بعد استقلال مصر عن بريطانيا كانت إيران أولى الدول التي اعترفت بمصر رسميا وفتحت سفارة لها في القاهرة بهدف تحسين العلاقات بين البلدين. وفي عام 1928م تم توقيع معاهدة الصداقة بين مصر وإيران التي تم بموجبها إبرام اتفافية التجارة بين البلدين وتأسست الغرفة التجارية الإيرانية في القاهرة.
في تلك الأثناء تعرف السيد “جواد سنكى” السفير الإيراني بالقاهرة بالأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق، فطرح خلال تلغراف إلى رضا پهلوی شاه إيران مسألة زواج شقيقة الملك فاروق من محمد رضا ولي عهد إيران الشاب. وقوبل هذا الاقتراح بالترحيب والموافقة من جانب الطرفين.
في 33 من فبراير عام 1939م أي قبل شهر من عقد القران تم تحويل السفارة الإيرانية بالقاهرة إلى “السفارة الكبرى”، وعلى هذا أصبحت السفارة الملكية الإيرانية هي ثاني سفارة أجنبية كبرى في مصر بعد السفارة البريطانية.
بعد موافقة رضا شاه على زواج ابنه من الأميرة فوزية اضطر إلى تغيير المادة رقم 37 من الدستور الإيراني التي تنص على أن تكون والدة ولي العهد إيرانية الأصل، لذا استدعي رضا شاه الدكتور “متين دفترى” وزير العدل آنذاك وطلب منه معالجة هذا الأمر؛ فقام الدكتور دفتري بعد التشاور مع لفيف من قضاة الديوان العالى والوزراء بإعداد لائحة تفيد بأن الأميرة المصرية فوزية “إيرانية الأصل” وصدق على هذه اللائحة مجلس الشورى الإيراني في 31 من أكتوبر عام 1938م.
أقيمت مراسم الزواج فعلياً في فبراير عام 1939م في القاهرة ثم في طهران، وحينما أصبح قرار زواج محمد رضا وفوزية محسوماً، تم إيفاد وفد برئاسة “محمود جم” رئيس الديوان الملكي الإيراني إلى القاهرة لمراجعة ترتيبات العرس. وكان رضا شاه سعيداً جداً بهذه الزيجة لدرجة أنه منح محمود جم وسام التاج الإيراني من الدرجة الأولي وزوّج ابنته شمس پهلوی من ابن محمود جم “فريدون”.
على الجانب الآخر تطرق الحديث عن زواج محمد رضا وفوزية في أواخر عهد حكومة “مصطفي باشا النحاس”، زعيم حزب الوفد، وكان عدد من رجالات مصر، ومن بينهم “أحمد ماهر باشا” رئيس البلاط الملكي المصري والسياسي المخضرم، من مؤيدي هذا الزواج بشدة؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن زواج محمد رضا وفوزية لن يعزز العلاقات بين مصر وإيران فقط ولكنه سيلعب دورا محوريا في ترسيخ مسألة زعامة وقيادة مصر للعالم الإسلامي والاعتراف بها كمقر للخلافة الإسلامية. وفي هذا الصدد كتبت الصحف الإنجليزية آنذاك: “إن الهدف من هذا الزواج هو إحياء الخلافة الإسلامية واختيار الملك فاروق خليفة للمسلمين”.
سريعا توجه محمد رضا پهلوی ولي العهد الإيراني يوم 24 من فبراير 1939م إلى القاهرة للمشاركة في مراسم عقد القران وكان بصحبته “حسن إسفندیاری” رئيس مجلس الشورى و”مظفر أعلم” وزير الخارجية والدكتور “متین دفتری” وزير العدل والدکتور “مؤدب نفیسی” مساعد ولي العهد و”عباس مسعودي رئيس تحرير صحيفة “اطلاعات” وعلي یزدي” من رجال البلاط وعدد من ياورانات ولي العهد.
حتي ذلك الوقت لم تكن إيران تمتلك خطوط سفر جوية، ولهذا السبب تحرك محمد رضا ومرافقوه بالسيارات حتي وصلوا العراق في 27 من فبراير وأقاموا في قصر “الزهور” الخاص بالملك “فيصل” ملك العراق آنذاك. وفي 28 فبراير وصلوا إلى دمشق، وفي 1 من مارس وصلوا إلى بيروت ثم استقلوا سفينة باتجاه مصر، وأخيراً في 3 من مارس وصلوا إلى ميناء الإسكندرية فاستقل محمد رضا شاه ورفاقه القطار باتجاه القاهرة وفي 15 من مارس تم عقد قران الأميرة فوزية ومحمد رضا خلال مراسم ملكية في قصر عابدين بالقاهرة.
وقتها كتبت صحيفة “اطلاعات” الإيرانية في عددها الصادر في 16 مارس 1939م مقالة تحت عنوان: “عقد قرآن كوكبي الشرق المتلألئين” وجاء فيها: “إنه في تمام الساعة 11 صباحاً يوم 15 من مارس دوّن صيغة العقد المبارك الشيخ مصطفي المراغى، شيخ الأزهر الشريف، طبقاً لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف وأطلق 21 عيارا ناريا”.
يقول السيد “قاسم غني” السياسي والكاتب الإيراني الذي كان ضمن مرافقي محمد رضا خلال مذكراته عن هذا الزواج: “إن الأرض والسماء قد احتفلتا في تمام الساعة 11 والقاهرة غرقت بالورود وشاركت كل البلدان في هذا الحفل. إن هذا الزواج يعد سبباً في وحدة مملكتين مهمتين في العالم الإسلامي ومصالحة بين السنة والشيعة وسيرسخ تاجا وعرشا المملكتين”.
في ربيع عام 1939م سافر محمد رضا بصحبة فوزية وأمها وأخواتها الثلاث من ميناء بورسعيد بتجاه إيران. وفي 14 من إبريل عام 1939م رست السفينة الملكية في ميناء شاهپور وتوجه الوفدان المصري والإيراني عن طريق الأحواز إلى طهران وأقيمت مراسم العرس في طهران في قصر الگلستان. وعلى هذا تكون مراسم الزواج قد تمت في القاهرة بدون حضور رضا شاه ومراسم الزواج قد تمت في طهران بدون حضور الملك فاروق.
بعدها قام البلاط الإيراني باقتراض الجواهر والتحف والأنتيكات من الأثرياء كي يظهر العائلة الملكية الإيرانية أمام ضيوفها بمظهر الجلال والعظمة، ولكنه لم يوفق في ذلك، حيث أدركت الملكة “نازلى” والدة الأميرة فوزية وبناتها أن العائلة الپهلویة من محدثي النعمة وسخرن من وضع البلاط الإيرانى. وقد أبدى رضاه شاه استياءه الشديد من تصرف الملكة نازلي.
لم تحظ الحياة الزوجية للأميرين الشابين في ظل تلك الظروف بالهدوء والسكينة، فالأميرة فوزية لم تكن تعرف اللغة الفارسية وكانت بعيدة عن أسرتها وأصدقائها وعلى خلاف دائم مع شقيقات زوجها وخاصة الأميرة “أشرف پهلوی”.
کما أن الأجواء الإيرانية المليئة بالدسائس والمؤامرات لم تدع الأميرة فوزية للحظة. في ذلك يذكر “حسين فردوست” رئيس مكتب الشاه الخاص للمعلومات: “كانت فوزية امرأة خجولة جداً، في كل مرة كانت تتحدث فیها إلى أحد كان يتحول وجهها للون الوردي ولأنها كانت بيضاء البشرة كان يظهر عليها بوضوح عدم الراحة. لم يكن لدي فوزية أية صلة بالخدم الإيراني وكان لديها خادمة مصرية تحضرها معها دائماً وتتحدث إليها فقط، ولم تسع مطلقاً لإيجاد صديقة من الإيرانيين. كانت العلاقة بين فوزية وأسرة الشاه وخاصة شقيقات محمد رضا باردة وجافة. ولكن أشرف بحكم وظيفتها اليومية كانت تأتي لزيارتها عدة دقائق وكانت تشعر بأن فوزية لا تستمتع بصحبتهم. كما أن فوزية لم تكن تشارك في المراسم الاجتماعية وكانت تشعر بضيق كبير في التجمعات وكان ولي العهد يضغط عليها للظهور في المراسم الاجتماعية والأعمال الخيرية ولكن فوزية كانت ترفض دائماً، وعلى هذا النحو كانت حياتها في القصر صعبة”.
أما رضا شاه في ذلك الوقت فكان هو المؤيد الوحيد لفوزية. وكانت فوزية يومياً تزوره في تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً وتتحدث معه، وأحياناً كان رضا شاه يوفدها مع زوجها بأمر ملكي لافتتاح المشروعات الجديدة مثل المستشفيات والمصانع.
بعد عدة أشهر من الزواج تم تغيير اسم محطة السكة الحديد “سفيد چشمه” إلى محطة “فوزية” بأمر من رضا شاه في محاولة لإدخال السعادة إلى قلبها. أما بعد ولادة “شهناز” في 27 أكتوبر عام 1940م ازدادت مشاكل الأميرة فوزية؛ لأن رضا شاه كان قد قيل له منذ عدة سنوات: “إذا كانت أولى أحفادك فتاة، سوف تقتل أو تنفى”.
ومن العجيب أن هذا التنبؤ الشعبي قد تحقق في عام 1941م. خلال تلك الفترة ساءت الحالة النفسية للأميرة فوزية بسبب القيل والقال وأحاديث أفراد البلاط والأهم من كل ذلك الانتقادات اللاذعة للملكة “تاج الملوك” زوجة رضاه شاه وبناتها. كما كانت تشعر بتغيرات ملحوظة في معاملة محمد رضا لها أيضاً الذي كان يبدي سعادة ظاهرية بإنجاب شهناز. فكان يأتي في بعض الليالي متأخراً ولم يعد لديه الشوق السابق خلال علاقتهما الزوجية.
حدث ذات مرة أنه في أحد مجالس الضيافة التي كانت تقام في قصر شمس الخاص الشقيقة الأكبر لمحمد رضا، أن تسابقتا كل من شمس وأشرف في تعريف ولي العهد على الفتيات والنساء الإيرانيات، وكان محمد رضا يقوم بمغازلتهن أمام عينيي فوزية، وتم الاستهزاء بها، فتركت فوزية المجلس بحجة صداع في الرأس ورحلت.
في تلك الليلة حينما رجع محمد رضا إلى القصر فلم يجد فوزية في مخدعها أو شهناز في مهدها ووجد رسالة على المنضدة باللغة الفرنسية جاء فيها: “لقد ذهبتُ إلى جناحي الخاص بحثاً عن الصفاء الذهنى”. وكان هذا الجناح في الركن الشمالى من القصر ولم تكن فوزية تستخدمه مطلقاً.
حينها أسرع محمد رضا إلى هناك وطرق الباب فلم تجيبه وحينما أشرقت الشمس توجه مرة أخرى إلى هناك فلم تسمح له بالدخول وأبقت الباب موارباً وقالت له: لقد قررتُ من الآن فصاعداً أن تكون لي حياة مستقلة، ولن أجعل من نفسي موضعاً للسخرية والإهانة مرة أخرى، لن يكون بيننا علاقة ثانية، سأعيش في جناحي وتعيشون أنتم حياتكم”.
لم تنتظر فوزية جوابه وأغلقت الباب في وجه. طلب محمد رضا من شقيقته أشرف أن تكون وسيطة للصلح بينه وبين فوزية، فاستقبلتها فوزية ببرود وأخبرتها أنه لن يثنيها أي شخص عن قرارها.
أشرف وجدت أن لهجة الملاطفة والمداهنة لم تبد نفعاً مع فوزية، فتحولت لهجتها إلى التهديد ولكن فوزية جاوبتها سريعاً: “لو ضغطتم على بشدة سأعود إلى بلدي وقوم بفضحكم كي تخجلون من تصرفاتكم”.
على هذا النحو مكثت فوزية بجناحها مع ابنتها وخادمتها المصرية وقلما كانت تخرج منه وقطعت تقريباً صلتها ليس بزوجها فقط ولكن بكل نساء العائلة الملكية. وفي مقابل ذلك كانت نساء البلاط على سبيل السخرية تلقبها باسم “المصرية” بدلاً عن فوزية.
في تلك الفترة ظهر في واجه الأحداث السيد “تقي إمامي”، وكان ولي العهد قد تعرف عليه في أثناء ممارسة رياضة التزلج على الجليد في منطقة “پیست آبعلى” الواقعة في شمال طهران، وجمعت بينهما صداقة قوية.
كان إمامي شاباً رياضياً ولهذا السبب كان محل اهتمام من قبل ولي العهد وبلغت رابطة الصداقة بينهما أعلى مستوياتها لدرجة أن محمد رضا قد عينه في منصب الياور الخاص بالأميرة فوزية.
وللمفارقة فقد كانت أشرف تهيم عشقاً بإمامي وتبدي إعجابها به وعرضت عليه الزواج ولكنه قال لها: “لن أتزوجُ من الأميرات”.
بناء على ذلك قررت أشرف الانتقام منه وتعاونت مع السيد إرنست پيرون “Ernest Perron” الصديق السويسري المقرب لمحمد رضا الذي كان يحقد على إمامي، فقاما بالتواطؤ معاً وأشاعا في البلاط أن هناك علاقة غير مشروعة بين إمامي وفوزية وأخبرا محمد رضا وزرعا الشك في قلبه؛ لذا أمر محمد رضا بألا يسمحوا لإمامي بدخول القصر ووصل الأمر إلى مسامع فوزية، فصمتت لفترة من الوقت، ثم قررت السفر إلى مصر وعدم العودة ثانية إلى إيران.
بعد فترة من الوقت راسل الملك فاروق شاه إيران يطلب منه طلاق فوزية. وفي عام 1945م طلبت فوزية الطلاق من الشاه طبقاً للدستور المصرى، وفي 16 من أكتوبر عام 1948م تم الطلاق رسمياً. ومما لاشك فيه إن انفصال فوزية عن محمد رضا لم يحدث تغييراً كبيراً في العلاقات المصرية ـ الإيرانية ولم يؤثر عليها بشكل ملموس.
بقلم سرگه بارسقیان
نقله إلى العربية مع بعض الإیجاز والتصريف
محمد سيف الدين
عضو مجلس خبراء “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية | أفايب”