تدخل خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” الموقعة بين إيران والسداسية الدولية عامها الرابع بعد انقضاء ثلاثة أعوام على تاريخ توقيعها في العاصمة النمساوية فيينا نهار الرابع عشر من يوليو بالعام 2015م، وسط توقعات لم تكن في الحسبان ونتائج صادمة على الحياتين الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، خاصة بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق مساء الثلاثاء الثامن من مايو بالعام الجاري.
نتائج صادمة
وتقديرا لموقف العلاقات الإيرانية ـ الغربية والتعاطي العربي مع تداعيات تلك الحالة أجمع خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات ـ أفايب” على أن الاتفاق لم يعد كما كان مأمولا وليمة سياسية يجتمع حولها أطرافه لنيل أكبر قدر من قضمات المصالح والمشاريع الجيوستراتيجية، خاصة بعد ظهور حالة من حالات تباين وجهات نظر الدول الكبرى بشأن شراهة طهران في تناول مقدار أكبر من نصيبها من الوليمة المهددة بالانهيار على وقع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق.
ومع حلول الذكرى الثالثة لأبرز اتفاق سياسي دولي في القرن الـحادي والعشرين، تبرز الحاجة للتعرف على نتائج الاتفاق على المستوى الإقليمي والدولي، ومحاولة الإجابة عن عدد من علامات الاستفهام الكبرى، من قبيل، ماذا جنت إيران من صفقتها مع العالم؟ وهل حقق الاتفاق الطموحات الاقتصادية والتنموية للبلاد؟ وكيف أثر على علاقات الأجنحة الداخلية؟ وما هي تداعيات الاتفاق على مشاريع طهران في منطقة الشرق الأوسط؟ وما علاقة الاتفاق بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة؟ وكيف قيمت الأطراف العربية الاتفاق في غضون تلك السنوات.
على الرغم من أن الاتفاق المعلن بين إيران والدول الخمسة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا، جاء بعد مفاوضات ماراثونية في العاصمة النمساوية فيينا، لتقييد مساعي إيران لامتلاك أسلحة نووية مقابل تخفيف العقوبات الدولية عليها، إلا أنه سرعان ما ظهرت انتقادات واسعة للاتفاق بعد قدوم الرئيس الأمريكي ترمب إلى رأس السلطة في البيت الأبيض خلفا لسلفه باراك أوباما المعروف بأنه مهندس الاتفاق النووي، حيث استهل ترامب ولايته الأولى الراهنة بوصف إيران بالدولة المارقة، وحذر مما وصفه من انتهاكها المستمر للاتفاق والتفافها عليها لتحقيق مصالح سياسية وتطوير برنامج الصواريخ الباليستية وزيادة نفوذها بالمنطقة، الأمر الذي أدى إلى موجة من التوتر الشديد بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني انتهت بإعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق في مايو.
محاولات أوروبية
في هذه الأثناء حاول الثلاثي الأوروبي (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) إثناء الرئيس الأمريكي عن توجهاته بشأن الاتفاق النووي والإبقاء على الوجود الأمريكي من خلال تعديل الاتفاق، من أجل الحفاظ على مصالحهم التجارية بعد دخول العديد من الشركات الأوربية للسوق الإيرانية، إلا أن الثلاثي الأوربي لم يستطع الصمود أمام تحمس ترامب، وسرعان ما أبدوا خضوعا لسياسته خلال الأسابيع القليلة الماضية.
في هذا السياق، ترى الدكتورة نسرين مصطفى، عضو مجلس خبراء المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب”، أن إيران حققت عددا لا يستهان به من المكاسب من وراء تجميد العقوبات الدولية بعد الاتفاق النووى، موضحة أنه أتاح لها التعافي بما يعادل 7 مليارات دولار، وانتعاشها بالإفراج عن مبيعات النفط، وتعليق حظر تجارة السيارات والذهب والمعادن النفيسة بالإضافة إلي عدد من المكاسب الأخرى.
وتعتقد أن الاتفاق النووي كان بمثابة إطلاق يد إيران في الدول العربية، بعدما ساهم في انتعاش الاقتصاد الإيراني، ودفع طهران لاتخاذ خطوات حقيقية في مشروعها التوسعي، وساعدتها الأموال التي تحصلت عليها على الإغداق على أذرعها في المنطقة، خاصة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والعراق وجنوبي فلسطين.
انعكاسات سيئة
وتلفت عضو مجلس خبراء المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب” إلى أن الاتفاق النووي جلب انعكاسات سيئة علي البلاد العربية بإتاحته الفرصة لإيران للتمدد في ظل انكماش الآخر وضعفه، مضيفة: “أكبر دليل على ذلك هو تصريح حيدر مصيلحي رئيس الاستخبارات الإيرانية في عهد أحمدي نجاد بأن إيران تسيطر علي أربع عواصم عربية في إشارة إلي العراق ولبنان وسوريا واليمن”.
وتتابع قوله: “إيران كانت تدرك تماما أن تجميد العقوبات لن يستمر طويلا وأن انسحاب ترامب كان مخططا له لانتهاء أمريكا من خطوة إطلاق يدها للابتزاز العرب”.
في السياق يقول الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، علاء السعيد، أن انعكاسات الاتفاق على العالم العربي جاءت سلبية جدا في الوقت الذي لم تشارك خلاله دولة عربية واحدة في هذا الاتفاق كونها دول جوار لطهران وتتأثر بطريقة أو بأخرى بذلك الاتفاق”.
ويضيف السعيد: “الاتفاق سمح لإيران بسحب مليارات الدولارات من أرصدتها المجمدة ما انعكس على مليشيات إيران في المنطقة نتيجة الدعم الإيراني سواء المادي أو اللوجستي وهو ما أدى إلى تنامي دور تلك الأذرع المليشياوية في الدول العربية كما حدث في اليمن من مليشيات الحوثي والتي استخدمت أسلوبا مختلفاً عما قبل الاتفاق واستخدام الصواريخ الباليستية في العمق السعودي بهدف استنزاف الموارد السعودية، كذلك تنامي دور حزب الله في لبنان، وتنامي دوره في سوريا، وتحكمه في منافذ الدخول والخروج في لبنان، وتحقيق نسب مرتفعة في انتخابات مجلس النواب، ومشاركته في الحكومة، كذلك ما حدث في العراق من دعم لبعض الموالين لإيران في إحكام السيطرة على الأحزاب أو المجالس النيابية؛ ما أدى إلى تنامي الدور الإيراني في العراق”.
خسائر إيران
فيما يخص الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، يرى محمد خيري، الباحث المقيم بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أفايب أن خروج واشنطن من الاتفاق النووي جعل إيران تخسر الكثير مما جنته من جراء الاتفاق الذي عقدته مع السداسية الدولية بخصوص حظر الانتشار النووي.
ويتطرق خيري إلى الحديث عن التعامل الإيراني مع الانسحاب الأمريكي، مؤكدا أن إيران قد تقبل إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي مرة أخرى، بالرغم من سلوكها السياسي المعلن المنافي لتلك النظرة في بعض التصريحات، مستشهدا بتقرير لصحيفة “يسرائيل هايوم” بوجود مفاوضات بين طهران وتل أبيب برعاية روسية بعد أن طلب بوتن من إيران إرسال على أكبر ولايتي مندوبا عن روحاني إلى موسكو أثناء زيارة نتنياهو لروسيا للرجوع إلى طاولة المفاوضات.
ويوقع خيري وهو باحث متخصص في تحليل العلاقات الإيرانية ـ العربية، أن تعود إيران مرة أخرى إلى التفاوض بعد ما خسرت كل المكاسب التي حققتها وخاصة بعد انهيار التومان الإيراني (العملة المحلية لإيران)، وقبل أن ينهار الاتفاق النووي من خلال رعاية روسية.
إلى ذلك يتصور يحيى بوزيدي، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة جيلالي ليابس، بالجزائر، وعضو مجلس الخبراء بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية أنه باستثناء العوئد المالية على قلتها والاستثمارات على ضعفها مقارنة بما توقعته إيران لا يمكن الحديث عن مكاسب كبيرة حققتها طهران في المنطقة من خلال الاتفاق النووي.
وينهى تقديره للموقف الراهن بقوله أن ما استطاعت إيران إنجازه من توسع ومد لنفوذها حصل قبل الاتفاق، أما عن تأثيرات الواقع الحالي فإنه يفرض تحديات إضافية داخلية عليها، خاصة بعد رفع السلطة لسقف التوقع والانتظار في تسويقها للاتفاق لشعبها وهو ما انعكس سلبيا ـ وهذا ما تظهره الاحتجاجات شبه المتواصلة ـ على الأوضاع المتردية.