مع وصول جماعة الإخوان ـ المحظورة حاليا ـ إلى سدة الحكم في مصر بصيف عام 2012م، دخلت العلاقات المصرية ـ الإيرانية مرحلة جديدة، اتسمت بالتقارب والتوافق المتبادل بين رأسي السلطة في الدولتين آنذاك، الرئيس المعزول محمد مرسي والرئيس المنتهية ولايته “المحافظ” محمود أحمدي نجاد، ففي مصر تداولت الأروقة السياسية لأول مرة مصطلح “المرشد العام” لجماعة الإخوان الذي يأمر، فيطاع من قبل الجميع بمن فيهم رئيس الدولة، وهو ما يقابل منصب “المرشد الأعلى” للثورة في إيران.
أي إن البلدين قد أصبحا تحت قيادة دينية لا تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً. والحقيقة كانت إيران في صدارة الدول أو بالأحرى تكاد تكون الدولة الأبرز التي سعت بشتى الطرق إلى إضفاء صبغة دينية على الاحتجاجات الشعبية التي جرت في مصر في 25 من يناير عام 2011م، ووصفتها بأنها “صحوة إسلامية” أو كما يقال بالفارسية “بيداري اسلامى”، وأنها امتداد طبيعي للثورة الإسلامية في إيران عام 1979م.
مصر وإيران والصحوة الإسلامية
ومصطلح “الصحوة الإسلامية” هو المصطلح الذي مازالت تستخدمه وسائل الإعلام الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، وتعمل على الترويج له حتى لحظة كتابة هذه السطور؛ لإضفاء صبغة دينية ليس على ثورة 25 يناير فحسب، ولكن على كل ثوارت الربيع العربي التي حدثت في المنطقة، في محاولة من تلك الدولة المارقة لإضفاء صفة الزعامة على نفسها وقيادة دول المنطقة في ركابها.
يمكن لمس هذا الأمر في عدد من التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الإيرانيين خلال احتجاجات 25 يناير، وحينها قال “رامين مهمانپرست” المستحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن الحراك الشعبي في مصر: “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنتظر من مسؤولي الحكومة المصرية الحيلولة دون وقوع أي شكل من أشكال الاصطدام العنيف لقوات الأمن والشرطة مع موجة الصحوة الإسلامية التي تجتاح البلاد في صورة يقظة شعبية”.
وقال “على لاريجانى” رئيس مجلس الشورى الإيراني “إن منطقة الشرق الأوسط تشهد تحولاً غير مسبوق في أعتاب ذكرى الثورة الإسلامية الإيرانية”. ثم جاء تصريح المرشد الأعلى للثورة “علي خامنئي” في إحدى خطب الجمعة التي أكد فيها أن الحراك الشعبي في مصر وتونس له ينطوي على معنى مهم للأمة الإيرانية؛ لأنه يعد “هزات ارتدادية للثورة الإسلامية في إيران”.
ولقد وصفت هذه التصريحات وأمثالها تلك التي حاولت الترويج لها رؤوس السلطة في إيران، بكونها “محاولة فاشلة منهم لإضفاء صبغة دينية على ثورة 25 يناير، ولتمكين الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان من مقاليد الحكم في مصر”، لما يحمله ذلك من مصالح متبادلة بين الطرفين، وهو ما جعل “أحمد أبو الغيط” الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية المصري آنذاك، يصرح بأن ثورة 25 من يناير قد شاركت فيها كل التيارات والأحزاب السياسية والأطياف الشعبية المختلفة، بما فيها التيارات الدينية وأن تلك الثورة هي ثورة مدينة وليست دينية.
على أية حال شهد العام الذي حكم فيه الإخوان مصر، عدداً من المحاولات المتبادلة بين رأسي السلطة في الدولتين لإعادة العلاقات بين مصر وإيران، فبعد قطيعة دائمة 36 عاماً منذ آخر زيارة للرئيس الراحل “محمد أنور السادات” إلى إيران، كانت زيارة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى طهران في أغسطس عام 2012م، لتسليم الرئيس الإيراني أحمدي نجاد رئاسة “منظمة دول عدم الانحياز” التي كانت ترأسها مصر في ذلك الوقت. وخلال هذه الزيارة اتفق الرئيسان على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين مصر وإيران إلى درجة تبادل السفيرين، كما أعربا عن رغبتهما في عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وقد سبق هذه الزيارة لقاء الرئيسين المصري والإيراني خلال “القمة الإسلامية” في الرياض التي دعا إلها العاهل السعودي، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حيث لفت العناق الحار بين مرسي ونجاد أنظار الحضور، كما سبق زيارة مرسي إلى طهران عدد من التصريحات الإيجابية التي أدلى بها، وتحدث من خلالها عن الشراكة مع إيران وحقها في امتلاك الطاقة النووية.
رغبة إيران في إعادة العلاقات مع مصر
في المقابل بدا التطلع الإيراني لإقامة علاقات مع مصر بعد صعود جماعة الإخوان إلى السلطة، من خلال التصريحات التي أدلى بها نجاد، وأعرب خلالها عن استعداده لزيارة مصر إذا وجهت له الدعوة بذلك، وعلى هذا جاءت زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القاهرة في فبراير عام 2013م؛ للمشاركة في القمة الإسلامية التي عقدت في القاهرة آنذاك، على اعتبار أن مصر وإيران عضوتان في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وتعد هذه الزيارة هي أول زيارة رسمية يقوم بها رئيس إيراني لمصر منذ 34 عاماً، بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وإعلان “الخميني” قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر على إثر توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”.
وقد وصفت زيارة أحمدي نجاد بالتاريخية، واعتبرتها الصحف الصادرة في القاهرة وطهران أولى خطوات تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، وقد أعرب نجاد، قبيل مغادرته طهران وتوجهه إلى القاهرة، عن أمله في أن تمهد زيارته الطريق أمام استئناف العلاقات بين البلدين، وقال صراحة: “سأحاول فتح الطريق أمام تطوير التعاون بين إيران ومصر”.
الحقيقة أن هذه الزيارة شهدت مجموعة الأحداث التي أكدت للجميع الرفض الشعبي والديني المصري لعودة العلاقات مع إيران، وفق النمط الإيراني من العلاقات مع الدول العربيثة، وقد شاءت الأقدار أن أكون أحد شهود العِيان على واحدة من هذه الأحداث المهمة.
برنامج حافل لنجاد في القاهرة
اشتمل جدول زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القاهرة على عدد من المحطات المهمة، فضلاً عن مشاركته في القمة الإسلامية، وكانت أولى هذه المحطات زيارته للأزهر الشريف ولقائه شيخ الأزهر الدكتور “أحمد الطيب”.
وقد شهد المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب هذا اللقاء جملة من التصريحات التي جاءت على لسان شيخ الأزهر ووكيل الأزهر وسببت ضيقاً وحرجاً شديدين للرئيس الإيراني، حيث طالب الدكتور أحمد الطيب الرئيس الإيراني بعدم التدخل في شؤون دول الخليج العربي، ووقف المد الشيعي في بلاد أهل السنة، واحترام سيادة دولة البحرين على أراضيها باعتبارها دولة عربية، وإعطاء أهل السنة وخاصة إقليم الأحواز حقوقهم كاملة كمواطنين، والتوقف عن اضطهادهم، ووقف نزيف الدم في سوريا، واستصدار فتوى من المراجع الدينية الشيعية تحرم سب زوجة الرسول عائشة وصحابته رضي الله عنهم، وتجرمه، وذلك حتى تنطلق مسيرة التفاهم بين البلدين.
كل هذه التصريحات جعلت أحد مرافقي الرئيس الإيراني يقول لوكيل الأزهر وقتها: “إن الرئيس يقول لكَ.. إن هذا الحديث مكانه جلسة مغلقة”. وهذه التصريح يوضح ثبات العقيدة الشيعية لدي إيران ورفض قيادتها الحاكمة تغيير سياستها أو إعادة البت فيها، فهي ماضية في نشر المذهب الشيعي، ومد نفوذها في دول الخليج العربي. ويتضح أن بيان الأزهر الشريف كشف النقاب عن وجه الحكومة الإيرانية التي تظهر للجميع أنها تناضل من أجل الحرية والتحرر من سطوة الغرب وقوى الاستكبار، ليس إلا لكي تحل محل الغرب في الدول العربية.
وقد تلت زيارة شيخ الأزهر، زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى مقام الإمام الحسين، حيث شهدت هذه الزيارة محاولة الاعتداء الأولى على الرئيس الإيراني من قبل أحد الشبان السوريين المقيمين في مصر، والذي سارع بإلقاء حذائه نحو نجاد لدى خروجه من المسجد.
وكانت آخر محطات زيارة الرئيس أحمدي نجاد لمصر، حضور الاحتفالية التي نظمها مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة في منزل القائم بالأعمال بمنطقة مصر الجديدة بوسط القاهرة، بمناسبة الذكرى 34 للثورة الإسلامية والتي صادف ذكراها توقيت زيارة الرئيس الإيرانى لمصر.
في تلك الاحتفالية حرصت البعثة الدبلوماسية الإيرانية على دعوة لفيف من ممثلي الأحزاب السياسية والشخصيات العامة وأساتذة اللغة الفارسية في الجامعات المصرية وعدد من الكُتاب ورجال الدين والصحفيين والفنانيين والمهتمين بالشأن الإيراني في مصر، وكنتُ أحد هذه الشخصيات التي حضرت الاحتفالية بحكم عملي مذيعا في البرنامج الفارسي الموجه لإيران من القاهرة، لتغطية فاعليات هذا الحدث.
شهادة للتاريخ
هنا أقدم شهادتي وروايتي للتاريخ كما شهدته ولم يُذكر وقتها ولم تنشره وسائل الإعلام؛ لأسباب لا مجال الآن للخوض فيها.
كان من الملاحظ في الحضور أن نساء الجالية الإيرانية المقيمات في مصر وكذلك زوجات أعضاء البعثة الدبلوماسية المرافقة للرئيس الإيرانى، بدون في حالة من السفور التام، والزينة الكاملة، وارتداء أحدث صيحات الموضة، وعدم الالتزام بالعباءة الإيرانية أو كما تعرف في إيران “التشادر”، وهو ما يوضح حالة التناقض والازدواجية التي يعيشها ليس المجتمع الإيراني فحسب، بل النظام السياسي ككل.
كما حضر عدد من الشخصيات المصرية التي لم يتوقع أحد حضورها في مثل هذا الحفل، وكان وجودهم مفاجأة للجميع ـ وأنا منهم ـ مثل الشيخ “نصر فريد واصل” مفتي الجمهورية الأسبق، والناقدة السينمائية “حنان شومان” والممثلة “وفاء عامر”؟!
حتى هذه اللحظة لا أعلم لمَ وجهت دعوة لهؤلاء الأشخاص؟!، وما دخل مفتي جمهورية أسبق وناقدة سينمائية وممثلة بهذا الحفل؟!
إن التفسير الوحيد والمنطقي هو مواقف الشيخ نصر فريد واصل المناهضة للرئيس الأسبق “حسني مبارك” وكذلك اتفاقية كامب ديفيد، وهي المواقف نفسها التي تتفق مع توجهات الحكومة الإيرانية قلباً وقالباً. أما الناقدة حنان شومان والممثلة وفاء عامر، فيبدو أن الحكومة الإيرانية كانت تريد أن تقدم للعالم نموذجاً لتقبل الآخر، فها هي الحكومة الإسلامية المتشددة التي تتهم دائما بفرض قيود على لباس المرأة والثقافة والفنون، تدعو إلى حفلها المقام بمناسبة ذكري الثورة الإسلامية، سيدات سافرات يعملن في مجالي الثقافة والفن.
تضمن الحفل كلمة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد على أن يلقيها بعد عزف السلام الجمهوري للبلدين، ثم افتتاح مأدبة عشاء، وكنتُ جالساً في الصف الثالث بعد الرئيس الإيراني، وما إن انتهي عزف السلام الجمهوري للبلدين، إذ بصحفي مصرى، وليس سوريا كما نشرت بعض المواقع الإخبارية وقتها، كان يجلس أمامي، أي وراء الرئيس أحمدي نجاد مباشرة، ينهض من مقعده ويلقي حذاءه نحو نجاد، وهو يردد: “اخرجوا من بلدنا، إنتوا عايزين منا إيه؟!”.
كان بجوار الرئيس وزير خارجيته آنذاك، علي أكبر صالحي، وقد سارع بأن أمسك الرئيس نجاد، وتفادى الضربة، وعندها نشب هرج ومرج، لم يلحظه سوى من كانوا في الصفوف الأولى، وكنتُ واحدا منهم، فمازلت أذكر حتى الآن عبارة “عار عليكم” التي كان يرددها بعض الإيرانيين بالإنجليزية والفارسية بعد هذه الواقعة.
وبالرغم مما حدث فقد تمالك نجاد نفسه وتوجه إلى المنصة وألقي كلمته، كما هو مدرج في برنامج الحفل، في محاولة منه لتدارك الموقف وعدم الالتفات له، ولكن كان رد الفعل الإيراني جراء ما حدث، أنه بمجرد انتهاء كلمة الرئيس الإيراني التي تضمنت عبارات مستهلكة عن الأواصر التاريخية والثقافية السياسية بين مصر وإيران، أن صعد الرئيس وأغلب أعضاء البعثة الدبلوماسية مباشرة إلى الطابق العلوي من منزل القائم بالأعمال الكائن في شارع صلاح سالم بحي مصر الجديدة، ولم يبق من الحضور سوى المصريين وعدد من أفراد الجالية الإيرانية المقيمة في القاهرة في حديقة المنزل.
وقد اعتبرتُ ذلك رد فعل لما حدث، ربما لم يلحظه الكثيرون أو يعرونه انتباها.
خلاصة
يمكن من خلال العرض التاريخي السابق لتلك المرحلة التي تعد واحدة من أهم فترات العلاقات الثنائية بين البلدين وإحدى مراحل التقارب النادرة بينهما التوصل إلى عدد من النتائج ومنها:
أولا: تسعى إيران من عدة عقود إلى تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر، لما يتمخض عن ذلك من مكاسب سياسية واقتصادية ثمينة لها، ومن فترة لأخرى تبدي الحكومات المتعاقبة في إيران استعدادها لاستئناف علاقاتها مع مصر، إذا ما ودت مصر ذلك. وقد اقتربت إيران من هذا الهدف، بعد قيام ثورة 25 من يناير وصعود جماعة الإخوان إلى رأس السلطة، والحقيقة إن عودة العلاقات بين مصر وإيران كانت ستحقق مكاسب عديدة لإيران على الأصعدة كافة، وخاصة السياسية، فإيران كانت تريد الاستقواء بمصر والاستفادة من نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها المتوازنة مع القوى العظمى، خاصة أن إيران كانت ومازالت تعاني من مشكلات اقتصادية عديدة جراء العقوبات الأمريكية والضغوط الدولية بسبب برنامجها النووي، بالإضافة إلى ذلك مع توافق الروئ بين مصر وإيران حول أزمات المنطقة، وبالأخص الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان، سيمهد ذلك الطريق لتمكين النفوذ الإيراني في دول المنطقة، وتحولها مع مرور الوقت إلى قطع أحجية في أيدي الإدارة الإيرانية، لتعيد تركيبها كيفما تشاء، وبما يتناسب مع مصالحها الفردية، وبالتالي تخفيف الضغوط الأمريكية عليها.
ثانيا: إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، كانت ستكون خطوة رئيسة لإنطلاق مشروع “الشرق الأوسط الإسلامي” الذي كانت تحلم به جماعة الإخوان وكذلك إيران، فالإخوان كانوا يريدون شرق أوسط إسلاميا يتزعمونه ويستغلونه لخدمة مشروعهم التوسعي القائم على دعم الجماعات المسلحة في المنطقة واستخدمها كورقة ضغط لكل من يعارضهم في المنطقة أو لا يتفق مع مصالحهم الشخصية، وإن كان ذلك بطبيعة الحال لن يخلو من تبعية غربية، خاصة أن صعود الإخوان للسلطة تم بإيعاز أمريكي ـ أوروبى، على أن يتم ذلك تحت غطاء ديني يبرر كل ما يخالف الأصول الدولية باسم الدفاع عن الإسلام، وهي الحجة نفسها التي تتخذها إيران لتبرير كل أفعالها التخريبية في المنطقة. أما إيران فكانت تريد قيادة دول المنطقة لخدمة أهدافها التوسعية، ومد نفوذها إلى دول الخليج العربي، ونشر المذهب الشيعي، فمع عودة العلاقات المفترضة مع مصر لما لها من ثقل في العالم العربي ودور محوري في تسوية معظم قضاياه، تستطيع إيران النفوذ بسهولة إلى قلب المنطقة العربية من أوسع أبوابها، ولذا سعت إيران منذ قيام الثورة المصرية أن تروج إعلامياً في الداخل والخارج إلى أن هذه الثورة جاءت بإلهام من الثورة الإسلامية وانعكاساً لها.
ثالثا: تشير الوقائع مجتمعة إلى أن مشروع الشرق الأوسط الإسلامي من وجه نظر الإخوان أو إيران لم يكن سيؤتي ثماره على أي حال من الأحوال، حتى مع استمرار الإخوان في السلطة؛ لأن كلا من الطرفين كان سيسعي لفرض نفوذه على دول المنطقة والسيطرة عليها، ولن يسمح للطرف الآخر بتحقيق أية مكاسب على حسابه الشخصي، وبالتالي كانت أغلب دول المنطقة ستتحول إلى ساحة حرب غير معلنة يدور فيها الصراع بين الإخوان وإيران من ناحية، وبين الدول الكبرى التي تسعى إلى فرض نفوذها هي أيضاً من ناحية أخرى، ما كان سيسفر عنه ظهور موجات متتابعة من العمليات الإرهابية بدعم من الأطراف السابقة، بهدف تدمير بعضها بعضا.
رابعا: على الرغم من كل الخطوات التي قام بها محمد مرسي ومحمود أحمدي نجاد لعودة العلاقات بين مصر وإيران، إلا أن تلك المحاولات ووجهت برفض شعبي وديني مصري، تمثل ذلك في تصريحات شيخ الأزهر عن الدور التخريبي الذي تقوم به إيران في المنطقة ومطالبتها بالكف عنه، وكذلك واقعة الاعتداء على الرئيس الإيراني التي تكررت أكثر من مرة، كل هذا يوضح الوعي الشعبي المصري لما تنطوي عليه عودة هذه العلاقات من مخاطر، وخاصة في ظل سلطة الإخوان.
خامسا: مع سقوط جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 يكون قد أسدل الستار على واحد من أخطر فصول العلاقات المصرية ـ الإيرانية، فعودة العلاقات بين البلدين وخاصة في تلك المرحلة الدقيقة، كانت ستسفر عنها نتائج كارثية تطال المنطقة بأكملها، ففي ظل حكومة دينية متشددة في كل من البلدين، تسعي لخدمة مصالحها الشخصية والفصيل الذي تنتمي إليه فحسب، من دون النظر إلى الأمن القومي للدول وتوازن القوى في المنطقة، كانت ستتحول منطقة الشرق الأوسط بحق إلى مرتع للصراع بين السنة والشيعة، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية للدول بذريعة تحجيم دور التيارات الدينية المتشددة ووأد الفتن المذهبية، فيما يعرف بمجابهة الهلال الشيعي بزعامة إيران، وهي الصفقة الكبرى التي تعمل على إتمامها أمريكا منذ عقود طويلة.