تحت عنوان “بايد اجازه اظهار نظر داده شود… تهران در مقابل گزینههای بد و بسیار بدتر مخیر شدهاست” أي “يجب السماح بالتعبير عن وجهات النظر.. طهران مخيرة بين الخيارات السيئة والخيارات الأسوأ”، نشرت صحيفة “هم ميهن“ الإيرانية الإصلاحية حوارًا صحفيًا مع المحلل في الشؤون الإقليمية أحمد زيد آبادي يوم السبت ٢ نوفمبر ٢٠٢٤م، وأجرى الحوار رئيس القسم الدبلوماسي والدولي بالصحيفة آرمين منتظري، وتحدث المحلل عن خيارات إيران في أزمة الشرق الأوسط الراهنة.
اقرأ أيضا:
مع اتساع الحرب من غزة إلى لبنان واستمرار المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل اشتد القلق حول مستقبل المنطقة. يعتقد المحلل أحمد زيد آبادي أن على إيران أن تُحدث تغيرًا رئيسًا في نهجها في المنطقة. وبحسب معتقد زيد آبادي يجب السماح للمحللين وأصحاب وجهات النظر التعبير عن وجهات نظرهم فيما يخص اختيار أفضل الخيارات من قِبل إيران، بالإضافة إلى إفساح مجال الحديث وتضارب المعتقدات بشأن الحلول المطروحة. وإليكم نص الحوار في الأسئلة والأجوبة الآتية:
هم ميهن: عندما حدث هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م كان موقف إيران أن حرب غزة حرب الفلسطينيين، وإيران لا تؤدي دورًا فيها. وذكر المرشد الإيراني في حديثه يوم ١٠ أكتوبر أن “هذا الأمر يخص أهل فلسطين”. لكن بعد مرور عام تحولت هذه الحرب تدريجيًا إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل. وفقًا لسير الأحداث على مدار عام مضى، ووصلنا إلى هذه النقطة، هل تعتقد أن ميزان التوتر وخاصةً التوتر المباشر بين إيران وإسرائيل سيزداد أم النقطة التي وصلنا إليها ستقلل هذه التوترات؟
زيد آبادي: أريد أن أعرض هذه النقطة المتعلقة بمقدمتك، وهي أن إيران حاولت أن تفصل نفسها عن هذه الحرب، وتسبب ذلك في أن العلاقة بين إيران والجماعات التي تدعمها في المنطقة أصبح ليس لها تعريف واضح من الناحية القانونية.
هم ميهن: ماذا تقصد بالضبط بـ “التعريف القانوني”؟ وعلى أية حال أعلنت إيران رسميًا أنها تدعم هذه الجماعات، وفي الحديث نفسه للمرشد الإيراني أكد قائلًا: “ندافع عن الحروب”، والجماعات المدعومة من قِبل إيران معترفة أيضًا بدعم إيران.
زيد آبادي: كنت أريد أن أقول الكلام نفسه. كنت أقول أن هناك فكرة في إيران مفادها أن كل مسلم متدين معارض لأمريكا وإسرائيل هو تابع أيديولوجيًا لإيران، ولا فرق أين يعيش سواء في لبنان، أو في نيجيريا، أو في فلسطين، أو في أفغانستان فهو جزء من الأمة التي ننتمي إليها، لكن في تعريف دولة القومية أو Nation-State عادةً علاقة الدولة بالجماعات خارج حدودها المعروفة سياسيًا وجغرافيًا محل خلاف، ولا يمكن إقرار علاقة بين حكومة ما وفاعل غير حكومي خارج حدودها. وطالما أن ماهية هذه العلاقة غير محددة سيظل هناك وضع غامض بحيث يُراد معرفة طبيعة هذه العلاقة من الناحية القانونية.
المحلل في الشؤون الإقليمية أحمد زيد آبادي
وفيما يتعلق بسؤالك، كان التصور المبدئي أن هذه الجماعات تستطيع الحرب، وليس هناك حاجة لأن تدعمهم إيران، لكن منذ ذاك الحين تبين أن الإسرائيليين رأوا أن هذه العمليات مجالًا لتفكك سلسلة النار عن بعضها، والتي يدّعون أن إيران وضعتها حولهم.
كانت هذه الجماعات تؤدي دورًا للردع مقابل إسرائيل باعتبارها حليفة لإيران. عندما تجاوزت الحرب غزة وبدأ الهجوم على لبنان وسوريا، وتم الهجوم في سوريا على المراكز التي تستقر فيها القوات الإيرانية أي الهجوم على القنصلية الإيرانية واغتيال المستشارين الإيرانيين رفيعي المستوى في سوريا، وحتى العمليات في طهران واغتيال قائد المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، فاضطرت إيران أن تتدخل. ولو لم تتدخل إيران لكان من المتوقع استنتاج أن إيران تركت حلفاءها وضحّت بهم. مجموعة هذه الوقائع حدثت بشكل كان من الواضح فيه أن إيران ستتورط في النزاع، إلا إذا كان هناك وسيلة لمنع النزاع؛ كي لا تحدث هذه الواقعة، وذلك لأن ليس لنتنياهو أي نية لإيقاف الحرب ويريد استمرارها.
هم ميهن: هل تعتبر أن هذه الواقعة يمكن تجنبها؟ وهل تعتقد أن في النهاية إيران ستتورط في الحرب؟ وهل كان يمكن التصرف بشكل ما بحيث لا تحدث هذه الواقعة؟
زيد آبادي: مع أخذ الرؤية الإيرانية وسياستها في عين الاعتبار، هذه الواقعة لا يمكن تجنبها. ولو أن إيران غيرت رؤيتها في مرحلة زمنية ما، لم تكن مضطرة.
هم ميهن: في تلك الفترة التي بدأت فيها الحرب وحتى قبل بداية المواجهة بين إيران وإسرائيل هل كانت هناك فرصة لتُحدث إيران تغييرًا جوهريًا في نهجها؟
زيد آبادي: كانت هناك فرصة في مراحل زمنية مختلفة كي يحدث مثل هذا التغيير. إيران فاعلة على أية حال ولها حلفاء في دول عدة، وحلفاؤها في هذه الدول يخيفون حكامها بشكل ما. كان هؤلاء الحلفاء أدوات في حال لو كانت تسعى طهران إلى حل شامل، فيمكن استغلالهم على طاولة التفاوض. مثل هذا الحل كان يتطلب أن تعدل طهران عن ادعائها بتدمير إسرائيل. ولأن إيران لم تستطع أن تعدل عن هذا المبدأ، لذا فإن باقي الأحداث لا يمكن تجنبها.
وحدثت هذه الواقعة في الوقت الراهن ودخلت إيران النزاع مباشرةً مع إسرائيل، لكن ليس هدفها الصدام المباشر مع إيران من الناحية العسكرية. الجهود مركزة في الحيلولة دون إيران من التواجد في محيط إسرائيل، والتدخل في شؤون المنطقة، ودعم قوات حلفائها في المحيط نفسه. ولو حدث مثل هذا الأمر وفكر الإسرائيليون أن رغباتهم صارت ضمن حيز التنفيذ، وهذه الجماعات لن تمثل خطرًا بالنسبة لإسرائيل، حينها سيتوجهون نحو برنامج إيران الصاروخي والملف النووي.
اقرأ أيضا:
ويتضح بالنسبة لإيران أنها لو انسحبت اليوم فمن الممكن أن تفقد حلفاءها حول إسرائيل، وفي المرحلة المقبلة تتجه إسرائيل بشكل مباشر نحو إيران. وبناءً على ذلك، ترى إيران نفسها مضطرة إلى التدخل في ظل هذه الظروف، وحين تتدخل إيران ستتورط بنفسها مرة أخرى.
هذه الظروف اضطرارية، إلا إذا قررت إيران المضي قدمًا في مطالبها ليس بالأداة العسكرية، ربما بالأداة الدبلوماسية، أي أن تستخدم عرضًا دبلوماسيًا واضحًا بالتعاون مع الصين وروسيا وأوروبا وحتى الأمريكان؛ لأن كل هذه القوى من قبيل الصدفة ليس لديها تعارض مصالح كبير في هذه المسألة تحديدًا، ولا يفضل أي منهم خلق التوتر والتدخل بشكل ما لاستمرار الوضع الراهن.
وحقيقة الأمر أن الجميع يرغب في تغيير الوضع الحالي. وفيما بعد تقرر هذه القوى وفقًا لما تقتضيه المصلحة، ومن ثم يتقربون من طرف أو يبتعدون عن الآخر، وهناك أمور متعلقة بالمستقبل لكنهم في الوضع الحالي إما التزموا الصمت أو اقترحوا الوساطة، أو تدخلوا في قلب الأحداث مثل أوروبا وأمريكا كي يتمكنوا من إيجاد حل. وإذا سايرت إيران هذا التيار فمن الممكن أن تستطيع الحصول على امتيازات…
هم ميهن: ماذا ستفقد؟ لأنه في مثل هذه العملية سيضطر حزب الله إلى التراجع عن الحدود.
زيد آبادي: حسنًا، نعم.
هم ميهن: وإذا تراجع حزب الله، ستبدأ المشاكل داخل لبنان من جديد.
زيد آبادي: يجب أن نرى في حال استمرار هذا الوضع كم سيصمد حزب الله تجاه رحى حرب إسرائيل التي تشتد بانتظام. تحصل إسرائيل بشكل مستمر على الأسلحة من داعميها، في حال منع وصول الأسلحة إلى حزب الله، إذا اعتقد حزب الله أنه يستطيع المقاومة في ظل هذه الظروف، يمكن القول حينها أنه يستطيع القيام ببعض الأعمال للحفاظ على مواقفه. لكن لو لا يمكن القيام بمثل هذا الأمر، لو أراد حزب الله الصمود حتى آخر شخص، حينها سيعاني دور حزب الله السياسي من مشكلة جادة.
جنوب لبنان في وضع الإخلاء من السكان، تم تهجير سكان الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق مثل صور والنبطية ومناطق أخرى، وانتقل العديد منهم إلى مناطق أخرى، وحتى جزء منهم من الممكن أن يكون قد لجأ إلى سوريا. كان حزب الله من الأساس قد استمد دوره ونفوذه السياسي في لبنان تاريخيًا من وجود هؤلاء الناس في مناطق لبنان الجنوبية، فعند عدم وجود هؤلاء المواطنين لن يتمكن حزب الله من التواجد كممثل في البرلمان.
بدون وجود هؤلاء الناس في جنوب لبنان، سيتغير الوضع كليًا، وتتبدل الجغرافيا الديموغرافية للبنان. في مثل هذه الظروف سيصبح المسيحيون وأهل السنة أغلبية مطلقة، ويصبح الشيعة أقلية. لو أن لدى حزب الله رؤية طويلة المدى، سيتضح أن الحفاظ على السكان أهمية بالغة. والآن ربما لديه هذه الفرصة من خلال وجود حل للخروج من الحرب وإنقاذ مستقبله السياسي.
نص الحوار من على موقع الصحيفة الإصلاحية
وحتى بالنسبة لحماس فمن الممكن أن تكون لا زالت الفرصة متاحة لضمان مستقبلها السياسي. لجأ بعض من قادة حماس ومن ضمنهم موسى أبو مرزوق إلى موسكو للضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية ومحمود عباس لكي يصبح لحماس نفوذ في حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
والغريب أنه بدخول أطراف إلى الحل الدبلوماسي، لن يضيع شيء في الميدان، وحتى أنه من الممكن الحصول على نتائج أكثر، والشيء الذي من الممكن أن يُفقد تلك الأيديولوجية والمانع الفكري الذي يحول دون دخول الآلية الدبلوماسية.
هم ميهن: ما فهمته من كلامك أن الاختيارات المتاحة أمام إيران ليست الخيارات المطلوبة، وكلها سيئة من وجهة نظر إيران، ومن المقرر أن تخسر بعض الأشياء ذات الأهمية الخاصة عند اختيار أي خيار. فمن وجهة نظرك هل يوجد مثل هذا الاستعداد في طهران؟
زيد آبادي: لا، لا يوجد. وهذه هي المشكلة. بدأت الأزمة بدون موعد، واتسعت بسرعة وبشكل غير متوقع، وتورطت إيران. تتغير التوجهات الأيديولوجية عادةً على مر الزمان. وعلى أية حال قامت إيران بعمل قاعدة، وأنشأت قاعدة اجتماعية وحلفاء ذوي أفكار وأهداف. وجّهت إيران حتى اليوم قاعدتها الاجتماعية وحلفاءها نحو اتجاه ما، ولا يمكن أن تطلب منهم فجأة اختيار توجه آخر.
هذا مأزق كبير بالنسبة لإيران. والمشكلة تكمن هنا في أنه يجب على إيران إما أن تتجاهل القوى الضاغطة الراغبة في دخول طهران الحرب، ولا تظهر أي تساهل، وتتجه نحو القوات الأكثر توازنًا في المجتمع، والتي تستلزم تغيير السلوك والأفكار والأيديولوجية، أو تحافظ على المخلصين لها بالانصياع وراءهم وتدخل في النزاع. لكن أصبح النزاع مشكلة كبيرة وسينتج عنه عواقب وخيمة.
هم ميهن: لم تكن تستطيع حكومة مسعود بزشكيان أن تكون فرصة لبداية هذه المرحلة؟ وعلى أية حال لو لم تبدأ هذه المرحلة في التحول، ستواجه هذه الحكومة أيضًا المشاكل.
زيد آبادي: كانت تستطيع حكومة بزشكيان أن تكون فرصة، لكن الواقع أن الوقت قصير للغاية لتُمسك الحكومة بزمام الأمور. لقد عانت الحكومة من الأزمة بمجرد بدايتها العمل. الحكومة نفسها لا تمتلك القدرة على إظهار فكر مختلف. حتى لو كانت رؤية رئيس الجمهورية هكذا، لا يمكنه طرحها؛ لأنه تحت ضغط القوى المتشددة. وفي النهاية في وضع متناقض. نحن في ظروف لا يمكننا فعل أي شيء؛ فلا يمكن دخول الحرب بكل معنى الكلمة؛ لأن عواقبها وخيمة للغاية، ولا يمكن دخول مفاوضات جادة. الدولة في حالة من عدم اتخاذ القرارات.
لو أن حلفاء إيران في محيط إسرائيل ضعفوا بشدة، حينها يجب انتظار توجه إسرائيل مباشرةً إلى قدرات إيران. أو في حال فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية فمن الممكن أن يُطرح شيء شبيه الاثنى عشر شرطًا الذين عُرضوا سابقًا. إذا نجحت إسرائيل في حملتها ضد الجماعات الحليفة لإيران، وعندما يطرح ترامب شروطه، سيكون عدد من هذه الشروط بلا معنى تمامًا، لأن تم تنفيذ بعضها. في ظل هذه الظروف تستطيع واشنطن أن تقول إما أن تقبلوا هذه الشروط، إما أن يحل عليكم الضغط الدبلوماسي والاقتصادي والتهديد العسكري في الوقت نفسه.
مشكلتنا مع الأسف تكمن في أن الحكومة الإيرانية لا تسمح طرح هذه الأمور تمامًا. أي قرار يُتخذ في إسرائيل يستطيع الصحفيون والمحللون والسياسيون سواء في الكنيست أو خارجه انتقاده بأكثر الطرق راديكالية. لكن يوجد في إيران قيود عدة للتعبير عن وجهات النظر. فعلى سبيل المثال رأينا خلال الأيام الماضية أن مجموعة من الأساتذة في الحوزة العلمية أصدروا بيانًا وعرضوا رأيًا من خلاله، ثم حدثت لهم مشكلة أمنية وقضائية على الفور. يتسبب مثل هذا الوضع في تحجيم الرؤى، وتصبح صناعة القرار مشكلة. فمن وجهة نظري لا يمكن استبعاد وجود المتسللين خلف هذه القيود.
هم ميهن: أُشير إلى أن لإيران فاعلون حلفاء غير حكوميين في المنطقة يمكنهم أن يُحدثوا نوعًا من الردع تجاه التهديدات الموجهة نحو إيران. ونرى الآن أن هؤلاء الفاعلين تضرروا على كافة الأصعدة، وكل منهم يحارب مشاكله. ويبدو أن القوات الحليفة لإيران على وشك الضعف. وأتذكر أنك قلت ذات مرة أن انفصال إيران المفاجئ عن هذه القوات اختيار خاطئ ويقحم الأمن الإيراني في خطر. ماذا يجب أن تفعل إيران خلال هذه المرحلة؟ ما الحلول المطروحة أمامها؟ فعلى سبيل المثال هل تستطيع أن تعتبر الحفاظ على حزب الله اللبناني أولويتها؟ إما لو كما قلتَ لو توجهت إيران نحو الحل الدبلوماسي الشامل، سيُنفذ شيء يشبه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٧٠١ في لبنان، فهل هناك ضمان لعدم تقدم إسرائيل وأمريكا أكثر؟
زيد آبادي: عندما قلتُ أنه لا يجب على إيران أن تبعد كل قوات حلفائها في مكان واحد كنت أوضحت هذا الأمر قبل ٧ أكتوبر. وعلى أية حال مبني على رؤية خاصة فمن الممكن أن أنتقده أنا أيضًا، لقد تحقق امتلاك الأمن والسياسة بالنسبة لإيران. كان كلامي أنه لا يمكن ترك هذه الممتلكات مجانًا، في تلك الفترة كان هناك رؤوس أموال عسكرية كان يجب أن تتحول إلى رؤوس أموال سياسية كي يمكن استغلالها دبلوماسيًا.
كانت فكرتي حينها أن تقوم الصين بالوساطة، وفي المقابل تراجع إسرائيل عن الضفة الغربية وتشكيل حكومة فلسطين المستقلة، ومن ثم تتمكن جماعات الميليشيات أن تتحول إلى مجموعات سياسية، وعندما يصبحون مجموعات سياسية لا يمثلون تهديدًا لأمريكا وإسرائيل. ضاعت هذه الفرصة حينها، وبعد ما حدث في ٧ أكتوبر جعل عودتها غير ممكنة. وكما يُقال كلما يمر الوقت كلما يضعف الحصول على حل مشابه.
في العراق واليمن والعديد من نقاط المنطقة، هناك حاجة إلى الحديث وحل القضايا. وفي النهاية لا يزال أمر الملف النووي الإيراني موجودًا ومحل للنقاش. هناك حاجة إلى الدبلوماسية للتعامل مع هذه القضايا، والدبلوماسية أيضًا في حاجة إلى عقل مرن. وفيها يجب منح امتيازات للحصول على امتيازات. يجب إظهار المرونة لرفض تهديد ما، لكن مأزقنا في إيران الثبات. بعد بداية الحرب لا يمكن دعم قواتنا في المنطقة كالسابق، وكذلك الحفاظ عليهم، واستمرار الحرب سيتسبب في ضعف أغلبهم، وفي الوقت نفسه العقل الغالب في طهران يتحدث عن الصلح ومنح الامتيازات والحصول عليها، وأي صيغة دبلوماسية بمثابة العدول عن مبادئ الثورة.
اقرأ أيضا:
والآن حتى ماهية الخطة الدبلوماسية للحكومة الجديدة غير واضحة. وما لا يقال على اللسان ويُنفذ هو أنه من المقرر أن نصمد حتى نهاية الأمر ونحارب. هل قاسوا كل أبعاد هذه الحرب؟ هل تم تقدير الأضرار التي من الممكن أن تحدث؟ هل تم حصر الأمور الاقتصادية والأمنية الناتجة عنها بشكل كامل؟ على أية حال لدينا أعداء كُثُر داخل المنطقة وخارجها، ونعاني من خلافات مختلفة على الصعيد الداخلي. والقوات التي أعتقد أنها غير واضحة، تتباهى وتتحدث ببساطة. وإذا هناك أحد يريد اقتراح حل آخر يُصطدم معه سريعًا.
ستصير الظروف صعبة للغاية باستمرار هذا الوضع، ولو بدأت الحكومة المقبلة في أمريكا عملها سواء فازت كامالا هريس أو دونالد ترامب فالوضع تجاه إيران غير واضح. فلو تخيلنا فوز دونالد ترامب في الانتخابات، واستلم العمل أشخاص مثل جاريد كوشنر ومايك بومبيو مرة أخرى، سيفعلون شيئًا لإجبارنا على الاستسلام من خلال وضع مهين، وإذا لا سيشرعون في الضرب.
هم ميهن: والآن من الممكن أن يرد عليك العديد قائلين لو نجلس على طاولة التفاوض، يجب أن نمنح امتيازات أكثر. فهل من الممكن طرح دخول إيران التفاوض الدبلوماسي أم أنها تعطي امتيازات أقل بقدر الإمكان؟
زيد آبادي: الآن طهران حرة. الناس والمؤسسات والحكومات دائمًا تكون في وضع اتخاذ القرار تجاه تعقيدات، وأحيانًا الحكومات تكون مخيرة بين اختيار السيء وبين اختيار الأسوأ. وفي ظل الظروف الحالية يجب أن نرى أفضل اختيار لبلادنا. استمرار الحرب يعني ضربات أكثر لإيران، وحتى من الممكن أن تتجاوز الظروف الضربات العسكرية، وتصل إلى مكانة إيران السياسية وحتى من الممكن أن تتسبب لنا في مشكلة وجودية.
لو بإمكان التفاوض أن يُتيح لنا موقفًا من الناحية السياسية، يؤدي إلى إتاحة بعض الارتباطات الثقافية، والنفوذ السياسي، والتواصل الاقتصادي في المستقبل؛ فعلى سبيل المثال لو يُسمح أن يكون الحوثيون جزءًا من الحكومة الشاملة في اليمن، أو يظل حزب الله قوة سياسية ذات نفوذ ويظل قسمًا ذا تأثير في البرلمان اللبناني ويستطيع أن يؤثر على انتخابات رئاسة الجمهورية.
اقرأ أيضا:
هم ميهن: لحزب الله مجالات ديموجرافية، بالإضافة إلى أنه يحظى بالتصويت المطلوب في لبنان.
زيد آبادي: نعم. بلا شك لو سمحوا للسكان الذين تم تهجيرهم بالعودة إلى محل سكنهم. الآن علاقة إيران بسوريا ليست سيئة، لكن استمرار هذا الوضع من الممكن أن يفسد العلاقة بدمشق. لأن السوريين غير راغبين في دخول هذه النزاعات.
هم ميهن: الحكومة السورية لم تفعل أي شيء من الأساس على مدار عام مضى.
زيد آبادي: نعم، لم يفعلوا أي شيء، ومن الممكن من الآن فصاعدًا عمل إيران في سوريا يصبح أكثر صعوبة أيضًا.
هم ميهن: أشرتَ في الإجابة على السؤال الأول أن علاقة إيران بالجماعات الحليفة لها في المنطقة يشوبه الغموض من الناحية القانونية، وفي النهاية إيران لن تستطع أن تتفاوض بدلًا من هذه الجماعات. وحتى عندما تحدثت إيران مع السعودية في شأن اليمن، سعت إيران أن تؤدي دور المُيسِّر، لكن اختلفت اليمن والسعودية في نهاية الأمر، وحتى الآن مسألة اليمن بالنسبة للرياض لم تُحل. ما الضمان الموجود لدخول إيران الآلية الدبلوماسية وكل هذه الجماعات ترضخ لمطالبها؟
زيد آبادي: كما قلتُ وضع هذه العلاقة من الناحية القانونية غير واضح، لكن من الناحية العملية والميدانية هذه العلاقة واضحة وضوح الشمس.
هم ميهن: يعني أنك تعتقد أن هذه الجماعات تطيع إيران؟
زيد آبادي: تطيعها تمامًا.
هم ميهن: قبل اغتيال اللواء قاسم سليماني، أذكر أن الجماعات العراقية كانت تهجم كثيرًا على القوات الأمريكية، كما أذكر أن إيران حينها سعت كثيرًا لتهدئة الوضع لكن لم يحدث. لدرجة أن الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله تدخل لتهدئة الجماعات العراقية. ونحن الآن في ظروف عدم وجود هذه الشخصيات حتى…
زيد آبادي: إذا افترضنا أن هناك جماعة تصر على نهجها بالقدر الذي يجعلها لا تهتم لحديث إيران، فلا يمكن اعتبارها حليفة. والفرض الآن أن لإيران نفوذ على كل هذه الجماعات. ربما ليس لديها مثل هذا النفوذ على حماس؛ لأن لقطر ومصر نفوذ أكبر عليها في هذه الأيام. وفي المقابل علاقة حركة الجهاد الإسلامي بطهران جيدة، وبلا شك أن لها نفوذ على حزب الله اللبناني، وكذلك تتعاون الجماعات العراقية سويًا، على الرغم من أنها لا تؤدي دورًا جادًا في الوضع الراهن.
هم ميهن: يعني أنك لا تعتقد في الوكالة المباشرة لهذه الجماعات؟ في النهاية لحزب الله مصالح خاصة داخل لبنان. وفي العراق كذلك أيضًا، الجماعات العراقية لها مصالح سياسية خاصة. هذه الجماعات لها نفوذ وقوة في بلادهم ناتجة عن أسلحتهم. ولن تستطع طهران بهذه البساطة أن تقول لهم دعوا هذه الأسلحة جانبًا.
زيد آبادي: كل شيء مرتبط بموقف ورؤية هذه الجماعات إزاء المستقبل. حزب الله لو يريد الاستمرار حقيقةً فبلا شك لن يستسلم. أما إذا وصل إلى عدم وجود رؤية تجاه المستقبل، بلا شك سيوجد عقل مفكر يرى هذا الوضع بأكمله. فُقُد الكثير من قادة حزب الله، ومن بقى منهم لا نعلم إلى أي مدى يتمتعون بنفوذ على سائر أعضاء الحزب، وإلى أي مدى يتمتعون بفكر إستراتيجي.
اقرأ أيضا:
لو بإمكان حزب الله أن يحارب في ظل هذه الظروف، حسنًا فليعلنها، ويحافظ على نفسه، لكننا ننظر من الخارج فنرى أن هذا الأمر غير بسيط. في لبنان ليس فقط ضغط إسرائيل موضع الاهتمام، الجماعات الداخلية المتنافسة عندما ترى ضعف حزب الله تشعر أن الظروف تهيأت لإبعاده. وشهدنا تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي عن رئيس مجلس الشورى الإسلامي محمد باقر قالیباف، وكيف اتهم إيران بالتدخل في شؤون لبنان. والأسوأ أن الحكومة اللبنانية تعلن دائمًا قائلة للإيرانيين غير ضروري أن تنفطر قلوبكم لأجلنا وتواجدكم سبب مشاكلنا.
فلماذا يتجرأ نجيب ميقاتي ويصرح مثل هذه التصريحات؟ لأن الآلية العسكرية لحزب الله التي كانت تتسبب في ذعر الساسة لم تعد موجودة. وعندما وُضع حزب الله في هذا الموقف، والعالم كله كان يسعى لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم ١٧٠١، واُتفق عليه بالإجماع العالمي، واضطر حزب الله إلى تسليم زمام الأمور إلى نبيه بري. صحيح أن نبيه بري ليس حليفًا لإيران، لكن لو تقرر إيجاد حل سلمي، سيكون الموقف الإيراني مؤثرًا للغاية إزاء مثل هذا الحل، ويستطيع بري أن يقوم بالعديد من الأمور استنادًا إلى موقف إيران.
هم ميهن: الآن يتفاوض نبيه بري باعتباره ممثل حزب الله.
زيد آبادي: نعم، حزب الله أيضًا لم يكن ليتخذ هذا القرار دون التشاور مع المؤسسات في إيران. ترتبت هذه الظروف بشكل جعل هناك إمكانية للتفاوض، لكن في الوقت نفسه الظروف غير مهيأة؛ لأن القوى السياسية داخل ايران لا يمكنها أن تقف خلف مثل هذا القرار. والحقيقة أن القلق حيال أن تفقد المركزية السياسية في إيران قاعدتها الداخلية، لكن هذا ناتج عن قراراتهم.
أسسوا بنفسهم هذه القاعدة الاجتماعية متشددة إلى هذا الحد؛ لكي يستطيعوا ضرب قوات المجتمع المعتدلة، وفي الوقت الراهن ضربوهم، وأصبح هؤلاء المتشددون نفسهم أساس المشاكل. لا يمكن جذب المعتدلين مرة أخرى، وكذلك لا يمكن الانتظار من المتشددين التصرف باعتدال.
تصوري أن جزءًا من هذه الإجراءات سيُنجز داخل إيران بخطة سيئة النية. وأي شخص شجع هذا النهج، يسعى إلى قطع علاقة الحكومة بفئات من الهيكل الاجتماعي، ويربطها فقط بالقوات المتشددة؛ لأنها لن تطع المركزية أوقات الضرورة. هذه القوة تريد الحرب فقط. والحرب باهظة التكلفة. ولو لم تستمع الحكومة إلى حديث المتشددين، سيقولون هل لكم غيري كي لا تستمعون إلى حديثي؟ يشوب الطريقان صعوبة ومشاكل كثيرة.