أرسلت إيران ردها على مسودة الاتحاد الأوروبي الخاصة بمحاولة إحياء الاتفاق النووي بعد 8 جولات من التفاوض في فيينا، وقد أبدت أطراف التفاوض مواقفها من مسودة الاتحاد الأوروبي ومن الرد الإيراني، غير أن هناك طرفا بقى صامتا ولم يدل بدلوه، وهو الصين التي انحازلت إلى البقاء في موقع المراقب مع تحينها كل الفرص المواتية للرد على التدخل الغربي في الأزمة التايوانية، وهو موقف يبدو مخيبًا لآمال إيران في تينك المفاوضات النووية.
تبادل المسودات
في الحادي والعشرين من يوليو 2022 وزع الاتحاد الأوروبي نصا نهائيا في مسودة لإنقاذ الاتفاق بعد التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية وموافقة الدول الأوروبية الثلاث المنضوية في صيغة (4 + 1)، وقال جوزيب بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي إن على إيران الرد بنعم أو بلا على تلك المسودة وإنها غير قابلة للتفاوض.
عقد رئيسا مجلس الشورى الإسلامي الإيراني “البرلمان” والمجلس الأعلى للأمن القومي اجتماعا بحضور وزير الخارجية، لمناقشة الجولة الأخيرة من المفاوضات وبالأخص المسودة الأوروبية، قبل أن يصل الرد الإيراني خطيا للاتحاد الأوروبي.
وفي منتصف ليل الخامس عشر من أغسطس أرسلت إيران ردها على مسودة الاتحاد، في صيغة مسودة جديدة، وقالت إنها تحتاج من الطرف الأمريكي بعض المرونة والبرجماتية من أجل قبول التحفظات لوضع المسودة في صيغة أكثر قبولا.
دلالات الصمت الصيني
بين مواقف المفاوضين في فيينا، جاء الموقف الصيني صامتا تجاه المسودات المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي وإيران، فعلى الرغم من دعم إيران لسياسة “الصين واحدة” والذي جاء في مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية البلدين، وانغ يي وحسين أمير عبد اللهيان، في أعقاب التوترات الأخيرة بين الصين وتايوان، والذي كان تعهد فيها وزير الخارجية الصيني بدور أكثر فاعلية في خطة العمل الشاملة المشتركة.
مثل هذه التوترات بين بكين والولايات المتحدة، جراء زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان، والتي اعتبرتها الصين تعدٍ على سياسة “الصين واحدة”، تشكل دافعا عند بكين للرد على واشنطن عبر الملف النووي الإيراني التي تشكل الصين طرفا من المفاوضين في فيينا، لكن يشير اتجاه السياسة الخارجية الصينية في الأغلب للهدوء وعدم خوض معارك لا تمس عمق المصالح الوطنية.
ومن ناحية أخرى، تعتبر بكين الرابح الوحيد بين الجميع في ملف عقوبات الجماعة الدولية على النفط الإيراني، حيث تحاول إيران الانفكاك من هذه العقوبات عبر تصدير النفط للصين، بالطبع بأسعار أقل بكثير من السائدة حتى قبل التضخم العالمي الأخير جراء الحرب الأوروبية، والذي يجعل السوق العالمي متعطش للنفط الإيراني لضبط الأسعار، بينما تدفع المصالح الصينية لاستمرار الوضع الحالي، وهو ما يفسر موقف الصين الصامت.
ما تنتظره إيران من الصين
تسعى طهران للتوصل لاتفاق يرفع الحظر الاقتصادي، حيث تعاني من تبعات العقوبات الغربية يضاف لها تبعات اقتصاد عالمي يعاني من الأزمات المتلاحقة، لكن تظل تتمسك ببعض التحفظات العالقة، والتي كان أولها تقديم الضمانات، لكيلا يكون هناك انقلاب على الاتفاق مجددا، ورفع نطاق العقوبات، والآلية التي تتم بها، وإنهاء ملف الخلاف بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، على اعتبار أن طهران تطالب بإنهاء ملف تحقيقات الوكالة، فيما يخص ثلاثة مواقع لأنشطة نووية بإيران.
قدمت إيران المسودة في الرد الخطي على الاتحاد الأوروبي وأثارت بها جانبا من القضايا التي تتحفظ بشأنها، وتحتاج لقبول الطرف الأمريكي، وفي سبيل ذلك تحتاج للضغط من كل الأطراف في فيينا، وقد أعلنت روسيا موقفها حينما وصفت الرد الإيراني بـ”العملي للغاية” بحسب تعبير المندوب الروسي في المفاوضات ميخائيل أوريانوف الذي كشف عن اجتماع وزاري سيعقد الأسبوع المقبل في حال أتى الرد الأمريكي إيجابيا.
يتبقى من المفاوضين في فيينا الصين، والذي اتسم موقفها حتى الآن بالصمت، وتحتاج إيران من الصين إلى مزيد من الضغط على الولايات المتحدة لقبول تحفظاتها، الأمر الذي سيكون بمثابة اختبار لمعرفة حجم الرصيد الإيراني لدى الصين، مع العلاقات الاقتصادية ولاسيما النفطية منها والدعم الإيراني لسياسة “الصين واحدة”.
خاتمة
جملة ما أعلاه، أن الاتفاق بات أقرب من أي وقت مضى إلى التوقيع، وبالرغم من إبداء كل أطراف التفاوض موقفها من تبادل المسودات بين إيران والاتحاد الأوروبي، إلا أن الموقف الصيني الصامت غير المؤيد لإيران، والمخيب لآمال طهران، يُعزى إلى عدم الرغبة الصينية في الانشغال عن الأزمة التايوانية بأي أزمة أخرى، خاصة أن الصين تضع نفسها على رأس قائمة الخاسرين من التوصل إلى أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.