فور إعلان الولايات المتحدة الأمريكية فرض الحزمة الثانية من العقوبات المتعلقة بالنفط الإيراني – حيث تهدف الولايات المتحدة لتصفير إيرادات النفط الخام لطهران – اتجهت الأنظار ناحية التساؤلات عما إذا كانت كل تلك الإجراءات الأحادية الجانب من واشنطن قد تؤدي في النهاية إلى تقويض النظام الإيراني من عدمه؟! أو حتى إجبار النظام الإيراني على إعادة التفاوض على الاتفاق النووي من جديد، فقد اعتبر مراقبون أن إيران لديها من الخبرة الكافية ما يجعلها تنجح في الالتفاف على العقوبات الأمريكية؛ لتتفادى الإجراءات الصعبة التي تتخذها واشنطن ضد طهران، فيما رأى البعض الآخر أن ما يحدث يهدف إلى تقويض النظام الإيراني الحالي وإماطة اللثام عن ممارساته أمام العالم كله، من أجل إخضاعه لشروط الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة التفاوض على الاتفاق النووي مرة أخرى أو مناقشة اتفاق تكميلي في أفضل الحالات.
ملخص تنفيذي
تمثل العقوبات المفروضة حاليًا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تهديدا للنظام الإيراني الذي يحاول بشتى الطرق الخلاص من تلك العقوبات، بالرغم مما يعلنه من وقت لآخر حول مجابهته الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أن تلك العقوبات لن تؤثر على إيران.
يتوقف نجاح العقوبات الأمريكية على إيران ليس في كم وكيف تلك العقوبات، لكن في صرامة تطبيقها وعدم التسامح مع الأطراف الدولية الأخرى المتعاملة مع إيران، بمعنى أن العقوبات قد تؤدي إلى النتيجة المرغوبة أمريكيا، شريطة توافر إرادة معاقبة إيران، وليس الضغط السياسي فقط.
يحاول النظام الإيراني الالتفاف على العقوبات الأمريكية، مستغلًا علاقته بدول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند، من خلال تدشين آلية العمل الخاصة، التي من المفترض أن تتيح الالتفاف على العقوبات والتي من خلالها سيحاول النظام الإيراني مواجهة الركود الاقتصادي الناجم عن الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي.
بالرغم من إعلان دول الاتحاد الأوروبي دعمها الكامل للنظام الإيراني ومحاولات إيجاد بدائل لاستئناف التعامل التجاري مع طهران بالرغم من فرض القيود الأمريكية، إلا إن الاتحاد الأوروبي يعلن من وقت لآخر عن صعوبات ناتجة عن استخدام آلية spv وأبرزها عدم وجود دولة تستضيف مقر تلك الآلية، فضلًا عن أن البدء في استخدام تلك الآلية سيأخذ وقتًا طويلًا قد يصل إلى منتصف العام المقبل.
يعتبر الموقف الأوروبي مؤقتا إلى حد كبير، ففي ظل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها رسميًا في مايو الماضي من الاتفاق النووي أعلنت الشركات الأوروبية الكبيرة انسحابها باستثماراتها من طهران مباشرة، ورفضت الضغط الدولي للعودة للسوق الإيرانية مرة أخرى خوفًا على استثماراتها في السوق الأمريكية.
يعاني الداخل الإيراني من أزمات محدقة قد تكون سببًا في هدم ذلك النظام بشكل كبير من مدن تعج بالتظاهرات المناهضة للنظام، فضلًا عن الأزمات الاقتصادية الصعبة التي يستحيل على النظام أن يواجها وأن يقدم لها حلولًا جذرية، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة المحلية بشكل حاد وأصبحت عملة فاقدة للاعتبار في الأسواق العالمية.
الضغط الأمريكي على طهران مرهون بشكل كبير بموافقة طهران على شروط واشنطن التي حددتها الإدارة الأمريكية في 12 شرطًا لإعادة التفاوض على الاتفاق النووي من جديد، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى قطع أذرع إيران في منطقة الشرق الأوسط المتمثلة في دعم الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والنظام السوري بقيادة بشار الأسد، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
في ظل إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارسة أقصى ضغط على طهران وفرض عقوبات أخرى بعد الحزمتين اللتين فرضتهما مؤخرًا، فضلًا عن التهديدات التي تلقيها واشنطن من وقت لآخر لكل من سيتعامل مع طهران، قد يبدو الوضع معقدًا إلى حد بعيد ما قد يهدد بقاء النظام الحالي، خاصة أنه لا يقدم أي علاج حقيقي لأزماته الاقتصادية الداخلية، وعزلته الإقليمية.
تهدف السطور التالية إلى الإجابة – بالأرقام والإحصاءات – عن مآل ما وصل إليه الوضع في الداخل الإيراني خاصة في ظل العقوبات الأمريكية الجديدة، وطبيعة التراجع في الاستثمارات الخارجية على الداخل الإيراني، وهل ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في إكراه النظام الإيراني على تغيير سلوكه؛ ما يسهل معه إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي طبقًا للشروط الأمريكية الاثنى عشر التي سبق أن أعلنت عنها وزير الخارجية مايك بومبيو.
الشروط الأمريكية الـ12
تحت عنوان «استراتيجية جديدة حول إيران»، ذكرت الخارجية الأمريكية في مقطع فيديو 12 مطلبا للولايات المتحدة من النظام الإيراني في هذا الصدد، وتشمل:
1- الكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل العسكرية السابقة لبرنامجها النووي.
2- وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم إنتاج البلوتونيوم وإغلاق مفاعل المياه الثقيل «آراك».
3- السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المشروط إلى جميع المواقع النووية في البلاد.
4- إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
5- إطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة المعتقلين في إيران.
6- إنهاء دعم الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط بما فيها “حزب الله”، و”حماس”، و”حركة الجهاد”.
7- احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية.
8- وقف دعم الميليشيات الحوثية والعمل على تسوية سياسية في اليمن.
9- سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا.
10- إنهاء دعم طالبان والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة وعدم تقديم مأوى لقادة القاعدة.
11- إنهاء دعم فيلق القدس التابع للحرس الثوري للإرهابيين عبر العالم.
12- وقف تهديد جيرانها بالصواريخ، وهجماتها السيبرانية المخربة، فضلا عن تهديدها الملاحة الدولية[1].
تحركات طهران
في الوقت نفسه مازالت طهران تراهن على حلفائها الأوروبيين والروس والصينيين الذين أعلنوا في بداية الأمر عن دعمهم للنظام الإيراني واتخاذ خط مخالف للمسار الذي انتهجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فضلًا عن إعلان الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الحليفة لطهران عن تدشين آلية ذات غرض خاص تمكنها من الالتفاف على العقوبات الأمريكية وتحقيق نوع من التبادل التجاري ـ حتى لو كان بسيطًا ورمزيا ـ بين طهران وتلك الدول المعروفة اقتصاديًا بـ«مجموعة الـSpv»، وهي تعني اختصارًا لـ«Special Purpose Vehicle».
ولعل هناك عدة أمور تتمثل في إبراز دوافع تلك المجموعة للسير في هذا الاتجاه وتحركات إيران من أجل مواجهة ترامب، وتتمثل في:
أ- رغبة أوروبا في مواجهة ترامب: تريد دول الاتحاد الأوروبي إجمالًا مواجهة السياسات الأمريكية، خاصة تلك التي تتعلق بإيران بشكل أساسي، إذ إن أغلب دول أوروبا تعتمد على إيران بشكل كبير في استيراد النفط الخام، حيث تستورد دول أوروبا ما يقرب من 700 ألف برميل نفط إيراني يوميًا، وعلى الرغم من تواضع ذلك الرقم إلا أن عددا كبيرا من دول أوروبا يجد صعوبة بالغة في تأمين حصته اليومية من النفط في ظل مؤشرات تؤكد ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يزيد عن 70 دولار للبرميل.
ب- الاتفاقات التجارية: فبعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة إعلاميًا بـ«الاتفاق النووي» عقدت طهران ودول الاتحاد الأوروبي عدة صفقات استثمارية وتجارية مع طهران في عدة مجالات تتعلق بالاستيراد والتصدير فضلًا عن شركات التكرير والنفط، وهو ما ساعد إيران على تحقيق بعض التقدم الاقتصادي لفترة وجيزة، إلا أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي وفرض العقوبات، قضى تماما على تلك الآمال.
ت- احترام الشرعية الدولية: بإعلان الرئيس الأمريكي انسحابه من الاتفاق النووي أعلن الاتحاد الأوروبي عن استمراره في الاتفاق بشكل أساسي، إذ أعلنت فيدريكا موغريني، مفوضة الاتحاد الأوروبي السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إلى أن الاتحاد الأوروبي متمسك بالاتفاق النووي الذي وقعه كضامن وشريك أساسي فيه، حيث حاول الاتحاد الأوروبي إضفاء الشرعية على قراراته المتمثلة في إعلانه احترام توقيع الاتحاد على خطة العمل الشاملة المشتركة، فضلًا عن انتقاده الانسحاب الأمريكي غير المبرر، بالإضافة إلى أن ذلك يعد نوعًا من إظهار الاتحاد الأوروبي على أنه يسير وفقًا للشرعية الدولية ويحترم توقيعاته وتعهداته الدولية ذات الشأن[2].
أبرز الدول المستوردة للنفط الإيراني
في البداية بلغ إنتاج إيران من النفط قبل العقوبات الأمريكية الحالية 3.8 مليون برميل يوميًا، تصدر طهران نحو 2 مليون برميل نفط يوميًا لـ10 دول أوروبية وأسيوية، وتعتبر إيران ثالث أكبر مصدر للنفط داخل منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” بعد السعودية والعراق، وكانت إيران تهدف للوصول بإنتاجها من النفط إلى 4.7 مليون برميل يوميًا، لولا الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الاتفاق النووي، وجاءت صادرات النفط الإيراني كالتالي:
1- الصين 600 ألف برميل يوميًا
2- الهند 450 الف برميل يوميًا
3- كوريا الجنوبية 250 الف برميل يوميًا
4- تركيا 200 الف برميل يوميًا
5- إيطاليا 180 الف برميل يوميًا
6- اليابان 130 الف برميل يوميًا
7- فرنسا 110 الف برميل يوميًا
8- اليونان 100 الف برميل يوميًا
9- إسبانيا 70 الف برميل يوميًا[3]
حجم استثمارات بعض الشركات الأوروبية الكبرى في إيران
1- شركة إيرباص الفرنسية العاملة في مجال الطيران، 10 مليارات دولار.
2- شركة توتال الفرنسية العاملة في مجال النفط، 5 مليارات دولار.
3- شركة رينو الفرنسية العاملة في مجال السيارات، مليار دولار.
4- شركة ساجا إنرجي النرويجية العاملة في مجال الطاقة، 3 مليارات دولار.
5- شركة سيمنز الألمانية العاملة في مجال الإلكترونيات 6 مليارات دولار.
رسم بياني يمثل تدرج حجم الواردات الأوروبية النفطية من طهران، وتم إعداده من قبل الباحث من خلال معلومات تم جمعها من مصادر متفرقة
بداية الانتكاسة
عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي أعلنت عدد من الشركات التابعة لأوروبا وغيرها من الدول انسحابها من الأسواق الإيرانية وكان من أبرزها شركة توتال الفرنسية العاملة في مجال النفط، وشركة إيرباص الفرنسية العاملة في مجال الطيران، وشركة إيني الإيطالية النفطية، وشركة دانيلي، إلى جانب عدد كبير آخر من الشركات الكبرى العاملة في المجالات الصناعية وعلى رأسها صناعة السيارات، كما تراجع استيراد كوريا الجنوبية من النفط الإيراني بشكل كبير، إذ استوردت في يونيو الماضي 167 ألف برميل فقط، وتوقفت عن استيراد النفط الإيراني فيما منحتها الولايات المتحدة الأمريكية استثناءً لحين الاكتفاء.
أما الهند فقد تراجعت وارداتها من النفط الإيراني بنسبة 16% [4]واستوردت نسبة أقل وطلبت من شركات التكرير إيجاد بدائل للنفط الإيراني، فيما أعلن بنك “إم يو إف جي” الياباني أنه سيوقف جميع تعاملاته مع إيران، كما أعلنت مصافي التكرير لعدد من دول أوروبا كإسبانيا واليونان وفرنسا عن تقليص وارداتها وشرعت في البحث عن بدائل للنفط الإيراني.
دوافع انسحاب الشركات الأوروبية من طهران
يغيب الالتزام بتقاليد وأعراف السياسة الدولية في حالة ما إذا كانت التعاملات المالية هي التي تحكم، وبذلك يبقي الحكم النهائي والأخير في يد الشركات لا الدول، وهو الأمر الذي حدث في حالة تطبيق العقوبات على طهران، حيث بادرت شركات أوروبية عديدة بالانسحاب من إيران باستثماراتها رغم الضغط السياسي على تلك الشركات بالبقاء تنفيذًا لخطة الاتحاد الأوروبي ومجموعة الـspv، ولعل دوافع ذلك الانسحاب تتمثل في:
1- تجارة دول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة الأمريكية يتخطى حجم التبادل التجاري بين دول أوروبا وطهران عشرات المرات.
2- الولايات المتحدة الأمريكية حاضنة لأكبر سوق استهلاكي في العالم بمعدل 19 تريليون دولار[5].
3- الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة شرائية في العالم إذا يبلغ تعداد السكان فيها أكثر من 325 مليون نسمة.
4- حجم التبادل التجاري بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 700 مليار دولار سنويًا.
5- حجم التبادل التجاري بين دول أوروبا وإيران يعادل 6% من حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الاوروبي وطهران.
6- حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق يصل إلى 13 مليار دولار يتضمن نحو 6 مليارات و200 مليون صادرات غير نفطية إيرانية إلى العراق.
الصمود الإيراني رغم العقوبات
بالرغم من كل الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها إيران داخليًا على وقع الحزمتين الأولى والثانية من العقوبات الأمريكية، فضلًا عن حالة التردي الاقتصادي الداخلي الكبير، الذي نتج عنه انهيار العملية المحلية «الريال» ما جعلها عملة فاقدة للاعتبار في المعاملات التجارية الدولية أمام كل العملات، فضلًا عن أن 40% من المواطنين بلا عمل، بالإضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للعمال بنسبة 90%، علاوة على الارتفاع المبالغ فيه بأسعار السلع الغذائية الرئيسية بنسب تتراوح بين 50% إلى 100%، مع تزايد حدة التظاهرات في عدد من المدن الإيرانية وأبرزها إقليم الأحواز بعد قرار القضاء الإيراني الحكم بإعدام 22 شخصًا بتهمة تورطهم في أحداث المنصة في سبتمبر الماضي.
كل ذلك ومازالت أجهزة صنع القرار تراوغ وتحاول من وقت لأخر الصمود في وجه العقوبات الأمريكية، متسلحة ببعض التطمينات الكلامية التي يطلقها دائمًا المسؤولون التنفيذيون وعلى رأسهم حسن روحاني رئيس البلاد، ومحمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري، بالإضافة إلى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وغيرهم من القيادات التنفيذية والبرلمانية.
رسم بياني يمثل تدرج لحجم الواردات الأسيوية النفطية من طهران، وتم إعداده من قبل الباحث من خلال معلومات تم جمعها من مصادر رسمية متفرقة
1 ـ الاستثناءات الأمريكية
بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي قبيل الإعلان عن الحزمة الثانية من العقوبات عن استثناءات بسيطة لعدد من الدول بلغ ثماني دول فقط – بصفة مؤقتة – من العقوبات الأمريكية النفطية لحين إيجاد مصادر نفطية بديلة [6]وهي: «اليابان – كوريا الجنوبية – إيطاليا – اليونان – الصين – تايوان – الهند – تركيا»، حيث كانت الإجراءات التي قامت بها تلك الدول وإعلان التزامها بالشروط الأمريكية فيما يخص العقوبات هو السبب وراء إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن تلك الاستثناءات بعد أن أثبتت أنها حليف مهم للولايات المتحدة الأمريكية، ما عزز من إمكانية منح واشنطن للاستثناءات لتلك الدول، تنفست إيران الصعداء حيث وجدت منفسًا يمكنها من تحقيق نوع ـ ولو بسيط ـ من التبادل التجاري الذي قد يعزز من وضعها الاقتصادي إلى حين.
2 ـ سياسة المفاوضات
في الوقت الذي يطلق فيه مسؤولون تنفيذيون في طهران تصريحات عدائية عن الولايات المتحدة الأمريكية على اعتبار أنها «الشيطان الأعظم»، وتقابلها تصريحات باللهجة نفسها عن طهران على أنها «محور الشر» تدور في الأروقة محاولات إجراء مفاوضات جادة بين الطرفين بوساطة يوسف بن علوي، وزير خارجية سلطنة عُمان، حيث تشير المعلومات الميدانية إلى أن إيران رفضت مناقشة الـ12 شرطًا، ووافقت فقط على وقف تمويل ميليشيا الحوثي في اليمن من دون النظر إلى الشروط الأخرى، فيما توقفت تلك المفاوضات بعد أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حزمتها الثانية من العقوبات وهددت كل المتعاملين مع طهران بعقوبات مماثلة.
الأمر الآخر متعلق برغبة النظام الإيراني نفسه في التفاوض الجاد من أجل حل الأزمة التي يعاني منها على اعتبار أنها أزمة وجود تتعلق بمدى بقاء النظام الإيراني من عدمه بسبب الضغوط الأمريكية من وقت لآخر، فضلًا عن التلويح الأمريكي الدائم بتنفيذ أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني، ما دعا الرئيس حسن روحاني للتوجه إلى سويسرا خلال شهر يوليو الماضي للقاء آلان بيرسي، الرئيس السويسري[7]، على اعتبار أن دولة سويسرا هي راعية المصالح الأمريكية في طهران، بعد قطع العلاقات بين الطرفين في أعقاب حادث السفارة الأمريكية في طهران عام 1979.
خاتمة
لو ظلت السياسات الإيرانية على حالها وظل الضغط الأمريكي على حاله، فلن تفلح محاولات المرشد الإيراني علي، خامنئي والرئيس حسن روحاني، في التصدي للعقوبات الأمريكية، التي قد تهدد بقاء النظام الحالي، الذي يعاني من أزمات طاحنة قد تودي بحياة هذا النظام، وحتى لو عدل الوضع إلى الأفضل فإن النظام الإيراني يحتاج إلى معجزة للخروج من تلك الكبوة الاقتصادية الكبيرة التي وضع نفسه فيها.
وبالرغم من أن النظام الإيراني رأى متنفسًا في الاستثناءات الأمريكية لبعض الدول، إلا أن النظام سيصطدم بالفترة الزمنية التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية لحين حصول الدول المستثناة على ما يكفيها من النفط، بالإضافة لإيجاد مصدر بديل للنفط الإيراني، وتعود بعدها إيران لتصفير وارداتها من النفط الإيراني ما ينذر بكارثة حيث تعتمد الموازنة العامة لإيران على بيع النفط بما يمثل 70 % من حجم الموازنة العامة.
يشير الموقف الأوروبي إلى أن داعم مؤقت للنظام الإيراني، إذ نشب خلاف بين دول الاتحاد الأوروبي في وقت سابق حول الدولة المستضيفة لمقر الألية الخاصة التي سيتمكن من خلالها الاتحاد الأوروبي من التعامل مع إيران، ومع الرفض القاطع لعدد من الدول التي تخشى الوقوع تحت ضغط العقوبات الأمريكية، حاولت دول أوروبا الضغط على لوكسمبورج لاستضافة مقر الآلية الخاصة.
ــــــــــ
[1] وزير الخارجية الأمريكي: 12 طلبا أمام إيران مقابل تطبيع العلاقات مع واشنطن – 21.05.2018 – https://bit.ly/2zp7HZl
[2] الاتحاد الأوروبى: نرغب فى الحفاظ على استمرارية الاتفاق النووى الإيرانى – 28 مايو 2018 – https://bit.ly/2zhIJel
[3] أهم الدول المستوردة للنفط الإيرانى – 10 مايو 2018 – https://bit.ly/2zhIKPr
[4] مصادر: تراجع واردات الهند من نفط إيران في يونيو وسط مخاوف من العقوبات – 11 تموز يوليو 2018 – https://bit.ly/2zfet3w
[5] لهذه الأسباب.. اقتصاد أميركا الأكبر في العالم – 20 مايو 2017 – https://bit.ly/2DI7i85
[6] الولايات المتحدة تتوصل إلى تفاهم مع تركيا بشأن العقوبات ضد إيران – 07.11.2018 – https://bit.ly/2FqGhHW
[7] روحاني من سويسرا: طهران ستلتزم الاتفاق النووي ما دامت مصالحها محفوظة – 3 تموز 2018 – https://bit.ly/2Bea3vp