في يناير 2016، وبعد الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران، خفضت الكويت وعلى غرار بعض الدول العربية آنذاك، مستوى تمثيلها الدبلوماسي مع إيران بأن سحبت سفيرها واستدعته إلى الكويت، لكنها من جديد أعادت سفيرها مساء السبت 13 أغسطس 2022 إلى طهران.
تأتي تلك الخطوة رغبةً منها في تحسين علاقتها مع إيران خارج الضغوط الخارجية والإقليمية، وبما أن السياسة الخارجية للكويت مرتبطة بشكل مباشر بالسياسات السعودية، فإن تقليل التوتر بين طهران والرياض، ساعد في تحسين العلاقات بين إيران والكويت.
جذور العلاقات الإيرانية ــ الكويتية
تعود الخلفية التاريخية للعلاقات الكويتية ــ الإيرانية إلى شتاء 1961 في أعقاب استقلال الكويت وافتتاح سفارتها في طهران، فعلى مدار السنوات الـ60 الماضية، شهدّت الدولتان علاقات خالية من التوتر، لكنها تأثرت بتقلبات عرضية وغير رئيسة من قبل طرف ثالث في أغلب الأحيان.
بدأ البرود النسبي في العلاقات بين الكويت وبين إيران خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية (1980 – 1988)، واستمرت بعد أحداث 2016 المتعلقة بالسفارة السعودية في طهران. وكانت تلك إحدى الحالات القليلة للخلافات المؤقتة بين البلدين.
مع هذا، فإن معظم الخلافات بين طهران والكويت مؤقتة، ولم تدم طويلًا، بما في ذلك إعادة فتح سفارتها في طهران بعد انتهاء الحرب كما كانت مساعدة الجمهورية الإسلامية للكويت أثناء الغزو العراقي عليها، تعبيرًا آخر على العلاقات السلمية والبعيدة عن التوتر بين البلدين.
مؤخرًا قدمت الكويت “بدر عبد الله منخ” سفيرًا جديدًا لها في طهران، وهذا يؤكد على أن العلاقات بين البلدين تميّل نحو التحسّن والتطوّر والتقدّم رغم التقلبات القليلة.
أيديولوجية السياسة الكويتية
الكويت واحدة من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، التي اتبعت بعد استقلالها عن العراق، سياسة محافظة للغاية في العلاقات الإقليمية والدولية، إلى جانب السياسات الداخلية للحكومة الكويتية خلال العقود الستة الماضية، والمتمثلة في وجود مجلس نواب مؤثر يحترم الرأي العام ويتجنب التوجهات الطائفية والحرية النسبية للصحافة.
أما فيما يخص السياسة الإقليمية والدولية للكويت، فهي تتحرك في إطار السياسات العامة لجامعة الدول العربية، لكنها إلى حد ما تتجنب التورّط في الأزمات الدولية والإقليمية، وعلى الرغم من هذا، ومع تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1981، وقعت تحت تأثير الضغط الأمريكي والسعودي إلى جانب نظام البعث العراقي السابق، ما دّفعها إلى تقديم مساعدات مالية واسعة لنظام صدام.
كان من الطبيعي أن تتعارض تلك السياسة مع إيران، والتي أدّت إلى استغلال نظام البعث العراقي للمساعدات المالية واللوجيستية المقدّمة من الكويت وسائر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي؛ لشن حرب استمرت ثماني سنوات على إيران.
في ذلك الوقت حذّر قائد الثورة الإسلامية روح الله الخميني مرارًا وتكرارًا في خطاباته من سياسة تقارب دول الخليج العربي، وبخاصة الكويت مع صدام. وذكر صراحة أن صدام سيهاجهم الدول الخليجية بعد حربه على إيران.
وبالفعل لم يكد يمضي عامان على نهاية الحرب، حتى تحققت نبوءة الخميني في عام 1990، وخرق صدام جميع اتفاقيات التعاون وحسن الجوار بين العراق والكويت، بغزوه للكويت. وبرغم الإشارات الإيجابية لنظام البعث السابق، رفضت إيران تأييد الغزو العراقي على الكويت، وقررت الانحياز إلى جانب الحكومة والشعب الكويتي.
الدعم الإيراني خلال الغزو العراقي
يبدو من الدعم المعنوي الذي قدمته الجمهورية الإسلامية للشعب الكويتي، ونقلها أكثر من مئة من نساء وبنات وذوي قربى أمير الكويت إلى إيران عام 1990 بالإضافة إلى الأساليب الأمنية المحكمة، أن إيران يمكنها أن تكون صديقًا موثوقًا به للكويت.
من جهة أخرى، وبعد تحرير الكويت من احتلال نظام البعث، عدّلت الكويت من سياساتها تجاه إيران، وفي هذا السياق تعتبر مشاركة إيران في إعادة إعمار آبار النفط الكويتية جزءًا من تلك السياسة الجديدة.
تم إضرام النيران في حوالي 80 في المئة من آبار النفط في الكويت وتدمير عشرة مراكز تجميع نفطية بالكامل علی ید الجيش العراقي، وكانت إيران قد شاركت في خطة إعادة إعمار نفط الكويت بعد التحرير.
وتُظهر زيارات أمراء الكويت السابقين “الشيخ جابر الأحمد الصباح” و”الشيخ صباح الجابر الصباح” إلى طهران، أن العلاقات بين إيران والكويت وصلّت إلى مرحلة الثقة المتبادلة، ومع هذا، تأثرت تلك العلاقات بنفوذ المملكة العربية السعودية على دول مجلس التعاون الخليجي خاصة الكويت، التي تواصل تنسيق سياساتها مع السعودية.
في حين تبلورّت الدبلوماسية الإقليمية الجديدة لحكومة إبراهيم رئيسي حول تعزيز العلاقات مع الجيران، وتبنيّ سياسة حسن الجوار وتوسيع العلاقات مع دول المنطقة، مقابل تقليل التوترات بين إيران، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي.
الدور السعودي في توازنات القوى بالمنطقة
فتحت المباحثات الإيرانية ــ السعودية في بغداد، فصلًا جديدًا في العلاقات بين إيران وبين الدول العربية في المنطقة، وعلى الرغم من أن المفاوضات بين الرياض وطهران لم تسفر عن نتائج مقبولة بعد؛ إلا أن تقليل التوتر بين طهران والرياض، بإمكانه تحسين العلاقات بين إيران والكويت، نظرًا لارتباط السياسة الخارجية للكويت بسياسات الولايات المتحدة والسعودية بشكل مباشر.
ترى إيران أن قدرتها على رفع مستوى التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي، ستسمح بخلق كتلة اقتصادية قوية بينها وبين دول المنطقة.
ما يعني أن تحسين العلاقات بين طهران والرياض، سيؤثر إيجابيًا على سيرورة العلاقات الإيرانية الخليجية، وحتى دول أخرى مثل مصر والأردن، وهذا لأن السعودية تلعب دورًا مهمًا في السياسات الإقليمية والدولية لبعض الدول العربية في المنطقة.
لهذا وبالنظر إلى تأكيد الإمارات على عودة سفيرها “سيف محمد الزعابي” لممارسة مهامه الدبلوماسية في طهران، يبدو أن العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي ستصل إلى نقطة توازن في المستقبل القريب. وبغض الطرف عن محاولة الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، منع إقامة علاقات بين إيران ودول الخليج، إلا أن تلك الدول أدركت مكانة إيران كدولة مؤثرة في المنطقة، بل ويمكن الوثوق بها.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن تعيين سفير للكويت والإمارات في طهران، يُظهر تحلل الكويت من الضغوط الخارجية والإقليمية وتوجهها من جديد نحو إيران، وعلى الأرجح سيسهل هذا من التباحث في القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل حقل غاز آراش/ الدرة. كما يمكن أن يخفض التكلفة السياسية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المترتبة على تطبيع العلاقات بالكامل مع إيران. علاوة على فعالية تلك الخطوة في تحسين العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية، خصوصًا وأن إيران تعتبر الكويت إحدى الدول المهمة، التي تؤمن غذاءها؛ نتيجة امتلاكها حدود بحرية معها.
ـــــــــــــــــ
لقاء حواري “لحسن هاني زاده” خبير الشؤون الإقليمية مع موقع “راهبرد معاصر” الإيراني تحت عنوان: “چرا کویت به دنبال ارتقای روابط دیپلماتیک با ایران است؟” ويعني “لماذا الكويت بصدد تحسين العلاقات الدبلوماسية مع إيران”.