مثل انعقاد قمة الدول الثمانى الاسلامية فى القاهرة وما تحمله من فرص وتطلعات نحو تعزيز آفاق التعاون بين الدول الاسلامية، وعلى رأسها مصر وإيران، فرصة لإعادة تأمل مسار ومستقبل العلاقات الثنائية فيما بينهما فى إطار عام وشامل، وقد يتمثل ذلك في إعادة رفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين بعد عقود من القطيعة، وهو الإجراء الذي فرضته ظروف ومستجدات عالمية على منطقة الشرق الأوسط على نحو لا يستهان به.
وتعد مصر وإيران أنموذجًا لإحدى أبرز إشكاليات العلاقات الإقليمية فى الشرق الأوسط، فهى مثال للصعود والهبوط بين تعاون خلال فترة مصر الملكية، والصراع فى الحقبة الناصرية، ثم انفراجة إبان عصر الرئيس السادات، وصولاً إلى تجمد وفتور فى العلاقات، يشوبه محاولات متفرقة لإعادة العلاقات وتوثيق الروابط فيما بعد قيام الثورة الاسلامية فى إيران.
الظروف الإقليمية
ودائمًا ما تفرض مستجدات الأوضاع في المنطقة ضرورة البحث في تساؤلات تتعالق بمستقبل العلاقات بين القاهرة وإيران، خاصة إذا ما كانت تلك المستجدات تتعلق بقطاع غزة أو بلبنان على وجه الخصوص، إذ تشير التقديرات دائمًا إلى أن مصر وإيران تشكلان قوة إقليمية لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من أن الواقع أحيانًا لا يساعد على خروج النتائج الإيجابية المرجوة، فيتوقف النقاش عند الجدل البحثى والخطوات البطيئة على أرض الواقع.
لكن بنظرة أشمل للعلاقات المصرية الإيرانية كنموذج للعلاقات بين الدول في إقليم حيوى مثل الشرق الأوسط، وما يمر به من صراعات مستمرة، يمكن القول إن النتيجة الحالية لتفكك العلاقات بين الدول فى إقليم الشرق الأوسط يمكن إرجاعه الى عامل دولي أو تدخل خارجي، والذي يعد تطورًا في مراحل تفكيك النظم الإقليمية التى يمارسها الغرب من الاستعمار المباشر إلى العولمة، وما تفرضه على الدول من عقوبات اقتصادية مثلًا وضغوط سياسية، وصولاً إلى تدعيم استراتيجيات التأثير على النظام الإقليمى من الداخل من خلال خلق نماذج مصطنعة للعدو الوهمى للتعتيم على العدو الحقيقي، وإيجاد حالة من التوجس غير المعلن بين الدول فى إقليم الشرق الأوسط.
ولعل أبرز ما قيل حالياً خلال التغيير السياسى الجارى فى سوريا هو الإشارة إلى تراجع الدور الإيراني وتصاعد الدور التركي، وتنطلق فى الوقت ذاته أصوات المؤيدين والمعارضين فى هذا الاتجاه أو ذاك، وكأن المنطقة العربية والإسلامية تعاني من مخاطر تركية وإيرانية تمثل محور أزمتها السياسية والاقتصادية عبر عقود، كما تصف بعض الدوائر الإعلامية والأكاديمية إيران وتركيا وكأنهما يتنافسان على النفوذ أو تقسيم النفوذ في المنطقة، لاعتبارات المصلحة الإسرائيلية من جانب والمصلحة الغربية الاستعمارية من جانب آخر.
لكن في كل الأحوال فقد نجحت التحركات الغربية والأمريكية في المنطقة إلى إعادة ما يمكنه تسميته “حربًا باردة” بين دول الإقليم، ومن أبرز تجليات ذلك التوتر المصري الإيراني، والتوتر الخليجى الإيراني، والتوجس من الدور التركي على مستوى الدول العربية والاسلامية.. وغيرها من تلك النماذج.
الموقف المصري ــ الإيراني
يمكن القول أن الموقف السياسى القائم بين مصر وإيران على سبيل المثال قائم على أساس شبيه بما كان يحدث فى إحدى جزئياته خلال فترة الحرب الباردة لغرض سياسي، وهو غياب الفهم والمعرفة الرسمية والشعبية المشتركة بين الجانبين، ما يعمق سوء الإدراك السياسي والشعبي لكل جانب عن الآخر، إذ تعرف الدول الإسلامية والعربية عن الغرب معارف في مجالات عدة، فيما لا نعرف عن نظرائنا من العرب والمسلمين الكثير، وهو تجلي له أسبابه التي تأتي على رأسها الرواسب التى تشبعت بها تلك الدول منذ حقبة الاستعمار القديمة.
وفيما يخص مصر وإيران، نجد أن أفاق التعاون السياسى والاقتصادي، إذا ما تم التوجه مستقبلاً إلى تفعيلها، فهي تحتاج إلى جهد ثقافي وشعبي لنشر المعرفة بين مواطني البلدين، حتى لا يكون غياب الفهم والإدراك هو بمثابة “أشواك السلام” التى عبر عنها الكاتب والمفكر الراحل توفيق الحكيم فى مسرحية ذات دلالة سياسية، حين عبر من منظور علاقات اجتماعية بسيطة عن أثر غياب المعرفة الحقيقية على تلك العلاقات، فى إسقاط مباشر وصريح على الصراع الدولى الدائر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والذى يستمر حتى اليوم، وكالعادة تتلقى أثاره الدول الإسلامية والعربية بدون عوائق.
والمرجو دوماَ أن تتوافر الإرادة السياسية على تفعيل نتائج المؤتمرات والندوات الدولية، فقمة الدول اإاسلامية النامية تحمل بداخلها فرص بحاجة لإرادة لتفعيل نتائجها، حتى يمكن التمتع بثمارها على المدى المتوسط والطويل، ومن المتعارف عليه أن الطرف الخارجي يقوى بتفكك الداخل الاقليمي.
وفيما يخص العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيرانية، نجد أن مصلحة الشرق الأوسط والدول الإسلامية تفوق الاختلافات الإيديلوجية والفكرية بين الدولتين، فالأرضية المشتركة التي يمكن الوصول إليها موجودة وبحاجة لاستغلال في ظل تفاقم الأوضاع الجارية، فكما أن الاختلاف بين الأفراد يثري ذواتهم، كذلك الدول بإمكانيتها وتجاربها السياسية والإقتصادية وخلفيتها الثقافية والروحية يمكن أن تعطى دفعة للأمام، إذا ما تم توجيهها فى الاتجاه الملائم.
خاتمة
وبتأمل مصر وإيران خلفية التاريخ القديم بينهما، سندرك أن التعاون دوماً كان له نتائجه الإيجابية أيًا كان مستواها، وحتى إبان فترة الملكية، ارتبط التواصل المصرى الإيرانى في جزء منه بالطموح المصرى لتوسيع أفاق الدور الإقليمي.
لكن بوجه عام من المنتظر أن يتم تدعيم العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الدول الإسلامية ، ليس فقط لنتائجها المرجوة فى المساهمة في دعم مسار التنمية ومواجهة التحديات المتفاقمة في المشهد السياسي الحالي، ولكن أيضاَ للمساهمة فى تكوين جيل عربى وإسلامى يكون نواة للتقدم حين يؤمن ويجد من الشواهد ما يؤيد إيمانه.
إننا لسنا دولًا (أقل) ولكننا (مختلفين) ولنا مسارنا الخاص في طريق التنمية الذى لا يفترض أن يكون إعادة إنتاج لما حققه الغرب، ولكنه نابع من البيئة الإقليمية ويراعى ظروفها ولا ينفصل عن المستجدات والمتطلبات على المستوى العالمي.