شغل المفكر الإيراني ذائع الصيت، علي شريعتي، إيران في أثناء حياته على وقع مساجلاته الفكرية وأطروحاته ومحاضراته التي أطلق من خلالها آراءه التقدمية المتجاوزة للعصر، وبسبب انتقاده الدائم لنظام الشاه محمد رضا بهلوي. وأدى اغتياله في صيف العام 1977 إلى انتقال أفكاره من الحدود الجغرافية لإيران إلى العالم أجمع وأصبح رمزا للفلسفة التجريدية في الشرق بأكمله، لدرجة جعلت الكثير من المؤرخين يطلقون عليه ألقابا منها “فولتير إيران” أو “فولتير الشرق” وأصبح شريعتي علما على التغيير في هذا البلد، ومثلت أفكاره منطلقات نظرية للثورة الجامحة على نظام الشاه، ولم تمر سوى 16 شهرا حتى انفجر المجتمع الإيراني في وجه الشاهنشاهية، وطفق الثوار يرددون مقولاته التي تدعو إلى التحرر من النظام الشمولي الذي ظل مسيطرا على قمة السلطة حتى سقط في نهاية المطاف يوم 16 يناير بالعام 1979.
وتحت عنوان “علي شريعتي، مناضلاً سياسياً، مفكراً اجتماعياً، شاعراً” أصدرت هذا الكتاب بالتعاون مع “المجمع الثقافي المصري”، لأسباب عدة، منها:
أولا: أن الدكتور علي شريعتي يعتبر من كبار المفكرين الإيرانيين في العقدين السادس والسابع من القرن العشرين، وعلى الرغم من وفرة إنتاجه في مختلف العلوم الاجتماعية، والتاريخية، والدينية، والفلسفية والأدبية، إلا أنه لم يحظ باهتمام الباحثين والمتخصصين لدينا، وربما كان العملان الوحيدان اللذان تم ترجمتهما له إلى العربية هما: “إعداد الذات الثورية” الذي قام بترجمته الأستاذ الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا، وأورده ضمن فصول كتابه “الثورة الإيرانية، الجذور والإيديولوجية” عام 1988م. والكتاب الآخر هو كتاب “زن” أو “فاطمه فاطمه است” الذي قمت بترجمته عام 2006م. وما تم ذكره دون ذلك حول شريعتي وأعماله لم يتعد بضعة سطور في بعض المؤلفات المتفرقة وهي بطبيعة الحال لم تف بالغرض، ولم توضح الملامح الحقيقية لذلك المفكر الثائر. وعليه، فقد عقدت العزم على جمع المادة العلمية حول هذه الشخصية لعلني أستطيع توضيح ملامحها بما لها وما عليها.
ثانيا: بعد اطلاعي على ما دونته السيدة پوران شريعت رضوي ـ زوجة الدكتور علي شريعتي ـ وكذلك على ما ورد على لسان ابنه إحسان من خلال المجلات الإلكترونية أدركت أنني سأواجه إنساناً مرهف الحس، يتألم لآلام مجتمعه، ويثور ضد الظلم بشتى صوره، ويأبى النفاق والخداع، ذا نظرة خاصة تجاه كل ما حوله ومن حوله. ورأيت أنه من الضروري أن أتعدى حدود التعريف بالشخصية في محاولة للوصول إلى أغوارها، ووجدت الرغبة تزداد بداخلي يوماً بعد يوم لمعرفة من الذي تأثرت به تلك الشخصية؟ وعلى أي نحو كانت تفكر؟ وإلى أي شيء كانت تهدف؟ ولمَ دار هذا الجدال الطويل بشأنها؟ وكان لابد من الاستزادة في البحث للوصول إلى إجابات شافية عن تلك الأسئلة التي ظلت تراودني لفترة ليست بالقصيرة.
ثالثا: ما لمسته من تقارب في وجهتي النظر العقائدية بين الدكتور علي شريعتي، والمؤرخ الإيراني الشهير أحمد كسروي تبريزي، فكلاهما ذو رؤية محددة تجاه الدين والمذهب، وكلاهما اتهم بالتسنن، وكلاهما تم اغتياله بشكل أو بآخر. وعليه رغبت في البحث عن مواضع الاتفاق بين رؤيتيهما الدينية والمذهبية لإثبات وجهة نظر خاصة ألا وهي ظهور بعض المفكرين المستنيرين في المجتمع الشيعي بين الحين والآخر لنقد السلبيات المطروحة في ذلك المجتمع تحت مسمي الدين والمذهب. لكن ما كان يسترعي اهتمامي دوماً هو الاستفسار التالي:
لمَ اتفق الجميع على اتهام كسروي بالزندقة والإلحاد وتم اغتياله بيد أحد أعضاء منظمة فدائي إسلام، بينما انقسم رجال الدين عند شريعتي، حيث ثار بعض رجال الدين المحافظين ضده، بينما لزم الآخرون الصمت – ومن بينهم آية الله الخميني – وحتي حينما شكك البعض في وفاته، ذهبوا جميعاً إلى ضلوع أفراد جهاز الاستخبارات الإيراني – الساواك – في عملية الاغتيال، ولم تأت إشارة واحدة من قريب أو بعيد إلى إمكانية ضلوع إحدى الجماعات الإسلامية في ذلك الأمر، وأشار البعض إلى أن اغتياله كان لأسباب سياسية وليس لأسباب دينية. وقد حاولت قدر إمكاني البحث حول هذه المسألة لاستنتاج أسبابها.
وعليه عكفت على قراءة كل ما وقع تحت يدي لأقدم هذا البحث المتواضع حول شخصية الدكتور علي شريعتي وأعماله. وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاثة مباحث.
يأتي المبحث الأول تحت عنوان “التعريف بعلي شريعتي” وأتناول فيه السيرة الذاتية له من خلال ماورد بخط يده في رسالته إلى الساواك – والتي تتألف من أربعين صفحة – وكذلك من خلال ما دونه في كتابه “هبوط در كوير” وأيضاً من خلال بعض المؤلفات الأخرى. كما أشرت كذلك إلى أهم آثاره ومؤلفاته.
أما المبحث الثاني فجاء تحت عنوان “المنهج الفكري عند شريعتي” وبدأته بتمهيد حول الشخصيات التي أثرت في تشكيل منظومته المعرفية، ثم عرضت وجهة نظر شريعتي حول موضوعين أساسيين، هما: البروتستانتية الإسلامية وآراؤه الخاصة حول بعض الأمور الدينية والمذهبية.
أما المبحث الثالث فجاء تحت عنوان “شريعتي شاعراً” ويدور الحديث فيه حول رؤية شريعتي للفن والأدب بشكل عام، ثم رؤيته لما نظمه هو بشكل خاص، ثم تناولت المضامين التي وردت في أشعاره، والتي تمثلت في الغالب الأعم في: الاغتراب، والوحدة، والألم .
وبعد ذلك عرضت أهم النتائج التي توصلت إليها خلال البحث، وأتبعتها بقائمة تتضمن المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها.
غلاف الكتاب