في مساء الجمعة 18 ديسمبر الراهن أعلنت الأطراف المتفاوضة في فيينا عن فشل الجولة السابعة من محادثات محاولة إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 (الاتفاق النووي) وقد أعلنت الخارجية الروسية أنها تتوقع أن يتم التوصل إلى صيغة توافقية بحلول الجولة الثامنة المرتقبة نهاية الشهر الراهن أو بداية العام الجديد، ما استتبعه محاولة فهم حقيقة الموقفين الروسي والصيني من تلك المحادثات، على اعتبار أن الدولتين الشرقيتين الكبريين صاحبتي حق النقض في مجلس الأمن داعمتان ــ ولو ظاهريا ــ لإيران في مواجهة القوى الغربية.
إطلالة عامة على فيينا
تعد مفاوضات فيينا من أهم المحادثات الدبلوماسية المؤثرة في تحركات إيران النووية ودورها الإقليمي بشكل عام ومسألة العقوبات بشكل خاص، وتعقد بين مجموعة ( 4 + 1) من جهة، وإيران من جهة أخرى.
ومجموعة (4 + 1) هي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ما عدا أمريكا بالإضافة إلى ألمانيا، وتشارك أمريكا في تلك المفاوضات بشكل غير مباشر إذ ينوب عنها ممثل الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا؛ نظرا لرفض إيران الجلوس على طاولة واحدة مع أمريكا بعد خروجها من الاتفاق يوم 8 مايو عام 2018م.
وبالرغم من توصل المجتمع الدولي إلى اتفاق شامل بشأن البرنامج النووى الإيراني عام 2015؛ إلا أن المفاوضات هذه المرة يتم استئنافها في جولة سابعة بسبب تعطلها بعد ست جولات سابقة إثر انتقال السلطة في إيران صيف هذا العام من المعتدل حسن روحاني إلى المحافظ إبراهيم رئيسي.
وتؤدي روسيا والصين دورا محوريا في المفاوضات سواء من خلال مشاركتهما الفعالة في أعمال المباحثات أو من خلال رفضهما الخيار العسكري ضد طهران، مع ذلك فإن موقفي موسكو وبكين قد ينطويان على علامات استفهام تجعل من موقفيهما المعلن على النقيض بعض الشيء من موقفيهما في كواليس غرف التفاوض المغلقة.
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تحري تسلسل موقفيهما تجاه إيران في الجولات السابقة من المفاوضات وتتبعهما بالوصف والشرح والتحليل.
الصين بين دور محوري وموقف تحسمه المصالح
قبيل الجولة السابعة من مفاوضات فيينا التي انعقدت بين يومي 29 نوفمبر ــ 18 ديسمبر 2021، بدا أن الموقف الصيني المحوري هو ما سيحكم نجاح المفاوضات أو فشلها؛ إذ إن إيران اتجهت بشكل ملحوظ نحو الشرق ونمّت علاقتها بالصين رداً علي العقوبات المفروضة عليها.
على أساس تصور إيراني مفاده أن الصين تعد طريقا اقتصاديا للتحايل علي العقوبات، وقد وضع هذا التعاون بين بكين وطهران الولايات المتحدة في مأزق لعدم قدرتها على تغيير موقف الصين لمصلحتها؛ إذ إنه يخفف من حدّة الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة علي إيران للتراجع عن سلوكها الإقليمي.
وتصر بكين على اتخاذ موقف غير محدد، فبالرغم من اعتراضها علي العقوبات الأحادية من جهة الولايات المتحدة؛ إلا إنها حرصت علي تجنب عزلها عن النظام المالي العالمي بسبب العقوبات الثانوية وقلصت شركاتها العمل في إيران إلى حد كبير.
عادت الصين وتحدت هذه العقوبات ووقعت اتفاقا مع إيران لـ”شراكة استراتيجية شاملة” لمدة 25 عاما على الأقل، ما اعتبره البعض سعياً للعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط، وحشد للحلفاء لمواجهة الولايات المتحدة في حربهما الباردة تلك التي تمتد من مضيق تايوان حتى مضيق هرمز.
بمعنى أن موقف الصين في النهاية من الأزمة الإيرانية يتمحور حول علاقتها المتوترة بالولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك في ما أعلنه ممثلها وانغ تسون بقوله إن “على الولايات المتحدة رفع كل العقوبات المتناقضة مع خطة العمل الشاملة المشتركة والتي تستهدف إيران أو أي أطراف ثالثة بما في ذلك الصين”.
وعلى الرغم من أن هذا يأتي في مصلحة إيران؛ إلا أن الصين لها مصالح كبرى لن تضحي بها دائما للدفاع عن إيران، على غرار إدراكها أن زيادة الضغط الدولي قد يعني التضييق على مبيعات النفط الإيرانية إلى الصين.
روسيا بين الدعم الظاهري والبحث عن المصالح
تلعب روسيا دورا قويا في أي مباحثات دولية، وفي فيينا تحديدا لا يمكن تنحية التأثير الروسي من على طاولة المفاوضات، وقد برز ذلك من خلال رفضها الخيار العسكري ضد طهران وترجيحها التسوية السلمية، فضلا عن أنها أصلا من اقترح صيغة (5 + 1) للتفاوض.
كما دعمت روسيا إعادة إحياء الاتفاق النووي وبذلت قصارى جهدها في “إزالة بعض نقاط سوء التفاهم” حسب ما صرح به ميخائيل أوليانوف مندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا.
على هذا النحو يبدو أن موقف روسيا تجاه إيران يحمل شيئًا من الغموض، إذ تتعدد المواقف الروسية الداعمة لإيران، مثل إظهارها التسامح تجاه الخروقات المستمرة لإيران في مجال تخصيب اليورانيوم، بالإضافة لكون مواقفها هي الأكثر قربا من مواقف إيران بالنسبة لمواقف الدول العظمى المشاركة في المفاوضات، واعتبارها أن فك العزلة الإيرانية فيه مصلحة لها.
في غضون ذلك تظهر بين الحين والآخر إشارات تلوِّح بتضارب المصالح بين طهران وموسكو في فيينا، إذ ظهر التشكك العميق تجاه روسيا من قبل المسؤولين الإيرانيين في تسجيل مُسرب لوزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف اتهم فيه روسيا بمحاولة إفشال التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، على عكس ادعاء موسكو دعمها المستمر للاتفاق النووي.
هذا بالإضافة إلى غضب الإيرانيين من إعلان سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في الدوحة مارس الماضي، عن إنشاء إطار سياسي جديد يشمل روسيا وقطر وتركيا، ما جعل إيران تواجه قلق القفز عليها في هذه المرحلة، ومما سبق يمكن استنتاج أن موقف روسيا العلني قد يختلف عن ما هو عليه في الغرف المغلقة.
المشاورات الثلاثية الروسية ــ الصينة ــ الإيرانية
من منطلق حرص الصين وروسيا على عدم امتلاك إيران للتميّز النووي، وحرصهما في الوقت ذاته على علاقات استراتيجية مستقبلية مع طهران وعدم نزوع إيران للمعسكر المقابل، فإنهما تفضلان اللجوء إلى مواقف قد لا تبدو حاسمة تجاه كلا الجانبين في فيينا.
وعلى الرغم من ذلك، يستمر ظهور إيران وروسيا والصين كجناح متكامل ومتماسك يعقد المشاورات في إطار مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي الوقت نفسه، تعمل واشنطن على زيادة الضغط على إيران من خلال محاولة إقناع الصين وروسيا بأن إيران غير مرنة في التفاوض، بينما تقول إيران إن الدول الأوروبية تتقاعس عن تقديم اقتراحات جادة للمساعدة في إحياء الاتفاق.
خلاصة
بالرغم من إدراك إيران حقائق المواقف الروسية والصينية في محادثات فيينا القائمة على الإبقاء على إيران كورقة مساومة مع الغرب؛ إلا إنها تعتبرهما في الوقت الحالي الحل البديل الذي لا غنى عنه لها لاستبدالهما بالتجارة الخاضعة للعقوبات مع الاقتصادات الغربية.
وتدرك إيران أنها لا يمكن أن تعتمد على موسكو وبكين لفترة طويلة على اعتبار أن الصين وروسيا ــ من المنظور الإيراني الخاص ــ لهما مصالح كثيرة من الغرب تتناقض مع استدامة دعمهما لإيران، وهي التي يعاني اقتصادها وتتصدّع أوراق نفوذها الإقليمي يوما من بعد آخر، في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين.