تقلد الرئيس الإيراني حسن روحاني ولايتين رئاسيتين، ومع أعتاب نهاية ولايته الثانية وفي ظل عدد من المتغيرات الكبرى في بيئة السياستين الداخلية والخارجية لإيران، يبرز سؤال: هل يمكن أن تشكل السنوات الثماني لروحاني درسا للرئيس الإيراني المقبل، محافظا كان أو إصلاحيا أو حتى معتدلا؟!
الإجابة عن هذا الطرح تقتضي أولا شرح أبعاد موقف الرئيس روحاني داخليا ومعادلات وجود نظير له في السلطة من حيث المبدأ صيف العام 2021، قبل محاولة التوصل إلى نتيجة لعلامة الاستفهام الكبرى حول مصير خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي”، بعد انتخاب “الديمقراطي” جوزيف بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
في السنوات الثماني الماضيات حاول روحاني ـ جادا ـ إحداث اختراق حقيقي في الاقتصاد الإيراني وفي معادلات القوة داخليا عن طريق وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي، وتعديل إطار العمل القانوني للاستثمار في البلاد، وتعزيز الانضباط المالي العام الذي كان مفقودا كليا إبان عهد سلفه محمود أحمدي نجاد الذي كان يوزع المنح على الفقراء في القرى نقدا ومن دون حوسبة مؤسساتية.
”
غير أن هذا “الطموح الروحاني” قوبل بحوائط صد منيعة من جانب جماعات المصالح المالية الداخلية تلك المتمثلة في شركات الحرس الثوري المسيطرة على نصيب وافر من اقتصاد البلاد، في الوقت الذى لاقت فيه هذه القوى إسنادًا كبيرا من جانب مؤسسة المرشد صاحب الصلاحيات الأوسع دستوريا بالجمهورية الإسلامية.
“
عليه لم ينجح حسن روحانى فى خلق مناخ مغاير للاقتصاد الإيرانى اللهم إلا فى مسألتين، وهما:
أولا: تحرير سعر الوقود ورفع الدعم عن الطاقة، وهو ما أفرز حالة من التبرم والتذمر أنتجت اندلاع “انتفاضة البنزين” في نوفمبر 2019.
ثانيا: إبرام صفقة الاستثمار فى المرحلة الحادية عشرة بحقل بارس الجنوبي مع شركة توتال الفرنسية التي تخارجت من الصفقة بعد أن قرر ترامب نبذ الاتفاق ووقع العقوبات على إيران بدءا من مايو 2018.
غير هذا منيت إدارة روحاني بهزائم اقتصادية كبرى تمثلت في إفلاس عدد من شركات المال والبنوك في الأقاليم الإيرانية غير المركزية، وخروج مظاهرات من مواطنين يطالبون بأموالهم، فضلا عن حادث اقتحام بورصة طهران وتحطيم المواطنين مقر البورصة من الداخل بعد خسارات كبيرة تكبدوها في قيمة أسعار الأسهم.
دون هذا وذاك يعد النجاح الأعظم لحسن روحاني في ولايته الأولى هو التوصل إلى توقيع “الاتفاق النووي” مع العالم في نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015م، ولقد كان روحاني يأمل بعد تلك المفاوضات الماراثونية أن يؤدي توقيع هذا الاتفاق إلى تحرير الاقتصاد الإيراني وفك الحظر عن الودائع الإيرانية بالكامل في بنوك الغرب ومن ثم اندماج إيران في النظام المالي العالمي وتحرير قطاعات الاقتصاد وإطلاقها كمارد مكتمل القوة إلى الإقليم والعالم.
كان روحاني يأمل في استقطاب ما بين مئة إلى 185 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية في قطاع النفط والغاز وقطاعات أخرى بطبيعة الحال ظلت راكدة طيلة الأربعين عاما، بما يؤدي ـ في مخيلته ـ إلى تخطي مبلغ 157 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية الذى توقّع محمد باقر نوبخت، مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الإشراف والتخطيط الاستراتيجي، حصول إيران عليه، غير أن طهران لم تحصل إلا على قرابة 8 مليارات دولار فقط ـ على أقصى تقدير ـ ولم تنفذ ألمانيا الصفقات المتفق عليها مع حكومة رجل الدين “المعتدل”.
هكذا واجه “الشيخ” حسن روحاني لحظة الحقيقة داخليا وبات الموقف الخارجي الذى يعتمد عليه لتقوية موقفه داخليا بالغ الضعف، وتلقى بالفعل عددا من الهزات العنيفة، أفقدته صدقيته ومركزه السياسي لدى قطاعات كبيرة من الناخبين، خاصة أولئك الشبان الذين احتشدوا أمام الصناديق لمنحه بطاقات الولايتين الأولى في صيف 2013 ثم الثانية في صيف 2017.
ما زاد الأمر سوءا بالنسبة لروحاني هو حزم العقوبات المتتالية ـ بمعدل حزمة كل أسبوع ـ تلك التي وقعتها الإدارة الأمريكية على إيران، في وقت صدّر فيه روحاني خطابا مبنيا على أن إعادة انتخابه هي الضامن الوحيد لعدم توقيع عقوبات إضافية، لكن ذلك لم يحدث ووجد الرجل نفسه وقد أسقط فى يد المحافظين وبات فى موقف أشبه بـ”البندقة في الكسارة” بين المحافظين داخليا والجمهوريين أمريكيًا.
”
في صباح السبت 17 أكتوبر 2020 استيقظ روحاني على الخبر الأكثر رعبا ودهشة وغرابة في مسيرته السياسية، إذ أبلغه مدير مكتبه محمود واعظي أن النائب في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) مجتبي ذو النوري، طالب بإعدامه ألف مرة.
“
ولم يكن ذلك المطلب سوى لأن روحاني طرح طريقة تفكير جديدة للتعامل مع التحديات التي سببتها العقوبات الأمريكية، وعلى ما يبدو فقد أراد روحاني استدعاء تاريخ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، عندما جنح إلى السلم وآثر التهدئة كي يحقن دماء المسلمين.
ولذلك من المنطقي أن يجد المراقبون حسن روحاني في شهوره الأخيرة بالمنصب الرفيع، وقد بات مفتقدا للأمل في إصلاح السياسات العليا بالبلاد، واستقر في ضميره أن حياته رهنا بالجنوح إلى السكوت وأن الملاذ الآمن الوحيد في هذه البلاد هو جناح المحافظين المسيطرين على مفاصل السلطة والثروة بالبلاد.
وعليه شكلت تلك السنوات الثماني درسا شاخصا لأي مرشح محتمل للرئاسة في صيف 2021، أيا كان إبراهيم رئيسي أو محمد جواد ظريف أو علي لاريجاني أو حتى سعيد جليلي، إذ سيضع أحدهم إحدى عينيه على عملية انتقال المنصب، ويضع الأخرى على تجربة حسن روحاني التراجيدية في ثماني سنوات مريرة بالـ”باستور”.