يُعد التكامل الاقتصادي هو لغة العصر ووسيلة لاستكمال متطلبات التنمية سواء للدول الكبرى أو النامية، وتمثل التجمعات والتنظيمات الدولية أبرز الآليات التفاعلية على مستوى العلاقات الدولية في هذا الصدد، ولها من المميزات ما يدفع الدول دومًا إلى بذل الجهد والمساعي الدبلوماسية للانضمام لها خاصة في ظل تعدد أوجه المنافع الاقتصادية المتمثلة في الشراكة وفتح الأسواق وإمكانيات تلقي المساعدات الاقتصادية الداعمة لعملية التنمية علاوة على المكانة الأدبية التي تكتسبها الدول (خاصة النامية والصغرى) كنتيجة لانضمامها إلى التجمعات والتنظيمات الاقتصادية والسياسية ذات الحيثية والنفوذ الدولي، ما ينعكس على حاضرها ومستقبلها الاقتصادي والسياسي.
فرص انضمام إيران لبريكس
يأتي حصول إيران على العضوية الدائمة في مجموعة بريكس والتي تشكل وفقًا للرؤية الرسمية الإيرانية نجاحًا للدولة في كسر القيود الخاصة بالعقوبات المفروضة عليها، وعلى حد تعبير مساعد الشؤون السياسية في ديوان رئاسة الجمهورية الإيرانية محمد جمشيدي: “يعد الانضمام بمثابة تطور تاريخي ونجاح استراتيجي للعالم الإسلامي في السياسة الخارجية”.
بالنظر إلى طبيعة الدول الرئيسة في المجموعة وأبرزها روسيا والصين، نجد أن توطيد إيران للعلاقات الاقتصادية في إطار التجمع المشار إليه يُعد ورقة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى لفرض العزلة على إيران، حيث يتم مواجهة هذا الوضع القائم (ولو على نحو نسبي) بمفردات واقع مغاير جديد بدأ في التبلور منذ عقود يتضمن أقطابا دولية جديدة وصعودا قويا لدول فاعلة رافضة لمفاهيم الأحادية والهيمنة الأمريكية على مقدرات السياسة والاقتصاد الدولي.
على الرغم من أن إيران تعلن على المستوى الدبلوماسي أنها لم تكن أبدًا في عزلة بل تتفاعل دوما خاصة من خلال سياسة التوجه نحو الشرق ودول الجوار، لكن مما لا شك فيه أن الانضمام لتجمع بريكس يمثل خطوة إيجابية في اتجاه المزيد من الانفتاح الاقتصادي لإيران على الدول الأخرى، خاصة أن المجموعة تضم دولا ممثلة لنحو نصف سكان العالم.
كذلك فإن إيران وفقًا لتصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي شهدت زيادة بنسبة 14% في حجم التبادل التجاري مع دول الجوار منذ تولي الحكومة الحالية مهامها في أغسطس 2021 علاوة على زيادة حجم وجود إيران الاقتصادي في أسواق أمريكا اللاتينية وإفريقيا وأسيا، ما يمهد السبل لخلفية إيرانية اقتصادية (لابأس بها) تمهد للمزيد من المكاسب الاقتصادية في إطار الانضمام لبريكس.
بريكس والتقارب المصري ــ الإيراني
من المتوقع إمكانية تفعيل المزيد من أوجه التعاون الثنائي بين إيران وبين الدول المنضمة حديثًا لبريكس وهي السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأرجنتين، وإثيوبيا بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية الخاصة بالعلاقات المصرية ــ الإيرانية (في إطار انضمام مصر هي الأخرى لتجمع بريكس) ما يعطي مجالاً للنظر في الملف الشائك والعالق منذ عقود بين البلدين رغم تغير الظروف السياسية والدولية بوجه عام، ما يُدخل نوعية العلاقات البينية بين مصر وبين إيران في إطار الميراث السياسي اللاعقلاني (ولو بدرجة ما) والمستمر في التوجه ذاته عبر العقود بقوة الدفع غير المدروسة، على الرغم من أن الأهمية التي يحتلها الاقتصاد دومًا وخاصة في عصرنا الحالي تدفع الدول للتقارب برغم الخلفيات السياسية والخلافات البينية مهما تعمقت جذورها.
مع ذلك يرى بعض المحللين أن انضمام الدولتين (مصر وإيران) لبريكس قد يساعد على تفعيل التقارب الثنائي خاصة أن هناك خطوات اتخذت بالفعل للتقارب، ومنها على سبيل المثال ما تم في مجال السياحة، ففي مارس 2023 أعلنت جمهورية مصر العربية تسهيل حصول السائحين الإيرانيين على تأشيرة فورية بكفالة الشركات السياحية عند وصولهم المباشر إلى محافظة جنوب سيناء والتي تعد أحد أهم المقاصد السياحية في مصر.
تواترت الأنباء مسألة الوساطة إلى قادها سلطان عُمان في إطار الملف الخاص بالعلاقات المصرية ــ الإيرانية بعد زيارة قام بها لمصر وإيران في مايو 2023.
وبالتالي يمكن القول أن احتمالات التقارب قائمة وإن كان الجزم بمستقبل العلاقات الثنائية يظل عالقًا دوما بالرؤية الخاصة بالقيادة السياسية للبلدين وتقديراتها لمصالح بلادها الوطنية.
تحديات انضمام إيران لبريكس
اعتبر بعض المحللين أن انضمام إيران لبريكس، وإن كان يعتبر نجاحًا في ظل غياب النجاحات الأخرى الإيرانية والمشاكل التي تواجهها في إطار العقوبات والملف النووي الإيراني، إلا أن الواقع السياسي قد لا يُتيح إمكانيات عالية للاستفادة الاقتصادية الكاملة من جانب إيران في إطار انضمامها لبريكس.
على سبيل المثال نجد أن الاتفاق المبرم بين إيران وبين الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا قد أسهم في تحرير الأرصدة الإيرانية المجمدة من عائدات بيع النفط، إلا أن الشروط والآليات التي فرضت على النظام الإيراني لم تسمح بضخ الأموال في الداخل الإيراني بل تم تحويلها للبنوك القطرية وتحديد آليات صرفها بسداد شراء إيران لاحتياجاتها من الغذاء والمستلزمات الطبية، ما يضع قيودًا على إيران من المنظور الاقتصادي.
علاوة على النقد المتكرر دوما فيما يخص جوهر فاعلية الانضمام للتجمعات الاقتصادية فيما يخص الدول الصغرى والنامية انطلاقا من المنظور الخاص بأن حجم الاستفادة مقترن بموازين القوى المتفاوتة بطبيعتها بين الدول داخل المنظمة نفسها، وأن التجمع في حقيقته ما هو إلا انعكاس مصغر للطبقية السائدة في النظام الدولي بأكمله، مع استمرارية الدافع التاريخي للدول الكبرى (شرقية أو غربية) في أن تظل الدول الصغرى (صغيرة في احتياجها واعتمادها على الغير رغم دعوات العولمة والاندماج الاقتصادي).
خاتمة
في عالم السياسة الدولية، كما في دنيا الواقع الخاص بالأفراد، نجد أن التقديرات السلبية وإن كانت تحمل في جوهرها شيئا من الصحة، إلا أن الارتكان الكامل إليها يجعل الفعل الواقعي غير ممكن وحبيس إلى ما لا نهاية في دائرة عالم الإمكان فالسلوك الاقتصادي والسياسي دوما يضع احتمالات المكاسب والخسائر في حسبانه، مع استبعاد المطلقات فيما يخص توقع الإيجابيات تجنبا للاصطدام بصخرة الواقع السياسي، وفي ظل عدم إمكانية التراجع السياسي عن الموكب المنطلق للأمام في إطار المشهد الدولي العام مع استعداد تام لتحمل كل النتائج بنوعيها إيجابا أو سلبا.