرائيلية.
عليه ردت سفيرة وممثلة إيران في الأمم المتحدة، بأن إيران تحذر من أي مخاطرة أو حسابات خاطئة، حيث أن الجانب الإيراني لن يتوانَ في الدفاع عن نفسه وتأمين مصالحه الوطنية.
كما ردت السفارة الإيرانية في لندن على تقارير حوادث السفن في الخليج، بأنه “استنادًا إلى اتصالاتنا المباشرة في الخليج، لم يتم تأكيد أي معلومات عن حوادث جديدة لأي سفينة تجارية في المنطقة حتى الآن”، وأكدت على أن تضليل الرأي العام العالمي لتحقيق تقدم دبلوماسي في نيويورك، لعبة غير منصفة.
وصرّح قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال “علي رضا”، بأن العدو يعلم أن تحركاته مرصودة وفي حال قيامه بأي مغامرة سيتم الرد عليه بحزم، كما أشار رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي “وحيد جلال زادة”، إلى اتهامات الدول الغربية لإيران حول حادثة السفينة التابعة للكيان الصهيوني، مصرحًا بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تعير اهتماماً للاتهامات الفارغة، لكنها تقف بقوة في الدفاع عن مصالحها في أي مكان من العالم.
في المقابل أكد قائد القوات المسلحة البريطانية في تصريحاته، أن إيران ارتكبت خطأ كبيراً بمهاجمة السفينة الإسرائيلية، وأن بريطانيا ستسعى لاستعادة الردع.
وعلى النقيض جاءت تصريحات صدرت رسمياً من البيت الأبيض، تناشد بمواصلة الدبلوماسية مع إيران، وذلك بعدما كانت واشنطن تؤكد تواصلها مع أطراف دولية للرد الجماعي على إيران.
وعليه جاء تصريح من المتحدث باسم وزارة الخارجية “سعيد خطيب زاده”، بأن هناك اشتباها في حوادث أمنية متتالية لسفن في الخليج وبحر عُمان، وأن القوات البحرية الإيرانية مستعدة لتقديم خدمات الدعم البحري إذا لزم الأمر، وذلك من خلال الإعلان عن المساعدة، أما في حالة وجود مشكلة في أنظمة الملاحة، فإن إيران مستعدة للمساعدة والتحقيق في الأمر.
ثالثا: تدرج التصريحات الإعلامية
كانت التصريحات الإعلامية الإيرانية بالتلفزيون الإيراني، أكثر اتزاناً وانضباطاً في بداية الأمر ثم اتجهت تدريجياً إلى وتيرة التصعيد، وعبّرت عن الرؤية الرسمية للحكومة الإيرانية، ففي حين أعلنت هيئة العمليات البحرية البريطانية، أن الواقعة التي تمت في خليج عُمان ربما تكون حادثا خاطفا، ردت وسائل الإعلام الإيرانية بأنه هجوم تم على سفينة تجارية قبالة سواحل الفجيرة بالإمارات.
كما عرضت التايمز البريطانية خبر قيام طاقم الناقلة بإفشال محاولة اقتياد السفينة إلى إيران، مؤكدة أن القوات الإيرانية لاذت بالفرار، وذلك بعد وصول سفن حربية أمريكية وعُمانية إلى هناك حيث الواقعة.
وفي الوقت الذي نشرت فيه صحيفة التايمز، أن الحرس الثوري وراء اختطاف سفن في خليج عُمان على الأرجح، صرّح المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، من خلال وسائل الإعلام الإيرانية، بأن الأخبار المتناقلة عن زعزعة الأمن البحري وخطف سفن من مياه المنطقة، هي مجرد حرب نفسية وتهيئة لمغامرة جديدة، وأكد على أن القوات المسلحة الإيرانية تساهم في تأمين حركة الملاحة، ولديها إشراف تام على “التحركات المشبوهة”، وهي على أهبة الاستعداد للرد عليها.
لكن صحيفة “كيهان” الإيرانية، غرّدت خارج السرب وكتبت تقول إن إيران ستضرب الأسطول الأمريكي الخامس والقوات البريطانية في المنطقة، في حال تعرض الأراضي الإيرانية لأي عمل عسكري.
ومن ثم بدأت وسائل إعلام إسرائيلية عديدة، في استعراض تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي ذكر فيها أن إيران على بعد حوإلى ١٠ أسابيع فقط من الوصول إلى مواد نووية كافية، تسمح لها بتطوير قنبلة نووية.
وعرضت قناة الميادين اللبنانية الناطقة بلسان حزب الله الموالي لإيران نقلاً عن مصدر أمني إيراني، تصريحات أكثر حدة، ذكر فيها المصدر بأنه لا يجب على لندن وواشنطن وتل أبيب، أن ينسوا أو يتناسوا، أن إيران ستكون قادرة على إغلاق مضيق هرمز في غضون دقائق، كما يجب أن تعلم بعض الدول الرجعية، أن أي هجوم من أراضيها سيتم الرد عليه فوراً في قصورها، فالأيدي على الزناد في إيران، ويكفي أن يحاول أحدهم على سبيل التجربة.
وحذّرت وكالة سبوتنيك الروسية، على لسان مسؤول عسكري إيراني، من “مغامرة” يتم الإعداد لها.
فهل يعقل أن تستفز إيرانُ إسرائيلَ والولايات المتحدة والغربَ، دون أن يكون هناك هدف يستحق هذه المجازفة؟! بالتأكيد تلك أوراق ضغط يتم استخدامها لتعظيم الموقف التفاوضي في الجولة السابعة المرتقبة من مفاوضات فيينا.
رابعا: ظروف محيطة وأجواء متوترة
اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة أقصى الضغوط على الجانب الإيراني في عهد الرئيس الجمهوري السابق “دونالد ترامب”، لكن الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” جاء مُهادناً الجانب الإيراني، وظهر ذلك من خلال خطابة الإعلامي، ورفع جزء من العقوبات والعودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه في الوقت نفسه أراد مهادنة الجانب الإيراني من دون فرض الأخير شروط أو إملاءات.
وقد قدم تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، دليلاً قاطعاً على هذا الطرح، إذ قال إنهم مستعدون للعودة إلى فيينا لاستئناف المحادثات مع إيران، وأنه يجب على الإيرانيين اتخاذ قرار بشأن محادثات فيينا، فهم من يجب أن يقرروا مستقبل المحادثات، فالكرة الآن في ملعب إيران.
بالتالي اتضحت الرسالة، فالنظام الإيراني الذي يمر بأسوأ اختبار له منذ وصوله لسدة الحكم بعد الثورة الإيرانية عام 1979، وهو يعاني من أوضاع غير مستقرة تماماً: احتجاجات ومظاهرات في مدن مختلفة، أوضاع صحية متدهورة، حيث وصل الأمر إلى قيام رئيس جمعية نواب محافظة طهران “سيد رضا تقوي”، بالصراخ من أجل وضع حد لتفشي كورونا في البلاد، مصرحاً بأن وضع البلاد حَرج للغاية من حيث معدل تفشي كوفيد – 19، وأن نسبة الوفيات مرتفعة، مؤكداً على أن الوضع الحالي خطير جدًا وليس مُزحة، وقال إن الموت على بُعد خطوات، وذلك بعد أن تجاوزت إيران أربعة ملايين إصابة.
عليه قرر البرلمان الإيراني أنه لن يلتزم بالمادة ٢٠٢ بخصوص إمهال الرئيس أسبوعين لتشكيل الحكومة، ما يعني أن الحكومة ستتشكل الأسبوع المقبل، وذلك من أجل تسريع الذهاب إلى الجولة السابعة من فيينا، واحتواء الموقف.
ورغم توالي الأزمات التي مرت بها طهران خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنها استقوت ببكين لالتقاط أنفاسها وقد ازداد هذا الاستقواء يوماً بعد يوم، ووصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم من تعقيد ودراسة توجيه ضربة عسكرية في حالة فشل المفاوضات النووية.
ويشير التحليل الشامل للأمر إلى أن إيران تتبع نهجاً وسطاً لا يعرضها للخطر ويخلق الردع، وأن الإيرانيين يريدون العودة إلى الاتفاق، لكنهم يتفاوضون بطريقتهم الخاصة، ولعل “الهجمات البحرية في منطقة الخليج” أحد عواملها.
على الجانب الآخر، قامت المقاومة الإسلامية في لبنان، رداً على الغارات الجوية الإسرائيلية على أراضٍ مفتوحة في لبنان، بقصف أراضٍ مفتوحة في محيط مواقع الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا بعشرات الصواريخ من عيار ١٢٢ ملم، حيث تحاول إيران خلق نقطة توازن في الصراع الدائر وتخفيف الضغوط عليها، وبالتالي من المؤكد أن دائرة التصعيد تتسع لتشكل أطراف عديدة وبؤر عديدة، هنا قررت إيران رفع مستوى الخطر؛ لأنها تشعر أن هناك الكثير من الفراغ في منطقة الشرق الأوسط.
خامسا: حسابات القوة العسكرية في الإقليم
تشمل حسابات القوى العسكرية الأجنبية بتلك المنطقة، الوجود العسكري البحري في خليج عدن، وجنوب البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، كما يضع المخططون العسكريون، القوات الأجنبية، الموجودة في مناطق قريبة من القرن الإفريقي، وتتعاون مع القواعد الموجودة بالمنطقة، ضمن حسابات القوى الخاصة بالقرن الإفريقي، خاصة القوات الموجودة في الساحل الإفريقي والخليج والمحيط الهندي.
ويشمل الوجود العسكري في منطقة القرن الأفريقي، القوات البحرية الموجودة في المنطقة، سواء بشكل دائم، أوفي مهام مؤقتة، وأبرز جوانبها القواعد المنتشرة بالقرب من سواحل القرن الإفريقي، المطلة على البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن.
على الجانب الآخر، أصبح الخليج العربي أيضاً بؤرة جديد لمساحات استعراض القوة العسكرية، وأصبحت حروب الناقلات والسفن عنواناً بارزاً خلال الآونة الأخيرة، ما يؤشر إلى تزايد احتماليات المواجهة العسكرية المباشرة بين دول بعينها، أبرزها إسرائيل وإيران.
عليه يقوم وكلاء كلا البلدين وحلفائهما بالدخول على خط الأزمة، ما يزيد الأمور تعقيداً ويزيد المنطقة اشتعالاً، ونظراً لكثرة القواعد العسكرية وانتشارها في المنطقة، يعد ذلك مؤشرا خطيرا على صعوبة تحقيق الاستقرارالمستدام في تلك المنطقة، فالاستقرار الاستراتيجي يتطلب توازنا استراتيجيا.
لعل الحادثة الأخيرة، التي استهدفت فيها إيران ناقلة إسرائيلية في بحر العرب، والتصريحات الإسرائيلية التي تلتها حول التصعيد، لا تُبشّر بأي استقرار، إذ إن الحادث يأتي في توقيت خطير وحساس بالنسبة للجمهورية الإسلامية، التي تشهد احتجاجات ومظاهرات كبرى في أغلب مدنها، وربما هذا التصعيد يصب في مصلحة النظام الإيراني، من أجل تحويل بؤرة الاهتمام الإعلامي المحلي والإقليمي والدولي، من الاحتجاجات إلى التصعيد الإيراني الإسرائيلي.
وفيما يخص الجانب الإسرائيلي، فتلك فرصة جيدة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخص مسار مفاوضات فيينا، بالإضافة إلى الضغط على الجانب البريطاني أيضاً لا سيما وأن القتيلان على متن الناقلة الإسرائيلية، أحدهما يحمل الجنسية البريطانية.
وليس من نافلة القول إن هذه هي المرة الرابعة التي يتم فيها استهداف سفن وناقلات تخص إسرائيل، مما يشكل إحراجاً للتحالف الإسرائيلي الحاكم، الذي تضغط عليه الكتل اليمينية بالداخل من أجل كبح الطموح الإيراني وتحركات طهران الإقليمية.
سادسا: التوازن العسكري في الخليج العربي والقرن الإفريقى
ذكرت العديد من التقارير أن إسرائيل لديها وجود عسكري في إريتريا، وخاصة في مدينة مصوع، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية، ومراقبة الوجود الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى وجودها العسكري في جزيرة سقطرى باليمن.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي لإسرائيل، توجد بقواتها وقواعدها عسكرياً في منطقة القرن الإفريقي والخليج العربي، وذلك بهدف تحقيق غرضين، هما: مكافحة الإرهاب، ومكافحة القرصنة، حيث تمتلك قواعد عسكرية في أكثر من ٧ دول عربية في الخليج والدول المحيطة بها، إضافة إلى أعداد محدودة في دول أخرى، تقوم بمهام عسكرية محددة.
ولقد أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة خاصة بتلك المنطقة تحمل اسم القيادة المشتركة لمنطقة القرن الإفريقي “سي جي تي إف – إتش أو إيه”، التي تتخذ من “معسكر ليمونيه” في جيبوتي، مقرا لهاً.
بعد الحادث الأخير (استهداف السفينة الإسرائيلية في الخليج العربي) قام البنتاغون بإرسال حاملة الطائرات “رونالد ريغان” وسفن أمريكية أخري لمرافقة السفينة في حينها، وهو ما يستدعي الانتباه إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بالتهديد الإيراني لحرية الملاحة في البحر الأحمر أو الخليج العربي، ولا تهديد أمن الملاحة الإسرائيلية.
ومنذ حرب الخليج الثانية ١٩٩٠م، ازداد الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربى، وهذا الأمر صار طبيعياً، لكن اللافت للنظر هو الانتشار العسكري الإسرائيلي خلال العقد الماضي والحالي، في الخليج العربي ومنطقة القرن الإفريقى.
على الجانب الآخر، يمكن ملاحظة أن الوجود العسكري الإيراني بمفهومه الشامل، في تلك المنطقة لا يُضاهي الوجود العسكري الأمريكي/ الإسرائيلى، لذا فإن مسألة عدم التوازن العسكري لصالح الجانب الأمريكي/ الإسرائيلي ليست محلا للجدل، كما أن التحركات الإيرانية التصعيدية ستبدو وكأنها مغامرة غير محسوبة.
خاتمة ونتائج
بالرغم من أن القانون الدولي كفل حرية الملاحة وانسياب الحركة البحرية والتجارية بين الدول، من خلال قواعد صارمة، وحدد القانون البحري الدولي بشكل واضح حدود المياه الإقليمية لكل دولة، والحقوق والالتزامات المترتبة عليها، إلا أن مشهد التوتر الحإلى بين إسرائيل وبين إيران، بات يلقي بظلاله على الأمن الإقليمي والخليجي ومن ثم الأمن العالمي برمته، خاصة أنه يتعلق هذه المرة بتأمين الإمدادات النفطية من الدول المنتجة إلى نظيرتها المستهلكة للنفط.
وبالنسبة لمضيق هرمز فهو يُعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، وما زاد من أهميته في العصر الحديث هو اكتشاف النفط في الدول المحيطة به، كما اكتسب أهميته من كونه عنق الزجاجة في مدخل الخليج العربي، وبحكم أنه يربط بين الخليج العربي وبين خليج عُمان.
وتعتبر الحوادث الأخيرة في منطقة الخليج العربى، مثل استهداف ناقلتي النفط النرويجية واليابانية في خليج عمان، وأيضاً استهداف ناقلات النفط الخليجية، والتهديد الإيراني السابق بإغلاق مضيق هرمز، بمثابة تهديدات راهنة غير مسبوقة لأمن الطاقة، سواء بالنسبة لمنابع النفط أو طرق المرور على حد سواء، وذلك منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.
عليه فإن الاستهداف التخريبي لناقلات النفط في المياه الدولية، سيؤثر سلباً بالتأكيد، سواء على حركة الاقتصاد العالمي، أو مؤشرات التنمية المستدامة في العالم، وحتى بالنسبة للمخاطر البيئية التي قد تنجم عنها كوارث بيئية يصعب مواجهتها، إضافة إلى الهزات العنيفة للأسواق خاصة في الدول الصناعية والدول ذات الاستهلاك العالي للنفط والتي تعتمد بنسبة كبيرة على مصادر النفط من الخليج العربي.
ربما يصبح تدخل الناتو أو تحالف أمريكي/ أوروبي، حلاً لحماية تلك الممرات المائية بالتعاون مع إسرائيل التي أصبحت بشكل أو بآخر شرطي المنطقة، حيث تسارع إسرائيل إلى بسط نفوذها الاستراتيجي في تلك المنطقة بأشكال متعددة.
وبعد كل تلك الحوادث المتكررة من استهداف الناقلات واحتدام الصراع وتفاقمه، يبدو أن الأمور لن تصبح على ما يرام، وذلك يتضح من خلال التصريحات الرسمية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية.
وأخيرا يمكن استنتاج أن العملية الأخيرة التي قامت بها إيران صد السفينة الإسرائيلية، تبدو وكأنها عملية انتحارية كبرى، حيث أن هناك حالة استنفار كبرى في بحر العرب تجري على قدم وساق، ويبدو أن الأمور مرشحة للتصعيد، بشكل أو بآخر، وعلى دول الخليج العربي التعامل مع سيناريو (المواجهات البحرية المحتملة)، بقدر من اليقظة والمسئولية على المستويين الأمني والتكتيكي.