أدلى محمد محسن أبو النور، رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” بحوار صحفي لجريدة “أفرو” اليومية الكردية (أي: الیوم)، والتي تصدر في مدينة دهوك بٳقلیم كردستان العراق، عن الدور الإيراني في العراق ومستقبل الوجود الإيراني في إقليم كردستان في ظل تفاعلات ما بعد الاستفتاء غير الناجح الذي جرى في سبتمبر 2017، وذلك في عددها الصادر صباح يوم الاثنين 4 مارس الجاري.
وإلى نص الحوار…
ــ هل لنا أن نعرف نبذة مختصرة عن حیاتك ونشاطاتك واختصاصك
اسمي محمد محسن أبو النور، مصري الجنسية والإقامة، وأعمل خبيرا في العلاقات الدولية وتتركز أغلب أبحاثي حول إيران وتفاعلاتها في بيئتيها الداخلية والخارجية، أي إنني معني بالتعمق في الشؤون الإيرانية وسبر أغوار هذا البلد، وحاليا أعمل رئيسا لـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”. أكاديميا لدي رسالتي ماجستير ودكتوراه في تخصص العلاقات العربية ـ الإيرانية، بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، وهي الجامعة الأعرق بالعالم.
ــ الموضوع حول دور ونشاطات إیران في المنطقة خاصة في العراق، ما سبب وطموحات إیران والتي تدفعها لانتهاج سياسة التدخلات الإقلیمیة؟
إيران تسعى دائما إلى التدخل في دول الجوار العربية لعدد من الاعتبارات المهمة. أولا: أنها تريد تصدير مشكلاتها إلى الخارج ونقل ساحات الصراع السياسية من داخل طهران إلى العواصم الأخرى.
ثانيا: أن الدول العربية هي دائرة النفوذ الحيوية للنظام الإيراني باعتبار أنه يتخذ من المرجعية الدينية والعقيدة الشيعية منطلقا له، وكما هو معروف فإن الدول العربية هي منشأ الدين الإسلامي والمذهب الشيعي.
ثالثا: رغبة النخب الحاكمة في إعادة المجد الإمبراطوري الفارسي من خلال السيطرة على الآخرين.
خامسا: أن المجال الحيوي لإيران في دول أسيا الواقعة على الغرب والشمال منها يكاد يكون مغلقا بسبب قوة تلك الدول ومواقفها الصلبة والحازمة من التدخلات الخارجية، فضلا عن دور القوى الكبرى (الصين وروسيا) في حماية حلفائها.
ـ هذه التدخلات من أجل المكاسب السیاسة أم المذهبیة؟
في الحالة الإيرانية تحاول طهران خلط السياسة بالمذهبية، لكن الأهداف الكبرى هي سياسية بامتياز، ولا علاقة لها بالعقيدة، إلا في الظاهر فقط، والدليل على ذلك أن سلوك التوسع الإقليمي متبع في كل الأنظمة التي تولت زمام السلطة في بلاد فارس حتى قبل الثورة الإسلامية عام 1979.
ـ هل الحكومة العراقیة الحالیة تستطیع الخروج من تحت الهیمنة الإیرانیة، أم العراق بحاجة إلی إیران؟
العراق دولة كبرى في الشرق الأوسط وليس بحاجة إلى أي طرف، سوى محيطه العربي، وقبل عدة عقود كان العراق دولة عربية مركزية يقدم الدعم إلى عدد من الحكومات العربية الأخرى، وبالتالي فإن العراق هو أكبر من أن يظل في حاجة إلى أي طرف إقليمي آخر. وبالتأكيد يمكن للحكومة العراقية التحرر من التسلط الإيراني على قرارها وإعادة النفوذ الإيراني إلى الحدود السياسية لهذا البلد الذي مزقته العقوبات الأمريكية كما مزقته طموحاته السياسية التي تفوق قدرته العسكرية والاقتصادية.
ـ هل نجحت إیران في تنفیذ مشروعها الشیعي في المنطقة؟
حتى الآن يبدو أن مشروع الهلال الشيعي الإيراني حقق نجاحا في إدخال إيران إلى العواصم العربية، بمعنى أن إيران استخدمت المذهب الشيعي كحصان طروادة لتحقيق الهدف السياسي وهو السيطرة على الدول العربية من خلال الأقليات أو الجماعات الشيعية الموجودة فيها مثل اليمن ولبنان وسوريا وفلسطين والعراق، لكن هذا النجاح يمكن أن يتحول إلى فشل لو تم إفهام العرب الشيعة بأنهم أداة في يد إيران وليسوا شركاءها في صناعة المشهد.
ـ لماذا تصمت الدول العربیة السنیة علی الاعتداءات الإيرانية علی المكونات السنیة في العراق؟
الدول العربية منشغلة (أو تم شغلها) في مشاكلها الداخلية الاقتصادية والأمنية والسياسية، وقد استغلت إيران تلك المرحلة من الانشغال والرخاوة في الصف العربي، لتحقيق مصالحها السياسية المتمثلة في تغليب المكونات الشيعية على المكونات الأخرى، وهناك تقارير تتحدث عن إبادة قرى سنية كاملة في شمالي العراق، كما أن هناك تقارير تتحدث عن إعادة هندسة الديموجرافيا العراقية لإحلال المكون الشيعي مكان المكونات الأخرى، وهذا في حد ذاته ينطوي على خطورة بالغة على المجتمع العراقي نفسه في المديين القريب والمتوسط.
ــ ما سبب صمت المجتمع الإسلامي على مهاجمة إقلیم كردستان برعایة إیران في أكتوبر عام ۲۰۱۷؟
لقد سبق لي زيارة إقليم كردستان العراق، وأعرف كيف ينظر الإيرانيون إلى هذا الإقليم الحيوي المهم للغاية، الذي يعتبرونه ممرا لهم إلى العراق وإلى تركيا، وبالتالي فإيران لن تسمح بأي نشاط يؤثر على الطريق البري من كرمنشاه إلى تركيا مهما كلفها ذلك، وبالنسبة للصمت الإسلامي، يمكن القول إن التوزانات الحالية لا تجعل بمقدور الأمة الكردية تدشين ملف سياسي متكامل يقدم معاناتها مع الإيرانيين إلى أي محفل دولي مثل “منظمة التعاون الإسلامي بجدة” على سبيل المثال وليس الحصر.
ــ كیف تری دور إیران في سوریا بعد الانسحاب الأمریكي؟
أعتقد أن الانسحاب الأمريكي لن يؤثر كثيرا على الدور الإيراني في سوريا؛ لأن إيران نجحت في بناء قواعد اقتصادية ودولتية وعسكرية لها في هذا البلد يصعب جدا معها تحجيم دورها، ومع ذلك فهي لا تقوى الآن على الإنفاق العسكري على ميليشياتها العسكرية الموجودة في سوريا لاعتبارات تتعلق بالأزمات الاقتصادية والعقوبات الأمريكية.
ــ هل العقوبات الأمریكیة علی إیران ستؤثر علی نظامها؟
من المؤكد أن العقوبات الأمريكية على إيران تؤثر تأثيرا بالغا على النظام وعلاقته بالمجتمع الإيراني، فضلا عن أن تلك العقوبات تؤدي إلى تفاقم المشاكل الهيكيلية للقطاع المصرفي الإيراني، ولعل أهم ما في تلك العقوبات أنها ستحرم النظام من الحصول على نحو 300 مليار دولار سنويا هي حجم المبيعات من المواد المتعلقة بالطاقة، هذه الأزمة الكبيرة ستجعل من الصعب جدا على النظام الإيراني الوفاء بالتزاماته المتعلقة بالتنمية أو الإنفاق على المشاريع الداخلية أو حتى تمويل النشاطات الخارجية المزعزعة للاستقرار في الدول العربية.
ــ هل المجتمع الشیعي في العراق، خاصة المراجع الشیعیة، يؤیدون التدخلات الإیرانیة في العراق؟
لعلك تعلم أنني زرت العراق أكثر من مرة والتقيت بعدد من رجال الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وكما نما إلى علمي فإن هناك اختلافا بنيويا هائلا بين المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني وبين إيران، وكم من مرة تلك التي أصدر فيها بيانات ومواقف مضادة للسلوك الإيراني في العراق، وكما هو واضح فإن نظرية ولاية الفقيه التي تحكم إيران وتمكن إيران من التمدد المذهبي الاستراتيجي في الدول العربية لا تحظى بالرضا والقبول لدى المراجع الدينية في النجف الأشرف. هناك أيضا نقطة مهمة جدا وهي أن رجال الدين في النجف يعرفون أن النجف أقدم وأهم من “قُم” وأن إيران تحاول أن تجعل قم قائدة للعالم الشيعي بالرغم من أن النجف أكثر أهمية في هذا المضمار.
ــ ما تقییمك للسیاسة الدولیة للسید نیجیرفان البرزاني رئیس حكومة الإقلیم، وهل سينجح في مهام رئاسة إقلیم كردستان؟
أعتذر عن عدم الإجابة عن هذا السؤال.
ــ هل هناك علاقات بین إیران وتنظیم داعش الإرهابي؟
ثمة علاقة أكيدة بين إيران وكل الجماعات الراديكالية المسلحة ومنها بطبيعة الحال تنظيم داعش باعتبار أنه أحد روافد تنظيم القاعدة وانشق عنه، ونظرا للعلاقات الراسخة بين قادة القاعدة وإيران فليس من المستبعد أبدا أن تكون هناك علاقات بين قادة داعش والنظام الإيراني سيتم الكشف عنها لاحقا كما تم الكشف مؤخرا عن علاقات متينة وقديمة بين قادة تنظيم طالبان والحكومة الإيرانية، والدليل على ذلك عدم قيام تنظيم داعش بعمليات نوعية في إيران باستثناء عملية استهداف مبنى البرلمان الإيراني وضريح الخميني في الصيف من العام 2017.
هناك أيضا ملاحظة جوهرية وهي ما قاله الجنرال محسن رضائي قائد الحرس الثوري الأسبق، حين أكد أن لإيران عملاء في تنظيم داعش، وهو إعلان من جانب مسؤول رفيع المستوى في طهران يؤكد جانبا من تلك العلاقات التي نجحت إيران في تشبيكها مع تنظيم داعش، خاصة عندما كان متمركزا في محافظة ديالى على مقربة من الحدود الإيرانية.
ــ هل نجح إقلیم كردستان في إدارة الإقلیم وتوازن العلاقات الدولیة؟
أعتذر عن عدم الإجابة عن هذا السؤال.
ــ كیف تری مستقبل إقلیم كردستان وعلاقاته مع الدول العربیة؟
أعتقد أن إقليم كردستان العراق تربطه بالدول العربية وحدة المصير ووحدة الأهداف المشتركة. هذا المصير المتعلق بالأمن والسلم في تلك المنطقة المشتعلة من العالم، وهي الشرق الأوسط، ويدل ذلك على أن المستقبل قد يحمل الكثير من المفاجآت الجيدة للإقليم، خاصة بعد أن حصل على مكتسبات ليس لها نظير، فيما يتعلق بحق التعليم باللغة الكردية في المدارس والاستحقاقات المنصوص عليها في دستور 2005. وأقترح على الإقليم الاقتراب من المحيط العربي والائتمان به في ظل مجاورة قوتين كبيرتين هما إيران وتركيا، وعليه من مصلحة أربيل الاقتراب أكثر فأكثر من الدول العربية المركزية وعلى رأسها مصر بطبيعة الحال.
ــ من الواضح أن العراق الجدید أصبح تحت الهیمنة الإیرانیة ماعدا إقلیم كردستان، ما هو السبب؟
تاريخيا سبب إقليم كردستان العراق معضلة لإيران في ظل حالة الاحتدام والتنافس بين الحزبين الكبيرين في الإقليم وهما الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حتى في عهد الشاه وصدام حسين قبل وأثناء وبعد الحرب العراقية ـ الإيرانية، وكم عانى الكرد من الدولة الإيرانية، حتى الكرد الشيعة الفيليين رفضت إيران استضافتهم وباتوا لا مكان لهم في العراق بسبب سياسات صدام ولا مكان لهم في إيران بحكم أنهم كرد وليسوا فرسا وبحكم أنهم فيليين وليسوا إثنى عشرية. وبالتالي فإن الكتلة الكردية الأكبر تلك التي تدين بالمذهب السني هي سبب الابتعاد عن إيران في كل العصور، وخاصة في العصر الراهن الذي تحكم فيه جماعة مذهبية إثنى عشرية هذا البلد.
ــ هل تسمح إیران بالتدخلات التركیة في سوریا؟
المؤكد من وجهة نظري أن التمدد التركي العسكري في سوريا وفي عفرين تحديدا لم يكن ليحدث إلا بتنسيق مع إيران وتركيا تعلم تمام العلم أنه لو أقدمت على عمل عسكري بدون الضوء الأخضر الإيراني فإن الصدام سيكون كبيرا ومروعا لكل الأطراف.
وفي الأشهر الماضية بدت إيران أكثر قربا إلى تركيا وانسجاما مع مواقفها خاصة تجاه عملية تحرير إدلب لذلك وافقت إيران على الرغبة التركية في عدم القيام بعمل عسكري على إدلب حماية للمصالح التركية بالرغم من أن ذلك تعارض واصطدم مع الرغبتين السورية (بشار الأسد) والروسية (فلاديمير بوتين).
وعليه يمكن القول أن إيران سمحت لتركيا بالتدخل العسكري في “روجافا” لاعتبارين مهمين أولا: رد الجميل نظرا لموقف تركيا المعارض للعقوبات الأمريكية على إيران. ثانيا: التوافق التركي والإيراني نحو محاصرة النفوذ الكردي فيما يتعلق بدور قوات سوريا الديمقراطية في هذا الجزء الشمالي من الأراضي السورية.
نص حوار محمد محسن أبو النور، رئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” مع جريدة “أفرو” الكردية