مع اشتداد كل أزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، تطفو على السطح محاولات من عدة قوى دولية وإقليمية للوساطة، إذ تحاول تلك القوى تهدئة الأمور من جهة، والحفاظ على مصالحها من جهة أخرى.
ومن أبرز قضايا التفاوض والوساطة بين إيران – على اعتبار أنها الدولة محل البحث – وأي دولة أخرى، تبرز الوساطة الجزائرية على السطح كإحدى أهم المحاولات التي قامت بها دولة الجزائر للتوسط بين العراق وإيران عام 1975 لحسم الصراع حول الحدود العراقية الإيرانية في شط العرب، حيث نجحت الجزائر في حل الأزمة بين الطرفين وأسفرت عن توقيع اتفاقية الجزائر في مارس من عام 1975، وهي الاتفاقية التي وقع عليها كلًا من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وشاه إيران محمد رضا بهلوي وبإشراف رئيس الجزائر في ذلك الوقت هواري بومدين[3].
ملخص تنفيذي
ــ تحاول الدول التي تتدخل في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية الاحتفاظ بدور في حل الأزمة من جهة، والحفاظ على جملة المصالح التي تجمع الأطراف من جهة أخرى، إذ تحاول اليابان اساعادة حريتها في استيراد النفط الإيراني، بعد أن كانت تستورد قبل العقوبات 130 ألف برميل يوميًا.
ــ يحاول العراق من جهة أخرى الحفاظ على وجوده ضمن مسافة مقبولة من كل من إيران وأمريكا، إذ لا ينسى العراق مدى العلاقة الوطيدة بينه وبين طهران طبقًا للمرجعيات الدينية والأسس العقائدية وغيرها، وكذلك لا تنسى بغداد لواشنطن مساندتها ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
ــ يعد الاتفاق النووي لعام 2015 أول اتفاق رسمي بين طهران وواشنطن يتم إبرامه عقب الثورة الخمينية، وبعد عقود كبيرة من الخلافات على وقع أزمة الرهائن الأمريكيين، فضلًا عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي على طهران منذ ذلك الوقت.
ــ على نهج الوساطة نفسه حاول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، التوسط لدى الكونجرس الأمريكي لإقناع المتشككين في إمكانية أن يؤدي ذلك الاتفاق إلى تقليص دور إيران النووي والحد من دورها الراغب في التمدد في المنطقة، كما كانت ترى الأوساط النيابية آنذاك.
ــ تاريخ الوساطات بين النظام الإيراني الحالي والولايات المتحدة الأمريكية ليس حافلًا بالكثير من الأحداث التي تطلبت وساطات عدة، اللهم إلا في بعض القضايا الصعبة والمهمة التي نشبت على إثرها خلافات كبيرة بين الطرفين وأبرزهما قضية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عقب الثورة الخمينية 1979، وثانيها ضمن إرهاصات توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بـ”الاتفاق النووي” المبرم عام 2015.
ــ انطلاقًا من المعطيات الجيوسياسية لمنطقة المغرب العربي، فإن بعض دولها لم تكن تعارض، بل وليس لها اعتراض كبير حتى الآن في أن تضطلع إيران بدور إقليمي ومحوري ينسجم مع ثقلها السياسي والاستراتيجي كدولة كبيرة تتمتع بخاصية الجوار مع الوطن العربي، خصوصًا إذا استثنينا هنا ما يثيره البرنامج النووي الإيراني من تحفظات لدى أغلب الأطراف.
ــ الجهود الدبلوماسية للوساطة بين طهران وواشنطن خلال فترة النزاع حول قضية السفارة الأمريكية في طهران شملت محاولات جادة من سويسرا، التي أصبحت فيما بعد راعي المصالح الأمريكية في طهران، نظرًا لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ــ تظل قنوات الاتصال السرية بين واشنطن وطهران إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الخاصة بين البلدين في أوقات الصراع، إذ نظم القانون الدولي مسألة البعثات الدبلوماسية التي تتحلى بصفة السرية في بعض الأحيان.
ــ أبرز فضائح القنوات السرية في التواصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية الفضيحة التي عرفت بـ”إيران كونترا” أو “إيران جيت”، تلك التي كانت عبارة عن صفقات لبيع الأسلحة من واشنطن لطهران عن طريق تل أبيب، واستهدفت استرضاء إيران التي كان لها تأثير على الجماعات التي أسرت عددًا من الرهائن الأمريكيين في لبنان وقيل إنها وراء عدة تفجيرات في دول أوروبية شرقية.
ــ ربما تكون معرفة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بوجود قنوات اتصال خفية بين الأمريكيين والإيرانيين هي التي دفعته للإعلان أنه لا رغبة لدى واشنطن وطهران في خوض الحرب.
ــ تحاول روسيا الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية تارة فتعلن أن التهديدات الأمريكية لن توقف تعاونها النووي مع إيران، وتارة تعلن أن روسيا ليس بإمكانها لعب دور “فرقة إنقاذ” على أساس دائم في الساحة العالمية.
تمر عملية الوساطة التي تتدخل فيها أطراف إقليمية دائمًا بعدة مستويات، حتى تتمكن من تقريب وجهات النظر بين القوى المتنازعة، إلا أنه في الحالة الإيرانية ـ الأمريكية فلها طراز وطابع آخر، إذ تتحقق الوساطة بين كل من الطرفين من خلال النظر إلى عدة دوافع ومستويات محددة لعملية الوساطة، وهي:
المستوى الأول
تاريخ الوساطات بين واشنطن وطهران
تدخل جهود الوساطة ضمن أبجديات القانون الدولي الذي يتيح لدول ومنظمات دولية وأطرافًا للتدخل بين الدول لحل الأزمات الناشئة بين الطرفين، إذ يعرف القانون الدولي جهود الوساطة بأنها عبارة عن مساعٍ حميدة تتضمن عنصر جديد هو الطرف الثالث في مسألة التفاوض المباشر مع الدول المتنازعة وقيامه بضبط الارتباط بينهما، واقتراح حل للنزاع.[1]
وتشجع الجمعية العامة للأمم المتحدة دور الوساطة بين الدول لتسوية المنازعات بالطرق السلمية، ومنع نشوب أية نزاعات وحلها، طبقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها الصادر في 31 يوليو من عام 2014، في دورتها الثامنة والستين، وقد أكدت على ضرورة مواصلة الدول الأعضاء والأمم المتحدة والمنظمات الدولية تحسين قدراتها حسب الاقتضاء، في مجال تسوية المنازعات بالوسائل السلمية ومنع نشوب النزاعات وحلها، بما في ذلك الوساطة، من أجل تحقيق سلام مستدام.[2]
وبالرغم من هذا فإن تاريخ الوساطات بين النظام الإيراني الحالي والولايات المتحدة الأمريكية ليس حافلًا بالكثير من الأحداث التي تطلبت وساطات عدة، اللهم إلا في بعض القضايا الصعبة والهامة التي نشبت على إثرها خلافات كبيرة بين الطرفين وأبرزها قضية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عقب الثورة الخمينية 1979، وثانيها ضمن إرهاصات توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة بـ”الاتفاق النووي” المبرم عام 2015، وما بينهما لم يحفل تاريخ البلدين بالحديث عن وساطات في أي خلاف سياسي بين الطرفين، خاصة وأن هاتين القضيتين هما أبرز القضايا الخلافية التي نشبت بين واشنطن وطهران مباشرة عقب سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، لكن كان لدولة الجزائر على وجه التحديد الدور البارز في الوساطة بين واشنطن وطهران في أزمة اقتحام السفارة الأمريكية، والتوصل للاتفاق النووي، وقبلهما تدخلت الجزائر في مفاوضات بين الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وشاه إيران في التوصل لاتفاق الجزائر حول حدود البلدين في شط العرب.[4]
وبتدخل الجزائر ـ وهي إحدى دول المغرب العربي ـ في الوساطة بين طهران والعراق وبين طهران والولايات المتحدة الأمريكية في اتفاقية الجزائر عام 1981 والتي أنهت أزمة اقتحام السفارة الأمريكية في إيران، واحتجاز الرهائن الأمريكيين، أصبحت الجزائر تمثل ركيزة أساسية في مفصل الصراع الإيراني مع دول المنطقة، كما أن الجزائر ـ على خلاف معظم الدول العربية وخاصة الخليجية ـ لم تتخذ موقفًا مساندًا للعراق في حربه ضد إيران وكان موقفها متوازنًا إلى أبعد الحدود، وحاولت في البداية أن تسخّر دبلوماسيتها من أجل إيجاد حل سلمي للصراع القائم بين البلدين، لكن استهداف طائرة وزير الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحي بصاروخ، قيل إنه كان من مصدر عراقي، أصاب المبادرة الجزائرية في مقتل.[5]
وانطلاقًا من المعطيات الجيوسياسية لمنطقة المغرب العربي، فإن دولها لم تكن تعارض، بل وليس لها اعتراض كبير حتى الآن في أن تضطلع إيران بدور إقليمي ومحوري ينسجم مع ثقلها السياسي والاستراتيجي كدولة كبيرة تتمتع بخاصية الجوار مع الوطن العربي، خصوصًا إذا استثنينا هنا ما يثيره البرنامج النووي الإيراني من تحفظات لدى أغلب الأطراف، لأن مثل هذا الدور لا يثير لديها تخوفات تفرزها الحساسيات التاريخية والنزاعات الحدودية، وما يصاحب كل ذلك من شحن مبالغ فيه للذاكرة المشتركة بين إيران ومحيطها القريب؛ فالدول المغاربية ترى أن إيران لعبت دائمًا بحكم موقعها المتميز، دورًا إقليميًا مؤثرًا، وليس هناك ما يمنع مستقبلاً أن يظل هذا الدور ضمن حدود مقبولة، لا تؤدي إلى الإخلال بالتوازنات الصعبة والحساسة في المشرق، وبالتالي فحتى الخلافات التي نشبت في فترات متعددة بين المغرب العربي وإيران كانت تنبع دائمًا من طبيعة موقفها من قضايا ونزاعات المنطقة ومن أسلوب مقاربتها وتعاطيها مع الشأن الداخلي لدول المنطقة وليس من منطلق معارضة صريحة لدورها الإقليمي[6].
الجهود الدبلوماسية أيضًا للوساطة بين طهران وواشنطن خلال فترة النزاع حول قضية السفارة الأمريكية في طهران شملت محاولات جادة من سويسرا، التي أصبحت فيما بعد راعي المصالح الأمريكية في طهران، نظرًا لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ بذلت وزارة الخارجية السويسرية وسفيرها في طهران أنذاك، إيريك لانغ، وزملاؤه فلافيو ميروني، وباسكال ديكوستر، وفرانز موهاهم، من أجل التوصل إلى حل لتلك الأزمة، كوسطاء بين طرفي الأزمة، تمكن لانغ وزملاؤه من التفاوض على اتفاق، بمساعدة من الجزائر، لإطلاق سراح الدبلوماسيين والمواطنين دون خسائر في الأرواح باستثناء ثمانية أمريكيين قتلوا خلال محاولة إنقاذ غير ناجحة[7].
يروي الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، في مذكراته، قائلًا: “ما أن انتشر في واشنطن خبر الاستيلاء على سفارتنا، حتى تألفت في وزارة الخارجية جماعة العمل حول إيران، وتولى مسؤوليتها هنري بريشن، مدير مكتب إيران، وكان على هذه الجماعة أن تعمل عملًا لا انقطاع فيه، مدة أربع وعشرين ساعة في اليوم، حتى يمكن تخطي الأزمة، ولم يكن أحد منا يتصور أن عليه الانتظار لأكثر من أربعة عشر شهرًا حتى تستجاب دعواتنا ويعود الرهائن إلى بيوتهم”.[8]
ويذهب كارتر لأبعد من ذلك حين يؤكد أن الإدارة الأمريكية طلبت الوساطة من عدد من الدول والمنظمات لإجلاء الرهائن الأمريكيين من السفارة بعد احتجازهم لفترة طويلة، قائلا: “لقد فكرنا في المقام الأول بإجراءات انتقامية ضد إيران، لكن نحو 570 أمريكيا لا يزالون هناك، وطلبت من الشركات التي يعمل فيها هؤلاء إجلاءهم بأسرع ما يمكن، كما رجونا الجزائريين والسوريين والأتراك والباكستانيين، والليبيين، ومنظمة التحرير الفلسطينية أن تتدخل لدى الإيرانيين، وأنا أعتقد أن هذا هو الحل الوحيد الذي نخرج به منتصرين من هذه الورطة”.[9]
أما عن حل الأزمة فقد نجحت الأداة الدبلوماسية في نهاية المطاف بوساطة جزائرية إذ تم عقد اتفاق وافق بموجبه الخميني على إطلاق سراح الرهائن مقابل إلغاء تجميد أصول إيران المالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وغادر الرهائن إيران في يوم 20 يناير 1981، وهو اليوم التالي لليوم الذي ترك فيه كارتر رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد بقي الرهائن محتجزون لمدة 444 يومًا.[10]
ولقد كانت هذه الاتفاقية هي الأولى من نوعها بين إيران وأمريكا بعد الثورة، وهي الاتفاقية التي يعتقد أنها اللبنة الأولى التي يمكن البناء عليها وبدء الحوار الدبلوماسي من خلالها لحل الأزمات المستعصية والشائكة والمزمنة التي لا يمكن حلها أو تبديد إشكالاتها إلا إذا توافرت إرادة واقعية وعزم مشترك وحسن نيات، قد يفتقدها حاليا الطرفان اللذان يتهم كل منهما الآخر بأنه يهدد مصالح الطرف الثاني.[11]
المستوى الثاني
دلالات نجاح الوساطة في الاتفاق النووي
كانت التسوية التي قامت بها دول السداسية الدولية أو مجموعة الـ”5+1″ (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا والصين وألمانيا)، الموقعة على الاتفاق النووي أو خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، بالإضافة إلى تدخل سلطنة عمان، تلك التي مثل دورها حجر الزاوية في إمكانية عقد ذلك الاتفاق الذي يعد أول اتفاق رسمي بين طهران وواشنطن يتم إبرامه عقب الثورة الخمينية، وبعد عقود كبيرة من الخلافات على وقع أزمة الرهائن الأمريكيين، فضلًا عن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي على طهران في ذلك الوقت، ومن خلال تلك الوساطة وعلى مدى 6 أشهر عقدت إيران والسداسية ست جولات من المفاوضات النووية بعد التوصل إلى اتفاق على إجراء لقاءات بين الجانبين على مستوى رؤساء الوفود كل شهر، وكذلك على إجراء مشاورات على مستوى الخبراء تتخلل اجتماعات رؤساء الوفود[12].
وقبل انطلاق الجولة الرابعة من المفاوضات في مايو من عام 2015، كانت مسألة تخصيب اليورانيوم ومفاعل آراك ورفع العقوبات أصعب المسائل التي تواجه تلك المفاوضات السداسية، وذلك بحسب نائب وزير الخارجية الروسي أنذاك سيرغي ريابكوف، إلى أن حاولت كل الأطراف في الجولة الرابعة والأخيرة العمل على صياغة نهائية لذلك الاتفاق بما يحقق تقدم أكبر في عملية التفاوض حول البرنامج النووي الإيراني الذي كان يزعج كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا التي دخلت في حيز التسوية.[13]
على النهج نفسه حاول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، التوسط لدى الكونجرس الأمريكي في ذلك الوقت لإقناع المتشككين في إمكانية أن يؤدي ذلك الاتفاق إلى تقليص دور إيران النووي، على اعتبار أن الاتفاق سيلزم إيران برفع ثلثي أجهزة الطرد المركزي التي نصبت في إيران وتخزينها تحت إشراف دولي، ويمكن الولايات المتحدة من التخلص من 98 في المئة من اليورانيوم المخصب لدى طهران، بالإضافة إلى قبول عودة العقوبات سريعًا إذا حدث أي خرق للاتفاق، مع إعطاء وكالة الطاقة الذرية الدولية مدخلاً بشكل دائم لتفتيش المواقع “أينما وحيثما كان ذلك ضروريًا”، وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حين وقعت مع إيران خارطة طريق لحل القضايا العالقة فيما يخص البرنامج النووي.[14]
على إثر تلك التحركات والوساطات المختلفة، انتهت المناقشات بعدة بنود خرجت لإلزام إيران بتخفيض قدراتها النووي من خلال عدة إجراءات أبرزها:
أ – إيران ستواصل برنامجها النووي السلمي بدرجة تخصِب 3.67٪ وسيكون التخصيب بمنشأة «ناتنز» الواقعة في شمال أصفهان.
ب – ستتحول منشأة «فوردو» من موقع لتخصيب اليورانيوم إلى مركز للأبحاث النووية والتقنية، وسيتم في هذا المركز التشجيع على التعاون الدولي في مجالات الأبحاث والتنمية المتفق عليها، كما لن تكون في فوردو مواد قابلة للانشطار.
ج – يبقى آراك موقعًا للماء الثقيل مع إجراء تغيير في قلب المفاعل، بحيث لا يُنتج بلوتونيوم لاستخدامه في التسلح، ولن تتم فيه إعادة المعالجة وسيتم تصدير الوقود المستهلك فيه.
د – تم التفاهم على مجموعة تدابير للإشراف على تنفيذ محتوى البرنامج الشامل للعمل المشترك وتنفيذ البروتوكول الإضافي بشكل طوعي، وستستخدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقنيات حديثة للإشراف، وكذلك تم التوصل إلى إمكانية تفتيش المنشآت النووية في أي وقت كان.
هـ - تشارك إيران في التعاون الدولي في مجال الطاقة النووية السلمية، وقد يشمل ذلك بناء المحطات النووية والمفاعلات النووية للأبحاث والمجال الآخر للتعاون في مجال السلامة والأمن النووي.
و – سينهي الاتحاد الأوروبي كل الحظر الاقتصادي والمالي المرتبط بالبرنامج النووي، كما ستوقف الولايات المتحدة تنفيذ الحظر المالي والاقتصادي الثانوي المرتبط بالبرنامج النووي، تزامنًا مع تنفيذ إيران لالتزاماتها النووية الرئيسة عبر مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ز - سيتم إصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يؤيد فيه البرنامج الشامل للعمل المشترك، وستُلغى فيه كل القرارات السابقة المرتبطة بالموضوع النووي، وستوضع بعض التدابير المقيدة المحددة لفترة زمنية متفق عليها.[15]
على إثر ذلك حاول الرئيس الإيراني حسن روحاني تحسين صورة إيران دوليًا بأن عقد هو ووزير خارجيتيه محمد جواد ظريف لقاءات مع مسؤولين أوروبيين في إشارة إلى الانفتاح الغربي على القيادة الإيرانية، وأعلن روحاني من أمام منصة الأمم المتحدة أن “الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل لا مكان لها في عقيدة الدفاع الإيرانية، وتتنافى مع اقتناعاتنا الدينية والأخلاقية الأساسية”، وقد رحبت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون بما وصفوه “تحولًا كبيرًا” في السياسات الإيرانية بخصوص ملفها النووي في أعقاب محادثات عالية المستوى مع مسؤولين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إذ قال وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت جون كيري “إنه شعر بالدهشة من النبرة المختلفة جدًا في كلام وزير الخارجية الإيراني”، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن العلاقات بين أمريكا وإيران شهدت منعطفًا كبيرًا حينما تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني عن بعضهما البعض في أول حديث ودي بين قادة البلدين منذ أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران.[16]
المستوى الثالث
قنوات الاتصال السرية بين البلدين
رغم أي تصعيد مهما كان ومهما علت وتيرته، تظل قنوات الاتصال السرية بين واشنطن وطهران إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الخاصة بين البلدين في أوقات الصراع، إذ ينظم القانون الدولي مسألة البعثات الدبلوماسية التي تتحلى بصفة السرية في بعض الأحيان، ويؤكد القانون الدولي أن الدبلوماسية السرية تمارس عبر بعثات خاصة مكونة من أفراد أو أشخاص تسافر للخارج لتقوم بمهمة محددة تفاوضية أو تمثيلية، وفي بلد أو أكثر ثم تعود لبلدها، وعرفت لجنة القانون الدولي التابع للأمم المتحدة البعثة الخاصة في اتفاقية البعثات الخاصة التي ورد ذكرها في المادة الأولى فقرة 1 نصا: «يقصد بتعبير البعثة الخاصة، بعثة مؤقتة تمثل دولة إلى دولة أخرى بموافقة هذه الأخيرة لتعالج قضايا خاصة أو لتؤدي لديها مهمة محددة ».[17]
في حالة إيران بالتحديد، كشفت الوثائق السرية عن رسالة من مرشد الثورة الإيرانية السابق ومؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني للرئيس الأمريكى جون كنيدي، إلى جانب اللقاءات السرية بين مبعوثي جيمي كارتر ومستشار الخميني 1979 فى باريس، قبيل الثورة الإسلامية بأسابيع قليلة، والتنسيق الكامل بين الإدارة الأمريكية والخميني، للاستحواذ على مقاليد الحكم فى إيران، وعبرت الوثائق عن دعم الخميني للمصالح الأمريكية فى إيران، وتشير تلك الوثائق إلى اتصالات أمريكية سرية بدأت قبل خروج الشاه محمد رضا بهلوي من إيران عام يناير 1979، مع الخميني فى منفاه بباريس، وعبرت واشنطن وقتها عن امتنانها لدولة فرنسا التي كانت همزة الوصل بينهما[18].
وأسند الخميني مأمورية المحادثات السرية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إبراهيم يزدي وكان من أعضاء حزب “نهضت آزادي” – حركة الحرية – وعاش لسنوات في تكساس، ويعرف الإنجليزية بشكل جيد، وريتشارد كاتم، استاذ جامعة بيتسبرج، الذى عرف بعد سنوات بعمالته لـCIA داخل طهران، وكان يحث مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية على لقاء ممثل الخميني فى أمريكا، ووفقًا للوثائق بعد 3 أشهر فى 12 سبتمبر 1979، التقى المسؤول عن قسم إيران فى الخارجية الأمريكية هنري بريكت، ويزدي فى أحد المطاعم، كما أجريا لقاءات بضاحية نوفل لوشاتو بحذر شديد[19].
ولعل أبرز فضائح القنوات السرية في التواصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية الفضيحة التي عرفت بـ”إيران كونترا” أو “إيران جيت”[20]، وكانت صفقة بيع الأسلحة لها هدفان متزامنان الأول استرضاء إيران التي كان لها تأثير على الجماعات التي أسرت عددًا من الرهائن الأمريكيين في لبنان وقيل إنها وراء عدة تفجيرات في دول أوربية شرقية، والهدف الثاني تمويل ميليشيات “الكونترا” التي كانت تقوم بحرب عصابات الهدف منها الإطاحة بحكومة نيكاراغوا المؤيدة للنظام الشيوعي والتي تساندها كوبا والاتحاد السوفيتي.
في تلك الفترة أقامت الحكومة الإسرائيلية اتصالا مع حكومة الولايات المتحدة في أغسطس 1985 وقدمت لها عرضًا أن تقوم بدور وسيط لشحن 508 قذائف أمريكية مضادة للدبابات من طراز TOW لإيران مقابل إطلاق سراح الكاهن العبري بينجامين واير الرهينة الأمريكي الذي احتجزته جماعة مؤيدة لإيران في لبنان ومع اتفاق أن تقوم الولايات المتحدة بشحن قذائف بديلة لإسرائيل[21].
بواسطة هذه الأداة تم إطلاق الرهائن الأمريكيين في إيران ولبنان، كما قضت هذه الصفقة بالإفراج عن نحو 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية التي جمدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد الثورة الإيرانية مقابل إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في السفارة الأمريكية بطهران.[22]
لا شك أنه خلال الأزمة الحالية التي نشبت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، قد يكون هناك قنوات سرية للاتصال بين البلدين حتى في أثناء الأزمة، إذ أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته لبغداد، على ضرورة التوصل لاتفاق من خلال الجلوس على مائدة المفاوضات، فيما حمّل المسؤولين العراقيين رسالة إلى الإيرانيين يدعوهم فيها للجلوس بهدوء إلى الطاولة، كما عمد العراق إلى لعب دور في محاولة تهدئة التوتر في المنطقة ومحاولة الوصول إلى نوع من التفاهم وإن كان مثل هذا التفاهم لا يبدو قريبًا، وربما تكون معرفة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، بوجود قنوات اتصال خفية بين الأمريكيين والإيرانيين هي التي دفعته للإعلان أنه لا رغبة لدى واشنطن وطهران في خوض الحرب[23].
واقعة أخرى تثبت وجود قنوات الاتصال السري بين واشنطن وطهران في وقت الأزمات، وهي واقعة الإفراج عن المواطن اللبناني نزار زكا، الذي اعتقل في طهران بعد مشاركته بمؤتمر حول تدشين مواقع التواصل الاجتماعي في طهران، بدعوة من معاون الرئيس الإيراني في شؤون الأسرة، بالرغم من أن هناك مصادر أخرى أعلنت أنه اعتقل بتهمة التجسس والعمالة، ومعه إيرانيون كانوا يتعاونون معه في مجال الحرب الناعمة، وفق ما ادعاه أمام جمعة طهران كاظم صديقي في شهر أكتوبر من العام الماضي، فيما كانت قد نُشرت في بيروت معلومات تتحدث عن أن الإفراج عن زكا يأتي ضمن صفقة أمريكية – إيرانية، باعتبار أن الرجل الذي يحمل إقامة في الولايات المتحدة، ويدفع ثمن تهمة التعامل الاستخباري مع الأجهزة الأمريكية. وأوردت صحيفة “الأخبار اللبنانية” أن اللواء عباس إبراهيم، مدير الأمن العام اللبناني، كان قد بدأ عملية تفاوض مع الولايات المتحدة بهدف تحقيق مكسب أو ثمن للإفراج عن زكا، فالتقى مسؤولين أمريكيين في وكالة الاستخبارات الأمريكية والكونجرس ومؤسسات أخرى، قبل أن يزور رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين المعتقل في أمريكا[24] ليتمكن من إنهاء إجراءات الإفراج عن نزار زكا مؤخرًا.
أدوار الدول في الوساطة
لعدد من الدول والقوى الإقليمية دور بارز في الوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، خاصة في ظل العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران مؤخرًا، بعد الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو 2018، إذ بدأت عدد من القوى الإقليمية في الدخول على خط الأزمة في محاولة منها لتوزيع الأدوار – كل حسب مدى ثقله ووظيفته – في الإنهاء على بوادر هذه الأزمة قبل أن تزداد وطأتها مع الأيام المقبلة.
أ ـ العراق
تمثل دولة العراق عمقًا استراتيجيًا لإيران، إذ تستخدمها طهران كحديقة خلفية للالتفاف على العقوبات الأمريكية من جهة، بالإضافة إلى محاولات العراق الدائمة للوصول لحل للأزمة الأمريكية الإيرانية بوساطة الرئيس العراقي أو رئيس الوزراء، خاصة وأن العراق عمل على الدخول على خط الوساطة أكثر من مرة دون جدوى، قبل أن يتوجه إليه محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيرانية، لإعلان عدة رسائل من بغداد، فضلًا عن طلبه للتوسط لحل الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
في الثامن من مايو الماضي قطع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو زيارته الأوروبية وألغى موعده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للذهاب إلى بغداد من فنلندا لمتابعة مسائل ملحة مرتبطة بالتهديد الإيراني على حد تعبيره، وبحسب مصدر عراقي مطلع فإن بومبيو سلّم إلى رئيس الوزراء العراقي شريحة ذاكرة تحتوي على دلائل على تخطيط إيران من خلال حلفائها في العراق لهجمات على مصالح أمريكية في العراق، وحمّل الوزير، الذي عمل مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية سابقا، المسؤولين العراقيين مسؤولية أمن المصالح الأمريكية[25].
في السياق نفسه كشف رئيس مجلس الوزراء العراقي المهندس عادل عبد المهدي، عن عزم حكومته إرسال وفود إلى العاصمتين الإيرانية طهران والأمريكية واشنطن لإنهاء التوتر بين الطرفين على أساس أن العراق أكبر مضار من تفاقم مرحلة ما قبل الحرب الأمريكية ـ الإيرانية.[26]
ب ـ سلطنة عمان
شاركت سلطنة عمان في إرهاصات توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، وما زالت مسقط تحافظ على إبقاء محاولاتها للوساطة بين البلدين مرة أخرى في الأزمة الحالية بين طهران وواشنطن، إذ تدخل الوزير يوسف بن علوي مرة أخرى على خط الأزمة ليرعى مبادرة لرأب الصدع بين البلدين، ولاحتواء الموقف بين طهران وواشنطن مرة أخرى، وربطت العديد من الأوساط الدبلوماسية والتقارير الصحفية بين زيارة وزير الخارجية العُماني «يوسف بن علوي»، لواشنطن ولقائه وزير الدفاع الأمريكي السابق، «جيمس ماتيس» يوم 27 يوليو 2018، بمساع إيرانية للتهدئة، وفتح قناة تواصل مع البيت الأبيض، وخاصة أنها تأتي بعد زيارة سرية قام بها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لعُمان، وهو ما أكدته مصادر صحفية يوم 3 أغسطس 2018 حول أن هناك اتصالات سرية جرت بين إيران وأمريكا عبر سلطنة عُمان أفضت إلى إعلان الرئيس الأمريكي ترامب يوم 30 يوليو 2018 استعداده للقاء الرئيس الإيراني ومن دون شروط مسبقة، وفي أي وقت يريده الإيرانيون.[27]
تاريخيًا تسعى عُمان للقيام بدور الوسيط، حيث عُرف عنها اختيارها لسياسة الحياد ولسياسة القوة الناعمة، والإبقاء على خيوط مع كل الأطراف، فقد استطاعت الإفراج عن ثلاثة سياح أمريكيين محتجزين بإيران في سبتمبر 2010 وكان لها دور أساسي في إنجاح مفاوضات إيران وعقد الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست عام 2015.[28]
ج ـ ألمانيا
ضمن جولة له في منطقة الشرق الأوسط، بدأ وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، جولة إلى العراق ثم تبعها بزيارة إلى إيران، وفي مجمل حديثه خلال لقائه رئيس الوزراء العراقي في بغداد، أعرب هايكو ماس عن أمله في أن يواصل العراق إسهامه في التهدئة بين الولايات المتحدة وإيران.[29]
في الوقت نفسه لم تمنع تلك التصريحات الألمانية، وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف من الإعلان عن أن زيارة وزير الخارجية الألماني إلى إيران ليست للوساطة بين طهران وواشنطن على الإطلاق وأن الزيارة لمتابعة قضية تنفيذ الاتفاق النووي، خاصة بعد أن أعلنت طهران في أكثر من مناسبة تقليص بعض التزاماتها ضمن الاتفاق النووي.[30]
د ـ اليابان
حملت زيارة رئيس وزراء اليابان إلى طهران، في يونيو الماضي طابعًا خاصًا، إذ كانت زيارة قصد من ورائها صراحة التدخل الياباني في حل الأزمة، كما حمل شينزو أبي رئيس وزراء اليابان رسالة خطية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية أية الله علي خامنئي، ورفض الأخير تسلمها في مشهد حمل رسائل ضمنية وعلنية من خامنئي، حول عدم رغبته بتاتا في الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع شخص دونالد ترامب.
خامنئي أكد أن “ترامب شخص ليس جديرًا بتداول الرسائل معه”[31]، وعلى الرغم من أن آبي كان لديه اهتمامات جيوسياسية في ذهنه خلال رحلته إلى إيران، إلا أن اليابان الفقيرة بالموارد هي رابع أكبر مستورد للنفط في العالم وتعتمد على الشرق الأوسط بالنسبة لغالبية نفطها الخام، وبالتالي، فإن اليابان لديها أيضًا مصلحة ثابتة في بقاء مضيق هرمز – المهم استراتيجيًا – مفتوحًا لمرور ناقلات النفط دون التهديد بشن أي هجوم، لأسباب اقتصادية كذلك[32].
هـ ـ روسيا
كانت إيران دائمًا ساحة للصراع بين القوتين الأعظم في القرنين الماضيين، إذ كانت إيران في القرن التاسع عشر هي أرض المعركة الدبلوماسية التي دارت بين بريطانيا وروسيا القيصرية من أجل التفوق والسيطرة، وخلال الثلاثين عامًا الماضية شهدت نفس الأرض أبطالًا جدد، إذ حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا، وحل السوفييت محل القياصرة[33] وهو ما يفسر مسألة تمسك روسيا حاليًا بمدى تعاظم قوتها في إيران، إحدى قوى الشرق الأوسط، وأصبحت تمثل القوة الأقرب إلى طهران.
ويترتب على هذا محاولات متواصلة من الولايات المتحدة الأمريكية للتواصل الدائم مع روسيا فيما يتعلق بالدور الإيراني في الشرق الأوسط وبالتحديد في سوريا، إذ طلبت الولايات المتحدة من روسيا ضرورة إقناع إيران بخروج قواتها وخبرائها من الملعب السوري، وأعلن المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري أن الولايات المتحدة تحاول إقناع روسيا بضرورة انسحاب القوات الإيرانية من سوريا، معتبرًا أن الولايات المتحدة لا ترى أن الحضور الإيراني في سوريا يصب في مصلحة أحد، ونوه جيفري إلى أنه بإمكان واشنطن وموسكو تجاوز الخلافات حول سورية على المستوى السياسي، مشيرًا إلى أن الحوار السياسي مستمر على كل المستويات.[34]
في سياق الأزمة الإيرانية ـ الأمريكية تحاول روسيا الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية تارة فتعلن أن التهديدات الأمريكية لن توقف تعاونها النووي مع إيران[35]، وتارة تعلن أن روسيا ليس بإمكانها لعب دور “فرقة إنقاذ” على أساس دائم على الساحة العالمية، فيما دعت إيران للحفاظ على الاتفاق النووي وعدم الانسحاب منه، مؤكدة أنه إذا انسحبت إيران من الاتفاق النووي سينسى الجميع أن واشنطن هي من بدأ ذلك.[36]
بهده الطريقة تحاول روسيا اللعب على عدة أوتار أولها أنها تقف على الجانب المقابل للولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالأزمة السورية وعلاقاتها مع إيران، وثانيًا أنها شريك غير فاعل فيما يتعلق بالأزمة الإيرانية الأمريكية بالتحديد.
و ـ قطر
في سياق التحايل من أجل حل الخلاف، دخلت قطر على خط المواجهة في الأزمة الإيرانية الأمريكية، وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في أثناء زيارة له إلى العاصمة البريطانية لندن، إن قطر ودولًا أخرى تجري محادثات مع إيران والولايات المتحدة لإنهاء التصعيد وحث الجانبين على الاجتماع والتوصل لحل وسط، مؤكدًا “ما نحاول القيام به فعليًا هو سد الفجوة وإقامة محادثات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لأن التصعيد لن يكون مفيدًا لأي أحد في المنطقة”.[37]
ز ـ سويسرا
باعتبار أن سويسرا هي راعية المصالح الأمريكية في إيران فقد دخلت على خط الأزمة هي الأخرى لمحاولة توفيق الطرفين لحل دبلوماسي قد يسفر عن إنهاء الخلاف بين واشنطن وطهران، وذلك بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سويسرا منتصف مايو الماضي.
ومن هناك عبر الرئيس الأمريكي عن رغبته بأن يتصل قادة إيران به لحل الأزمة التي تزداد اشتعالا، وتركت إدارته رقم هاتف مع السويسريين كي يتصل الإيرانيون عليه في حال أرادوا التفاوض، وقال في معرض حديثه مع الصحفيين “ما أريده هو أن أراهم يتصلون بي، ثم الجلوس من أجل إبرام اتفاق، اتفاق عادل. لا نتطلع لإيذاء إيران”.[38]
خاتمة
يظل خيار الحرب أو التحرك العسكري القائم على الهجوم على إيران في ظل الأزمة الحالية أمرًا مستبعدًا حتى في الفترة الحالية، وإن كان غير مستبعد على المدى المتوسط أو الطويل، على اعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تعلن عن عملية عسكرية محدودة ضد إيران حال إذا ما استمرت طهران على سياسة العناد، وبرغم إعلان الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته مايك بومبيو في أكثر من مناسبة أهمية اللجوء للحوار والتفاوض، إلا أن الولايات المتحدة تستفيد من كل هذا الصراع الدائر في المنطقة من عدة أوجه أولها أنها منعت الدعم المالي الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإيران بموجب الاتفاق النووي، وثانيًا زيادة كمية مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول المنطقة ما يحقق مكاسب خرافية للولايات المتحدة الأمريكية على حساب الأزمة الإيرانية، لكن في النهاية يظل صمود إيران مرهون باعتمادها على عدة أمور، برغم علم الإدارة الإيرانية بأن الوضع الاقتصادي لها في غاية السوء ورغم علمها بضعف الجيش الإيراني الذي لم يحدث منذ الثمانينيات، أبرزها أن ترامب لم يتبق له في السلطة الأمريكية إلا 18 شهرًا وقد يتغير ويأتي رئيس أمريكي جديد بخلفية مختلفة يتواصل مع الإيرانيين.
الأمر الآخر أن جهود الوساطة قد تنجح على المدى البعيد، برغم وفشلها، لأن إيران تدرك أن الوضع الاقتصادي الداخلي والعزلة الإقليمية والجغرافية التي تعاني منها، قد تجبرها على ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال القنوات السرية لتقليل حدة شروط بومبيو الـ12؛ لأن تلك الشروط تتعلق بمدى بقاء النظام الإيراني الحالي، فحين تتضمن الشروط ضرورة وقف التمدد الإيراني في المنطقة وقطع أذرعها في الشرق الأوسط وهي “الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين المحتلة والحشد الشعبي في العراق” بالإضافة إلى وقف تطوير البرنامج النووي والمنظومة الصاروخية، فإن تلك الشروط تقضي على دعائم النظام الإيراني الحالي الذي ينص دستوره على مبدأ “تصدير الثورة”، وبسط النفوذ وغيرها.
ـــــــــــــــــــ
[1] د . محمد عزيز شكري – القانون الدولي العام وقت السلم – دار الفكر – الطبعة الثانية – عام 3791 م – ص662.
[2] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة – الدورة الثامنة والستون – ص 3.
[3] يونس المهدي ميكائيل الشريف – الطرق الدبلوماسية أو السياسية في تسوية النزاع وديًا – المجلة الليبية العالمية – العدد الثامن عشر – 5 مايو 2017- ص 7
[4] اتفاقية الجزائر هي اتفاقية وقعت بين العراق وإيران في 6 آذار/مارس عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين، وشكّلت حدود العراق مع إيران أحد المسائل التي تسببت في إثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العراق. في عام 1937 عندما كان العراق تحت سيطرة بريطانيا تم توقيع اتفاقية تعتبر أن نقطة معينة في شط العرب غير خط القعر هي الحدود البحرية بين العراق وإيران لكن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت هذا الترسيم الحدودي واعتبرته “صنيعة امبريالية” واعتبرت إيران نقطة خط القعر في شط العرب التي كان متفقا عليه عام 1913 بين إيران والعثمانيين بمثابة الحدود الرسمية ونقطة خط القعر هي النقطة التي يكون الشط فيها بأشد حالات انحداره . في عام 1969 أبلغ العراق الحكومة الإيرانية أن شط العرب كاملة هي مياه عراقية ولم تعترف بفكرة خط القعر ، وفي عام 1975 ولغرض إخماد الصراع المسلح للأكراد بقيادة مصطفى البارزاني الذي كان يُدعم من شاه إيران محمد رضا بهلوي قام العراق بتوقيع اتفاقية الجزائر مع إيران وتم الإتفاق على نقطة خط القعر كحدود بين الدولتين ولكن صدام حسين ألغى هذه الأتفاقية عام 1980 بعد سقوط حكم الشاه ووصول الخميني إلى الحكم، الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى.
[5] المغرب العربي وإيران.. تحديات التاريخ وتقلبات الجغرافيا السياسية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – الدكتور حسين الزاوي – 16 يناير 2011 – https://bit.ly/2RkMrf0
[6] المرجع السابق
[7] وثائقي يستذكر الدور السويسري في أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران – مقال بقلم دانيل فيرنير – المجلة السويسرية ترجمة ثائر السعدي – https://bit.ly/2INBHC1
[8] جيمي كارتر – مذكرات جيمي كارتر “كامب ديفيد، حرب على الحرب، رهائن طهران والحسابات الخاسرة، ترجمة شبيب بيضون، دار الفارابي للنشر والتوزيع، ص 126
[9] المرجع السابق – مذكرات جيمي كارتر – ص 126
[10] عليان محمود – العلاقات الإيرانية الأمريكية بعد النصف الثاني من القرن العشرين – المركز الديمقراطي العربي – ص 131
[11] المرجع السابق
[12] عام 2015 يتسلم حقيبة النووي الإيراني – موقع روسيا اليوم – 09.01.2015 – https://bit.ly/2ZjF1ve
[13] المصدر السابق
[14] الإعلان الرسمي عن اتفاق “تاريخي” بشأن برنامج إيران النووي – بي بي سي – 14 يوليو/ تموز 2015 – https://bbc.in/2WuvmA0
[15] نص البيان المشترك للاتفاق النووي 2015
[16] حنان حمدان – التقارب الأمريكي الإيراني: ما هي انعكاساته على دول المنطقة، جريدة الشرق الأوسط – 30/9/2013
[17] الدكتور سعيد أبو عباه – الدبلوماسية: تاريخها مؤسساتها أنواعها قوانينيها – دار الشيماء للنشر – الطبعة الأولى – 2009 – ص 60
[18] وثائق تكشف عن جانب جديد للعلاقة بين آية الله الخميني وواشنطن – بي بي سي – 3 يونيو 2016 – https://bbc.in/2ZBobrZ
[19] فى ذكرى وفاته.. BBC تنشر وثائق سرية حول الاتصال المباشر بين الخمينى وأمريكا.. الولى الفقيه حاول مغازلة “الشيطان الأكبر” بالنفط.. واحتمى فى واشنطن من انقلاب محتمل للجيش.. والمستندات تثير غضب رجال الدين – موقع اليوم السابع – 4 يونيو 2016 – https://bit.ly/2WK5tBa
[20] فضيحة إيران كونترا أو إيران جيت والتي وقعت في عهد إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ارتبطت ببيع الإدارة لأسلحة بشكل سري إلى إيران التي كانت وقتها طرفا في حرب ضروس مع جارتها العراق وهي الحرب التي استمرت من 1980 إلى 1988. وقد حملت وقت فضحها اسم إيران جيت في الصحف الأمريكية وغالبا اسم إيران كونترا وارتبطت ببيع إدارة ريجان لأسلحة إلى إيران وتحويل عائدات صفقة بيع الأسلحة للحركة المضادة لثوار نيكاراغوا الذين كانوا يحاربون للإطاحة بالحكومة اليسارية وحزب الساندينيستا الذي كان يحكم نيكاراغوا.
[21] “إيران جيت”.. جريمة تهريب سلاح بـ «توقيع الرئيس»- صحيفة الرياض – 15 يونيو 2005م – العدد 13505 – https://bit.ly/2KoTrGW
[22] عليان محمود عليان- العلاقات الايرانية الامريكية بعد النصف الثاني من القرن العشرين – مرجع سابق – ص 130
[23] قنوات اتصال “سرية” بين قادة امريكا وايران – سكاي برس – https://bit.ly/2IihnJI
[24] تسريبات قضية نزار زكا: واشنطن شاركت بمفاوضات الإفراج.. وطهران تريدها هدية لحزب الله – إرم – https://bit.ly/2L1uAZt
[25] قنوات “اتصال خفية” بين واشنطن وطهران رغم التصعيد – بي بي سي – 14 مايو/ أيار 2019 – https://bbc.in/2YuPdRa
[26] العراق: إطلاق مبادرة رسمية لإنهاء النزاع بين إيران وأمريكا – سبوتنك 21.05.2019 – https://bit.ly/2Rgz5QS
[27] وساطة عمانية في الأزمة الإيرانية – أخبار الخليج – مقال بقلم: د.عمر الحسن – https://bit.ly/2KvJFOP
[28] المرجع السابق.
[29] جولة مكوكية لوزير الخارجية الألماني في الشرق الأوسط – ويتش فيلة – https://bit.ly/2IK0Nle
[30] جواد ظريف: زيارة وزير خارجية ألمانيا لإيران لا تتعلق بالوساطة مع أمريكا – المصري اليوم – https://bit.ly/2FfhlAm
[31] خامنئي: ترامب شخص لا يستحق تبادل الرسائل معه – بي بي سي – 13 يونيو/ حزيران 2019
[32] مسؤولون: فشل محاولات آبي للوساطة بين إيران وأمريكا لإجراء حوار وسط تصاعد التوترات – شبكة الصين – https://on.china.cn/2F7yxYH
[33] محمد حسنين هيكل – مدافع أية الله – دار الشروق – ص 24
[34] المبعوث الأمريكي: نحاول إقناع روسيا بضرورة خروج إيران من سورية – روسيا اليوم – 14.11.2018 – https://bit.ly/2DGFpx7
[35] روسيا تتحدى أمريكا لأجل إيران – الخليج أون لاين – https://bit.ly/2wVProy
[36] بوتين: إذا انسحبت إيران من الاتفاق النووي سينسى الجميع أن واشنطن هي من بدأ ذلك – روسيا اليوم – https://bit.ly/2ZCBp7R
[37] قطر تتوسط لأنهاء التصعيد بين امريكا وايران – الحياة نيوز – https://bit.ly/2KTDXdr
[38] ترك لهم رقم هاتف مع سويسرا.. ترامب لقادة إيران: “اتصلوا بي” – سي ان ان – https://cnn.it/2IMLIiB