في مساء الثلاثاء الثامن من مايو 2018 أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” والمُوقعة صباح الثلاثاء 15 يوليو 2015 بفيينا بين إيران ومجموعة (5 + 1) (الولايات المتحدة – فرنسا ـ بريطانيا ـ روسيا ـ الصين + ألمانيا)، والذي يتعلق بتقييد البرنامج النووي الإيراني، ليكون سلمياً لأغراض تجارية وطبية وصناعية.
وقد جاء ذلك الانسحاب لعدم التزام إيران ببنود الاتفاقية “الكارثية” على حد وصف ترامب، لأنها منحت النظام في طهران مليارات الدولارات التي تم استخدامها في العمليات الانفصالية والجماعات المسلحة، كحزب الله والحوثيين، فضلا عن فشل آلية خطة العمل الشاملة المشتركة في التعامل مع برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، بعدم تضمنها لآلية قوية بما يكفي لتنفيذ أعمال التفتيش والتحقيق.
“صاحب ذلك الانسحاب عودة العمل بالعقوبات مع توقيع حزم جديدة طالت قطاعات النفط والمعادن والبتروكيماويات، وشملت أكثر من 700 شركة وشخصية، متضمنة 400 كانوا تحت عقوبات فعلية في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، و300 آخرين جُدد”
ومع استمرار التوتر والتصعيد بين طهران وواشنطن خلال عام 2019 الذي كاد يشهد مواجهة عسكرية وشيكة بينهما، وحتى مطلع عام 2020 الجاري الذي شهد تصفية الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري، ومعه عدد من القيادات العسكرية العراقية والإيرانية واللبنانية، وصولاً إلى فرض عقوبات على أفراد وكيانات في الصين والعراق وروسيا وتركيا لدعمهم برنامج الصواريخ الإيراني خلال فبراير الجاري، الذي شهد كذلك إعادة إيران لللائحة السوداء لـ”مجموعة العمل المالي” الدولية بعد 4 سنوات من التعليق، بدعوى فشلها في تطبيق خطة العامين التي التزمت بالعمل بها إزاء المجموعة الدولية وفشلها في اتخاذ التدابير والإجراءات المطلوبة منها بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
مسارات ضاغطة
مما لا شك فيه، أن إيران لم تتعرض على مدار العقود الأربعة المنصرمة لعقوبات بذلك المستوى غير المسبوق، والتي تسببت في خفض صادراتها من النفط من 2.6 مليون برميل يوميا في مايو 2018 إلى أقل من 200 ألف برميل يوميا في سبتمبر 2019. وأعلنت وكالة الطاقة الدولية أنّ المعدل الحالي لصادرات النِّفط الإيراني، هو 300 ألف برميل يوميًا، وأن أغلبه يتجه صوب الصين ولا تحصل إيران منه على عائدات، إذ إنّ نصفه يمثل ديونا على إيران، من أجل تطوير حقلي آزادجان ويادآفران اللذان تم تسليمهما إلى شركتين صينيتين.
وكشف معهد التمويل الدولي أن خسائر احتياطات إيران بلغت 40 مليار دولار خلال عامين، متوقعاً أن تنخفض احتياطات إيران لتصل إلى 73 مليار دولار بحلول شهر مارس 2020، وانكمش اقتصاد إيران بنسبة 4.6% في السنة المالية 2018 – 2019، ومن المُرجّح أن يتفاقم الانكماش إلى 7.2%. وسيرتفع معدل البطالة أكثر ليتجاوز 20%، وستواصل الاحتياطيات الرسمية تراجعها إلى حوالي 20 مليار دولار بحلول مارس 2023، وانخفضت قيمة العملة ليصل سعر الدولار في السوق الحرة إلى 158.5 ألف ريال، بينما يبلغ سعره الرسمي 42 ألف ريال، بما ينطوي على تراجع 10% عام كانت عليه منذ أسبوع. وقد أدى انخفاض قيمة العملة إلى تعطل التجارة الخارجية في البلاد وتفاقم التضخم السنوي الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 31% هذا العام.
وفي ظل ترجيح بقاء الرئيس الأمريكي ترمب في المنصب حتى 2024، فإن آفاق التوصل إلى اتفاق دائم بين الولايات المتحدة وإيران تبدو بعيدة. ولذلك فإن عدد المخاطر التي تواجه الاقتصاد الإيراني يفوق عدد الفرص. وعليه، فإن انخراط طهران السياسي/ العسكري في خارطة الإقليم وتحديدا في دول (العراق – سوريا – لبنان – اليمن) من المحتمل أن يشهد تغييراً او إعادة للنظر بناءً على المعطيات سالفة الذكر على النحو الآتي:
أولا: العراق
كان العراق ولا يزال واحدا من أهم الأوراق ـ إن لم يكن الأهم ـ لدى إيران في مشروعها الناشر للهلال الشيعي في المنطقة والممتد حتى لبنان وسوريا شمالا واليمن جنوبا، وقد تعاظم الصراع الإيراني – الأمريكي على النفوذ في بلاد الرافدين، التي كانت تعد مشروعاً أمريكيا خالصا منذ عام 2003، إلا أن كواليس السياسة مهدت الطريق لطهران لتفرض نفوذها، وذلك بالتزامن مع دعوات عراقية لإنهاء الوجود الأمريكي بشكل كامل.وساد المشهد العراقي خطاب شيعي طالب بعرض قضية إنهاء الوجود الامريكي في البلد على البرلمان العراقي للتصويت عليها من قبل ممثلي الشعب، لاسيما أن القوى السياسية السنية لاتستطيع أن تدافع عن الوجود الامريكي، الذي دائما ما وصفته بالاحتالا وبـ”ما بني على باطل فهو باطل“، وليس خافيا أن الأكراد يؤيدون الوجود الامريكي، وقد يعرضون على الولايات المتحدة الامريكية إقامة مزيد من القواعد لهم في أقليم كردستان.
“جاءت عملية استهداف قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني والرد الإيراني الصاروخي عليها بقصف قاعدتين في الأنبار وأربيل، بمثابة الصدمة للقوى السياسية التي لم تضع في حسبانها حساباتها احتمالات نشوب صراع أمريكي – إيراني بصورة مباشرة على الاراضي العراقية في خضم الازمة السياسية الحادة التي تمر بها، والاحتجاجات الحاشدة ضد النفوذ الايراني لدى بغداد، متسببة في تعميق الانقسام بي القوى المعارضة للضربة الإمريكية، وتلك الداعية لاتخاذ اجراءات صارمة لإدانتها، والقيادات المؤيدة لاستهداف التواجد العسكري الايراني في العراق”
عليه فإنه من المتوقع أن يزيد التواجد العسكري الأمريكي في العراق، والذي تُعد أهم وأبرز دلالاته الشروع في بناء 3 قواعد عسكرية جديدة قرب الحدود الإيرانية بمدينة السليمانية وجنوب مدينة حلبجة وجنوب أربيل، إدراكاً من واشنطن بأن انسحابها العسكري من العراق سيكون ذا أضرارٍ بالغة على العقوبات المفروضة على طهران، ناهيك عن العمل على نزع سلاح الميليشيات العراقية المدعومة من إيران وتسريح عناصرها أو ادماجهم في القوات الرسمية، الضغط على العراق للامتثال للعقوبات الأمريكية المفروضة على طهران من خلال مطالبة بغداد بوقف تبادل النفط ومعاملات الطاقة مع طهران، فضلا عن منع المعاملات الدولارية مع البنك المركزي الإيراني ومنع الشركات الإيرانية من المشاركة في أعمال إعادة الإعمار في العراق.
على الجانب الآخر يبدو أن الرغبة الإيرانية في الانتقام بعد مقتل سليماني، ستدفع طهران لمواصلة دعم الميليشيات العسكرية الموالية لها (الحشد الشعبي ـ كتائب حزب الله)، لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة. ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته في إصدار مجلس الشوري الإسلامي قانون يلزم الحكومة الايرانية بتعزيز البنية الدفاعية لفيلق القدس التابعة للحرس الثوري، عبر استقطاع مبلغ 200 مليون يورو من احتياطي الصندوق الوطني للتنمية، واعتبار هذه المخصصات تهدف لدعم قوات فيلق القدس التي تتولى بدورها المليشيات المسلحة الموالية لطهران في المنطقة. فمما لا شك فيه، أن النفوذ الإيراني في العراق أصبح بالضخامة التي لا يمكن تقليصها بسهولة خلال فترة زمنية قليلة سواء بإجراءات أمريكية أواحتجاجات شعبية مناهضة.
ثانيا: سوريا
لا تنفك إيران عن تقديم الداعم العسكري والسياسي والمالي الرئيسي لإدارة الرئيس بشار الأسد لتأمين جسرها البري بينها وبين حزب الله داخل الأراضي السورية وفي الجنوب اللبناني ولحرصها على عدم وجود بديل سني غير موالٍ لها، بل وتعتبرها طبقا لما زرعه الخميني في عقليات أتباعه أنها محافظة إيرانية. وقد نشر المعهد الدولي البريطاني للدراسات الاستراتيجية دراسة أكد خلالها أن إجمالي إنفاق إيران على أنشطة ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن قُدر بحوالي 16 مليار دولار سنويا، بينما ينفق النظام الإيراني حوالي 700 مليون دولار سنويا على ميليشيات حزب الله في لبنان. وفي المقابل تسيطر إيران على مشاريع الصحة والتعليم والبنية التحتية وإعادة الإعمار والمعادن والسيارات.
ولكن جاء التدخل العسكري الروسي مغيراً لقواعد اللعبة في سوريا وفي الخارطة الجيوسياسية في الإقليم بأكمله، ليكون لموسكو النفوذ السياسي الأعظم لدى دمشق على حساب طهران بمشكلاتها الحالية، حيث بدأت في تعزيز علاقاتها مع تل أبيب وأنقرة، وكانت تصريحات الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته للنمسا في مايو 2019، واضحة فيما يخص الشأن الإيراني وتقليص طهران لالتزاماتها في الاتفاق النووي عندما قال أن روسيا ليست “فريق إطفاء” ولا تستطيع إنقاذ كل شيء وخاصة ما لا يعتمد عليها وحدها، وكذا ما ألمح إليه الرئيس الرئيس الروسي مع وزير خارجيته سيرجي لافروف في يوليو 2018 أيام، عندما لفت إلى أن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا أمر ضروري لأمن النظام، مضيفا : “قوات الجمهورية العربية السورية هي الوحيدة التي يجب أن تكون على حدود سوريا مع إسرائيل”، ليرد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قائلا: “لا أحد يستطيع إخراج إيران من سوريا”، ما يعكس حالة من عدم التوافق بين الجانبين.
بالعودة للتاريخ، فإن إيران لم تنس لروسيا أطماعها التاريخية في الوصول للنفط الإيراني والمياه الدافئة في الخليج العربي، ودعمها العسكري للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد إيران، وكذا الأخيرة في أفغانستان مما اضطر الأولى لإيواء ”العرب الأفغان” من المجاهدين الفارين من الحرب آنذاك، ولا يمكن تجاهل أبدا أن موسكو قد امتنعت عن استخدام حق الفيتو ضد عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين -حلفاء إيران- في اليمن، بل ولم تستخدمه كذلك ضد قرار مجلس الأمن الصادر في فبراير الجاري لتمديد العقوبات على القياديين الحوثيين.
من المؤكد أن واشنطن وتل أبيب تشعران بالارتياح لهذا التنافر السياسي بين طهران وموسكو في سوريا، ولكن، لا مراء في أن إيران لا تستطيع الاستغناء عن الحليف الروسي بنفوذه الدولي والإقليمي المتعاظمين وقدراته العسكرية والتقنية المتطورة، مما سينعكس على حساباتها إزاء تحركاتها في المسرح السوري، بما لا يفقدها نفوذها بأكمله، ومن خلال سيناريوهين محتملين:
أ ـ البقاء في سوريا بموافقة روسية شريطة أن تعمل المليشيات الإيرانية تحت إمرة وسيطرة الجيش الروسي لخدمة الأهداف والمصالح الاستراتيجية لموسكو.
ب ـ الخروج المشروط من سوريا نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والعقوبات الأمريكية القاسية مقابل بعض المكاسب والنفوذ الاقتصادي السياسي ”المحدود” وادوار يتم الاتفاق عليها لحزب الله وخبراء الحرس الثوري المتواجدين في دمشق.
ثالثا: لبنان
يقف لبنان الآن أمام مفترق طرق مع خيارات محدودة لحكومته ما بين انقاذ للاقتصاد الوطني مشروط باستقلالية في القرار بعيدا عن نفوذ طهران وما بين مزيد من الانحدار نحو الهاوية والعزلة السياسية والتحول لدولة فاشلة بفعل الهيمنة الإيرانية.
سيطرت إيران كلاعب رئيس على الساحة اللبنانية ممثلة في مليشيات حزب الله التي تحصل على تمويلها وتسليحها بأكلمه من طهران باعتبارها ذراعها العسكري الطولى والرئيسية لتنفيذ سياساتها في لبنان وسوريا وكذا تهديد إسرائيل. وتشهد لبنان أزمة سياسية حادة خرج على إثرها اللبنانيون للاحتجاج في الشارع منذ أكتوبر 2019 الماضي، أدت إلى استقالة حكومة سعد الحريري، ثم تمكن حزب الله من فرض حسان دياب لتشكيل حكومة جديدة بعد 3 أشهر من تواصل المظاهرات، لكن الشارع لايزال يرفضها بسبب هيمنة واضحة للحزب المسلح الموالي لإيران عليها.
“جاءت زيارة وفد إيراني إلى لبنان يرأسه رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني خلال فبراير الجاري و بعد أقل من أسبوع من موافقة البرلمان اللبناني على الحكومة التي قدمها حسان دياب رغم رفض الشارع لها. وهي رسالة تريد طهران إيصالها إلى القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة مفادها أن لبنان أصبح مركز ما تطلق عليه اسم “محور المقاومة”
وتبحث لبنان حاليا عن دعم مالي من الدول العربية وخاصة دول الخليج التي يبدو أنها ليست متحمسة لإقراض حكومة بقيادة حزب الله، فضلا عن التوتر بين طهران وواشنطن التي قالت أنها لن تدعم الحكومة الجديدة قبل أن يثبت دياب استقلالية قراراته. ومن غير المستبعد أن تكون واشنطن قد تفرض عقوبات على لبنان أهمها وقف المساعدات العسكرية والأمنية والتاثير على اية قرارات من صندوق النقد الدولي – الذي طلبت بيروت رسميا مساعدته الفنية لدعم اقتصادها المأزوم – إذا ثبتت التقارير التي تحدثت عن تسلم نصرالله قيادة تدخلات إيران في المنطقة خلَفا لسليماني، وتجهيزه جبهة موحدة مع الميليشيات العراقية لمواجهة الولايات المتحدة.
رابعا: اليمن
تواصل إيران دعمها العسكري واللوجيستي لمليشيات الحوثيين في اليمن ضمن خطتها لزعزعة الامن والاستقرار في المنطقة وخاصة الجنوب السعودي ومضيق باب المندب ذو الاهمية الاستراتيجية للملاحة العالمية وقناة السويس، وكانت آخر مظاهر هذا الدعم هو قيام البحرية الأمريكية خلال فبراير الجاري بمصادرة شحنة صواريخ إيرانية الصنع، بعد توقيف سفينة شراعية في بحر العرب، كانت في طريقها لليمن لدعم الحوثيين.
ويأتي الإصرار الإيراني على مواصلة دعم الحوثيين منبثقا على ما يبدو من وجهة نظر لطهران بأن مساعدة الحوثيين هي وسيلة منخفضة التكلفة نسبيًا لإبقاء المملكة العربية السعودية غارقة في الصراع اليمني. وقد أسهم التدخل العربي من خلال التحالف العسكري (عاصفة الحزم – إعادة الأمل) في أحدث توازن عسكري أوقف النفوذ الإيراني إلى حد كبير وأرجع بعض المدن اليمنية إلى أحضان الدولة التي استلبها الحوثي تحقيقا لإستراتيجية إيران الرامية إلى السيطرة على أكبر عدد من العواصم العربية عن طريق الوكلاء وليس عن طريق الاحتلال التقليدي المباشر الذي اتبعته في عصور سالفة.
ورغم الانحسار الكبير في النشاط العسكري للحوثيين، والتأثير الهائل للعقوبات الأمريكية على إيران، إلا أنه من المستبعد حل الأزمة اليمنية على المدى القريب للأسباب الآتية:
1- تآكل سلطة الحكومة الشرعية بما يثير الشكوك حول قدرتها على إعادة توحيد اليمن.
2- استمرار المواجهة الإيرانية السعودية على الأراضي اليمنية وحتى إن كانت بوتيرة منخفضة عما كان سابقا.
3- الصراعات الداخلية بين القوى السياسية اليمنية بمختلف توجهاتها وصورها.
4- امتلاك الحوثيين لمخزون هائل من الاسلحة وتحصنهم في الجبال وقدرتهم على إطالة أمد المواجهة.
5- عدم وجد موقف عربي وحد تجاه اليمن.
عليه فإن ما هو سالف ذكره يقود إلى احتمالين:
ــ أن يستمر الصراع المسلح في اليمن دون حسم لفترة طويلة مما يزيد من تأزيم الموقف وتدهور الوضع الاقتصادي واستمرار سباق التسلح.
ــ أن تتسبب الأزمة في تقسيم اليمن لعدم وجود طرف إقليمي ذو نفوذ قوي وغالب على نفوذ باقي الأطراف الفاعلة في الصراع الدائر.
خاتمة
اعتقد ترامب بعقلية رجل الأعمال أن اتباع ”سياسة الضغط القصوى” يمكن أن تؤتي ثمارها مع النظام الإيراني من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض حزمة مكثفة من العقوبات الاقتصادية القاسية والتصعيد السياسي والإعلامي، ونشر القوات الأمريكية في منطقة الخليج، بالتوازي مع اندلاع المظاهرات والاحتجاجات الداخلية في ايران والمطالبة بإصلاح الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والمنددة بالسياسات الخارجية واستغلال موارد الدولة في التدخلات الاقليمية في سوريا والعراق ولبنان واليمن واشعال الصراعات والحرب بالوكالة، إلا أن النظام الإيراني يبدو أنه مازال حتى اللحظة غير راغب في التراجع عن سياساته الخارجية.
وعلى الرغم من ذلك، تعاني إيران من ضغوط سياسية واقتصادية هائلة، نتيجة لوابل العقوبات المنهمرة عليها على مدار العام المنصرم والذي أصاب قطاعاتها الحيوية -وعلى رأسها قطاع الطاقة والتعدين- بالشلل والعجز الهائلين. فبعد إنكار النظام الإيراني بشكل متكرر تأثير العقوبات الأميرکية علی اقتصاد البلاد، اعترف نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، بعدم تمكن طهران من نقل أية أموال بسبب العقوبات المالية والمصرفية، بل وطالت ناقلات النفط التي تتصل واشنطن بمسؤولي الدول التي تستقبلها لإيقافها.
إن اندلاع الاحتجاجات الداخلية في إيران ـ برغم أنها لم تصل بعد إلى مرحلة تهديد وجود النظام الإيراني ـ واستمرار حالة رفض الشارعين اللبناني والعراقي لتدخل طهران في شؤونهما الداخلية، ومع تشديد العقوبات والضغوط الدولية، يمكن جميعها ان تسفر عن انحسار ملحوظ في الحضور الإيراني لدى البلدين، وبالتالي انحسار القدرة الإيرانية على اسخدام العراق ولبنان كأوراق ضغط ومساومة مستقبلية للتعامل مع أزمتها الداخلية والخارجية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. والمؤكد أن الوضع الحالي سيبقى كما هو عليه على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة نهاية العام الجاري.
ــــــــ
نقلا عن المرصد المصري التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.