تسعى الولايات المتحدة الأمريكية جاهدة، لتمرير مشروع قرار تأمل في الحصول على تصويت بشأنه في مجلس الأمن قبل أكتوبر المقبل، لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران إلى ما لا نهاية، إذ من المقرر أن ينتهي الحظر الحالي المفروض على إيران قبل حلول شهر أكتوبر المقبل، والذي كان مقررًا بموجب القرار 1747 لعام 2007، ثم تم تجديده في عام 2010 بالقرار 1929، وبموجبه يحظر توريد الأسلحة إلى إيران من أي دولة من دول العالم.
ومن أجل ذلك تقدمت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، بمشروع قانون لتمديد حظر الأسلحة على إيران بشكل نهائي، مشددة على أنها أطلعت نظيرها الروسي فاسيلي نيبينزيا على مشروع القرار، كما تقاسمت النقاش حول مشروع القانون مع مندوبي الضامنين الأوروبيين وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى إستونيا.
ضغوط أخرى
لم يتوقف التحرك الأمريكي بشأن إيران عند مجرد تبني مشروع قرار أممي بشأن منع توريد الأسلحة، بل تعداه إلى أن أعلن نواب من الحزب الجمهوري بالكونجرس الأمريكي عن التحضير للإعلان عن أكبر حزمة من العقوبات على إيران في التاريخ هذا الأسبوع، وهي العقوبات التي تستهدف تقويض قدرات طهران ووكلائها في منطقة الشرق الأوسط، من خلال حزمة تشريعات تستهدف إضافة المزيد من الأعباء على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من وضع متأزم.
وطبقًا لما أعلنه موقع “واشنطن فري بيكون”، فإن أكبر تكتل للنواب الجمهوريين بالكونجرس، تبنى مشروع القانون لتركيع إيران وإثنائها عن دعم الميليشيات في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتضمن التشريع فرض “أصعب العقوبات التي اقترحها الكونجرس على الإطلاق على إيران”، وبموجب خطة الحزب الجمهوري الجديدة، ستمنع الإدارة الأمريكية – أيًا كانت – من رفع العقوبات دون الحصول أولاً على موافقة مجلسي النواب والشيوخ.
كل تلك العقوبات التي سبق أن فرضت على النظام الإيراني والتي تناقش في الأروقة الأمريكية، تأتي بجانب ما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية من عقوبات قد تطال أكثر من 50 ناقلة نفط حتى يتم تحجيم النشاط الإيراني المتعلق بتصدير النفط والتي كان آخرها تحدي إيران للعقوبات الأمريكية، وإيصال 5 ناقلات نفط إلى فنزويلا التي تعاني هي الأخرى من سطوة العقوبات الأمريكية عليها منذ فترة طويلة.
“في تلك الأثناء تتجه الأنظار إلى الموقفين الروسي والصيني بحكم أنهما راعيان في ظاهريهما لإيران في مجلس الأمن لمعرفة ما إذا كان كل من منهما يمكن أن يستخدم حق النقض “الفيتو” أم لا؟!”
الموقف الروسي
على الرغم من إعلان مندوب روسيا في الأمم المتحدة اعتراض بلاده على أي محاولة من واشنطن لتمديد حظر الأسلحة على إيران فضلاً عن رفض إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران مرة أخرى، إلا أن الموقف الروسي لا يمكن التعويل عليه كثيرًا لعدة أسباب يتمثل أبرزها في أن روسيا لم تستخدم حق النقض “الفيتو” حينما ناقش مجلس الأمن سابقًا فرض عقوبات على إيران، كما أن روسيا في بعض الأحيان تنظر للمسألة من خلال بُعد مختلف وبالتحديد من خلال ما يضمن علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وما يضمن النفوذ الروسي بجانب النفوذ الأمريكي وبالتحديد في الملعب السوري أو في أي قضية خلافية بين الطرفين، حينها تبرز الورقة الإيرانية من الجانب الروسي فقط كجزء من أجزاء المقايضة بين القوتين الكبريين.
وفي المضمون ظهرت أوقات تقارب بين كل من موسكو وواشنطن في أوقات سابقة، ابتعدت فيها موسكو عن طهران بشكل واضح، وذلك طبقًا لصفقات معينة، كان أبرزها توقيع روسيا على اتفاقية “غور – تشيرنوميردين” عام 1995، والتي وقعت وقت تقارب واشنطن وموسكو، ونصت تلك الاتفاقية في ثناياها بنودها على إلزام روسيا بوقف تنفيذ تعاقدات صادرات الإمدادات العسكرية الروسية إلى إيران مقابل تبادل الخبرات الاقتصادية والعسكرية مع واشنطن، والتعاون مع الجانب الأمريكي فيما يتعلق بتكنولوجيا الدفاع.
استنادًا على ما سبق فإنه من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمحاولة كسب الموقف الروسي إلى جانبها ببعض المميزات الاقتصادية أو حتى السماح لروسيا بتوسيع نفوذها أو بإظهار واشنطن بعض المرونة فيما يتعلق ببرنامج منظومة الصواريخ الروسية S400، في ظل مهارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عقد الصفقات، وفي الوقت نفسه تدرك روسيا جيدًا أن الطرف الأضعف في المعادلة هو إيران.
للتدليل على ذلك ففي عام 2005، اتخذت موسكو خطوات محددة – ومحدودة – في التعاون العسكري مع إيران حين اتفق الطرفان على أن يعود الوقود النووي من محطة بوشهر الإيرانية إلى موسكو، بالإضافة إلى تأكيد موسكو رفضها حصول إيران على تراخيص لإنتاج الأسلحة الروسية في إيران، وهو الموقف الذي لم يُظهر مؤاذرة روسية قوية لطهران في سعيها لتطوير برنامجها التسليحي.
الموقف الصيني
يتشابه الموقف الصيني إلى حد بعيد مع نظيره الروسي، إذ تسعى الصين لإذابة الجليد فيما بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، بالطريقة ذاتها التي تعتمدها روسيا، وإن اختلفت الوسائل، وللتدليل على ذلك ما توصل له كل من واشنطن وبكين بشأن “اتفاق المرحلة الأولى” بين الطرفين والذي جاء في 86 صفحة، وتم توقيعه في يناير الماضي، والذي كان يأمل فيه الطرفان أن ينهي الصراع الاقتصادي بين القوتين الاقتصاديتين، فضلًا عن أن الاتفاق جاء كمحاولة صينية لإقناع الرئيس الأمريكي بالتراجع عن فرض رسوم جمركية على السلع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي تأكيد على قوة الرئيس الأمريكي في عقد الصفقات الاقتصادية لصالح بلاده، فقد اشترط ترامب أن ينص الاتفاق على أن تشتري بكين سلعًا أمريكية بقيمة 200 مليار دولار على مدار عامين، وتمثلت تلك المشتريات في منتجات صناعية أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، وموارد طاقة بقيمة 50 مليار دولار، ومنتجات زراعية بقيمة 40 مليار دولار، كما نص الاتفاق على ضرورة أن تنفق الصين ما بين 35 – 40 مليار دولار أخرى على الخدمات في الفترة ذاتها.
وعلى الرغم من الموقف الصيني الرافض لرغبة واشنطن في فرض عقوبات على طهران، بناء على قرار أممي، ووصف تلك المحاولة بـ”المستفزة”، إلا أن الصين قد لا تجد نفسها مضطرة إلى استخدام حق النقض في منع تمرير ذلك المشروع لعدة أمور أبرزها محاولة تمرير اتفاق المرحلة الأولى مع واشنطن، وتجنب التهديد الدائم الذي يطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات على كل من لم يمتثل لقرارات العقوبات على طهران، فضلًا عن رغبة بكين في تجنب الصراع التجاري – الذي تحاول وقفه – مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن أن الصين نفسها لم تستخدم حق النقض في تمرير عقوبات مجلس الأمن السالف ذكرها حيث جاءت مواقف روسيا والصين متسقة مع الموقف الدولي المنفذ لسياسات واشنطن.
خاتمة
لا شك أن الأنظار تتجه إلى روسيا والصين بصفتهما حليفا إيران في كل وقت يعلن الرئيس الأمريكي موقفًا عدائيًا تجاه هذا البلد، لكن طهران دائمًا تراهن على الحصان الذي لم تجرب ربحه فيما مضى، فكل من روسيا والصين لم ينفعا إيران في أي مواجهة مباشرة على المائدة الدولية وأمام الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن فشليهما في إقناع واشنطن بالعودة مرة أخرى للاتفاق النووي بعد انسحابها منه في 8 مايو 2018.
كما أن روسيا بالتحديد ليست في عجلة من أمرها، فيما يتعلق بالاستماتة في دعم إيران خاصة أنها تعلم جيدًا أن طهران حتى الآن لم تتمكن من صنع السلاح النووي الذي يهدد واشنطن، فضلًا عن تأكدها من أن إيران ماهرة في صناعة البروباجندا حول قدرتها على المواجهة، وأنها على يقين أن إيران ستجلس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية يومًا ما، ولعلمها أيضًا أن ما يصدر عن إيران ليس إلا لتحسين ظروف التفاوض مع واشنطن ليس إلا، ولذلك فلا داعي للعداء العنيف مع القوة الكبرى.