نشر الكاتب محمد رضا عرفانیان مقالة في وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية “إيرنا”، بعنوان “سد النهضة نهاية الطريق أم بداية الأزمة”. وقد رأى “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية . أفايب” الذي يتخذ من عروبته مرتكزا لعمله، ترجمتها؛ لتعريف قرائه والمهتمين العرب بجانب من وجهة نظر المؤسسات الحكومية الإيرانية، ورؤيتها حيال أزمة سد النهضة بين دولتين عربيتين هما: مصر والسودان من جهة، وبين إثيوبيا من جهة أخرى.
(*) يوصي المنتدى القارئ الكريم بضرورة قراءة الهوامش المهمة للغاية التي أوردتها المترجمة أسفل النص.
(*) يؤكد المنتدى أن المقالة لا تعبر البتة عن وجهة نظر المنتدى ولا المترجمة، وأن ما بها من أخطاء معلوماتية جسيمة متعمدة تم تفنيدها بالأدلة والبراهين الموثقة في الهوامش أسفل النص.
***
لاتزال جولة المفاوضات بين مصر والسودان مستمرة حيال كيفية بدء ملء سد النهضة، غير أن نهاية المباحثات الأخيرة نتج عنها بيانات وتصريحات متناقضة لكل من الجانبين. ويعد تحديد موعد ملء خزان السد، والمساومة بشأن كيفية الانتفاع من مياهه خلال فترات الجفاف الموسمية لهذه المنطقة أحد أهم نقاط الخلاف المتنازع عليها بين الدول الثلاث (مصر، السودان، إثيوبيا).
وقد أصدرت القاهرة بيانا بعد اجتماع وزراء الدول الثلاث، ألقت فيه اللوم على إثيوبيا؛ لفشلها في التوصل إلى اتفاق نهائي. على صعيد آخر صرح المتحدث باسم وزراة الموارد المائية والري محمد السباعي بقوله: “إنه غير متفائل حيال سير المحادثات، كذلك اتهم المسؤولين الإثيوبيين بالتعنت”.
علاوة على هذا أكدت القاهرة على أن المسؤولين بأديس أبابا ليسوا على استعداد لتنفيذ الاتفاقيات السابقة. على النقيض وصفت وزارة الموارد المائية الإثيوبية، في بيان لها تصريحات القاهرة بأنها “متضاربة” وطالبت المسؤولين المصريين، بالتوقف عن إصدار أي بيانات مبكرة خلال المباحثات، إلى جانب الابتعاد عن ممارسة الضعط الدبلوماسي. وبعد أربعة أشهر وبدعوة من السودان اجتمع وزراء الدول الثلاث للتباحث حيال موعد ملء خزان السد.
لكن في منتصف فبراير الماضي أكدت مصر أنه بعد عقد عدة مباحثات، تلك التي جرى بعضها تحت إشراف واشنطن؛ حٌلت 90 في المئة من النزاعات والقضايا بينهما، إلا أن أديس أبابا رفضت تنفيذ الاتفاقية التي تم إبرامها بالفعل.[1] في حين أعربت أديس أبابا عن أسفها حيال تصريحات مسؤولي القاهرة، ورفضت ما تعتبره مصر حقها التاريخي، كما شددت على أن تخصيص حصة الدول الثلاث من المياه كان غير عادل خلال الحقبة الاستعمارية. ومن المقرر أن تبدأ إثيوبيا ملء خزان السد، رغم فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق كامل بينهما.
خلال الأسطر التالية نستعرض نبذة تاريخية عن نهر النيل وأزمة تقسيم مياهه.
نهر النيل وبناء سد النهضة
يبلغ طول نهر النيل ثلاثة ملايين كيلومتر مربع وهو يعد أطول أنهار الكرة الأرضية، يقع جزء منه في المناطق الممطرة فوق خط الاستواء ــ دولتي: تنزانيا وكينيا ــ وينساب الجزء الآخر في المناطق القاحلة تماما كمصر. وعلى مر تاريخ مصر حصدت منه منافع عديدة؛ لذا فالعلاقة التي تربط مصر بنهر النيل علاقة راسخة، فقد نشأ لها حضارة على ضفافه. بينما تتضح مصالح مصر الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية في حاجتها لمياه النيل في الزراعة والصناعة وتأمين مياه الشرب لـ90 مليون نسمة.[2] وعليه تحتل أهمية نهر النيل قمة سلم أولويات الأمن القومي المصري.
في إبريل 2011 شرعت إثيوبيا في بناء سد الألفية العظيم (النهضة)، وكان من المقرر الانتهاء من بناء السد في عام 2015، لكنه استغرق وقتا أطول. وفي عام 2019 اكتملت 70 بالمئة من أعمال بناء مشروع سد النهضة. ووفق التقديرات فإن المتوقع أن تبدأ عملية ملء السد في يوليو 2020، والانتهاء من الملء بالكامل في عام 2025.
ويعد هذا السد أكبر مشروع في القرن الإفريقي لتوليد الكهرباء من مياه نهر النيل. وتسميته بالنهضة استند على ضخامته؛ لأن بإمكانه إحداث تغييرا مهما في إثيوبيا باعتبار أنه أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، والسابع على مستوى العالم.
أما هدف إثيوبيا من بناء السد هو أن تصبح أكبر منتج للطاقة في القارة الإفريقية، حيث يبلغ ارتفاع السد 170 مترا (550 قدما)، وعرضه تقريبا 2 كيلومتر (1/1 ميل). ومن المقرر أن تبلغ قدرته الإنتاجية ستة آلاف ميجاواط، أي أكثر من ضعف الإنتاجية الحالية لتوليد الكهرباء في إثيوبيا. لأنه وفق المعدل الحالي لتوليد الكهرباء في إثيوبيا، يعيش ثلاثة من كل أربعة أشخاص في الظلام. وقد كلف هذا المشروع أكثر من 5 مليارات دولار، وتصل سعته التخزينية لأكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه.[3]
تقسيم مياه النيل
في عام 2015 وقعت كل من مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة بشأن الاقتسام العادل لمياه النيل.[4] ووصفت القاهرة إصرار إثيوبيا على بدء ملء السد في صيف 2020 دون التوصل إلى اتفاق شامل مع مصر والسودان، بأنه شكل من أشكال الابتزاز في المحادثات المقبلة. أيضا ترى أن الأسلوب المتبع من جانب إثيوبيا يعكس سعيها للاستيلاء الأحادي على مياه النيل، بالإضافة إلى أن تصبح المنتفعة الوحيدة. على النقيض فإن إثيوبيا غير راضية وغاضبة؛ لأنها لم تستطع الاستفادة من موقعها الجيوستراتيجي كدولة منبع للموارد المائية على مدى العقود والقرون الماضية.
في الماضي لم تملك إثيوبيا الموارد المالية اللازمة، إلى جانب الوضع السياسي غير المستقر. لكن الآن تمكنت نسبيا من إنعاش بنيتها التحتية الأساسية؛ ما يعني أنها غير مستعدة بأي حال من الأحوال أن تتخلى عن حقها في إدارة مياه النيل. فخلال المئة عام الماضية اتكأت الحكومات التي تقلدت السلطة في القاهرة على معاهدات القوى الاستعمارية المتمثلة في بريطانيا للانتفاع بمياه نهر النيل. وكانت أولى تلك المعاهدات، معاهدة 1929 والتي أبرمتها الحكومة البريطانية، والتي منحت مصر حق النقض حول الانتفاع بالموارد المائية من نهر النيل.[5]
أبرمت الاتفاقة الثانية عام 1959م بين مصر وبين السودان وجاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها، والتي بموجبها تم تقسيم مياه النيل بين الدولتين، ووفقا للاتفاقية، احتكرت كل من مصر والسودان مياه النيل، فكانت حصة مصر سنويا تزيد عن 55 مليار متر مكعب، أما حصة السودان فكانت تزيد عن 18 مليار متر مكعب. غير أن الحقيقة المُرّة هى أن إثيوبيا لم تٌذكر في أي من الاتفاقيتين، كما لم يكن لها أدنى حضور أو دور، أو حتى حق، على الرغم من أن منبع النيل في إثيوبيا.[6]
البعد الإقليمي لسد النهضة
لقد غير بناء سد النهضة موازين القوى في منطقة حوض النيل، بالإضافة إلى تعطيله جميع المعاهدات السابقة، بغض النظر عما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. حتى أصبحت تهديدات مصر باللجوء إلى القوة العسكرية لفض النزاع ليست ذات جدوى حاليا.[7] ذلك أن المسافة الجغرافية بين مصر وإثيوبيا جعلت من تهديدات القاهرة ذات طابع استعراضی، غير مؤثرة على عملية المفاوضات. ليس هذا فحسب بل أخفقت وساطة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وحتى العربية حتى الآن في إنهاء النزاع بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى حول تقسيم مياه النيل، وتمهيد الطريق لاستخدام سد النهضة.
بغض النظر عن التهديدات العسكرية لمصر، والتي لا تملك قدرة تنفيذية، فإن إحالة هذا الملف إلى الهيئات القضائية الدولية مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي ليس حلًا؛ لأن إحالة ملف القضية إلى لاهاي يتطلب موافقة الأطراف، ويبدو أن السلطات بأديس أبابا لن تنصاع لذلك. لكن من المهم ملاحظة أن كلا من مصر والسودان وإثيوبيا بحاجة ماسة إلى موارد مياه النيل، وعجز أي من هذه البلدان في امتلاك الموارد المائية، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بتنميتهما الاقتصادية؛ سيخلق أزمة كبيرة. فنقص المياه في دول حوض النيل يعني فقدان فرص العمل، وانعدام التنمية الاقتصادية، وبالتالي الفقر.
أيضا يمكن أن تؤدي أزمات شح المياه إلى تدفق المهاجرين إلى بلدان أخرى؛ لأن الخلاف بين الدول الثلاث حول تقسيم منابع نهر النيل سيكون بداية حرب على المياه في إفريقيا. إذا بدأت السلطات الإثيوبية في ملء خزان سد النهصة دون التواصل إلى اتفاق مع مصر، ومن الممكن أن يتزامن هذا الحدث مع بداية أزمة جديدة ذات بعد إقليمي في إفريقيا. وهي أزمة قد لا تؤدي إلى حرب مباشرة، لكنها بالتأكيد ستخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية، ودبلوماسية ضخمة في هذا الجزء من العالم، والتي لا تقل ويلاتها عن الحرب المباشرة.
تعقيب المترجمة
يعكس الكاتب رؤية إيران المجتزئة والخاطئة والمبنية على معلومات غير حقيقية لأزمة سد النهضة الإثيوبي، خاصة أن المقالة منشورة في وكالة “إرنا” الرسمية التابعة مباشرة للحكومة، وبعد قراءة المقالة التي تمت ترجمتها نصا من دون التدخل في متنها والاكتفاء فقط بإيراد ما بها من أخطاء جسيمة متعمدة، في الهامش، يتضح التالي:
أ ـ تأكيد الكاتب مرارا على ما وصفه بـ”الحق الإثيوبي في الانتفاع من مياه النيل الأزرق أو أخذ نصيب منها”، مستندا على ذريعة واهية وهي اعتبار أن إثيوبيا دولة المنبع، وهو أمر تروج له إثيوبيا ولا علاقة له بالمفاوضات الجارية الحالية والمحصورة في الاتفاق على عملية الملء والتشغيل فقط لا غير.
ب ـ ترديد الكاتب في أكثر من مرة وبعبارات مختلفة ما يرى أنها “مظلومية أديس أبابا خلال العقود الفائتة”، وما يزعم أنه “ضياع حقها من الموارد المائية”، من جهة، ورفضه أن يكون لمصر حق تاريخي من مياه النيل من جهة أخرى.
ج ـ وقع الكاتب شأنه شأن بعض الكتاب الإيرانيين في أسر فوبيا الحديث عن تاريخ بريطانيا وفترة الاستعمار، فطالما ــ من وجهة نظره القاصرة والخاطئة ــ أن الاتفاقية وقعت عام 1929 في عهد الاستعمار البريطاني لمصر؛ إذن فهي باطلة، ليس لأي سبب سوى العقدة التاريخية التي سببها الاحتلال البريطاني لإيران.
د ـ يبدو أن إيران ستكون أحد المنتفعين الحقيقيين من نشوب أي نزاع عسكري بين مصر وبين إثيوبيا؛ نظرا لأن أي توتر في المنطقة سيمهد لها قدما للتدخل والتوسع في إفريقيا، خاصة وهى تعرف تمام المعرفة المركزية التي تحتلها مصر في المنطقة، وتعرف أن انشغال مصر في حرب هيدروليكية في إفريقيا سيفسح لها المجال للتحرك بحرية أكثر في الإقليم ومواصلة زعزعة الاستقرار في الدول العربية.
هـ ـ أفسح هذا المقال ــ إلى جانب مقالات أخرى رصدها المنتدى ــ الفرصة أمام المتابعين للشؤون الإيرانية لمعرفة النوايا الإيرانية الحقيقية تجاه مصر وتجاه أمنها وسلامتها، وأتاح التأكد ــ بما لا يدع أدنى مجال للشك ــ من أن إيران لا تريد مصالح الشعب المصري ولا تؤيد حقه التاريخي القانوني في مياه النيل الأزرق، التي هي بالنسبة له مسألة بقاء، ولعل هذا العامل يؤيد العوامل الأخرى التي تجعل من المفيد النصح بعدم عودة العلاقات بين القاهرة وطهران إلا بعد أن تغير طهران نهجها الخاطئ تجاه مصر رأسًا على عقب.
ــــــــــــــ
مادة مترجمة عن “خبرگزارى جمهورى اسلامى ـ ارنا” بعنوان “سد النهضه؛ پایان راه یا آغاز بحران؟!” نشرت يوم ۲۶ خرداد ۱۳۹۹ الموافق 15 يونيو 2020.
[1] وقّع وزير الخارجية المصري سامح شكري الاتفاقية بالأحرف الأولى أخذا بمبدأ حسن النية يوم السبت 29 فبراير 2020. /المترجمة.
[2] ذكر الكاتب أن تعداد مصر 90 مليون نسمة في حين أن الإحصاء الرسمي لعدد سكان مصر نحو 105 ملايين نسمة. /المترجمة.
[3] لا نعرف من أي مصدر أتى الكاتب بهذه الأرقام التي تعكس عدم درايته بالموضوع من الأساس، فالثابت أن سعة السد “74 مليار” متر مكعب من المياه، وأن إثيوبيا في المرحلة الأولى فقط التي أعلنت عنها يوم 22 يوليو 2020 خزنت “4.9 مليار” متر مكعب. /المترجمة.
[4] مجددا أتى الكاتب بمعلومات من خياله الشخصي؛ فاتفاقية إعلان المبادئ لعام 2015 لم تتطرق البتة إلى “اقتسام مياه النيل”. ويمكن مطالعة نص الاتفاقية من خلال الموقع الرسمي للهيئة العامة المصرية للاستعلامات. الرابط: https://bit.ly/39qXqwp
[5] هذه أيضا معلومة خاطئة تروج لها إثيوبيا باستمرار للتدليس على حق مصر والسودان التاريخي في مياه النيل الأزرق، والصحيح أن أديس أبابا وقعت تلك الاتفاقية بينما كانت دولة مستقلة عن أي استعمار أو أي احتلال، إذ لم تخضع إثيوبيا للاحتلال في تاريخها بتاتا إلا 5 سنوات فقط بين عامي 1936-1941 وكان المحتل هو إيطاليا وليست بريطانيا، وبالتالي فإن ما سبق تلك الأعوام الخمسة أو ما تلاها فترة استقلال تام، وعليه يجب على إثيوبيا أن تلتزم بالاتفاقيات التي وقعتها بكامل إرادتها الحرة، وتتحلى بالمسؤولية القانونية والتاريخية. انظر: حقائق ومعلومات أساسية عن أثيوبيا، بي بي سي، 3 سبتمبر 2017. الرابط: https://www.bbc.com/arabic/41255714 تاريخ الزيارة: 25 يوليو 2020. /المترجمة.
[6] في الواقع لم تعترض إثيوبيا على الاتفاقية قبل أو أثناء أو بعد توقيعها، بل إنها لم تطلب أن تحضر أساسا في هذه الاتفاقية ولم تهتم بها؛ لأنها دولة غنية للغاية بالمياه خاصة مياه الأمطار التي تقدر بنحو 200 مليار متر معكب سنويا، وبالتالي فهي ليست بحاجة إلى أدنى حصة من مياه النيل الأزرق، وهو أمر يجهله أيضا كاتب المقالة أو يتجاهله. /المترجمة.
[7] هذا أيضا من الأخطاء المتكررة التي يرددها كاتب المقالة، فمصر لم تهدد أبدا باللجوء إلى أي خيار عسكري، بل تعمل وفق الأطر السياسية والدبلوماسية، برغم قدرتها الفعلية على ذلك، كونها صاحبة الجيش الأضخم والأعرق والأكثر جاهزية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
صورة من المقالة على الموقع الرسمي لوكالة أنباء الجمهورية الإيرانية “إرنا”