نشر الكاتب الإيراني “أحمد زيدآبادي” مقالة في صحيفة “اعتماد” الإصلاحية، بعنوان “نفتالي بنت در ابوظبي”، أو “نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي في أبوظبي”، وقد رأى “المنتدى العربي لتحليل السياسي الإيرانية ـ أفايب”، ترجمتها؛ لتعريف القراء والمهتمين العرب بجانب من وجهة نظر الأوساط الإيرانية ورؤيتها حيال تنامي العلاقات الإسرائيلية ــ الإماراتية، مع التأكيد على أن المقالة لا تعبر مطلقا عن وجهة نظر المنتدى ولا وجهة نظر المترجمة، وأن المنتدى والمترجمة يختلفان اختلافا جوهريا مع كل ما ورد في المقالة من أفكار ومعلومات مغلوطة بنى عليها الكاتب تحليله غير الصحيح.
***
إذ كنتُ سُئِلتُ قبل عشر سنوات إن كنتُ أعتقد أنه في عام 2021م، في خضم احتلال الجيش الإسرائيلي للساحل الغربي لنهر الأردن وبيت المقدس وانتشار سكان المستوطنات الإسرائيلية في تلك المناطق، أن يذهب رئيس وزراء أحد الجماعات المتطرفة مذهبياً وقومياً في إسرائيل عابراً سماء المملكة العربية السعودية هابطاً في مطار أبو ظبي حاظياً باستقبال حافل من حاكم الإمارات؟ كنتُ لأقسمَ أن مثل هذا لا يمكن حدوثه مطلقاً.
وإن تم طرح هذا السؤال في العام نفسه من قبل نفتالي بينيت على كل من قادة الأحزاب اليسارية واليمينية ووسط إسرائيل، أو حكام الدول العربية لكانت تمثلت إجابتهم في جملة واحدة “إنه لخيال ومن المستحيلات”.
لكن اليوم هذا الأمر المستحيل أصبح واقعا، وحضر نفتالي بنيت مؤسس المستوطنات في الأراضي المحتلة وممثل أحد الأحزاب اليهودية اليمينية الأكثر تطرفاً إلى أبوظبي بصفته رئيس وزراء إسرائيل وتم استقباله على يد ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وقد خاطبه قائلاً: “نحن أبناء عمومة نسل النبي إبراهيم وعلاقة الصداقة بيننا أمر طبيعي”. السؤال الآن لم قد يحدث هذا؟! والإجابة للأسف: أنه يجب بحث هذا السؤال بالنسبة للربيع العربي والتطورات التي عقبته منها وجود إيران في سوريا والسياسة الغريبة لحكومة دونالد ترامب.
فتصاعد الشعوب الموسومة بالربيع العربي الذي انتشر في جزء من شمالي إفريقيا والشرق الأوسط كان في بدايته أمرا يثير الكثير من البلاد من امتعاض إيران تجاه الولايات المتحدة.
لقد استقُبِل الربيع العربي في إيران بحفاوة تحت اسم “الصحوة الإسلامية”، على أمل أن تستلم الجماعات الإسلامية في مصر وتونس السلطة وبهذا تتساقط الحكومات العربية الأخرى تباعاً كأحجار الدومينو، بالشكل الذي تغدو فيه الأمة الإسلامية كيانا واحدا عملياً ونظرياً.
أما في الولايات المتحدة فقد رأت حكومة باراك أوباما أن ثورة الشعبين المصري والتونسي ضد نظاميهما السياسيين المغلقين في خضم ظهور الحكومات المنفتحة والتعددية يعني خروج المنطقة من حالة عدم الاستقرار المزمن والتوترات الدورية، كما تجعل إمكانية التعاون أكثر قرباً للولايات المتحدة لبناء شرق أوسط جديد.
إن سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مصر ما كانت سوى نتيجة لثورة الشعب المصري؛ الأمر الذي جعل الأمريكيين يرون أن الأمر لا يتوافق مع مصالحهم وبناءً على هذا راقبوا الأوضاع من بعيد حتى تم إنشاء حلف بقيادة الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي يضم كلاً من الجيش، وبيروقراطي النظام السابق، والقوى العلمانية، والأقليات الدينية، والسلفية وقامو بإعادة الوضع لما كان عليه في السابق.
بالتزامن مع زحف الربيع العربي إلى سوريا ــ والذي لم تعتبره طهران انتفاضة حقيقية ولكنها اعتبرته مؤامرة ضد حليفتها دمشق من قِبَل أمريكا تدخلت للإبقاء على بشار الأسد في السلطة ــ دخلت الجمهورية الإسلامية في الأحداث.
في تلك الأثناء فضلت الدول العربية المحافظة معاداة سوريا بالرغم من أنها جزء من الربيع العربي وبملاحظة حساسية إيران تجاه سوريا طالبت الدول العربية بتدخل حكومة باراك أوباما لإسقاط بشار الأسد.
فما كان من الحكومة الأمريكية التي لا تثق في الأحزاب السورية المعارضة إلا أن تجاهلت ذلك الطلب وحازت إيران في النهاية على حضور كبير في سوريا علاوة على امتلاكها قاعدتين في العراق ولبنان.
لقد شاهدت الدول العربية الضغط الذي مارسته الحكومة الأمريكية لعزل الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن منصبه، وفسرت ذلك التصرف تجاه نظام بشار الأسد بأنه عدم اكتراث للتوسعات الإيرانية وإهمال لمستقبلها وأساءت إلى حكومة أوباما.
في خضم تلك الأحداث ظهر دونالد ترامب في البيت الأبيض محاولاً قلب المعادلة، فمن جهة خرج من الاتفاق النووية واضعاً إيران في مأزق لتوفير الدعم المالي لحماية جماعاتها المتحدة في المنطقة.
ومن جهة أخرى كلف جماعة من اليهود لوضع خطة لإصلاح الشرق الأوسط وتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين الدول العربية، والتي كانت بقيادة صهره جارد كوشنير. وقد شملت تلك الخطة أربعة محاور لإقناع الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل وهى:-
أولاً: الحضور المتزايد لإيران في المنطقة خاصة بعد زخف الربيع العربي لكل من اليمن والبحرين.
ثانياً: ضعف الدول العربية وعدم قدرتها على الدفاع عن نفسها وضرورة حماية الولايات المتحدة لها خاصة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ثالثاً: شرط تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل لتوفير تلك الحماية.
رابعاً: انضمام 30% على الأقل من الساحل الغربي لإسرائيل في حالة عدم تطبيع كل الدول العربية علاقتها معها.
بهذا أصبح الأمر المستحيل منذ عشر سنوات ممكناً في ظل هذه الأحداث، وما هذه سوى البداية، فإسرائيل تقوم بتطبيع علاقاتها مع سائر العالم الإسلامي من كازابلانكا وحتى جاكارتا بدون الحاجة لحل القضية الفلسطينية أو بدء المباحثات مع حكومة محمود عباس.
وفقا لهذا التصور فإن إسرائيل في حاجة لإستمرار أزمة الاتفاق النووي الإيراني، وقد اتجه نفتالي بينيت إلى أبوظبي لمناقشة الموضوع نفسه ولكن للأسف في بلادنا لا يمكننا النظر إلى مستقبل تلك القضايا بوضوح.
في ظل كل هذا كل ما يسعنا فعله في أثناء اتخاذ إسرائيل خطواتها تجاه تطبيع علاقاتها مع سائر الوطن العربي بدون إعطاء أقل الحقوق للفلسطينيين هو التكلم بكل حرية عن الانهيار والزوال القريبين لها.