بدأت إيران العام الميلادي الجديد باضطراب أحاط وضعيها الاقتصادي والسياسي على حد سواء، ويتناول هذا التحليل أبعاد تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخرا عن وضع الاقتصاد في بلاد “ولاية الفقيه”، ويتناول كذلك مفاوضات فيينا النووية الإيرانية مع القوى الأوروبية والصين وروسيا في زمام الجولة الثامنة من المحادثات، وما يمكن أن تسفر عنه تلك العملية السياسية.
تقرير البنك الدولي عن إيران
أصبح الاقتصاد الإيراني موضع جدل بين كثير من المحللين وذلك بعد التقرير الذي أصدره البنك الدولي مؤخرا تحت عنوان “بعد الخروج من ركود دام عامين بين 2020-2021 عاد الاقتصاد الإيراني لشيء من النمو في العام المالي 2021-2022″، وقد أشار إلى انتعاش نسبته 6.2 بالمئة في العام الماضي وعليه استغلت الهيئة الإحصائية الحكومية الإيرانية هذا التقرير في ادعاء أن الناتج المحلي الإجمالي نما بما نسبته 5.9 بالمئة في النصف الأول من السنة المالية الإيرانية التي تمتد بين مارس 2021 ومارس 2022.
تحاول الجمهورية الإسلامية الإفاقة من وقع العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة في ظل إدارة الجمهوري دونالد ترامب صيف 2018 ضمن ما يعرف بحملة “الضغط الأقصى” والتي قام بها بالتزامن مع قراره المتعلق بالانسحاب المنفرد من الاتفاق النووي إيران.
تأمل إيران في أن تتراجع إدارة الديموقراطي جو بايدن عن كثير من هذه العقوبات في سبيل عودة الطرفين إلى كامل الالتزام بمخرجات الاتفاق النووي لعام 2015.
وتحاول إيران دعم مفهوم “الاقتصاد المقاوم” من أجل التعبئة الداخلية وإعادة الثقة في المؤسسات الحكومية والنظام وذلك بعد العام الماضي الذي شهد احتجاجات واسعة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، وكذلك السعي لتصدير هذا المفهوم من أجل دعم موقف طهران في مفاوضات فيينا والظهور بشكل القوي ذي الاقتصاد العملاق القادر على احتواء الأزمات.
وذلك من خلال الاعتماد على تخفيف العقوبات الأمريكية الذي يعطي لطهران انفراجه في تعزيز المكاسب النفطية، إذ كانت النقطة الأبرز في تقرير البنك الدولي هي التي تتعلق بنمو الناتج المحلي الإجمالي والذي بات من الممكن إلى حد كبير “عبر ظروف قطاع النفط الأكثر ملائمة” برغم أنها لا ترتقي لتكون مقياسا للاعتماد على الذات.
مفاوضات فيينا النووية
يعرب المفاوضون الأوروبيون ــ في إطار اجتماعات الجولة الثامنة من مفاوضات “فيينا” لإحياء الاتفاق النووي مع طهران ــ عن تحذيرهم من أن الخطوات المتسارعة في برنامج إيران النووي قد تصل إلى النقطة التي تفرغ اتفاق 2015 من مضمونه، في حين أن الوقت مازال متاحا أمام محادثات فيينا لإحياء الاتفاق.
عليه يشدد الأوروبيون على ضرورة العمل المكثف من أجل التوصل لحلول عملية للمشاكل الجوهرية محل الخلاف، ويشير حديث مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الأمن والسياسة الخارجية إلى التفاؤل باستئناف الصفقة النووية مع إيران.
ترى واشنطن أنه لايزال من السابق لأوانه قول ما إذا كانت طهران قد عادت لطاولة المفاوضات بشكل بناء، لكنها لاتزال تعرب كذلك عن أن إعادة العمل بالاتفاق النووي سيكون “النتيجة الأفضل لأمن أمريكا” كما جاء في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وعن المحور الخاص بالضمانات الأمريكية لإيران بعدم الانسحاب مجددا من الاتفاق، فهو يعتبر من الصعوبة بمكان، إذ تنص المادة الثانية من الدستور الأمريكي على صلاحية الرئيس في الانفكاك من أي اتفاق خارجي بشرط موافقة الكونجرس.
الموقف الإيراني في مفاوضات فيينا
وقد أماطت إيران اللثام عن موقفها من خلال وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” وأعلنت أنه قد تمت معالجة الكثير من نقاط الخلاف في مفاوضات فيينا، ورفضت الاجتماع رسميا مع المسؤولين الأمريكيين وعقدت الاجتماعات مع ممثلي القوى الأوروبية والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا.
ويتضح من تصريحات واشنطن أنها تضغط باتجاه تسريع وتيرة التوصل لاتفاق وفي المقابل تأتي تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول التفاؤل بالتوصل لاتفاق، وعليه خرج وزير الخارجية الإيراني وأعلن أن التوصل لاتفاق بات ممكنا إذا أبدت الأطراف الأخرى “حسن النية”.
يأتي موقف إيران الإقليمي – خارج المفاوضات – متجها للحديث حول مباحثات بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين خارج البلدين في بادرة توصف بالنادرة لتحسين العلاقات بين الخصمين الإقليميين.
وتتجه تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتهدئة إذ أعلن قوله: “إيران دولة جارة، ونطمح في أن تكون لدينا علاقات مميزة معها.. نريد إيران دولة مزدهرة” ثم جاءت كلمة العاهل السعودي وأعرب فيها عن أمله في إعادة إطلاق “التعاون الثنائي” بين البلدين.
لكن بالرغم من أن المملكة تدعم الصفقة النووية علنا إلا أنها تتمسك بأن تكون جزءا من أي معاهدة تتم في هذا الشأن، ويأتي هذا الموقف المنطقي بالنظر لحرص الرياض على أمنها وعدم انجرار المنطقة لسباق تسلح نووي.
خاتمة
تشير الأوضاع الراهنة بعد مضي ما يزيد عن 3 أسابيع في العام الميلادي الجديد إلى أن إيران ستواجه في عام 2022 اضطرابا متزايدا ما لم تنجح في تحرير اقتصادها المكبل بفعل العقوبات الأمريكية، أخذا في الاعتبار أن الوقت بدأ بالفعل في النفاد أمام المفاوضين في العاصمة النمساوية، على خلفية السقف العالي من المطالبات التي دلفت به طهران إلى الجولة الثامنة من المفاوضات.