بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وقرار مرشدها آية الله روح الله الموسوي الخميني قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، إثر توقيع اتفاقية السلام في منتجع كامب ديفيد ومنح الرئيس المصري محمد أنور السادات حق اللجوء السياسي لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، أسدِلَ الستارُ على فصل من أهم فصول العلاقات المصرية ـ الإيرانية، وهو الفصل الذي بلغت فيه هذه العلاقات أعلى مستوياتها على كل الأصعدة وشهدت تقارباً لم تشهده الدولتان من قبل على مر العصور، والمفارقة في تلك المرحلة أنها أعقبتها فترة أخرى كان الرئيس الإيراني محمد خاتمي (1997 ـ 2005) فيها قد قاب قوسين أو أدنى من إعادة علاقات بلاده مرة أخرى مع مصر، غير أنه لم ينجح في ذلك، فما هي العظات التي نتعلمها من دروس تلك الحقبة الخاتمية؟!
الحرب العراقية ـ الإيرانية
مع ذلك وبالرغم من القطيعة الدبلوماسية إلا أن البلدين أبديا نوعا من أنواع حسن النوايا من حين لآخر حول تحسين العلاقات وعودتها إلي مسارها الطبيعي، فبالرغم مما يبدو في السطح من اختلافات واضحة بين مصر وإيران حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، إلا أن رغبة البلدين في إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وارتقاء التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى تبادل السفراء، تترامى إلى المسامع من وقت لآخر.
على أية حال شهدت العلاقات المصرية ـ الإيرانية خلال تلك الفترة عددا من الأحداث، اتسم بعضها بالتنافر حيناً والبعض الآخر بالتقارب حيناً، وإن كان أغلبها يميل إلى المصالحة، ونشير هنا إلى عدد منها.
كانت الحرب الإيرانية ـ العراقية، أو كما تعرف في إيران “جنگ تحمیلی” أي “الحرب المفروضة”[1] من أبرز مواضع الصدام غير المباشر بين مصر وإيران، إذ كانت مصر من أوائل الدول التي ساندت العراق في الحرب سواء على المستوى السياسي أو العسكري، كما أوفد “حسني مبارك”، الرئيس المصري آنذاك، عددا من الكتائب العسكرية إلى العراق للمشاركة في الحرب، وتم فتح باب التطوع العسكري في مصر للالتحاق بقطاعات الجيش العراقي المختلفة.
ويجسد الموقف المصري من الحرب العراقية ـ الإيرانية الدور السياسي الذي طالما لعبته مصر ومازالت تقوم به حتي الآن لدعم أشقائها العرب.
بين مبارك وخاتمي
والمتتبع لتاريخ العلاقات المصرية ـ الإيرانية خلال فترة ما بعد حرب السنوات الثمان وتحرير الكويت يتضح له بشكل جلي رغبة الرئيس المصري “حسني مبارك”، والرئيس الإيراني “محمد خاتمى” في عودة العلاقات بين البلدين، ويبدو هذا واضحاً في تصريحات الرئيسين ومواقف كل واحد منهما تجاه الآخر.
ففي عام 2000 أجرى مبارك أول اتصال هاتفي مع خاتمي بعد 21 عاماً من قطع العلاقات بين البلدين، هنأه فيه على انضمام إيران إلى “مجموعة الـ15”[2] خلال القمة العاشرة لدول المجموعة التي عقدت في القاهرة، وأعرب الرئيسان عن أملهما في تنمية العلاقات بين البلدين.
وفي عام 2003 كان اللقاء التاريخي بين مبارك وخاتمي على هامش القمة العالمية لمجتمع المعلومات في جنيف، والذي تم بناء على طلب من خاتمي شخصياً، وقد حظي هذا الاجتماع باهتمام غير مسبوق وأصداء واسعة النطاق من قبل وسائل الإعلام المسموعة والمرئية عربياً ودولياً، ووُصف بالحميمية، وذكر مبارك حينها أن العلاقات مع إيران طبيعية.
وكتبت صحيفة “همشهرى” الإيرانية في هذا الصدد أن مصر وإيران تلعبان دوراً مهماً في تطور الحضارة الإسلامية وتطويرها، وأن توطيد علاقاتهما سيترك بصمته الإيجابية على العالم الإسلامي بأكمله.
وصرح “محمد علي أبطحي”، نائب الرئيس الإيراني آنذاك، أن هذا اللقاء مهم جداً ويعتبر أول خطوة مهمة لإقامة علاقات كاملة بين البلدين، وأن التعاون بين دولتين إسلاميتين كبيرتين مثل مصر وإيران مهم للمنطقة وللعالم الإسلامي ومن ضرورات التنسيق الدولي.
كما أكدت عدد من الصحف العربية في ذلك الوقت أن الشعوب العربية والإسلامية تعلق آمالاً كبرى على لقاء مبارك وخاتمي، نظراً للتحديات والتهديدات الجسيمة التي يواجهها العالم الإسلامي وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي، فإن اكتمل التصالح المصري الإيراني سيعطي ذلك دفعة قوية لمنظمة المؤتمر الإسلامي ويقيم جسراً للتنسيق بين جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
زيارة خاتمي للقاهرة
في عام 2007 كانت زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمى، بصفته رئيس المركز الدولي لحوار الثقافات والحضارات للقاهرة وذلك لمشاركة في فاعليات المؤتمر السنوي للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي تقيمه وزارة الأوقاف المصرية، وكذلك ألقى محاضرة في مكتبة الإسكندرية في سياق أنشطتها المتعلقة بتعزيز الحوار بين الحضارات.
ولقد كانت هذه الزيارة تعد حينها أول زيارة لرئيس إيراني منذ قيام الثورة الإيرانية إلى مصر، أي منذ 28 عاماً. وقد أعرب خاتمي خلال لقائه مع مبارك عن أمله في أن يحرز البلدان تقدماً في كافة المجالات، وخاصة نحو استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين القاهرة وطهران.
وكان من بين تصريحاته آنذاك أن مصر تحظى بمكانة كبيرة في التاريخ والثقافة وأنه قد تربى علي أفكار جمال عبد الناصر القائمة علي الاتحاد والقومية، كما ثمن الدور الذي تقوم به مصر في المعادلة السياسية الدولية.
كما زار خاتمي الأزهر الشريف والتقى بالإمام الأكبر آنذاك الدكتور محمد سيد طنطاوي والكاتب الراحل “محمد حسنين هيكل” في منزله الريفي بمنطقة “برقاش” في محافظة الجيزة، إذ كانت تجمعهما صلات طيبة ويتبادلان الرؤى حول قضايا المنطقة. وكان خاتمي قد التقي هيكل عام 2006 في الدوحة على هامش مؤتمر تحالف الحضارات.
خلاصة
رغم التصريحات الطيبة المتبادلة بين مبارك وخاتمي لم يتخذ البلدان خطوات فعلية في سبيل عودة العلاقات بين مصر وإيران، والحقيقة كان الطرفان يرغبان في عودة العلاقات لما سيحققه ذلك من تعزيز لحضورهما في منطقة الشرق الأوسط والصعيد الدولى، ولكن كلاهما كان يربأ بنفسه عن عواقب تلك الخطوة، فقد ظلت الخلافات السياسية عالقة بين الطرفين، ودائماً كانا يصرحان بضرورة تنحية الخلافات السياسية والاهتمام بالجوانب الأخرى، ولكن هذا كان ضرباً من المستحيل، فالسياسة الإيرانية في تلك الفترة وحتى الآن مازالت تقوم على التدخل السافر في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا، بالإضافة إلى تمدد النفوذ الإيراني في منطقة الخليج، وكل هذا يعارض بشكل تام السياسة المصرية، خاصة أن الأمن القومي المصري يرتبط بشكل أو بآخر بأمن دول الخليج واستقرارها، كما أن هناك فجوة كبيرة بين مصر وإيران في مواقفيهما إزاء القضية الفلسطينية. ومن المعروف أن العلاقات بين الدول تقوم أولاً علي التوجهات السياسية المشتركة، ثم تليها فيما بعد العلاقات الثقافية والاقتصادية وما إلى ذلك.
وهكذا شهدت الحقبة المباركية الخاتمية بصيصا من الأمل ـ سرعان ما كان يخبو ـ لاستئناف العلاقات بين الدولتين الإسلاميتين الكبيرتين، وتعلمنا تلك الفترة في العلاقات بين مصر وإيران أن حسن النوايا في العلاقات الدولية ليس كافيا وحده لإحداث اختراق دبلوماسي بين عاصميتين متخاصمتين؛ بل الأهم من كل ذلك هو إجراءات بناء الثقة التي لا تتحقق إلا بالممارسات الفعلية على أرض الواقع وهو أمر افتقدته إيران في علاقتها مع مصر، إذ كانت تتحدث في غرف التفاوض المغلقة عن أمور تفعل العكس منها تماما في ميادين الصراع بالوطن العربي.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] نشبت الحرب الإيرانية العراقية بسبب الاشتباكات الحدودوية بين البلدين واستمرت لما يقرب من ثمان سنوات منذ عام 1980م وحتى عام 1988م. اسفرت الحرب عن خسائر مالية وبشرية فادحة للطرفين، حيث بلغ عدد القتلى بين الجانبين مليون شخص ووصلت الخسائر المالية إلى 400 مليون دولار.
[2] مجموعة الـ 15 هى منظمة دولية فى تأسستخلال القمة التاسعة لحركة عدم الانحياز فى عام 1989م. وكان الهدف من تأسيسها دعم المنظمات الدولية الأخرى مثل منظمة التجار العالمية ومجموعة الثمانى الصناعية الكبرى. وتعمل المجموعة على تعزيز سبل التعاون بين الدول النامية فى مجال الاستثمار والتجارة والتقنية.