شهدت العلاقات المصرية ـ الإيرانية في الفترة منذ نجاح ثورة الضباط الأحرار في ليلة 23 يوليو 1952م، وحتى أغسطس عام 1970م، واحدة من أكثر فترات العلاقات المصرية ـ الإيرانية سوءا، لدرجة جعلت الرئيس المصري جمال عبد الناصر يقطع العلاقات تماما مع إيران، ويأمر بسحب السفير المصري وإغلاق السفارتين المصرية والإيرانية في القاهرة وطهران في أعقاب اعتراف الشاه بدولة إسرائيل، وكان هذا التصرف هو النتيجة الحتمية التي أسفرت عنها التصعيدات الدائمة والمتوالية بين البلدين، واختلاف وجهتي نظريهما وتناولهما للقضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضية فلسطين أو ما اصطلح على تسميتها بقضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
والحقيقة أن العقيدتين السياسيتين للرئيس المصري جمال عبد الناصر والشاه الإيراني محمد رضا بهلوي لعبت أدوارا كبرى في التباعد الذي شهدته العلاقات المصرية ـ الإيرانية، خاصة في حقبة الستينيات، وهو الأمر الذي كان لا مناص من التعرض له؛ لشرح الخلفية التاريخية والسياسية لعلاقات متوترة بين دولتين إسلاميتين، من المتوقع لها أن تشهد انفراجة في المرحلة المقبلة وهي المرحلة السبعينية، عندما تولى الرئيس محمد أنور السادات مقاليد الحكم في أكتوبر 1970.
وتعتبر حقبة الخمسينيات والستينيات من أكثر الحقب تطورا في الصراع الأيديولوجي بين مصر وإيران، وكان الشعار الدائم من الجانب المصري هو شجب مواقف وقرارات الشاه وكان الشاه أيضا ينظر إلى عبد الناصر بالعين ذاتها، وكان يصفه بالأحمق والأرعن.
“ولقد ماجت تلك الفترة بالعديد من الأحداث على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، كما شهدت عددا كبيرا من ردود أفعال كل من الجانبين على مواقف الآخر، ما استتبعه توترا خيم على العلاقات بشكل كبير”
وهنا يمكن تناول الحديث عن العلاقات المصرية ـ الإيرانية، منذ بداية ثورة 23 يوليو 1952م، مرورا بنكسة الخامس من يونيو 1967م، وموقف إيران منها، وما ترتب على هذا الموقف من تداعيات.
أولا: العلاقات المصرية – الإيرانية منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952م، وحتى نكسة 5 يونيو 1967م
شهدت العلاقات بين البلدين منذ نجاح ثورة الضباط الأحرار، ووصولهم إلى الحكم تطورا مطردا، فبعد نجاح الثورة المضادة التي قادها رجال المخابرات الأمريكية في طهران ضد رئيس الوزراء محمد مصدق، و إزاحته تماما عن المشهد السياسي عام 1953م، لجأ الثوار، والمعارضون الإيرانيون، وآيات الله في قم، إلى الأطراف الدولية المناهضة لسياسات الشاه، وبطبيعة الحال كان على رأس هذه الدول التي لجأ إليها الثوار في طهران، وخارجها، مصر التي كانت تحت حكم رجل قوي هو جمال عبد الناصر.([1])
وبالفعل اتصلت الجماعات المعارضة الإيرانية ـ حوالي خمسين فردا – بحكومة الثورة المصرية، وكان على رأسهم الدكتور إبراهيم يزدي، وصادق قطب زادة الذي تولى وزارة الخارجية في حكومة ما بعد الثورة، ومصطفى الشمراني، وهو أحد الذين تقلدوا مناصب قيادية بعد نجاح الثورة الخمينية 1979م.([2])
حضر هؤلاء إلى القاهرة في منتصف الخمسينيات لتلقي الدعم اللوجيستي (التدريب والدعم المالي والإعلامي)، وبالفعل تم إرسالهم إلى معسكر أنشاص([3]) شمال القاهرة، وهي ضيعة كانت مخصصة للملك فاروق (1937 ـ 1952)، وقد أعدتها حكومة الثورة لكي تتلقى فيها جماعات التحرير المختلفة تدريبهم، وهناك التقوا بجماعات من الفلسطينيين، والإريتريين، وغيرهم من الأفارقة.([4])
“كما أرسلت مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر مساعدات مالية لأسر الشهداء الذين قتلهم الشاه في الانقلاب المضاد، أو الذين اختفوا في عمليات قتل من قبل قوات الشاه”
وتجاوب عبد الناصر – متفردا عن كل أقرانه – أيضا مع رسالة بعثها آية الله الخميني إلى كل رؤساء العالم الإسلامي يطلب فيها مساعدات مالية وإعانات لأسر الضحايا الذين لقوا حتفهم على يد القوات النظامية التابعة للشاه، والذين تم القبض عليهم من قبل عناصر “السافاك”.([5])
على الفور أمر عبد الناصر بإرسال مبلغ 150 ألف دولار أمريكي بواسطة عبد الحميد السراج، الذي كلف بدوره عميلا لبنانيا غادر مطار بيروت ليضع المبلغ تحت تصرف لجنة الإعانات التابعة للخميني، لكنه، وفور وصوله مطار طهران سقط في أيدي المخابرات الإيرانية التي كانت قد تلقت تنبيها من المخابرات الأمريكية، والإسرائيلية.([6])
في غضون ذلك نجح ثلاثة أعضاء أساسيين في المعارضة الإيرانية في الذهاب إلى القاهرة في منتصف الخمسينيات، وفور وصولهم اتصلوا بجهاز المخابرات المصرية، وكان وقتها هو الجهاز المنوط به المسئولية عن رعاية اللاجئين السياسين، وأبدوا للمسؤلين في جهاز المخابرات العامة رغبتهم في التدرب على فنون القتال؛ لأنهم رأوا أن حرب العصابات هي السبيل الوحيد الآن أمام المعارضين للشاه.([7])
وفي هذا يكتب الدكتور إبراهيم يزدي في رسالته حول أسباب ميله إلى النظام المصري للتدريب، وذهابه إلى مصر:
“بعد ثورة الضباط الأحرار، وسقوط الملكية في مصر اتخذت الحكومة المصرية الجديدة بزعامة ناصر سياسة خارجية جديدة لم تكن موضع إعجاب الدول المستبدة في المنطقة حيث سلك سياسة عدم الانحياز، وهذه كانت رؤية الحكومة الوطنية بزعامة الدكتور مصدق، وقد جذبت هذه السياسات انتباه الشعوب في الدول المستعمرة، وأصبحت لناصر شعبية خاصة باعتباره زعيم الأمة العربية، والإسلامية مع تجلي هذا في أثناء العدوان الثلاثي عام 1956م، إلى حد أن عددا كبيرا من طلاب الجامعات قاموا بمظاهرات، واشتباكات مع قوات الأمن في إيران، وبعد ثورة 15 خرداد([8]) والقبض على الإمام الخميني، ونفيه إلى تركيا لم يكن لدينا سوى طريق واحد في مواجهة نظام استبدادي مسلح بالكامل، وهو الكفاح المسلح”.
كان يزدي برفقة الدكتور مصطفى شمران، وبرويز آمين، وبهرام راستين، وعلي شريفيان قد توجهوا قبل ذلك إلى السفارة المصرية بالعاصمة السويسرية بيرن، في عام 1961م، وفي عام 1964م، وقعوا مذكرة تفاهم، كي يقوموا بمواجهة الشاه بالطرق المسلحة.
وتبرهن حزمة الوثائق التي نشرها السفير فتحي الديب سفير مصر في سويسرا أن هؤلاء ذهبوا بالفعل إلى السفارة المصرية بسويسرا وحصلوا على مبالغ مالية من الحكومة المصرية بهدف دعم جبهتهم الداخلية، والخارجية، وتفيد إحدى الوثائق أنهم تلقوا “فرقة تدريبية” على يد جهاز المخابرات العامة.([9])
وكان عدد الأفراد الذين تلقوا التدريب 4 أشخاص وتلقوا التدريب في يوم 18 أغسطس من العام 1964م، وتلخص برنامج الدورة التي استمرت ثلاثة أشهر وأسبوعا كاملا في الأمن والصاعقة وبعض العمليات السرية والتدريب الفني (تصوير ولا سلكي وتخريب ومفرقعات وتوزيع مطبوعة باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية) والدعاية والإعلام والسياسة والعقائد وغيرها.
ومرفق بالرسالة أيضا عدد من الوثائق التي تؤكد حصول هؤلاء الثوار الإيرانيين على مبالغ مالية من سفارة مصر بالعاصمة السويسرية “برن” وهي عبارة عن إيصالات حررها السفير المصري محمد فتحي الديب، وموقعة من السيد إبراهيم علي شريفيان([10]) وغيره.([11])
ولمعرفة سبب توجههم إلى مصر دون غيرها ينبغى ذكر أنهم لم يذهبوا إلى مصر في بداية الأمر؛ بل ذهبوا إلى الجزائر لطلب المساعدة غير أنهم لم يتلقوا ردا إيجابيا، وبعد أن يأسوا من الجزائريين اتصلوا بالحكومة المصرية، قبل أن يرحب جمال عبد الناصر بمساعدتهم ترحيبا بالغا، وفي تلك الفترة تحديدا كان معارضو الشاه الآخرون ممن لم يكن لهم توجها إسلاميا قد قرروا اللجوء إلى الصين الشيوعية، وفيتنام وكوبا المنتصرتين على الولايات المتحدة، بزعامة فيدل كاسترو، وكان طبيعيا أن تتوجه كل مجموعة حسب توجهاتها الفكرية الأمر الذي دعا يزدي ورفاقه إلى اتخاذ قرار مفاده أن يتوجهوا إلى مصر كونها دولة إسلامية تحررية، وبهذا يتضح أن المجموعة التي بدأت الاتصال بمصر هي فرع من أفرع حركة التحرير الإيرانية خارج إيران.([12])
وبالفعل تلقوا تدريبا مكثفا في أنشاص بمصر، لكنهم ما لبثوا أن اختلفوا مع مضيفيهم، ذلك أن القسم المختص في المخابرات العامة المصرية كان يريد من اللاجئين الإيرانيين أن ينضموا للعمل في الإذاعات الموجهة من القاهرة للهجوم على الشاه، لكنهم رفضوا، مصرين على أنهم قد حضروا إلى القاهرة للتدريب على فنون القتال فحسب.([13])
وقال المعارضون الإيرانيون لمسؤلي المخابرات المصرية إن الكلمات لن تفلح في الإطاحة بحكم الشاه، وبالطبع لم يفلح أحد من رجال المخابرات المصرية في إقناعهم بأن احتمالات المقاومة المسلحة في إيران كانت في حكم المستحيل، وأن الدعاية عن طريق الإذاعات سلاح قوي للغاية في ترسانتهم إلى أن تحين اللحظة المؤاتية، لكن النزاع استمر، وقرروا مغادرة مصر، وكان عددهم قد ازداد زيادة كبيرة مقارنة بالثلاثة الذين أتوا بمفرهم في بادئ الأمر، بعد ذلك ذهب بعضهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والبعض الآخر إلى لبنان لمزيد من التدريب.([14])
في حقيقة الأمر كانوا يتمتعون في مصر بالأمان المعقول من رقابة السافاك، رغم أن بوليس الشاه، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه)، والمخابرات الإسرائلية (الموساد) كانوا يعملون في المنطقة بأقصى طاقة ممكنة، وعلى المستوى الرسمي كان الإحساس بخطورة النظام الشاهنشاهي كبير للغاية، وكانت المخاوف من القطب الغربي المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية حليفة إيران لم يكن بنفس نظرة الثورة المصرية للقطب الشرقي المتمثل في الاتحاد السوفيتي الحليف الإستراتيجي لمصر، ثم ما لبث اختلاف الطرق بين مصر، و إيران أن تحول إلى تقاطع واضح خلال الخمسينيات بكل ما شهدته من تطورات لابد أن القائمين على السياسة الخارجية في طهران ارتأوها درامية.([15])
من هذه التطورات الضربة التي تلقاها الغرب بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر، وصعود نجم عبد الناصر بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وبكل ما أصبح يعنيه ذلك من فاعلية لإحدى القوى الإقليمية (إيران)، التي رأت أن هذا التطور الأخير ربما يأتي على حسابها. ولا جدال أن القلق الذي أخد بتلابيب طهران تحول إلى فزع مقلق بعد أن وصل المد العربي إلى مداه بقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م.([16])
وكان لابد أن ينتهي هذا التقاطع في وجهات النظر إلى تصادم في نقطة ما، وهو ما حدث بالفعل في المعركة التي دارت رحاها حول ما سمي بحلف بغداد، كان هذا الحلف قد تكون على عدة مراحل بدأت باتفاق تعاون بين تركيا، وباكستان في فبراير 1954م، ثم انضمت إليه العراق في 1955م، ثم لم تلبث أن لحقت إيران بالحلف في العام نفسه، وبطبيعة الحال كانت بريطانيا عضوا أصيلا في الحلف منذ البداية. جاء ذلك في الوقت الذي كان يستعد فيه عبد الناصر للتغاضي عن تكوين الأحلاف طالما بقى بعيدا عن العالم العربي غير أنه لم يرض بذلك بعد انضمام العراق إليه، الأمر الذي دعاه للدخول في حرب عنيفة ضد بغداد التي لقيت استجابة واسعة في العالم العربي الذي كان عبد الناصر بوصلته الأساسية، ما أوقع النظام العراقي في حرج شديد.([17])
“كانت هذه الحرب السياسية قد دارت بين التيار العربي الذي تتزعمه مصر وبين تيار حلف بغداد الذي تلعب فيه إيران دور المحرك والداعم الرئيس؛ الشيء الذي نقل العلاقات المصرية – الإيرانية في ذلك الحين إلى قالب عدائي واضح الركائز”
ويرى السفير فتحي الديب أن الشاه كان منذ بداية ثورة 1952م، قد اتخذ موقفا عدائيا ضد الشعب المصري، وثورة الضباط الأحرار مرجعا موقفه إلى عاملين اثنين:
الأول: الحقد الشخصي على عبد الناصر وثورة 1952م، انطلاقا من إحساسه بخطر مبادئ تلك الثورة على وضعه، وتخوفه من قيام دولة الوحدة العربية على حدود بلاده؛ ومن ثم يصبح انتقال عدوى الثورة على طهران أمرا حتميا.
الثاني: الاستجابة إلى تعليمات السياسة الأمريكية القاضية بضرورة دعم إسرائيل باعتبارها ركيزة التصدي لنضال جماهير الأمة العربية لتحقيق وحدتها المنشودة، الأمر الذي يتعارض مع حفاظ أمريكا، ومن خلفها دول الغرب على مصالحها الاقتصادية، وخاصة المصالح النفطية، والإبقاء على هذا الكيان الدخيل على حساب آمال، ومصالح الشعب العربي.([18])
ومن الجانب الإيراني المعارض لسياسات الشاه كانت حكومة الدكتور مصدق من أولى الحكومات التي بادرت بالاعتراف بالنظام المصري الجديد بعد ثورة الضباط الأحرار على الملكية الحاكمة حتى أن عبد الناصر فيما بعد كان ينظر للدكتور مصدق ليس على أنه صديق فحسب؛ بل لكونه زعيما لتيار مناهض للاستعمار حيث كان قد استطاع أن يقطع يد الاستعمار الإنجليزي عن الثورة الإيرانية القومية بخطوته الشجاعة في تأميم البترول، وهي الخطوة التي لقيت استحسانا كبيرا لدى الساسة في القاهرة، وفضلا عن دفء العلاقات المصرية بحكومة مصدق كان عبد الناصر قد استقر على اعتبار مصدق نموذجا يحتذى به خاصة بعدما أقدم ـ أقصد مصدق ـ على قطع علاقة إيران بإسرائيل، وإغلاق القنصليتين الإيرانيتين في تل أبيب، والقدس في يونيو من العام 1951م.([19])
الطريف في عمق العلاقات بين البلدين أن أسلوب التظاهر الذي كان الشعب المصري يقوم به خلال المظاهرات، و الشعارات التي كان يرددها ضد الاستعمار الإنجليزي الذي ينهب ثرواته، يٌذَكر بالمظاهرات التي كانت تحدث في طهران في أثناء تأميم البترول.([20])
الدليل على ما سبق قيام عبد الناصر بتغيير اسم واحد من شوارع القاهرة الرئيسية من شارع رضا بهلوي (حيث كان هذا الاسم قد أطلق عليه بمناسبة زواج محمد رضا، والأميرة فوزية) إلى شارع الدكتور محمد مصدق، ليصبح أحد أهم الشوارع في العاصمة المصرية بحي الدقي، ولايزال الشارع بهذا الاسم حتى وقت كتابة تلك السطور.([21])
كان لتأميم قناة السويس أكبر الأثر في اتساع هوة العلاقات بين البلدين لأن نموذج تأميم القناة كان مأخوذا من النموذج الإيراني في تأميم النفط على يد مصدق، إلا أن هناك اختلافا سياسيا بينهما وهو أن فكرة مصدق كانت في ظل وجود بدائل للبترول الإيراني لدى الغرب بينما كانت فكرة تأميم القناة محاطة بالمخاطر خاصة لدى مستشاري عبد الناصر الذين رأوا أن الغرب لن يصمت كثيرا ذلك أنه لا بديل له عن قناة السويس باعتبارها من أهم موارد التجارة العالمية وبالتالي تصبح السيطرة عليها جزءا من المشاركة في أموال الصناعات البحرية وبالتالي نصيب كبير من التجارة العالمية، بسبب الدخل الوافر الذي تدره على البلد صاحب القبضة عليها.
ولا يعنينا أن نتعرض للفوارق بين عمليتي التأميم الناصرية، والمصدّقية على قدر اهتمامنا بالبحث حول مدى تأثر العلاقات المصرية ـ الإيرانية في العام 1956م، بقرار التأميم، وما تلاه من عدوان ثلاثي على مصر من جانب فرنسا، وإنجلترا، وإسرائيل، وموقف الشاه منه، وهو المحدد الأكثر أهمية في تطور العلاقات الثنائية بين البلدين.
كان الشاه قد أولى أهمية كبرى لقرار تأميم قناة السويس، باعتبار أن القناة تعد المعبر الأكثر حيوية للاقتصاد الإيراني، ففي 1955م، كان 73% من إجمالي الصادرات الإيرانية يعبر من خلال قناة السويس، وكذلك 76% من إجمالي الواردات؛ لذا فقد واجهت إيران حيال أزمة القناة عدة عوامل من بينها ضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية، وتأمين حرية الملاحة، ومراعاة حق السيادة المصرية عليها فضلا عن معارضة استخدام القوة في الأزمة، وفي حال فشل المساعي يحال الأمر إلى الأمم المتحدة للنظر فيه.([22])
وعلى هذا اقترحت إنجلترا مشروع قرار للضغط على مصر لقبول تدويل إدارة القناة لكن وزير خارجية إيران أعلن عن موقف بلاده ـ كانت مقاليد الأمور جميعها في يد الشاه ـ في مؤتمر لندن الذي عقد للتباحث حول سبل حل الأزمة، مؤكدا أن قناة السويس جزء لا ينفصل عن أرض مصر، وأن لمصر الحق في أن تحكم سيطرتها عليها، وأن تأميم القناة قد تم وفقا للحقوق الدولية، كما أكد على ضرورة حرية الملاحة عن طريق القناة، ومنح الضمانات الكافية من قبل مصر للدول ذات المصلحة.
لكن إنجلترا، وفرنسا مارساتا أشكالا متعددة من الضغوط للتصديق على المشروع الإنجليزي، وتم أخذ موافقة 18 دولة من بين اثنتين وعشرين دولة مشاركة في المؤتمر، وتقرر إبلاغ مصر بالمشروع المذكور عن طريق وفد مكون من خمسة أعضاء من أستراليا، وأمريكا، وإثيوبيا، والسويد، وإيران برئاسة رئيس وزراء أستراليا، روبرت مانزيس. وكان العضو الإيراني في اللجنة ـ وزير الخارجية – قد أعلن أن عضويته مشروطة بعدم استخدام لهجة التهديد ضد مصر.([23])
على كل حال لم ينل الموقف الإيراني رضا عبد الناصر حيث كانت مسألة “أن مصر يجب أن تعطي ضمانات كافية للملاحة الحرة”، من وجهة نظر عبد الناصر هي موقف يشبه الموقف الأمريكي الذي كانت مصر في نظره مجبرة على أن تسمح بأن تدار قناة السويس عن طريق إدارة دولية، وبالطبع لم يقبل عبد الناصر الفكرة، وأعرب عن اندهاشه من انعقاد المؤتمر من دون مشورة مصر، ووصف لجنة مانزيس بأنها عبارة عن استعمار جماعي مقنع.([24])
وربما كان الجانب الأكثر لفتا للانتباه هو الحوار القصير الذي دار بين عبد الناصر ووزير الخارجية الإيراني على هامش مفاوضات اللجنة التي تباحثت معه في القاهرة في الفترة بين يومي (3 سبتمبر ـ 9 سبتمبر 1956م)، حيث وجه الأول حديثه للممثل الإيراني قائلا:
“أنا مندهش منكم أيها الإيرانيون لماذا قبلتم عضوية هذا الوفد الذي أرسله معارضو تأميم القناة ليصرفوني عن الأمر؟ هل فعلت شيئا سوى ما فعلتموه أنتم منذ خمس سنوات؟ لقد كانت بلادكم قدوة لكل دول العالم الثالث بتأميم صناعة البترول”.
ثم أكمل ناصر حديثه للوزير الإيراني بلهجة تنم عن سخرية قائلا:
“كم ألاقي من مصاعب على أيديكم أيها الإيرانيون، فأنا في البيت أواجه زوجتي إيرانية الأصل وخارج البيت أواجهكم أنتم”.([25])
ومع فشل تلك المباحثات هاجمت القوات الإسرائيلية مدن قناة السويس في صباح 29 أكتوبر من العام 1956م، وتلتها القوات المسلحة البريطانية، والفرنسية في 3 نوفمبر، فيما عرف في التاريخ الحديث بـ “العدوان الثلاثي”، إذ احتلت إسرائيل صحراء سيناء بالكامل خلال خمسة أيام، وخربت المدن الخمس الواقعة على ضفاف قناة السويس، ومن بينها بورسعيد خلال حملة القوات الأنجلو ـ فرنسية المشتركة، الأمر الذي استتبعه تهجير خمسة ملايين نسمة من سكان هذه المدن إلى محافظات أخرى.([26])
وقد أثار اشتراك إيران في لجنة مانزيس، وتباطؤ شاه إيران في إدانة هذا العدوان من جهة، ومن جهة أخرى بيع بترول إيران للدول المعتدية ـ واجهت الدول الثلاث حظرا بتروليا من الدول العربية ـ مرارة في نفس عبد الناصر تجاه الشاه الذي اعتبر الموقف الإيراني مساو لموقف الدول الثلاث.([27])
وعلى الرغم من أن إيران قد دعت أعضاء حلف بغداد ـ باستثناء إنجلترا ـ لمؤتمر عاجل في طهران في 10 نوفمبر 1956م، وخروج المؤتمر ببيان نادى فيه بإدانة التصرف العدواني من الدول الثلاث، وطالبها باحترام السيادة المصرية على كافة أراضيها وخروج القوات المعتدية فورا؛ فإن هذا لم يفلح في تبديد استياء ناصر من الشاه.([28])
وبطبيعة الحال زادت الفجوة بين البلدين أكثر من ذي قبل وزادت الهوة بين طهران، والقاهرة، خاصة أن عبد الناصر علم فيما بعد أن الآلة الحربية الإسرائيلية في هذا العدوان كانت تدار بالوقود المشترى من إيران التي كانت قد أقامت علاقات سرية دفيئة مع إسرائيل.([29])
الشاه نفسه اعترف في لقائه مع نوري السعيد رئيس وزراء حكومة العراق بحقيقة بيعه البترول لإسرائيل وبرر تصرفه قائلا:
“ليس للعرب الحق في أن يطلبوا منا شيئا ـ يعني عدم بيع البترول لإسرائيل ـ لأنه عندما كان إنتاجنا من البترول قد توقف بسبب أزمة التأميم في عهد مصدق اغتنم العرب الفرصة، وعوضوا انخفاض البترول في السوق بزيادة إنتاجهم”.([30])
ثانيا: الاعتراف الإيراني بإسرائيل والتدخل المصري في اليمن
أدت المواقف المتراكمة في العلاقات بين الشاه، وناصر إلى أن يدير الشاه دفته بشكل واضح تجاه إسرائيل، وتمثل التعاون الإيراني ـ الإسرائيلي المعلن في تصدير البترول الإيراني لإسرائيل بثمن 1,3 دولار لكل برميل عام 1957م، بأقل من أسعاره العالمية، وتطوير التبادل التجاري إلى 12 ضعفا حتى عام 1970م، مع احتساب الميزان التجاري الإيجابي لمصلحة إسرائيل، فضلا عن فتح مكتب الوكالة اليهودية في طهران في يونيو 1959م، بعد موافقة طهران على هجرة 60 ألف يهودي إيراني إلى إسرائيل.
وقد أصدر الشاه قرارا بفتح الأجواء الإيرانية أمام الطيران التابع لشركة العال الإسرائيلية، وزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بن جوريون لطهران في 5 ديسمبر 1961م، وعقد اتفاقية بيع 6 آلاف مدفع رشاش إسرائيلي من طراز “يوزي” للشاه.([31])
وفي عام 1960م، اعترف الشاه صراحة بدولة إسرائيل الأمر الذي دعا ناصر إلى أن يقرر إغلاق سفارة مصر في طهران، ويعلن في خطبة له ألقاها في المهرجان الرياضي بمدينة الإسكندرية احتفالا بعيد الثورة الثامن قطع العلاقات مع إيران وقال في الخطبة ما نصه:
“أيها الأخوة المواطنون بعد أن باع الشاه نفسه للاستعمار، وللصهيونية، وبعد أن أعلن بنفسه أنه يعترف بدولة إسرائيل، أعلنها بنفسه ليرضي أسياده، ليرضي أمريكا، وبريطانيا والصهيونية، وإسرائيل. إننا نرى ألا داعي أن تبقى لنا سفارة في إيران، ولا يمكن بأي حال أن يكون هناك ممثل لجمهوريتنا لدى هذا الشاه الذي باع نفسه للصهيونية، والاستعمار”
لم يكن الرد في تصور عبد الناصر عنيفا لدرجة كبيرة لكنه كان ردة فعل لتصرف الشاه تجاه إسرائيل مع اعتبار عبد الناصر أن هذا الاعتراف ربما يمثل خطورة شديدة على موقع مصر، وعلى القضية العربية برمتها لعدة أسباب:
يمثل الاعتراف الإيراني سابقة شديدة الخطورة أمام الدول الإسلامية الأخرى؛ فقد يؤدي ذلك إلى الاقتداء بالنموذج الإيراني.
كانت الثورة العراقية تواجه ظروفا صعبة ما يجعل التعاون الإيراني ـ الإسرائيلي خطرا عليها.
كانت هذ الخطوة بالنسبة لإسرائيل بمثابة قفزة فوق الطوق العربي المحيط بها إلى ما وراء المنطقة.([32])
وبالفعل قام راديو إسرائيل بمسايرة موقف الشاه الذي كان ناصر متخوفا من تبعاته مؤكدا على المصلحة الإيرانية ـ الإسرائيلية المشتركة في منع إقامة دولة عربية كبرى ـ حلم عبد الناصر القومي ـ على الحدود الإيرانية ـ الإسرائيلية.([33])
إثر إغلاق قناة السويس أمام السفن الإسرائيلية بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م؛ تعهدت إيران بمقتضى اتفاقياتها مع إسرائيل عام 1957م، بتأمين القسم الأكبر من احتياجات تل أبيب النفطية، وهكذا ارتقى تدريجيا مستوى العلاقات الاقتصادية بين إيران، وإسرائيل، إلى حد تبادل الزيارات بين دبلوماسي البلدين، ولكن بصورة سرية. وفي عام 1960م، تزايدت صادرات إيران النفطية إلى إسرائيل إلى الضعف، ثم أرسى الجانبان قواعد تعاون عسكري، وأمنى واسع النطاق.([34])
وكانت إيران قد سارعت بالاعتراف بالكيان الإسرائيلي في 6 مارس 1950م، لكن تراجعت عن تلك الخطوة بعد 15 شهرا فقط نظرا لصوت المعارضة القوي الذي سمعه الشاه خاصة من رجال الدين حيث كتب أحد مشاهير المراجع الدينية الشيعية في قم، وهو آية الله كاشاني، في بيان له أصدره اعتراضا على فتوى شرعية الاعتراف بإسرائيل: “الاعتراف بإسرائيل هو تأييد للعدوان الذي يحدث على العرب المسلمين والمسلمين غير العرب”، وبعد أقل من شهر أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان رسمي لها مؤرخ بتاريخ 7 يونيو 1951م، في برقية إلى قنصليتها في تل أبيب، والقدس المحتلة أن أي من أشكال التمثيل الإيراني في إسرائيل ممنوع ابتداء من اليوم.([35])
لكن وبعد 9 سنوات من إغلاق قنصلية إيران في تل أبيب، والقدس بأمر الدكتور مصدق، أعيد افتتاح القنصليتين المذكورتين آنفا في 23 يوليو من العام 1960م، بأمر من الشاه شخصيا، ومن بداية الستينيات تغيرت إيران لتصبح واحدة من أصدقاء إسرائيل المقربين في المنطقة، وقد صرح موشى ديان في لقاء له مع الشاه في مايو 1963م بالعاصمة طهران قائلا: “عبد الناصر مصدر إزعاج لكلينا، وحالما نهزه هزة قوية فإنه سوف يسقط ويصبح كالمومياوات المصرية”. وكان هدف الزيارة هو تبادل الخبرات الزراعية ودراسة استغلال المياه الجوفية في منطقة بحر قزوين حيث كان يشغل ديان وقتها حقيبة وزارة الزراعة في حكومة تل أبيب.([36])
كان قرار تطبيع العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية قد اتخذ في المناخ المغلق في السنوات التي أعقبت سقوط الدكتور مصدق، حيث لم يكن أحد في الداخل الإيراني يقدر على مواجهة الشاه، وكان الشاه قد أعلن موافقته على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي في 1958م، إلا أنه قرر كذلك أن يبدأ عمل مكتب التمثيل الإسرائيلي في السفارة السويسرية بطهران بهدف إبقاء الأمر في طي الكتمان، ولهذا كان يستخدم الاسم المستعار “برن” في كافة المراسلات بدلا من اسم السفارة الإسرائيلية في المراسلات الإدارية.([37])
ولعل من أفضل التوصيفات لطبيعة العلاقات بين إيران وإسرائيل هو ما قاله الجنرال ماير أميت، رئيس إدارة إعلام الجيش الإسرائيلي، في لقاء له بالدكتور أميني رئيس وزراء إيران خلال زيارة له لطهران: “العلاقات بين إيران وإسرائيل كعلاقة رجل متزوج بعشيقته”، فأجابه أميني بمزاح: “وما العيب إذا كان الطرفان راضيين سعيدين؟”، فرد عليه أميت متفكها: “العيب هو أنهما لن يكونا قادرين على أن ينجبا أطفالا”.([38])
بعد ذلك بقليل ألحت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل على الشاه بإعلان تطبيع العلاقات رسميا وقدمت له موشى ساسون([39])، لكي يكون أول سفيرا لإسرائيل لدى طهران بعد تطبيع العلاقات بشكل علني.
وقبل أن يعلن الشاه موافقته أراد أن يختبر رد فعل الدول العربية في مواجهة إعلان العلاقات مع إسرائيل ولهذا قال خلال حوار له مع رئيس تحرير جريدة كيهان الذي كان قد طلب منه توضيحا حول علاقات إيران بإسرائيل، فقال الشاه: “لقد تم الاعتراف الرسمي مسبقا، وهذا ليس بالأمر الجديد، وربما كان ممثلنا قد استدعى من إسرائيل تماشيا مع الأحداث، وربما للدعاية منذ عدة سنوات ولم يرجع حتى الآن، لكن موضوع الاعتراف هذا ليس شيئا جديدا”.([40])
وكان وقْعُ هذه الأحداث أليما على عبد الناصر خاصة أن الشاه قد أعلن عن افتتاح قنصليتي إيران في تل أبيب والقدس في مؤتمر يوم 23 يوليو 1960م، تزامنا مع احتفال مصر بذكرى الثورة ما كان له عند ناصر وقع الإهانة الموجهة إلى بلده بشكل مباشر، ولهذا التوقيت دلالة رمزية لا يمكن تخطيها ولا تجاوزها ولا غض الطرف عنها، خاصة في حالة التوتر التي كانت قائمة بالفعل في العلاقات المصرية ـ الإيرانية.
“من وجهة نظر عبد الناصر كان الاعتراف بإسرائيل من قبل دولة مسلمة أمرا محفوفا بالمخاطر؛ لأنه كان يفتح الطريق أمام الدول الإسلامية الأخرى لكي تطبع علاقتها مع إسرائيل، ولذلك لم يكن غريبا ما قاله في خطاب 26 يوليو معلنا قطع علاقة بلاده بإيران نهائيا بعد ثلاثة أيام فقط من التطبيع الإيراني ـ الإسرائيلي”
ومن العبارات التي وردت في خطاب عبد الناصر: “إن الشاه عنده عقدة مصدق، مصدق الذي قام ليحرر بلاده من النفوذ الأجنبي، مصدق الذي استطاع الشاه بالتعاون مع الاستعمار أن يقضي عليه وعلى ثورته. إن الشاه باع نفسه بثمن بخس للاستعمار اعترف بإسرائيل ليرضي أمريكا ويرضي أسياده إذا كان شاه إيران باع نفسه بثمن بخس فإن شعب إيران لا يمكن أن يبيع نفسه بالذهب أو بكل كنوز الدنيا، إننا نعلم أن شعب إيران لا يمكن أن يقبل أبدا أن يخضع للاستعمار ولا يمكن أن يكون مطية للصهيونية العالمية لتتحكم في إيران، إننا نرى أنه لا داعي أن تبقى لنا سفارة في إيران، إننا حينما نتخذ هذه الخطوة إنما نشعر بالأسى والأسف، لأن العلاقات التي تربطنا بشعب إيران كانت علاقات متينة ووطيدة، هذا الشعب الذي نحتفظ له بكل الود وبكل محبة وبكل إخاء، إننا ننتظر اليوم الذي تتحرر فيه إيران من الرجعية والفساد، وتتحرر من سيطرة الاستعمار والصهيونية لنعيد فتح هذه السفارة عند شعب إيران الحر الأبي الكريم، إنه بهذا الاعتراف يؤكد للعالم كله، ولشعبه أنه ألعوبة في يد المخابرات الأمريكية التي أعادته إلى العرش بعد الانقلاب المضاد على ثورة مصدق، وأن نهايته سوف تكون نهاية غيره من العملاء”.([41])
وقد كان كما توقع عبد الناصر وانتهى المطاف بالشاه المخلوع أن يدفن في مصر بعد تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عنه ورفضها منحه حق اللجوء السياسي بعد أن غادر طهران إبان الثورة الإيرانية في مطلع العام 1979م.([42])
وبالرغم من أن الشاه لم يعلق بشكل شخصي على تصريحات عبد الناصر تجاهه إلا أنه كلف وزارة الخارجية الإيرانية بأن تقوم برد فعل عنيف مساو لكلمات ناصر في بيان لها قالت فيه بالحرف الواحد: “إن وكالات الأنباء الأجنبية نقلت مساء اليوم تصريحات مجنونة لجمال عبد الناصر تعرض فيها للمؤسسات المقدسة في إيران، ولكن هذا الفرعون المصري الأحمق يشوه حقائق موقف الحكومة الإمبراطورية الشاهنشاهية. إن تصريحات جمال عبد الناصر الغبية والشريرة والرخيصة لا تليق برئيس دولة، ولكن هذا لا يدهش جلالة الملك الذي يعلم أن ذلك الرجل قفز إلى السلطة ـ في إشارة إلى عزل جمال عبد الناصر لمحمد نجيب أول رئيس جمهورية – على أساس غير شرعي”.([43])
وكنتيجة حتمية لتلك التراشقات والسجالات بين الجانبين المصري والإيراني صدر قرار باستدعاء محمود محرم حماد سفير الجمهورية العربية المتحدة “مصر وسوريا” في طهران اعتراضا على تصرف وتصريحات حكومة إيران الشاهنشاهية وذلك في أمر من قبل وزارة خارجية الجمهورية العربية المتحدة. وبعودة حماد في 27 يوليو 1960م انقطعت العلاقات المصرية ـ الإيرانية لأول مرة من جانب مصر وانخفضت العلاقات إلى مستوى مكتب رعاية المصالح، وتم تحديد سفارة أفغانسان لتكون مسئولة عن رعاية المصالح الإيرانية في مصر.([44])
وإلى جانب بيانات عبد الناصر، قامت دوائر دينية وسياسية شتى باتخاذ مواقف متشابهة، كما أصدر مجلس الأمة برئاسة أنور السادات – لاحظ – بيانا استهجن فيه اعتراف الشاه بإسرائيل بشدة وطلب من الدول العربية أن تقطع علاقاتها الدبلوماسية والثقافية بإيران، وجاء البيان بالنص: “هذا التصرف في صالح تنفيذ سياسات الدول الاستعمارية التي أوجدت إسرائيل ولهذا فإن شعب إيران الذي لم تكن له يد في هذه الجريمة مطالب بأن يهب لمقاومة هذا الطغيان الذي يهدف إلى جعله نهبا للاستعمار والصهيونية”.([45])
وأصدرت الوفود الإسلامية خلال المؤتمر الذي عقد بدعوة من فضيلة الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الأزهر الشريف في 7 أغسطس 1960م، بيانا جاء فيه: “نطالب جميع الشعوب العربية والإسلامية باستنكار هذه الفعلة استنكارا تبدو فيه عظمة الرأي العام الإسلامي، إن هذا القرار الخطير الذي اتخذه ملك مسلم يخالف النص القرآني الكريم الذي ينهى عن اتخاذ أعداء المؤمنين أولياء”، في إشارة إلى الآية الكريمة رقم (144) من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}.([46])
وفي الوقت ذاته أرسل شيخ الأزهر الشيخ شلتوت برقية إلى الشاه طالبه فيها أن يعيد النظر في قراره، إلى جانب برقية أخرى إلى آية الله بروجردي طلب منه فيها: “أن يطلع الشاه على عواقب قراره بما له من منزلة كبيرة بين الناس”، فضلا عن قيام دار التقريب بين المذاهب بإرسال برقية مشابهة إلى الشاه مفادها التعبير عن الأسف البالغ من هذه الحادثة المزعجة المتمثلة في الاعتراف بإسرائيل الباغية.([47])
ومن جانبه استنكر البطريرك كيرلس السادس، بطريرك الكرازة المرقسية، موقف الشاه وطالب ممثل الكنيسة القبطية في مؤتمر الكنائس العالمي أن يتقدم بمشروع قرار لاستنكار وجود إسرائيل، مؤكدا أن الكنائس ستجتمع في عطلة الأحد الموافق 14 أغسطس 1960م، لاستنكار موقف الشاه من اعترافه بإسرائيل وهذا يكفي لهدم الدعاوي الصهيونية التي أدخلتها على بعض الطوائف المسيحية في مصر والخارج.([48])
وتصاعدت ردود الفعل إلى طبقة العمال المصريين الذين رفضوا تزويد السفن الإيرانية بالوقود بعد اعتراف الشاه بإسرائيل. كما بحثت الجامعة العربية طلبا مقدما من مصر لمقاطعة إيران، وقطع علاقتها بها، ولكن الأصوات المطلوبة لاتخاذ قرار كهذا لم يتحقق، وعلى هذا الأساس وجهت الصحف العربية والمصرية على وجه الخصوص انتقادات حادة واسعة النطاق إلى الشاه، ومع كشف علاقاته المعلنة والسرية مع إسرائيل وضع المسلمون أحقيته بأن يكون ملكا لبلد مسلم موضع السؤال.([49])
وقد ترك التطبيع الإيراني ـ الإسرائيلي، وما تبعه من موجات غضب وشجب شعبي ورسمي وإعلامي من الجانب العربي، أثرين سيئين على حكم الشاه:
أن تلك الانتقادات القادمة من خارج الحدود الإيرنية وجدت من ينصت لها ويؤيدها بين طبقة المناضلين المسلمين ضد الشاه، وخاصة بين رجال الدين الشيعة والحوزات([50]) العلمية في المدن المقدسة، ومن بينهم آية الله الخميني الذي قد دق المسمار الأول في نعش الشاه، إذ لم يكن قبل ذلك قد بدأ حركته وانتفاضته ضد الشاه، وأوجدت تعاطفا إيرانيا داخليا مع الدول العربية المسلمة في مسألة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
أن العلاقات الإيرانية ـ العربية ساءت، وتبددت ثقة العرب أجمعين في إيران باعتبارها بلدا مسلما جديرا بالثقة.([51])
لم ينته التوتر بين البلدين بمجرد قطع العلاقات، فقد كان التمركز في منطقة الخليج العربي هو أحد أسس السياسة المصرية الخارجية فيما تعارف على تسميته في الأوساط السياسية والدبلوماسية بـ”المشرق العربي” وهي المنقطة الجغرافية التي تشمل كلا من العراق والأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والدول الست الجنوبية على الخليج.
كان عبد الناصر قد وضع تلك الإستراتيجية قلقا من تمدد نفوذ الشاه في المنطقة العربية؛ لذلك وضع إستراتيجيته لتشمل بالإضافة إلى الدول السابقة الدول الصغيرة حتى قبل قطع العلاقات مع إيران، وعلى هذا الأساس وضع على قائمة خطة حكومته فكرة تأييد الحركات التحررية ومعارضة الأنظمة الديكتاتورية، بعبارة أخرى اعتبر عبد الناصر مصر صاحبة حق في أن تتدخل في إعداد الترتيبات الأمنية في المشرق العربي بشكل عام وفي الخليج العربي بشكل خاص.([52])
في سبتمبر 1962م قرر عبد الناصر التدخل العسكري في الحرب اليمنية الداخلية بأن أرسل 70 ألف جندي بغية تأييد الفرقة المطالبة بالجمهورية بزعامة عبد الله السلال ضد الفرقة الرجعية بزعامة الإمام البدر، لكن هذا الأمر لم يمر مرور الكرام على الشاه فسارع بتفسير هذا التدخل على أنه اتجاه لنشر القومية العربية في منطقة المشرق العربي، وتسبب بالطبع في زيادة قلق الشاه الذي كان ينظر إلى عبد الناصر بمنتهى الشك والريبة، خاصة أن إرسال هذا العدد من القوات إلى اليمن تم بعد يوم واحد فقط من طلب السلال من عبد الناصر أن يرسل إليه القوة؛ فقوى لدى الشاه الظن بأن عبد الناصر شخصيا له دخل بأحداث اليمن.([53])
لم يكن الشاه يحب أن يسقط نظامه الملكي أمام عينيه بمساعدة عبد الناصر مع وجود حادثة تؤجج هذا الخطر وهي أن نظامه الملكي كان قد تعرض للخطر قبل قليل على يد الدكتور محمد مصدق، وها هو يتعرض من جديد للخطر، إذ كان انتصار عبد الناصر في اليمن يمكن أن يجر وراءه عدة انتصارات تالية في الدول العربية الملكية المجاورة خاصة الصغيرة منها، وبالفعل هب الشاه إلى المملكة العربية السعودية التي كانت تتزعم التيار المحافظ في العالم العربي والتي كانت تتعرض لهجوم عبد الناصر لتقديم العون المالي والفني للنظام الملكي في اليمن.([54])
في وضع كهذا بقيت القوات المصرية أربع سنوات في اليمن بينما لم يكن لديها الدافع ولا المعلومات العسكرية الكافية عن وضع اليمن ولهذا لم تكن هذه القوى ترى لديها دافعا لهذه الحرب وتسبب التدخل العسكري في اليمن في خسائر فادحة في الأموال والأرواح لمصر. وعلى هذا النحو كانت أوضاع اليمن سببا في أن تحدث المواجهة مرة ثانية بين الشاه وعبد الناصر، حيث قام الشاه بخطوة مماثلة للخطوة الناصرية بأن أرسل تعزيزات ومساعدات عسكرية وآليات حربية لمساعدة سعيد البوسعيدي سلطان عمان بعد أن تشكلت في عمان أيضا حركة مناهضة للنظام باسم “جبهة تحرير ظفار” والتي كانت متأثرة بالفكر الناصري.
كانت قد تشكلت في الأراضي الأحوازية عام 1956م، حركة انفصالية باسم “حركة تحرير عربستان”، تقليدا لمثيلتها في العاصمة صنعاء بأثر الأفكار الناصرية التي كانت تبث من الإذاعة المصرية متوجهة إلى تلك المنطقة بالتحديد والتي كانت تخصص ضمن بثها برنامجا متخصصا في شئون الشعب العربي الأحوازي. وقد وصف عبد الناصر نفسه في أحد خطاباته عام 1964م، خوزستان (اللفظة المستعملة وقتها للتعبير عن إقليم الأحواز) بأنها أرض وشعب عربي الهوية وطالبهم بأن يستقلوا عن إيران.([55])
وكانت أفكار ناصر وتصرفاته في حماية الحركات التحررية قد ألقت الرعب في نفس الشاه ليس بسبب عدم ثبات الدول المجاورة لإيران فحسب؛ بل لأنها كانت قد تركت أثرها في منطقة خوزستان (الأحواز) التي يسكنها العرب أيضا، وفي الحقيقة كان الشاه يرى خطر تجزئة إيران وانفصال خوزستان جزءا من خطة نشر القومية العربية الناصرية في منطقة الخليج، الأمر الذي أدى إلى مؤتمر المانحين العرب أن يعلن في ديسمبر من عام 1964م، أن “خوزستان جزء لا يتجزأ من الوطن العربي”.([56])
ثم جاءت القشة التي قسمت ظهر البعير في مسيرة العلاقات بين البلدين حيث أيد عبد الناصر اقتراح تغيير اسم “الخليج الفارسي” إلى “الخليج العربي” قائلا: “إنه مادامت هناك ست دول عربية في الناحية الغربية للخليج فإن تسمية الخليج باسم الفارسي غير صحيحة، لذلك فإن اختيار اسم الخليج العربي بدلا منه هو الاختيار الأمثل”. وهو ما استخدم على نطاق واسع حتى بعد وفاة الزعيم المصري.([57])
“مع اتساع الهوة في العلاقات بين البلدين أيد عبد الناصر حركة المطالبة باستقلال البحرين عن إيران تأييدا جادا، وكان طبيعيا أن يعتبر سلوك القاهرة هذا تهديدا للأمن القومي الإيراني ومساسا بحدود القومية الإيرانية، زاد هذا من أسباب الكدر في العلاقات المصرية ـ الإيرانية إلى درجة عالية فضلا عن تخوفات الشاه من انفصال إقليم خوزستان الذي يسكنه العرب”
وفي حديث له تعقيبا على تصرفات مصر قال الشاه محمد رضا بهلوي للصحيفة الإيطالية ذائعة الصيت كوريرا ديلا سيرا Corriere della Sera: “إن حكام مصر بدلا من أن يعملوا على تحسين أوضاع بلادهم ينفقون سنويا 60 مليون جنيه مصري على الدعاية الإعلامية وعلى إثارة الشعوب في كافة الدول، وإن النظام الحالي في مصر غير قائم على مبادئ القانون الدولي. عبد الناصر عنده جنون جامح ومرد ذلك فقط جهله المركب”.([58])
في ذلك الحين كانت إيران قد طرحت المواد الست للثورة البيضاء في 26 يناير 1963م، وأعلنت الحكومة أن ستة ملايين مواطن إيراني قد صوتوا لصالح تلك المواد، غير أن آية الله الخميني انتقد الثورة البيضاء في 27 فبراير 1963م، وكان نتيجة ذلك أن هاجمت قوات الكوماندوز التابعة للشاه المدرسة الفيضية في 22 مارس 1963م، قبل أن يصف (آية الله الخميني) تصرف الشاه هذا بالتصرفات الإسرائيلية وذلك خلال خطاب شديد اللهجة موجه ضد الشاه قائلا ما هو نصه: “هاجمت إسرائيل ـ بأيدي عملاء الـ سي آي إيه ـ المدرسة الفيضية، وإن حكومة إيران أهانتنا ولازالت تفعل بتبعيتها لأهداف وخطط إسرائيل”، وغداة ذلك اليوم قامت انتفاضة 15 خرداد الشهيرة؛ فأمر الشاه أجهزته الأمنية بقمعها.([59])
لكن ما يشغل بال المؤرخ هو الإجابة على سؤال: ما علاقة تلك الأحداث بسير العلاقات المصرية ـ الإيرانية؟ لقد أشار الشاه العاجز عن تحليل الأوضاع الدائرة حوله والخائف من تزلزل قواعد حكمه بأصابع الاتهام إلى عبد الناصر من دون أي تردد لكي يربط التمرد الداخلي بالتدخل الأجنبي، معتبرا عبد الناصر هو السبب في الاضطرابات الداخلية الإيرانية.
ليس هذا فحسب بل قام الشاه بالقبض على آية الله الخميني ونفاه كما قام بالقبض على عدد كبير من المعارضين السياسيين بتهمة العمالة للنظام المصري، مدعيا أنهم حصلوا على معونات مالية لإسقاط النظام من ناصر وزج بهم في السجن، ولم تقدم الحكومة الإيرانية أي دليل أو وثيقة تدين هؤلاء وتؤكد الاتهامات المنسوبة إليهم الأمر الذي دعا الصحافة المصرية لمهاجمة الشاه هجوما شديدا كما عبر شيخ الأزهر الشريف الشيخ شلتوت في 10 يوليو من العام 1963م، عن اعتراضه على مقتل الأبرياء خلال برقية إلى الشاه جاء فيها: “هذا نداء إليك لتطلق سراح علماء المسلمين في إيران، ولتجعل قداسة الأئمة من قداسة الرسالة التي يحملون أمانتها، إنه إذا هانت كرامة العلماء هان في هذه الأمة كل عظيم ولم يبق على ظهرها معنى مقدس”.([60])
ثالثا: موقف إيران من حرب الخامس من يونيو 1967م وأثره على علاقتها بمصر
أفسحت حرب الخامس من يونيو 1967م، المجال أمام الشاه لكي يطمئن إلى أن عبد الناصر سوف يكف عن تأييد ودعم معارضيه السياسيين داخل إيران، كما أنه سوف ينصرف عن تغيير الأنظمة العربية في المنطقة مثلما فعل عندما تدخل في اليمن عسكريا.
من الناحية الاقتصادية فقد أدت تلك الحرب إلى ازدياد نصيب إيران من بيع البترول بشكل طارئ إلى صديقتها إسرائيل بعدما امتنعت الدول العربية عن تصدير بترولها إلى الدول المؤيدة لإسرائيل، وبعد نقض المقاطعة العربية للبترول، وبيع البترول بأعلى سعر له زاد متوسط دخل إيران السنوي تدريجيا من حوالي 5 مليارات دولار إلى ما يزيد عن عشرين مليار دولار في غضون عشر سنوات فقط، أعقبت حرب 5 يونيو 1967م لدرجة جعلت مجلة “التايم” الأمريكية تصف الشاه بأنه “إمبراطور البترول”.([61])
على هذا الأساس تحول الشاه في أشهر معدودات إلى أكبر قوة بلا منازع في المنطقة لدرجة جعلت قوة إيران العسكرية والاقتصادية تفوق دول المنطقة كافة باستثناء إسرائيل، ومع وضع هذه النقاط في الحسبان، قال الشاه بعد حرب الأيام الستة لوزير خارجية إسرائيل أبا إيبان إنه: “قفز في الهواء من فرط السعادة عند سماعه خبر هزيمة عبد الناصر، وإذلاله في تلك الحرب، وأنه وزع العملات الذهبية على أصدقائه تيمنا بهذا النصر”.([62])
وجدير بالذكر أن طبيعة المرحلة بالنسبة لمصر أوجدت معادلات جديدة في المنطقة أجبرت عبد الناصر على أن يجري تعديلات مهمة على كثير من مواقف بلاده في السياسة الخارجية، وفيما يختص بإيران تحديدا ـ موضوع البحث ـ كان عبد الناصر قد أدرك تماما أن ابتعاده عن الشاه، وقطع العلاقات المصرية ـ الإيرانية قد أفقد العرب رصيدا احتياطيا كبيرا كما حول الشاه بدرجة كبيرة لصالح إسرائيل، وهذا ما كانت تسعى إليه إسرائيل.
من الناحية العملية، وبالرغم من الامتيازات التي حققتها حرب الأيام الستة للشاه إلا أن احتلال آبار البترول المصرية الواقعة في صحراء أبو رديس في سيناء من قِبل إسرائيل قد مكن الإسرائيليين من إيجاد البديل النفطي الإيراني، وهو الأمر الذي أضر الشاه كثيرا، فقد قلصت إسرائيل من معدل شرائها من البترول الإيراني؛ ما أفقده ميزة تبعية إسرائيل الكاملة له من ناحية البترول.
“الأهم من ذلك كله هو أن ميل الشاه أحادي الجانب إلى زاوية إسرائيل، وما تبعه من قطع علاقاته بدول مسلمة كبرى هي مصر، قد أضر سمعته الداخلية كثيرا إذ كان الإيرانيون يعتبرونه معاديا للدين الإسلامي، وكانوا يبدون رغبة كبيرة في نصرة القضية الفلسطينية”
كل تلك العوامل جعلت الشاه مصرا على أن يعوِّض هذه الخسائر بالرغم من أنه كان سعيدا بهزيمة العرب أمام إسرائيل؛ إلا أنه أعلن في موقف واضح ـ كان غير متوقع بالنسبة لإسرائيل ـ قائلا: “لقد انتهى عصر الفتوحات، والسيطرة على الأرض، وعلى إسرائيل أن تخلي من دون إبطاء الأراضي التي احتلتها كافة، ومن بينها القدس”.([63])
ولعل هذا من ضمن حزمة عوامل أخرى ما أدى إلى أن يعتمد عبد الناصر في أعقاب نكسة 1967م، بعض التعديلات على علاقاته السياسية، والإقليمية، والدولية، وقد ترك الموقف الإيراني وقتذاك، المدافع عن القضية العربية، ولو ظاهريا، أثرا على تحسين العلاقة المصرية بإيران، وبالفعل عادت العلاقات الدبلوماسية بالتدريج بوساطة الكويت التي كانت قد استقلت حديثا في عام 1961م، إلى أن صدر إعلان أغسطس/ آب 1970م، والقاضي برفع مستوى العلاقات إلى رتبة السفارة، ولكن المنية عاجلت الرئيس المصري بعد شهر واحد من الإعلان، وقبل تحقق ما كان يصبوا إليه البلدان”.([64])
ويذهب الدكتور سعيد الصباغ إلى أن العلاقات الإيرانية ـ المصرية بعد نكسة الخامس من يونيو 1967م، أصبحت محكومة بأبعاد، وتوازنات من نوع آخر، إذ لم تؤد هزيمة الخامس من يونيو إلى الإخلال بتوازن القوى الإقليمي فحسب، بل إن مضاعفات هذه الهزيمة أدت إلى حدوث تغيير حاد في المعادلات السياسية، وفي نوع، الاتجاهات العامة بالمنطقة وطبيعتها بشكل كامل، ومن أهم التغييرات تلك أن أخذ موقع مصر في التراجع من المركز الرئيسي لتحديد اتجاهات السياسة العربية، وهو تراجع ارتبط طرديا ببروز أطراف، وأيدلوجيات إقليمية أخرى غير عربية بطبيعة الحال طيلة العقد اللاحق، كما أخذت ـ فيما بعد الثورة الإسلامية ـ تستخدم الإسلام وسيلة لاستقطاب المنظومة العربية، والتغلغل فيها والتأثير عليها، بوصفه إطارا سياسيا بديلا عن القومية العربية.([65])
ولقد مثلت هزيمة يونيو فرصة مواتية أيضا كي تؤكد العديد من البلدان العربية على قطريتها مستلّة في ذلك مصلحتها الخاصة بعيدا عن سياسات المصالح العربية العامة، وعليه لم تؤد النكسة إلى نقل ميزان الاتجاهات العربية إلى جانب الدول المحافظة، ومعه الثقل السياسي من مصر إلى منطقة الخليج وحسب، بل إن حالة الانفراط العروبي التي تبعت الهزيمة العربية كانت إحدى تبعات هذا المتغير؛ الأمر الذي كان من شأنه زيادة الفراغات في الصف العربي أمام تغلغل الدور الإيراني، وتزايد تأثيره في المنظومة العربية على نحو مطرد، كل ذلك كان له انعكاس طبيعي، ودور مهم في إعادة ترسيم العلاقات المصرية ـ الإيرانية في ظل مضاعفات حرب يونيو 1967م، الشيء الذي جعل الشاه يتعامل مع تلك النتائج بطموحه الشخصي، وليس بنوازعه العاطفية، ومن ثم حدد الشاه موقفه تجاه الصراع العربي ـ الإسرائيلي في اتجاهين:
أولهما: أن تكون مواقفه ضمن الإرادة الأمريكية.
ثانيهما: إبداء نوع من التعاطف ـ ولو ظاهريا ـ للجانب العربي استقطابا لبعض الاتجاهات العربية بما يدعم دور ينتطر إيران قريبا.([66])
ومن ناحية أخرى كانت خسائر الحرب، ووضع الاقتصاد المصري في السنوات التي أعقبتها قد جعلت مصر في حالة عوز، واحتياج لإيران الثرية، أضف إلى ذلك المناخ الدولي الذي كان يساعد على التهدئة في الشرق الأوسط، ومن بينها علاقات مصر وإيران تحت تأثير نظرية التعايش السلمي التي كانت قد أُعلِنَت في تلك الفترة بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي.
ومع أخذ تلك العوامل في الاعتبار؛ وضع عبد الناصر تطبيع العلاقات مع إيران في خطة سياسته الخارجية، وفي البداية اشترطت حكومة الشاه للتطبيع مع مصر اعتذارا رسميا عن تصريحات عبد الناصر المعادية للشاه، وأن تبادر مصر إلى تطبيع علاقاتها التي كانت قد قطعتها بنفسها، لكنها تنازلت بعد ذلك عن شرطها الأول.([67])
وليس من نافلة القول إن الشاه أيضا كان قد مني بعدد من الخسائر الإستراتيجية من جراء قطع علاقاته بجمهورية مصر العربية في ظل قيادة الرئيس جمال عبد الناصر، تلك التي تقود العالم العربي وتعب أدوارا محورية في محيطها الإفريقي، وأنه ـ أي الشاه ـ كان يتحين الفرصة ليعيد العلاقات لهدف كان في نفسه، مفاده أنه كان يريد تحسين علاقاته بالعالم العربي ككل بعد أن تضررت كثيرا من جراء علاقاته الوطيدة بدولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في ظل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى أراد أن يطبع علاقاته بالدول الإفريقية ذات الولاء للنظام الناصري.([68])
كان موقف إيران الصريح، والسريع في إدانة احتلال إسرائيل الأراضي العربية، والتأكيد على سيطرة مصر على سيناء، وإدانة حرق المسجد الأقصى الذي قامت به إسرائيل في عام 1969م، وجهدها الفاعل في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بعد هذا الحادث من بين الدلائل الإيجابية التي تركت أثرا واسعا في تهدئة المناخ المتوتر بين طهران، والقاهرة، إلى أن استؤنفت العلاقات بين القاهرة وطهران بعد عشر سنوات في الأيام الأخيرة من عهد عبد الناصر، وبوساطة دولة الكويت على أساس البيان المشترك الصادر بتاريخ 29 أغسطس 1970م.([69])
ويذهب الباحث الإيراني حميد أحمدي إلى أن حدة الخلافات المصرية ـ الإيرانية قد خفت بعد نكسة 1967م، وذلك لأسباب عدة منها:
1 ـ ضعف موقف الناصريين، والقوميين العرب بعد هزيمة يونيو.
2 ـ الضرورات الاستراتيجية الجديدة لإيران، ومشاريعها في الخليج العربي.
وفى العموم لم يكن الشاه يعتبر جمال عبد الناصر، ومؤيديه خطرا عليه بعد عام 1967م، ثم إن الخسائر الفادحة التي تكبدتها مصر إثر هزيمتها في تلك الحرب جعلتها تتخلف عن ركب الأحداث الإقليمية، وانشغلت بإعادة الإعمار اقتصاديا، وعسكريا، ومن هذا المنطلق طلب المصريون من العرب المحافظين مساعدات اقتصادية، واعتمدوا على المساعدات السعودية أكثر من أي بلد آخر، ورحب الشاه بتحسن العلاقات بين المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية.([70])
ويرى حميدي أن إيران بدءا من العام 1968م، بدأت بالفعل تفكر في الاضطلاع بدور القوة الأولى في المنطقة، ولعل مشروع تحسين العلاقات مع مصر الرامي إلى إحباط اتحاد العرب المحتمل ضد إيران يمثل إحدى مبادرات السياسة الخارجية لإيران في تلك المرحلة، ولهذا الغرض أيضا بدأت إيران تدعم مواقف مصر، والعرب حيال إسرائيل، وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها تلك الممتدة من الضفة الغربية إلى قطاع غزة.
وتعد زيارة الشاه محمد رضا بهلوي إلى المملكة العربية السعودية عام 1968م، أولى الخطوات نحو تحسين العلاقات بين مصر وإيران، فضلا عن أن انقلاب حزب البعث في العراق عام 1968م، والخلافات بين البعثيين، والناصريين حول قضايا الشرق الأوسط، وفلسطين من جهة أخرى، منحت إيران زخما جديدا للتقرب من مصر.([71])
ويرى حميدي أن المواقف الإيرانية المؤيدة للعرب، كإدانة احتلال الأراضي العربية من جانب إسرائيل، والدفاع عن مصر إثر اتهامات العراق في ما يتعلق بموافقة مصر على مبادرة روجرز عام 1969م، ودعم الشاه في خطاباته، وكلامه لحقوق الفلسطينيين، كل ذلك مهد لتحسين العلاقات، واستمرت محاولات البلدين لمد جسور العلاقات خلال اللقاءات بين الجانبين إلى أن انتهت باستئناف العلاقات في أغسطس 1970م، الأمر الذي واجه معارضة كبيرة من جانب حزب البعث العراقي الذي اتهم عبد الناصر بـ”خيانة القضية العربية، وطعن العراق بالخنجر من الخلف”.([72])
على كل حال تم تعيين خسرو خسرواني مساعد وزير الخارجية الإيراني سفيرا لبلاده في القاهرة، وسميح أنور مساعد وزير الخارجية المصري سفيرا لبلاده في طهران، وبمجرد وصوله إلى القاهرة قال خسرواني: “نحن نرى إن علاقتنا الآن وصلت إلى درجة الكمال، وأن كلا منا أصبح يفهم الآخر جيدا، صدقوني، إنها ليست عبارات دبلوماسية فقط، إن العلاقات بين البلدين علاقات حضارية، وثقافية وتتميز بكونها تاريخية بجذورها العميقة تسهل التفاهم بيننا، وإذا أصرت إسرائيل على مواقفها فعلى منظمة الأمم المتحدة أن تجد وسيلة لإجبار إسرائيل على إخلاء الأراضي المحتلة، وليس هناك من شك في أن مجلس الأمن لديه الوسيلة لتنفيذ هذا الأمر، وهذا هو الجزء الأكثر أهمية في سياساتنا الخارجية”.([73])
“كذلك قالت إذاعة القاهرة في تحليل لها لإعادة العلاقات بين البلدين: “لقد أشار التاريخ إلى أنه كلما مدت الأمتان الإيرانية، والمصرية لبعضهما بعضا يد الصداقة، والأخوة، أدت صداقتهما إلى صالح الإنسانية”
من ناحية أخرى تسببت عودة العلاقات المصرية ـ الإيرانية فى استياء العراق، فقد انتقد حزب البعث، الذي كان قد أمسك بزمام الأمور في العراق، تطبيع العلاقات بين البلدين بشدة، إذ كانت هناك مشكلات عديدة بين بغداد وطهران، ومن بينهما قضية الأكراد الذين كانوا يحظون بتأييد الشاه، أضف إلى هذا قضية الجزر الإمارتية الثلاث (طنب الصغرى ـ طنب الكبرى ـ أبو موسى) والتي كانت قد تحولت إلى أزمة في علاقات إيران، والدول العربية، والأهم من ذلك كله أن الشاه لم يكن مستعدا لقبول مطلب الدول العربية المبني على استقلال البحرين عن إيران.([74])
وفي مناخ كهذا أطلقت إذاعة بغداد حملات قاسية ضد الرئيس المصري جمال عبد الناصر بمجرد إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة، واتهمته بأنه طعن العراق، والحلم العربي بخنجر في ظهره، وانتهج منهجا استسلاميا، وبعد شهر تقريبا من هذا التاريخ توفى عبد الناصر بالسكتة القلبية في 28 سبتمبر 1970م، ودفن في القاهرة.
في واقع الأمر كانت الفترة الواقعة بين هزيمة جمال عبد الناصر 1967م، وحتى وفاته مرة، وقاسية عليه، باعتباره زعيم العالم العربي الأول، وقد وصفها السادات بدقة عندما قال: “مات عبد الناصر سنة 1967م، ولكنه دُفن عام 1970م”.([75])
كانت إعادة العلاقات المصرية ـ الإيرانية، هي آخر خطوة لجمال عبد الناصر في ميدان السياسة الخارجية لبلاده، وبسبب تحسن العلاقات شارك أمير عباس هويدا، رئيس وزراء إيران في ذلك الوقت في مراسم تشييع الجنازة المهيبة لجمال عبد الناصر بعدما كان البلدان قد استقرا على أن قطع علاقاتهما قد أضر بمصالحهما الوطنية، وكذلك فقدْ فقدَ الشاه كثيرا من أمنه نتيجة الثورة الشعبية ضده، خاصة وأن آية الله الخميني كان قد أفتى بأن مساعدة إسرائيل بأي شكل من الأشكال، أو إقامة علاقات معها، أو مع عملائها حرام، ومخالف للإسلام فاعتزمت كلتا الدولتان: مصر وإيران، على إعادة علاقتهما بالأخرى.
وكانت المملكة العربية السعودية قد لعبت أدوارا مهمة في تقريب وجهات النظر بينهما، وكانت الفرصة مواتية عند انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي في الرباط في أعقاب حريق المسجد الأقصى، فالتقى محمد أنور السادات الذي كان مبعوثا من قبل الرئيس جمال عبد الناصر للمشاركة في المؤتمر، بالشاه الذي رفض مطلب الدول العربية بشأن قطع العلاقات مع إسرائيل.
وكان الشاه يتصرف بأسلوب غربي بحت؛ فطالب المجتمعين بتقديم مقترحات عملية لحلحلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فقد كان يفصل تماما بين مواقفه السياسية، وبين الوسائل الاقتصادية، وكان بذلك يقلد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الظاهرية، التي كانت تختلف مع إسرائيل بشأن سياستها في المناطق المحتلة، لكنها تمتنع عن فرض عقوبات اقتصادية ضدها.
في حقيقة الأمر أثار حديث الشاه للعرب المطالبين بقطع علاقاته مع إسرائيل حفيظة السادات فهاجمه بلهجة حادة قائلا: “إن حريق المسجد الأقصى أمر جد خطير، وينبغى أن يعالج بجدية أكثر”، وذكر الشاه بما جرى لوالده في الحرب العالمية الثانية، وكان جمال عبد الناصر قد أوصاه بألا يعود دون أن ينهي القطيعة بين البلدين؛ فبدأ في اتخاذ مواقف أكثر هدوءا، وقرأ على الشاه قصيدة بالفارسية لشاعر إيراني شهير يدعو إلى الإخاء، والصلح بين البشر، فأعجب الشاه به، وصفق له بحماس، وتم الصلح بين مصر وإيران بعد ذلك بقليل.
وبعد ثمانية أشهر من تطبيع العلاقات المصرية ـ الإيرانية، وتحديدا في 12 مايو 1971م، وصل أردشير زاهدي وزير الخارجية الإيرانية، وصهر الشاه إلى القاهرة في زيارة استغرقت خمسة أيام لبحث تطوير وتعميق العلاقات المصرية ـ الإيرانية بينما كان زمام الأمور في مصر قد آل إلى أنور السادات، وقد أعلن زاهدي من القاهرة أن إيران قد بدأت مباحثاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط.([76])
وكان هذا الحدث إيذانا بطي مرحلة الشقاق بين البلدين وبدء مرحلة جديدة من تنامي وتعميق العلاقات الثنائية في الفترة محل البحث لتصبح تلك الحقبة هي السنوات الأكثر ازدهارا في تاريخ العلاقات بين البلدين على جميع المستويات، بدءًا من العلاقات السياسية والاقتصادية وتبادل الوفود الرسمية، وصولا إلى تبادل الزيارات الشعبية وانتهاءً بالعلاقات الاجتماعية مثل زيجات رجال مصريين بنساء إيرانيات وزواج نساء مصريات من رجال إيرانيين، حتى العلاقات الفنية والثقافية، وتطابق وجهات النظر بين الدولتين في مختلف القضايا الشائكة التي لعبت الدور الأعظم في مسرح الشرق الأوسط وخاصة الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ــــــــــــــــ
([1]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية 1970 – 1981م، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة، ص16.
([2]) رمضان، مصطفى محمد (دكتور)، تاريخ آسيا الحديث والمعاصر، 2010م، ص60.
([3]) أنشاص هي قرية تابعة لمركز بلبيس من أعمال محافظة الشرقية شمال القاهرة، وتعد أنشاص من الأهمية بمكان حيث يوجد بها مركز تدريب قوات الصاعقة المصرية كما أنها على مقربة من قيادة أركان القوات الجوية المصرية والعديد من المراكز ذات الطابع العسكري والإستراتيجي، وكان عبد الناصر يرسل اللاجئين السياسيين في مصر من الأفارقة، والأسيويين إلى تلك القرية لتلقي التدريب، والدعم. / هيكل، مدافع آية الله، الشروق، القاهرة، ط7، 2006، ص98.
([4]) هيكل، محمد حسنين، مدافع آية الله، الشروق، القاهرة، ط7، 2006، ص98.
([5]) جهاز “الساواك” وينطق بالفارسية “السافاك” وهو اختصار لعبارة: سازمان امنيت واطلاعات كشور، ويعني: الهيئة العامة للأمن والمعلومات. وهي هيئة الأمن القومي الإيراني في عهد محمد رضا بهلوي. وقد أمر الشاه محمد رضا بهلوي بتأسيسه عام 1957م، للمحافظة على النظام، وملاحقة المعارضة الإيرانية بعد أن قضى على حركة مصدق، وكان مدفوعا في ذلك بخوفه من نمو المعارضة الوطنية، والانقلاب على حكمه. (الصباغ)، سعيد (دكتور) المعجم الموسوعي (فارسي ـ عربي) الدار الثقافية للنشر، ط1، 2012م، صـ460.
([6]) رمضان، مصطفى، مرجع سبق ذكره، ص 60.
([7]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص22.
([8]) في إشارة إلى انتفاضة المعارضة الإيرانية ضد الشاه محمد رضا بهلوي 15 خرداد (أحد أشهر التقويم الشمسي المعمول به في إيران) أو 5 يونيو/ حزيران 1963م، وفي هذا اليوم نزل أهالي مدينة قم المقدسة بعد انتشار نبأ اعتقال الإمام الخميني، إلى الشوارع وهم يرددون شعارات ضد الشاه متجهين نحو حرم السيدة فاطمة بنت رسول الله، فيما خرجت الجماهير الغاضبة في جنوبي العاصمة طهران. وشهدت مدن كبيرة مثل أصفهان ومشهد وشيراز وغيرها تظاهرات صاخبة طالب فيها المشاركون الغاضبون نظام الشاه بالإفراج عن مرجعهم الديني. وكان الخميني قد اعتلى المنبر في هذا اليوم عام 1963م، وانتقد شخص الشاه الذي وصف علماء الدين بالرجعيين وخاطبه، قائلا: “إني أحذرك يا شاه إيران أن تواجه مصير والدك الذي فرح الشعب عندما أجبره أسياده على مغادرة إيران. أيها المسكين الشقي مضي على عمرك 45 عاما عليك أن لا تكرر ما يقوله لك البعض فهؤلاء سيتخلون عنك بمجرد حدوث أي خطر ضدك أو ضد الوطن. ونحن رغم هذا التعامل السيء منك، إلا أننا سندافع عن كيان الوطن إذا ما تعرض لأي تهديد تحت إمرتك ونضع الخلاف معك جانبا”. إلا أن الشاه استشاط غضبا وبادر إلى اعتقال الخميني فجر يوم 5 يونيو/ حزيران وفرض عليه الإقامة الجبرية لمدة 10 أشهر ثم أفرج عنه. المصدر/ وكالة أنباء فارس الإيرانية، 5 يوليو 2013م.
([9]) وثيقة تدريب المعارضة الإيرانية بواسطة جهاز المخابرات العامة المصرية، (الديب)، فتحي، (سفير)، عبد الناصر وثورة إيران، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الطبعة الثانية، 2000.
([10]) إبراهيم علي شريفيان، واحد من رموز المعارضة الإيرانية في أوروبا، والقائد الرئيسي في “حركة الحرية” الإيرانية التي قادت النضال ضد الشاه في أوروبا بمساعدة مصرية، وكان أحد الموقعين على ميثاق التعاون بين المعارضة الإيرانية والدولة المصرية، (الصيادي) مخلص (دكتور)، الناصرية والدين – الحلقة الثانية، مجلة الوعي العربي، بتاريخ 8/8/1429هـ الموافق 11 أغسطس 2008.
([11]) مجموعة إيصالات المعارضة الإيرانية في أوروبا، فتحي الديب.
([12]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص28.
[13])) هيكل، مدافع آية الله، مرجع سبق ذكره، ص98.
([14]) هيكل، المرجع السابق، الصفحة ذاتها.
([15]) السابق، الصفحة ذاتها.
([16]) رزق، يونان لبيب، (دكتور)، بحث في كتاب العلاقات العربية – الإيرانية، مجموعة مؤلفين، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1993م، ص113.
([17]) المرجع السابق، ص113.
[18])) الديب، فتحي، عبد الناصر وثورة إيران، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الطبعة الثانية، 2000، ص9.
([19]) عليزاده، حسين، العلاقات الإيرانية ـ المصرية القوتان الإقليميتان في الشرق الأوسط، دراسة وصفية تحليلية، ترجمة، حامد، منى أحمد، (دكتورة)، القاهرة، 2007، طبعة خاصة، ص84.
([20]) عليزادة، المرجع السابق، ص86.
([21]) السابق، ص87.
([22]) الصباغ، سعيد، (دكتور)، العلاقة بين القاهرة وطهران، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 2002، ص84.
([23]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص33
([24]) الصباغ، ص90.
([25]) مهدوي، عبد الرضا هوشنك، تاريخ روابط خارجي إيران، بدون، نقلا عن الأهرام، عدد 25 سبتمبر 1973م.
([26]) الصباغ، مرجع سبق ذكره، ص90.
([27]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص 101.
([28]) مهدوي، مرجع سبق ذكره، ص245.
([29]) هيكل، محمد حسنين، سنوات الغليان، الشروق، القاهرة، 2006، ص450.
([30]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، هامش ص102.
([31]) الصباغ، مرجع سبق ذكره، ص109.
([32]) المرجع السابق، ص109.
([33]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص103.
([34]) (أحمدي)، حميد، (دكتور)، بحث بعنوان العلاقات الإيرانية ـ المصرية والنظام الدولي من كتاب “إيران ـ مصر مقاربات مستقبلية”، مجموعة مؤلفين، بيروت، 2009، ص55.
([35]) نزاد، مسعود كوهستاني، روابط إيران وإسرائيل دردورهء دولت مصدق، بدون، ص15.
([36]) الديب، مرجع سبق ذكره، ص14، وعليزاده، مرجع سبق ذكره، ص107، نقلا عن الصباغ، المرجع السابق، ص106.
([37]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص107.
([38]) هوشنك، مرجع سبق ذكره، ص293.
([39]) من المفارقات أن موشى ساسون نفسه سيصبح أول سفير لإسرائيل لدى القاهرة بعد تطبيع السادات وبيجن في أعقاب اتفاقية السلام في كامب ديفيد.
([40]) المرجع السابق، ص288.
([41]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص44.
([42]) الصباغ، مرجع سبق ذكره، ص110.
([43]) المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
([44]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص111.
([45]) الصباغ، مرجع سبق ذكره، ص112.
([46]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
([47]) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
([48]) جريدة الجمهورية، عدد 10 أغسطس 1960م، نقلا عن كزيدهء اسناد روابط خارجي إيران، ومصر، مؤسسة جاب وانتشارات وزارات أمور خارجه، طهران، بدون، ص65.
([49]) الصباغ، المرجع السابق، ص112.
([50]) الحوزات جمع (حوزة) والحوزة هي اصطلاح يطلق على مدارس تعليم الفقه الشيعي وعدد من العلوم الاجتماعية الأخرى. المصدر/ موقع التقريب بين المذاهب على الإنترنت.
([51]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص113.
([52]) المرجع السابق، ص115.
([53]) المرجع السابق، نفس الصفحة.
([54]) المرجع السابق، ص116.
([55]) الصباغ، مرجع سبق ذكره، 143.
([56]) هوشنك، مرجع سبق ذكره، ص350.
([57]) عليزاده، المرجع سابق الذكر، ص118.
([58]) الصباغ، مرجع سبق ذكر، ص139.
([59]) عليزاده، المرجع سابق الذكر، ص118.
([60]) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص121، والصباغ، المرجع السابق، ص138.
([61]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص40.
([62]) هوشنك، مرجع سبق ذكره، ص389.
([63]) هوشنك، سبق ذكره، ص389.
([64]) خسروشاهي، السيد هادي، الأبعاد التاريخية والثقافية في العلاقات الإيرانية ـ المصرية، سبق ذكره، 2009، ص23.
([65]) الصباغ، سعيد، (دكتور)، العلاقات المصرية ـ الإيرانية بين الوصال والقطيعة، الشروق، القاهرة، 2007م، ص17.
([66]) الصباغ، المرجع السابق، ص19.
([67]) “تجديد روابط ايران ومصر”.. وثيقة إعادة العلاقات المصرية ـ الإيرانية محفوظة في وزارة الخارجية الإيرانية بالإدارة الثامنة بالقسم السياسي تحت رقم (334) بتاريخ 19 تيرماه 1348 الموافق 9 يوليو 1969م، مرسلة من السفارة الإيرانية بمصر، بعد أن قرر الرئيس جمال عبد الناصر في أواخر عهده إعادة العلاقات مع إيران.
([68]) عليزاده، سبق ذكره، ص129.
([69]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص41.
([70]) أحمدي، حميد (دكتور)، بحث بعنوان العلاقات الإيرانية ـ المصرية والنظام الدولي، مرجع سبق ذكره، ص58.
([71]) أبو النور، محمد محسن، العلاقات المصرية ـ الإيرانية، مرجع سبق ذكره، ص42.
[72])) حميد، المرجع السابق، ص59.
[73])) عليزاده، مرجع سبق ذكره، ص130.
[74])) عليزاده، المرجع السابق، ص131.
[75])) عليزاده، المرجع السابق، نفس الصفحة.
[76])) عليزاده، المرجع السابق، ص132.