أعلنت قوات الحرس الثوري الإيراني فجر الخميس 20 يونيو 2019، أنها أسقطت مساء الأبعاء 19 يونيو طائرة استطلاع واستخبار إليكتروني ومسح جوي أمريكية غير مأهولة تابعة لسلاح البحرية، لأنها “دخلت المجال الجوي الإيراني”، وعليه استهدفتها بواسطة دفاعات الحرس الثورية الجوي قبالة سواحل “كوه مبارك” بمحافظة “هرمزكان” المُطلة على خليج عُمان.
مناقشات خبرية
أكدت القيادة المركزية الأمريكية US CENTCOM في بيان رسمي لها أن طائرة استطلاع واستخبار تابعة لسلاح البحرية من طراز RQ-4A قد تم إسقاطها – بشكل غير مُبرر – على مسافة 34 كم من أقرب نقطة للسواحل الإيرانية، في أثناء قيامها بمهام استطلاعية على الارتفاعات الشاهقة فوق مضيق هرمز وخليج عمان، في المنطقة نفسها التي شهدت الاعتداءات الأخيرة لبحرية الحرس الثوري على ناقلات النفط، نافية “الادعاءات الإيرانية” بأن الطائرة قد دخلت المجال الجوي الإيراني، ووصفتها بـ”الزائفة”، وأكدت على تنفيذها مهامها الاستطلاعية في المجال الجوي الدولي.
أعقب ذلك إصدار الحرس الثوري الإيراني فيديو لعملية إسقاط الطائرة الأمريكية بواسطة منظومة الدفاع الجوي متوسطة المدى “خُرداد Khordad”، والتي تدّعي طهران بأنها منظومة محلية الصنع تم الكشف عنها لأول مرة عام 2014، كما أصدر الجيش الأمريكي من جانبه فيديو للحظة سقوط الطائرة تم تسجيله بواسطة أحد مستشعرات الرصد بالأشعة تحت الحمراء لإحدى السفن الأمريكية القريبة من موقع الإسقاط.
في مؤتمر صحفي خلال لقائه برئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إيران ارتكبت خطأً كبيرا جدا، وأجاب عن سؤال حول الرد المنتظر من الجانب الأمريكي بأنهم سوف يعرفون قريبا.
خلال المؤتمر الصحفي نفسه، أضاف ترامب بأنه لا يعتقد بأن ذلك الحادث كان مُتعمداً، وأنه كان خطأ لجنرال أو أحد الأشخاص الذين تلقوا أمرا صدر “بشكل خاطئ” من أحد مسؤولي الحكومة الإيرانية، واصفا من أصدر ذلك الأمر بـ”الغبي وغير المُنضبط”. واختتم ترامب تصريحاته بأن رد فعله كان سيكون مختلفاً إذا ما كانت تلك الطائرة يقودها طيار أمريكي.
الدوافع الإيرانية وردود الأفعال الأمريكية المتوقعة
يؤكد إسقاط الطائرة الأمريكية الاستطلاعية على ضلوع الحرس الثوري الإيراني في أعمال التخريب السابقة لناقلات النفط بخليج عمان في شهري مايو الماضي ويونيو الجاري، كما يؤكد على إصرار إيران على عدم الانصياع للضغوط والعقوبات الاقتصادية الأمريكية، في تحدٍ من طهران لواشنطن، إذ تلعب الأولى على الاحتمال الضعيف جدا بلجوء الثانية للخيار العسكري، والذي لم يتم اللجوء له في أكثر من مرة قامت فيها إيران بجس نبض الولايات المتحدة وردود أفعالها بداية بالتهديدات المستمرة لغلق مضيق هُرمز أمام الملاحة الدولية ومرورا بعمليات التخريب ضد ناقلات النفط وانتهاءً بإسقاط الطائرة الأمريكية.
تصريحات ترامب نفسها جاءت منافية لبعضها البعض، ففي بدايتها تدل على وجود نية لرد فعل عسكري فوري، ثم تأتي في نهايتها كسكب لماءٍ بارد فوق حديد ساخن، حينما قال إن إيران ارتكبت خطأً كبيراً ثم استبعاده ان ما حدث هو مُتعمد وبأن رد فعله كان سيختلف إذ ما كانت طائرة مأهولة.
هذا ما يؤيده الكثير من المحللين والمراقبين للموقف بأن ترامب يلجأ للضغوط الاقتصادية على أقصاها للحصول على المكاسب السياسية المطلوبة مع إيران، في حين أن إيران نفسها تلعب على أن تقوم دول الخليج بالضغط على واشنطن لتخفيف العقوبات على طهران، وكذلك إظهار الولايات المتحدة بغير القادرة على حماية حلفائها في المنطقة، وأنها تخاطر بإشعال حرب في المنطقة، مع استبعادهم وجود عمل عسكري أمريكي على نطاق واسع، وربما عمل عسكري على نطاق محدود أو متوسط وليس على المدى القريب (تحليل نائب رئيس الأركان الأسبق للجيش الأمريكي الفريق أول متقاعد جاك كين لفوكس نيوز).
ما يؤيد ذلك أيضاً هو التقرير الذي نشرته النيويورك تايمز في وقت مبكر من صباح اليوم الجمعة 21 يونيو، مفاده أن الرئيس دونالد ترامب وافق مبدئيا على هجمات ضد عدد من الأهداف الإيرانية مثل الرادارات وبطاريات الصواريخ وكانت العملية ماضية في مراحلها الأولى قبل أن يتم وقفها، وأن الطائرات كانت في الجو والسفن في مواقعها ولكن لم يطلق أي صاروخ”.
هذه الرواية عضدتها مقولة نيكولاس كريستوف، الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز في مقابلة مع CNN حين قال بالحرف الواحد: “نحن لا نعلم إن كان ترامب قد تراجع. نعلم أن الضربات لم تنفذ وربما أنه غيّر رأيه بمشورة البنتاجون، وقد تكون هناك أسباب أخرى لوجيستية.. وقد يكون الأمر (قرار الضربة) لازال جاريا.. والخطر الحقيقي يكمن بالتصعيد الكبير”.
وعليه، فإن الوضع الراهن يشير إلى احتمال وقوع أحد سيناريوهين:
– أن تتعامل الإدارة الأمريكية مع الموقف كحادث بسيط غير مؤثر لم يتضمن سقوط ضحايا، وتلجأ لفرض عقوبات اقتصادية وخطوات سياسية أكثر قسوة تجاه إيران، وهو السيناريو الأرجح.
– أن تلجأ الإدارة الأمريكية لرد فعل عسكري مماثل على مستوى التصرف الإيراني نفسه، من خلال ضربة دقيقة محدودة لهدف عسكري إيراني محدد، لحفظ الهيبة وماء الوجه وتحقيق الردع المطلوب من دون تصعيد عسكري أو تفاقم غير مطلوب في الأمور.
المؤكد والذي لا شك فيه، أن التصعيد الإيراني لمستويات أكبر لن يكون في صالح طهران على الإطلاق، بل سيؤدي إلى عواقب وخيمة وقاسية على الجانبين العسكري والاقتصادي، وخاصة أن القوات الأمريكية الموجودة في منطقة الخليج تستطيع تنفيذ ضربات قوية وشديدة التاثير ضد البُنى التحتية الاقتصادية والعسكرية لإيران، وعلى الجانب الآخر يمكن لإيران أيضا تنفيذ ضربات صاروخية مؤثرة ضد دول الخليج أو حتى إسرائيل، أو من خلال وكلائها كالحوثيين أو حزب الله، ولكنها، وبكل تأكيد، لا تملك قدرة الاستمرارية في حرب استنزاف/ مطولة أمام الآلة العسكرية الأمريكية.
ــــــــــــــــــــــ
حقائق عن الطائرة الأمريكية والمنظومة الدفاعية الإيرانية
ــ الطائرة التي تم إسقاطها هي نسخة مُخصصة للتجارب وعرض القدرات التقنية لصالح برنامج المراقبة البحرية واسعة النطاق التابع للبحرية الأمريكية U.S. Navy Broad Area Maritime Surveillance Demonstrator BAMS-D وتحمل اسم RQ-4A BAMS-D.
ــ الدرون مُشتقة من طائرة “الصقر العالمي RQ-4A Global Hawk” التابعة للقوات الجوية الأمريكية، والمُصنفة كطائرة بدون طيار طويلة البقائية عاملة على الارتفاعات الشاهقة High Altitude Long Endurance Unmanned Aerial System (HALE-UAS) مٌختصة بمهام الاستخبار والمسح والاستطلاع الجوي Intelligence, Surveillance & Reconnaissance (ISR) على المستوى الاستراتيجي، وتُعد الأحدث والأكثر تطوراً دون أي نظير لها على مستوى العالم.
ــ في العام 2006 اشترت البحرية الأمريكية 5 طائرات من الطراز نفسه من القوات الجوية لإجراء التجارب عليها لصالح برنامجها سالف الذكر، لتطوير نسخة بحرية مُتخصصة ذات قدرات استطلاعية مُوسّعة لتحقيق التكاملية مع طائرة المراقبة البحرية المأهولة “بوسايدون P-8A Poseidon” العاملة ضمن عائلة الاستطلاع والدورية والمراقبة لسلاح البحرية.
ــ تحمل نسخة البحرية من الصقر العالمي اسم “ترايتون MQ-4C Triton” (ترايتون نصف إله بحري عند الإغريق) وتحمل رادارًا بالغ التطور قادرا على تغطية مساحة تُقارب 7 ملايين كم² خلال مهمة استطلاعية واحدة لمدة 24 ساعة على ارتفاع شاهق يتجاوز 16 ألف متر فوق سطح البحر، مع مدى عملياتي يتجاوز 15 ألف كم.
ــ من المقرر أن تبدأ RQ-4C العمل لدى البحرية الأمريكية بجزيرة جوام الواقعة غربي المحيط الهادئ، ومُخطط لها الوصول لقدرة التشغيل الأولية Initial Operational Capability (IOC) في العام 2021.
ــ تختلف مواصفات نسخة البحرية المُستهدفة عن نسخة القوات الجوية الأمريكية التي تمتلك قدرة بقائية في الجو لفترة تصل إلى 34 ساعة على ارتفاع يصل إلى 18.2 ألف متر فوق سطح البحر ومدى عملياتي يصل إلى أكثر من 22.5 ألف كم، وتستطيع تغطية مساحة 103.5 ألف كم² خلال المهمة الاستطلاعية الواحدة.
ــ تبلغ تكلفة النسخة RQ-4A BAMS-D التي تم إسقاطها حوالي 123 مليون دولار (من دون احتساب تكاليف البحث والتطوير للبرنامج ككل والتي ترفع من سعر الطائرة الواحدة ليتجاوز 220 مليون دولار) وهي تتجاوز تكلفة مقاتلة الجيل الخامس الشبحية F-35 التي تصل تكلفتها إلى 89 مليون دولار للطائرة الواحدة.
ــ تعد منظومة الدفاع الجوي التي استخدمتها قوات الحرس الثوري الإيرانية ـ تحديدا القوات الجو ـ فضائية – (قوات الدفاع الجوي الإيرانية هي فرع مستقل من أفرع القوات المسلحة الإيرانية، ولكن هناك وحدات دفاع جوي مُلحقة ضمن القوات الجوفضائية التابعة للحرس الثوري وعناصر أخرى مزودة بمنظومات قصيرة المدى محمولة على الكتف مُلحقة ضمن بحرية الحرس الثوري للعمل على متن الزوارق والعائمات السريعة) وتحمل اسم “خُرداد 3 3rd Khordad” وهو أحد النسخ المُطورة والمُشتقة من منظومة الدفاع الجوي “رعد” التي هي في الأساس منظومة الدفاع الجوي الروسية متوسطة المدى Buk-M1-2 / Buk-M2، التي تدعي إيران أنها منظومة محلية.
ــ تتسلح المنظومة بصواريخ “صياد” التي يصل مداها إلى 50 – 75 كم وارتفاع 27 كم، ويتم تطويرها لتصل إلى 105 كم ثم 200 كم في المستقبل، وذلك بحسب تصريحات والمسؤولين العسكريين الإيرانيين.
ــ بالنظر للمعطيات الخاصة بإسقاط الطائرة الأمريكية، فإن ما حدث أمر غير مُستغرب على الإطلاق، نظراً لأن الطائرة كانت تطير على مسافة 34 كم من السواحل الإيرانية، ما يجعلها في المدى النيراني للمنظومة، وأيا كان الارتفاع الذي تطير عليه، حتى إذا كان في أقصاه وهو 18.2 ألف متر فوق سطح البحر، يمكن إسقاطها بكل سهولة نظراً لقدرة صواريخ المنظومة على الوصول لارتفاع 27 كم.
ــ نظرا لحجم الطائرة الكبير مقارنة بالأنواع الأخرى من الطائرات بدون طيار ذات الأحجام الأقل، ونظراً أيضا لكونها مُحلقة على ارتفاعات متوسطة ـ شاهقة، فإنها تُعد هدفاً سهل المنال لأية منظومات دفاع جوي متوسطة – بعيدة المدى كالبوك (رعد) أو الإس-300.
ــ تستخدم طائرات الصقر العالمي Global Hawk تُستخدم في عمليات الاستطلاع الجوي الاستراتيجي، حيث تحلق على مسافات بعيدة وارتفاعات شاهقة خارج نُطق التغطية النيرانية لوسائل الدفاع الجوي، ولا تستخدم في أية مهام قتالية على الإطلاق، ولذلك يتم استخدامها دائما لأعمال الاستطلاع الجوي/ البحري لأية أراضٍ معادية، فوق المياه وفي المجال الجوي الدوليين.