تعد الثورة الإيرانية أحد أهم الأحداث التي أدت إلى تغييرات هيكيلة في السياسات الدولية بمنطقة الشرق الأوسط؛ لذا كانت تلك الثورة التي بدأت في خريف 1977 محط اهتمام كل القوى الإقليمية من دون استثناء، لأن التقدير الاستراتيجي العام في ذلك الوقت بُني على أن تداعيات تلك الثورة لن تؤثر على إيران من الداخل فحسب؛ بل ستؤثر على علاقات إيران الخارجية وبالتالي على السياسات الخارجية للدول المتحالفة مع الشاه أو المعادية له، وعليه تابعت إسرائيل عن كثب تطورات تلك الثورة وكان لها مواقف منها، تحاول هذه الدراسة التعرض لهذه المواقف بالشرح والوصف والتحليل.
أولا: الإجراءات الإسرائيلية لمحاولة إنقاذ الشاه
تعتبر إسرائيل أول من توقع سقوط الشاه وذلك في أكتوبر 1977، ولذا أبرقت إلى سفارتها في طهران في ديسمبر تطلب إعداد تقرير حول ما قد يحدث إذا ما غادر الشاه طهران وعن الشخصية المرشحة لتولي مقاليد الحكم خلفه وكيفية التعامل معها(1)، وصرح الجنرال الإسرائيلي يهوشفاط هركابي في مارس 1978 أن وجود الشاه في إيران يعد قوة أساسية إضافية للقوة الإسرائيلية، فهو عدو لعدو الكيان، وأن خروجه من إيران سيخلف آثارًا سلبية تنعكس على العالم كله بشكل عام وإسرائيل بشكل خاص، ومن ثم أطلت استراتيجية شد الأطراف برأسها من جديد عام 1978، حيث رأت إسرائيل ضرورة إحيائها وتطويق البلاد العربية للحد من الخسائر الأمنية التي ستلحق بإسرائيل إذا سقط الشاه.(2)
لذا طلب دايان خلال زيارته الأخيرة لطهران في يونيو 1978 من لوبراني السفير الإسرائيلي في طهران إعداد تقرير حول الوضع في إيران، وبالفعل أعد تقريرًا رفعه لرئيس وزرائه في الثالث عشر من سبتمبر أشار فيه إلى أن الشاه سيتعرض في صيف 1978 لهزة عنيفة تزلزل عرشه، وأن المشكلة الرئيسة لا تكمن في كيفية نجاته من هذه الهزة بل في فترة بقائه في الحكم بعدها، ورأى أن الشاه سيسقط لا محالة.(3)
عليه حذرت الخارجية الإسرائيلية رعاياها في طهران وحثتهم على الاستعداد للخروج من طهران في أي وقت، وعندما عرض هذا التقرير على الخارجية الأمريكية رأت أن ذلك ناتج عن مخاوف لوبراني وشكوكه، ومع ذلك نسقت الخارجية الإسرائيلية مع نظيرتها الفرنسية لمراقبة أنشطة الخميني ومدى ارتباطه بما يحدث في إيران.(4)
من هذا التقرير يرى الباحث أن جهاز مخابراتي إسرائيل وفرنسا كانا على علم بهذه الثورة ومن المرجح أن تكون لتل أبيب دور فيها، رغبة منها في الإطاحة بالشاه وتغيير النظام نظرًا للتقارب الذي حدث بين الشاه وبين بعض الدول العربية وفي مقدمتها مصر وتحول سياسة الشاه تجاه إسرائيل وتصريحاته المعادية له في الفترة الأخيرة، فضلًا عن تأكد إسرائيل من أن الشاه سيسقط لا محالة ولذا سعى للبحث عن بديل آخر يمكن للتنسيق المسبق معه.
ولقد اختلف الساسة الإسرائيليون حول طريقة التعامل مع الأوضاع في إيران وانقسموا لفريقين:
الأول يرى أن الثورة ستنهار سريعًا وسيحل محلها نظام آخر من أنصار نظام الشاه ينادي بضرورة وجود علاقة مع الكيان.
الثاني برئاسة شارون ويرى ضرورة توجيه ضربة للثورة واقترح إرسال كتيبة من سلاح المظلات لسحق الثورة، ولكن رئيس الوزراء مناحم بيجين رأى أن مجموعة من المظليين لن تتمكن من الانتصار على الشعب الإيراني، ورأى العديد من الخبراء الصهاينة أن تهاون الشاه وليونته في التعامل مع المتظاهرين وامتناعه عن أمر الجيش بذبحهم هو ما أدى لسوء الأوضاع هناك.(5)
وعلى الرغم من معارضة بيجين لفكرة إرسال فرقة مظليين لقمع المتظاهرين إلا أن صحيفة كيهان الإيرانية الرسمية أشارت في عددها الصادر في الثاني والعشرين من يونيو 1979 إلى أن إسرائيل أرسلت كتيبة كوماندوز مكونة من ثلاثمئة جندي مدربين على قتال الشوارع لطهران بقيادة رحبعان زئيفي وقد نُقلت بواسطة طائرات العال وارتدت زي الجيش الإيراني وانضم إليها الخبراء العسكريون الصهاينة الموجودين في إيرن، وروجت الحكومة الإيرانية إلى أنها فرقة من إقليم بلوشستان للتغطية على حقيقتها(6)، ومع أن الفرقة الإسرائيلية حاولت إخفاء طابعها إلا أن الخميني في السابع عشر من سبتمبر 1978 أصدر تصريحا اتهم فيه إسرائيل بالاشتراك في قمع الثورة الإسلامية، وأن “السلطات الإيرانية استنجدت بفرقة من الكوماندوز الإسرائيلي لحصد أرواح الشهداء المسلمين أتباع القرآن العزل من السلاح”.(7)
ونتيجة لاتهام الخميني تل أبيب بالمشاركة في قمع الثورة فقد أرسلت الخارجية الإسرائيلية تقريرًا سريًا لكل سفارتها في الخارج أشارت فيه إلى أن تصريحات الخميني بخصوص الفرقة الإسرائيلية أصبحت أشد عدوانية، فهو يرى أن جنوداً يهودًا يساعدون الشاه، وأن اليهود يأتون إلى إيران ليحلوا مكان العمال المضربين في صناعة النفط، وعليه فإن الخميني أباح دماء هؤلاء اليهود(8)، إلا أن عضو الكنيست الإسرائيلي إيجال يادين رفض هذه الاتهامات مؤكدًا أن الفرقة كانت تضم ثلاثمئة خبيرًا إسرائيليًا وليسوا جنودًا، وأنها لم تتجه لطهران إلا بعد إعلان حالة الطوارئ في سبتمبر 1978(9).
مع ذلك سيرت تل أبيب جسرًا جويًا من مطاري اللد ورامات دافيد العسكريين إلى طهران لنقل معدات عسكرية حديثة تحتوي على غازات مسيلة للدموع وغازات أعصاب تستخدم في تفريق المتظاهرين من دون قتلهم، فضلًا عن إرسال وحدات خاصة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي أمان المدربة على مواجهة المظاهرات وتفريقها حيث أصدر أوامره بإطلاق النار على المتظاهرين الإيرانيين لإخماد الثورة(10).
علاوة على مشاركة مجموعة من الصهاينة المستشارين للشاه وكذلك التنظيم الذي شكله يهود إيران للدفاع عن أنفسهم في التصدي للثوار وإطلاق النار عليهم، كما سلحت إسرائيل مجموعة كبيرة من اليهود الإيرانيين والبالغ عددهم حوالي خمسة وعشرين ألف يهودي استخدمتهم في قمع المتظاهرين، بالإضافة لمجموعات عسكرية إسرائيلية أخرى تمكث في بندر عباس وعبدان على بعد حوالي ألف وثلاثمئة كيلو متر من طهران وكانت على استعداد للتدخل في أي وقت لتفريق المتظاهرين(11)، فضلا عن إرسال إسرائيل فرقة خاصة من الجيش الإسرائيلي لحماية الشاه من الاغتيال على يد الناقمين عليه من جيشه.(12)
بناء على ما تقدم يمكن القول إن التحركات الإسرائيلية لمحاولة إنقاذ الشاه من السقوط برهنت على عمق العلاقة بين الشاه وبين إسرائيل إذ إن سقوط الشاه عنى خروج إيران من التحالف مع إسرائيل ومجيء نظام إسلامي جديد يتمتع بعلاقات قوية مع العام العربي ما يعني وضع إسرائيل بين فكي كماشة، فضلًا عن تقوية الجبهة الشرقية للوطن العربي وهو ما يجعل إسرائيل في خطر دائم، بالإضافة إلى أن النظام الجديد سيقطع إمدادات النفط عن تل أبيب وكذلك العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما وهو ما يسبب خسائرة فادحة للكيان سواء على المستوى الاقتصادي أم العسكري أم الاستراتيجي ولذا استماتت إسرائيل في الدفاع عن الشاه، كما أن سرعة تسليح إسرائيل لليهود الإيرانيين يدل على تغلغله في إيران لا سيما في المجال الأمني، وأنه كان يسلح الجالية الإيرانية في الخفاء تحسبًا لأي ظرف.
على مدى نحو 15 شهرا حاول الشاه مهادنة الشارع الإيراني فأصدر عده قرارات منها إلغاء العمل بالتقويم الفارسي والعودة للتقويم الإسلامي، فضلًا عن استعداده العمل بالمادة الثانية من الدستور والتي تسمح للعلماء بمراجعة القوانين قبل إصدارها رسيما، وإقالة الجنرال نعمة الله نصيري رئيس جهاز السافاك وتعيين الجنرال ناصر مقدم مكانه، وأجرى تغييرًا وزاريًا تولى بموجبة الجنرال غلام رضا أزهري خلفًا لشريف إمامي(13).
بناءً على نصيحة من براون العضو في السفارة الإسرائيلية بطهران اجتمع لوبراني في السابع من ديسمبر 1978 مع جورج بول George Ball الذي عينه الرئيس الأمريكي في الخامس من ديسمبر 1978 لمعالجة الوضع في إيران، وأكد لوبراني على مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة في الحفاظ على الشاه، ليس لكونه مثاليًا بل لأنه أفضل السيئين، واستطلع لوبراني رأي بول عما إذا كانت الولايات المتحدة أجرت اتصالًا مع الخميني، إلا أن بول نفى ذلك وسأل لوبراني عن مدى إمكانية إجراء الجنرال أزهري اتصالات مع الخميني، ولكن لوبراني رفض ذلك ولكنه نصح بتوسط شيخ الأزهر الشريف من مصر لما يتمتع به من مكانه في الأوساط الإسلامية، فتعجب بول من فكرة لوبراني كونه يهوديًا ولكنه أشاد بها.(14)
في تلك الفترة بدا أنه من الواضح أن الجانب الإسرائيلي أراد أن يستخدم عواطف الإيرانيين الإسلامية ومدى تعلقهم بالأزهر الشريف لإنهاء الثورة ولذا نصح الأمريكان باللجوء لاستخدام الأزهر الشريف، كما أن رفض لوبراني لفكرة اتصال أزهري بالخميني تأتي من كون الأول من أنصار الشاه المعاديين للخميني ولذا فضل لوبراني أن يكون الوسيط ليس على علاقة بالشاه.
لم يكن اختيار غلام رضا أزهري صائبًا لكونه طاعنًا في السن وعلى وشك الخروج من الجيش، وشعرت السفارات الأجنبية في إيران أن الوضع لا يبشر بالخير فعملت على إجلاء رعايها تدريجًا، ولا سيما السفارة الإسرائيلية التي بدأت في السادس من نوفمبر 1978 في إجلاء عائلات الدبلوماسيين اليهود وحث باقي اليهود على الخروج من إيران.(15)
نتيجة للوضع المتأزم في إيران وضعت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية عدة سيناريوهات للخروج من الأزمة تتمثل في قيام الشاه بإجراء بعض التعديلات الدستورية التي تسمح بمنح الشعب قسطًا من الحرية، أو أن يضرب الشاه بيد من حديد ويستخدم الجيش في إخماد الثورة، أو أن قيام انقلاب عسكري يطيح بالشاه ويأتي بجنرال مسلم يكون رئيسًا للجمهورية الإيرانية شريطة أن يكون موالٍ للغرب، أو أن يأخذ الشاه إجازة طويلة على أن يشكل مجلس وصاية تتولى رئاسته الإمبراطورة فرح ديبا، فإذا حدث تحسن في الأوضاع يعود الشاه وإذ لم يحدث تستمر الأمبراطورة في الوصاية إلى أن يصل ولي العهد لسن الرشد، وقد لاقى الرأي الأخير قبول إسرائيل ولكنه لم ينفذ على أرض الواقع.(16)
كانت الأسباب مهيئة لأن تتخلى الولايات المتحدة وإسرائيل عن الشاه منها سياسته الشاه المعادية للغرب فيما يخص تصدير النفط إذ إن الحاجة للنفط تزداد يومًا بعد يوم وأن هذا سيؤدي لحرب عالمية بنهاية القرن العشرين، وأنه إذا ضخت السعودية كل بترولها للغرب فإنه سينضب وأن الغرب سيكون بحاجة للنفط بعد ثلاث أو أربع سنوات ولذا دعا لخفض الإنتاج والاستهلاك، فضلًا عن تصريحاته التي أزعجت إسرائيل فيما يخص النفط حيث أشار في تصريحاته حول هذا الموضوع أن إيران ستقطع النفط عن إسرائيل في ضوء العقوبات الشاملة التي تفرضها الدول العظمى على إسرائيل لإبداء قدر من المرونة حول المفاوضات مع الجانب المصري.(17)
ثانيا: انقلاب إسرائيل على الشاه ودعم الخميني
لما أيقنت الولايات المتحدة وإسرائيل أن سقوط الشاه أصبح لا مفر منه أوعزتا لإعلامهما بمهاجمة الشاه، ولذا طالب الإعلام الغربي والإسرائيلي الشاه بالخروج من إيران لإنقاذ البلاد، وعلى الرغم من أن إسرائيل كانت تفضل فكرة تولي فرح ديبا الوصاية لحين وصول ولي العهد لسن الرشد، إلا أن الإعلام الإسرائيلي أخذ يمجد ويشيد ويرفع من شأن الخميني، ويظهره على أنه المنقذ الوحيد للبلاد، كما طالب الاعلام الغربي والإسرائيلي بحقوق الإنسان في إيران وطالبا بمنح الإيرانيين حريتهم في التعبير عن رأيهم، وانتهز بيجين الفرصة وحث الغرب على تقوية إسرائيل باعتبارها الأكثر ديمقراطية في المنطقة.(18)
علاوة على ما سبق عملت إسرائيل على بث برنامج موجه باللغة الفارسية للشعب الإيراني لخدمة الخميني وبث خطبه ونداءاته للإيرانيين بطريقة لا تثير الشبهات حول دعم إسرائيل له.(19)
وهاجمت صحيفة معاريف في أحد أعدادها الشاه ووصفته بأنه كان أسطورة ولكن بدون أن يكون له دور فعال، وأنه أراد أن يجعل من إيران دولة حديثة على النمط الغربي ولكن بأساليب العصور الوسطى، وأنه كان حاكما مستبدا أوتوقراطيا لم يتبع الوسائل الحديثة لحكم شعبه، وأنه إذا كان سار على نمط التجربة الإسرائيلية لكان مصيره غير ذلك.(20)
يرى الباحث أن المقترحات التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة لحل الأزمة الإيرانية هى بداية التخلي عن الشاه فلو كان موقفهما ثابتا ومستقرا على دعم الشاه لما حاولا وضع هذه السيناريوهات ولتمسكا بدعم الشاه سواء سياسيًا أو إعلاميًا من خلال تزيين صورة الشاه على المستوى المحلي والدولي أو اقتصاديًا لتحسن الأوضاع الاجتماعية للشعب أو عسكريًا لدعم الشاه في مواجهة الثوار ولكن الشاه بالنسبة لهما أصبح ورقة محروقة، ومن المرجح أن يكون التغير الذي طرأ على الموقف الأمريكي الإسرائيلي المعادي للشاه هو تواصلهما مع الخميني في فرنسا والتنسيق معه لتولي الدور في إيران حتى يصبح الخميني هو الرجل الإيراني المنشود لأمريكا ولإسرائيل، كما انتهزت إسرائيل فرصة تدهور الأوضاع الإيرانية وطلبت أن تتولى مكانة إيران في المنطقة أي أن تصبح شرطي المنطقة خلفًا لها وهو ما يجعل الغرب يدعم إسرائيل في مواجهة العرب أو على أقل تقدير يرفع من القدرات العسكرية والاقتصادية لها.
وفي محاولة من الشاه لانقاذ الموقف قام بعزل أزهري وعين شاهبور بختيار في الثالث عشر من يناير 1979 ووضع شاهبور شرطين لقبول المنصب:
الأول مغادرة الشاه للبلاد فترة من الزمن.
الثاني إعطاء بختيار صلاحيات استثنائية لإجراء التعديلات المطلوبة من الثوار.(21)
وخلال منح البرلماني الإيراني الثقة لشاهبور أكد الأخير أنه طالما لم تعترف إسرائيل بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني فلن ينال قطرة نفط واحدة ولن تقيم إيران علاقات دبلوماسية معه، فضلًا عن تشكيل الشاه مجلس وصاية من تسعة أعضاء ضم رئيس الحكومة ورئيس مجلس الشيوخ والبرلمان والمحكمة العليا وبعض الأشخاص ذوي الانتماء الملكي، وبعد التوقيع على القرار غادر الشاه طهران متجهًا لمصر في السادس عشر من يناير 1979.(22)
وتباينت ردود فعل إسرائيل على الثورة فصرح أحد مسؤوليها لصحيفة كريستان ساينس مونتير بأن سقوط الشاه لم يؤد إلى أي تغيير في العلاقات مع إسرائيل لأن تصريحات الخميني اللفظية المعادية للكيان لم تتعد الكلام ولم تترجم لفعل.(23)
ورأى بعض الساسة في تل أبيب أن الثورة ستكون تجربة عابرة ولن تستمر طويلًا وعليه يجب على إسرائيل مواصلة علاقاتها المختلفة بحذر شديد مع القوى الحليفة للكيان في إيران والاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط الخميني، في حين وجد البعض الآخر في الثورة قلبًا للأوضاع رأسًا على عقب وأن قطع العلاقات بينهما سيستمر طويلًا.(24)
وأكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقرير لها في السابع من يناير 1979 بأنه لا يجب على إسرائيل الوقوف مكتوفة الأيدي عما يدور في إيران لما في ذلك من خلل في ميزان القوى العالمية وهو ما ينعكس سلبًا على مكانة إسرائيل في المنطقة(25)، كما أشارت صحيفة هاتسوفيه إلى أنه أيا كان النظام الذي سيتولى مقاليد الحكم في إيران خلفًا للشاه فإنه سيكون الأسوأ، بينما صرحت صحيفة الجيروزلم بوست بأن قيام الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه لن يؤثر على الوضع الجغرافي والسياسي في منطقة الخليج فحسب بل سيخل بالتوازن الدولي ككل.(26)
ووصف موشى دايان وزير دفاع إسرائيل في تصريحات صحفية أن الثورة زلزال عظيم له أثر سيء على الكيان، وأنها ستزيد من التهديد العسكري له من جبهتيه الشمالية والشرقية(27)، وأردف بأن النظام الذي سيأتي لإيران لن يكون عنده الخبرة الكافية في إدارة سياسته الخارجية، ولكنه يدرك مدى أهمية توثيق العلاقات مع الكيان، وأن وجود نظام إسلامي على رأس الحكم في إيران سيدعم بالضرورة المنظمات الفلسطينية وهو ما سينعكس سلبًا على تل أبيب.(28)
وفي خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون Harold Brown للكيان الإسرائيلي في فبراير 1979 التقى مع نظير الإسرائيلي عيزرا وايزمان، وصرح الأخير بأنه من المحتمل أن تتولى إيران دورًا في مجموعة الدول المعادية للكيان بعد خروج مصر منها، بينما أكد أهارون ياريف بأن إيران لن تهاجم إسرائيل بطائرات إف -14 F-14 ولكنها ستكون على المدى الطويل عضوًا في التحالف العربي الإسلامي المعادي للكيان.(29)
وقتها أدرك بيجين خلال حديثة مع كارتر في الثاني عشر من مارس 1979 أن الثورة الإسلامية في إيران هي عودة للعصور الوسطى ولا تبشر بالخير نظرًا لما لها من آثار سلبية على عملية السلام في الشرق الأوسط، علاوة على قطع البترول الإيراني عن الكيان.(30)
وعلق شمعون بيرس على الثورة بأنها من أكثر التطورات خطورة مرت على إسرائيل في الفترة الأخيرة، في حين علق ‘سحاق رابين بأنها ضربة قوية للكيان لأنها جاءت في وقت لا يسمح بإقامة خط دفاع غربي محوره مصر والسعودية وإسرائيل بديلًا لإيران.(31)
وفقًا لتصريحات حاييم شيفد عميد معهد العلوم الدينية في تل أبيب أنهم لم يتفاجئوا بالثورة الإيرانية نظرًا لأن الدراسات التي أجريت في الفترة الأخير حول الأوضاع في إيران أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل ستواجه موجة إسلامية في إيران وسيكون لها أثر سيء عليها.(32)
وبدأت إسرائيل تنظر لإيران على أنها مجتمع متخلف شديد التدين معادي لها ولليهود مثل باقي دول الشرق الأوسط، وما زاد الطين بله أن هذه الثورة وقعت في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للكيان حيث تزامنت مع معاهدة السلام في كامب ديفيد مع مصر.(33)
وأكد ديفيد قمحي أن إيران وإسرائيل كانتا تربطهما علاقات وثيقة وحميمة ولا يمكن إلقاء هذه العلاقات من النافذة، لذا فإن إسرائيل ستبذل كل ما بوسعها لإحيائها مرة أخرى.(34)
وذكر الجنرال أهارون ياريف مدير شعبة الاستخبارات الإسرائيلية السابق أن وجود إيران بقوتها وسطوتها تؤدي دورًا لا يستهان به في تعزيز الوجود الإسرائيلي في المنطقة نظرًا لعلاقة التقارب بينهما، وأن هذا التقارب يحتم على إسرائيل ضرورة بقاء الشاه في الحكم، وليس هذا فحسب بل عليه دعمه ومساندته في مواجهة أية محاولة تقوم بها القوى الإسلامية المعادية للكيان والتي تحاول الانقضاض على حكم إيران.(35)
واستطرد بأن بلاده ستكون الخاسر الأكبر من هذه الثورة، كما أشار الباحث الإسرائيلي يوسف نيفو في ندوة أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب إلى أن نتائج الثورة في إيران على إسرائيل لن تقتصر على مجال بعينه بل ستشمل كل المجالات سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية.(36)
ورأى حجي رام الناقد الإسرائيلي أن إسرائيل كان بحاجة إلى تهديد وجودي من أجل السيطرة على الصراع الداخلي والحفاظ على الوحدة داخل الشعب الإسرائيلي، وبعبارة أخرى أنه لو لم يكن الخميني موجودًا، لكان على إسرائيل أن تخترعه إذ أدى توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وبين إسرائيل بوساطة أمريكية إلى صدمة للصهاينة نتيجة جلاء إسرائيل عن سيناء مقابل السلام، وعليه كانت إسرائيل في حاجة لخلق عدو جديد يمكن من خلاله توجيه أنظار الشعب الإسرائيلي نحوه وصرف نظره عن اتفاقية كامب ديفيد، وعليه قدمت الثورة الإيرانية خدمة كبيرة للكيان.(37)
رأى بعض الخبراء الاستراتيجيين الصهاينة أن النظام الجديد سيحكم قبضته على الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز وسيكون أكثر هيمنة عليه من مرحلة الشاه، ولكن في النهاية سيلجأ لتعاون سري مع إسرائيل لا محالة.(38)
ويرى بعض الصهاينة أن إسرائيل كان لها دور في قيام الثورة في إيران لأن الجيش الإيراني في عهد الشاه كان في طريقه لأن يصبح القوة العسكرية الخامسة في العالم، وهو ما يهدد بقاء إسرائيل إذا ما وصل قائد عسكري إيراني قوي مثل عبد الناصر للحكم، ولذا فضل القضاء على هذه القوة من خلال خلق ثورة إسلامية تأتي بشخصية ليس لديها خبرة عسكرية وتهتم بالأمور الدينية يمكن من خلالها إشعال نار الفتنة الطائفية وتقضي على الجيش الإيراني.(39)
وصرح إسحاق شامير بأن إسرائيل مهتمة جدًا بإقامة تحالف استراتيجي مع إيران الثورة على الرغم من عدم وجود تقارب بين النظام الجديد وبين الكيان.(40)
وأكد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية ايتان بن تسور على عدم وجود أي خلاف أو خصومة بين إيران وبين الكيان، وهذا ما أكد عليه ديفيد ليفي الذي شغل منصب وزير خارجية إسرائيل في عهد حكومة نتنياهو إذ أكد على أن إسرائيل لم تقول يومًا بأنها عدو لإيران، فهناك مصالح استراتيجية مشتركة بينهما وأن العرب أخطر من إسرائيل على إيران، فإسرائيل لم ولن تكون عدو لإيران.(41)
كما أكد رئيس وزراء إسرائيل خلال زيارته لواشنطن في الخامس والعشرين من فبراير 1987 أنه يجب على إسرائيل المحافظة على العلاقات التقليدية بين إسرائيل وبين المؤسسة العسكرية الإيرانية، وأشار الباحث الصهيوني بيت هيلاهمي إلى أن إسرائيل لاتزال تأمل في إقامة تحالف استراتيجي يجمعها مع تركيا وإيران، نظرًا لأن العداء بين إسرائيل وبين العرب سيستمر وأن إسرائيل تبحث عن موطئ قدم لها في إيران وأنه يرى في العقبات الأيدولوجية خطرًا أقل من العقبات القومية التاريخية التي يعتقد بها العرب.(42)
خاتمة
مما سبق يتضح أن وجهات نظر المسؤوليين الصهاينة اختلفت عن وجهات نظر المحللين والخبراء، بحيث يمكن القول إن المسؤولين وجدوا في الثورة الإيرانية خطر على إسرائيل لأن وجود نظام إسلامي على رأس الحكم في إيران سيكون قوة إضافية للعرب وتصبح إسرائيل بين فكي كماشة وهما: إيران والعرب، فضلًا عن الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بإسرائيل نتيجة قطع العلاقات والتي ستؤدي بدورها إلى وقف تصدير المنتجات الإسرائيلية لإيران سواء أكانت منتجات استهلاكية أو عسكرية، كما أن الثورة ستشكل خطرًا على سير المفاوضات المصرية ـ الإسرائيلية نظرًا للدور الفعال الذي كان يقوم به الشاه نتيجة تقاربه مع السادات والكيان، بينما وجد المحللون والخبراء أن هذه الثورة كانت بعلم من إسرائيل وأن لتل أبيب دور فعال فيها وذلك للقضاء على القوة الإيرانية التي لم تخض حربًا ولم تخسر شيئًا لذا سعت إسرائيل لأن تتولى حماية الأمن الإقليمي بدلا من إيران الشاه لتثبت للغرب بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة أنها مؤهلة لتولي الدور مكان إيران، كما وجد قادة إسرائيل أن الثورة لا تشكل خطرًا على بلادهم لأن النظام الإسلامي في إيران لن يصمد طويلًا وأنه على إسرائيل الاستعداد لتجهيز بديل، وأن وجود نظام إسلامي شيعي في إيران كفيل لنشر الطائفية في ربوع البلاد العربية؛ ما يؤدي بدوره إلى نشر الفوضى الداخلية في تلك الدول وهو ما يصب في مصلحة الكيان بالمقام الأخير.
ـــــــــــــــــــــ
1- أحمد مهابة: إيران بين التاج والعمامة، دار الحرية، القاهرة، 1989، ص484.
2- إياس فرج: أبعاد الموقف الإسرائيلي من التطورات الجارية في إيران، مجلة آفاق عربية، العدد 6، بغداد، يونيو 1979، ص7.
3- أرشيف دولة إسرائيل، العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية 1960 – 1979، تقارير البعثة الدبلوماسية في طهران عن نشاطات الخميني وصعوده إلى السلطة، من لوبراني إلى مدير مكتب رئيس الوزراء، طهران، 13 يونيو 1978.
4- غلام رضا نجاتي (ترجمة عبد الرحيم الحمراني): التاريخ الإيراني المعاصر، إيران في العصر البهلوي، دار الكتاب الإسلامي، إيران، 2008، ص ص750-751.
5- إسرائيل شاحاك (ترجمة عادل خير الله): أسرار مكشوفة التسلح النووي والسياسة الخارجية الإسرائيلية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2001، ص84.
Behrang Vameghi Vessali; Iranian-Israeli relations in light of the Iranian Revolution، the Degree of the Master of Arts، The University of Texas، Austin، 2010، P.8.
6- فتحي عبد العزيز: الخميني الحل الإسلامي والبديل، المختار الاسلامي للنشر، مصر، 1979، ص48.
7- نبيلة محمود ذيب مليحة: السياسة الأمريكية تجاه إيران (1945 – 1981م)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب جامعة غزة، فلسطين، 2012، ص245.
8- أرشيف موقع قناة المنار: 7/2/2014.
9- عبد العزيز فتحي: مرجع سبق ذكره، ص119.
10- عادل محمد حسن العليان: التغلغل الإسرائيلي في إيران 1941-1979، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد، 2003، ص ص 207-208.
11- إلياس فرج: مرجع سابق، ص9.
12- جاسم إبراهيم الحياني: التغلغل الإسرائيلي في إيران وأثره على الأمن الوطني العراقي 1950-1967، دار الأوائل للنشر والتوزيع، دمشق، 2006، ص204.
13- طلال مجذوب: إيران من الثورة الدستورية حتى الثورة الإسلامية 1906-1979، دار بن رشد للطباعة والنشر، بيروت، 1980، ص ص 414-415.
14- شموئيل سيجف: المثلث الإيراني.. العلاقات السرية الإسرائيلية ـ الإيرانية ـ الامريكية، ج1، ط3، دار الجليل، عمان ، 2016، ص ص42-43.
15- شموئيل سيجف: المرجع السابق، ج1، ص36.
16- محمد حسنين هيكل: مدافع آية الله قصة إيران والثورة، ط6، دار الشروق، القاهرة، 2002، ص ص 198-199.
17- جاسم إبراهيم الحياني: مرجع سابق، ص ص195-197.
18- دياب نبهان: نظرة في العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية، دائرة الشؤون الثقافية والنشر، العراق، 1983، ص16.
19- جاسم الحياني: مرجع سابق، ص212.
20- حسن محمد طوالبة: مناقشة في النزاع العراقي ـ الإيراني، الوطن العربي للنشر، بيروت، 1984، ص69.
21- طلال مجذوب: مرجع سابق، ص416.
22- شموئيل سيجف: مرجع سابق، ص55.
23- منسي سلامة، حافظ عبد الاله: التعاون التسليحي الإيراني الإسرائيلي، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، العراق، 2017، ص15.
24- أحمد نوري النعيمي: السياسة الخارجية الإيرانية 1979-2011، دار الجنان للنشر والتوزيع، السودان، 2012، ص ص526-527، وص 530.
25- توفيق فياض: إسرائيل الخاسر الأكبر من ثورة إيران، مجلة شؤون فلسطينية، العددان 87-88، بيروت، فبراير مارس 1979، ص258.
26- فتحي عبد العزيز: مرجع سابق، ص120.
27- محمد السعيد إدريس: تطوير العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 2002، ص228.
28- جاسم إبراهيم الحياني: مرجع سابق، ص211.
29- جون كولي (ترجمة عاشور الشامي): الحصاد، ط4، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1992، ص75.
30- سمير بهلوان: قراءة في الحرب العراقية – الإيرانية 1980، مجلة دراسات تاريخية، العددان 91-92، كانون الأول، دمشق، 2005، ص264.
31- حنة شاهين: ردود الفعل الإسرائيلية على الثورة الإيرانية، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 96، فلسطين، 1979، ص38.
32- جاسم إبراهيم الحياني: مرجع سابق، ص209.
33- Behrang Vameghi Vessali; Op.Cit. P .48.
34- أمينة حسين سالم نصار العريمي: أثر العلاقات الإسرائيلية الإيرانية على المصالح العربية (1979-2017)، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية، جامعة النيلين، الخرطوم، 2014، ص247.
35- إلياس فرج: مرجع سابق، ص ص7-.8
36- عادل العليان: مرجع سابق، ص209.
37- Behrang Vameghi Vessali; Op.Cit. P. 49.
38- جاسم إبراهيم الحياني: مرجع سابق، ص210.
39- صادق زيبا كلام (ترجمة هويدا عزت محمد): الثورة الإسلامية في إيران الأسباب والمقدمات، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004، ص100.
40-Jawad M. A. El-Hamad; The Arab Gulf countries and the Arab- Israeli conflict: the linkages and dynamics (1970-2000). Masters thesis ,Durham University.UK 2004.P.54.
41- نسيم بهلول: في العمق الإسرائيلي للقوة الإيرانية سراب القوة، ابن النديم للنشر والتوزيع، الجزائر، 2014، ص69.
42- عبد العزيز الدوري وآخرون: الوحدة العربية تجاربها وتوقعاتها، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1989، ص694.