تضاربت التصریحات الأمريكية ــ الإيرانية حول صيغة التفاوض المحتملة المقررة في عاصمة سلطنة عمان، مسقط، يوم السبت 12 إبريل 2025 إذ أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ذهاب بلاده إلى صيغة تفاوض مباشرة مع الإدارة الإيرانية مساء الإثنين 7 إبريل، بينما أعلنت الخارجية الإيرانية صباح الثلاثاء 8 إبريل عن أن صيغة المفاوضات ستكون غير مباشرة برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي.
يحاول هذا التنبيه السياسي التعمق في دوافع ذهاب البلدين إلى المفاوضات وتجنب سيناريو الحرب واحتمالات المواجهة أو التهدئة بين البلدين في الأسابيع القليلة المقبلة.
تعد العلاقات الإيرانية ــ الأمريكية بمثابة سلسلة متوالية الحلقات من التصعيد والهدوء النسبي المتحفز في استمرارية لا تُعرف لها نهاية خاصة مع النهج السياسي الأمريكي الحالي القائم على ترسيخ مفهوم الأحادية في رفض واضح وعملي لما تنبأت به الأدبيات السياسية والفكرية عبر عقود فيما يخص التعددية القطبية وكذلك رفض لمعطيات الواقع عبر مختلف المواقف والتطورات السياسية التي أشارت إلى احتمالية وواقعية رسوخ مبدأ التعددية.
اقرأ أيضا:
فالرئيس الأمريكي ترامب في تصعيده السياسي والاقتصادي الحالي سواء على مستوى الشرق الأوسط، وعلى مستوى العلاقات الأوروبية والأسيوية يعطي الانطباع الحاسم بأنه يتبنى وجهة النظر الشخصية المبنية على أن التعددية من قبيل الخيال العلمي السياسي الذي لا يقبله عقله، ومن ثم فإن مواقفه مع الدول الأخرى وعلى رأسها إيران مبنية علي معادلة بدائية للغاية لطالما حاولت البشرية في تطورها الحضاري التخلص منها لكنها لم تتجاوز مجال الأحلام واليوتوبيا السياسية والاجتماعية.
تلك المعادلة تتمثل في أن (الواقع السياسي = السيد + المسود)، بدون طريق متوسط للعدالة والسلام، وفي ضوء ذلك فلتكن الولايات المتحدة هي السيد، وليتأقلم العالم مع ذلك على نحو برجماتي طوعاً أو قسراً، وفي ظل المشهد السياسي الدولي الحالي بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل حيث لم يعد خيار الدبلوماسية المهذب المتخفي وراء القيم والشعارات هو الأفضل إنما صار التوجه السياسي الأمثل هو رفع النقاب على حقيقته فإذا بالعالم أمام دول كبرى تريد أن تسود وقوى تتصارع على السلطة لا غير، وذلك في ظل زمن سياسي نابع بقوة من فلسفة مادية عاجزة عن صنع إنسان وإن كانت قد صنعت قنبلة ومن ثم تقوم سياسة الدولة الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة على أساس فرض رؤيتها بدون النظر للقانون الدولي والقيم الإنسانية المتعارف عليها.
من ثم تستند السياسة الأمريكية تجاه إيران على تلك النظرة للواقع السياسي الدولي من منظور أحادي يسعى إلى فرض الأمر الواقع بما يتناسب مع (الولايات المتحدة وحلفاؤها بالأساس) حيث تداولت الأنباء حديث الرئيس الأمريكي ترامب عن احتمالية شن هجوم غير مسبوق على إيران إذا لم يتم التوصل لاتفاق يضمن عدم امتلاكها سلاحاً نووياً، ما دفع الخارجية الإيرانية إلى التعقيب على دلالات ذلك التصريح السياسي الخطير من منطلق أنه يتعارض مع جوهر السلم والأمن الدوليين وأنه انتهاك لنظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أكد المرشد الإيراني علي خامنئي على ثبات موقف النظام الإيراني وأنه في حالة حدوث أي عمل عدائي فسيكون الرد الحاسم أمراً حتمياً.
اقرأ أيضا:
كذلك تضفي التصريحات الإسرائيلية مزيداً من الشكوك حول احتمالات التصعيد العسكري الخطير بين إيران والولايات المتحدة في ضوء أن رفض طهران إجراء مفاوضات مباشرة مع واشنطن يدفع نحو المواجهة بدلاً من التهدئة، بالإضافة إلى طرح فكرة وجود عوامل تجعل من الصعوبة التوصل إلى اتفاق جديد بين الطرفين ومنها أنه لم يسبق للولايات المتحدة أن هددت بضرب المرافق النووية الإيرانية مع اتخاذ خطوات عملية لهذا الغرض.
ومثال ذلك نقل قاذفات b2 إلى قاعدة دييغو غارسيا كما أن الاتفاق النووي القديم عام 2015 كان حالة استثنائية ومختلفة عن معطيات الواقع الحالي جعل الاستعداد أقوى لدي الطرفين للوصول إلى تفاوض ملائم آنذاك، بالإضافة إلى التعليقات السائدة حول التضارب في السياسة الإيرانية ما بين التهديد واقتراح مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن على (أمل العودة للاتفاق القديم) والتخفيف من الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها.
لكن أمل إحياء الاتفاق القديم يتعارض مع الواقع من وجهة نظر بعض المراقبين في ضوء أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، وذلك في عام 2018، لم تنجح محاولات إحياء الاتفاق أو الوصول إلى اتفاق آخر أفضل وأطول أمداً بسبب انعدام الثقة السياسية بين الطرفين وسياسة الضغط الأمريكية وتفاقم الأزمات الإقليمية الأخيرة في غزة واليمن ولبنان، والتباين المستمر في المواقف الأمريكية ــ الإيرانية فيما يخص أزمات الشرق الأوسط.
من ثم فإن الوضع يتأرجح الآن من دون حسم سيناريو محدد ما بين المواجهة والمفاوضات خاصة مع إشارة صحيفة ذا تليجراف إلى قيام طهران بإعادة تقييم سياستها الإقليمية بما في ذلك دعمها للحوثيين في اليمن.
اقرأ أيضا:
من ناحية أخرى، أشارت بعض التحليلات السياسية إلى أن احتمال التصعيد قائم في ظل عدم وجود مؤشرات فعلية من إيران تؤكد تخليها عن الحوثيين أو عن محور المقاومة بالكامل، وبالتالي فإن الموقف الإيراني العلني والمستمر هو استمرار الدعم لهذه الجماعات في مواجهة إسرائيل بالتحديد، وذلك رغم الحديث عن قيامها بسحب بعض مستشاريها العسكريين من اليمن وما يمثله ذلك من إعادة تموضع إستراتيجي، لكن الاتجاه العام السائد في السياسة الإيرانية مازال قائما ومن غير المنطقي سياسياً وإستراتيجيا الانقلاب الجذري في غضون فترة قصيرة من الزمن على ثوابت امتدت لعقود طويلة.
وعن احتمالات قبول إيران المفاوضات المباشرة، فإن ذلك الاتجاه يستند إلى ارتباط رغبة الولايات المتحدة بالحد من البرنامج النووي الإيراني ومطالبة طهران بالتوقف عن دعم المقاومة بعناصرها المختلفة في الشرق الأوسط، بما ستحصل عليه إيران من مكاسب ترتبط برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وإنهاء عزلتها السياسية، خاصة مع إشارة البعض إلى تغير نسبي في نمط العلاقات بين إيران وبين دول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) على نحو قد يُقارب بين مواقف تلك الدول (من إيران) مع الموقف الأمريكي بصورة عامة.
وفيما يخص موقف الدول الكبرى من إيران، لا يمكن إغفال الإشارة إلى موقف الصين الذي يؤكد على أهمية الحوار القائم على الاحترام المتبادل وأهمية الاحترام الكامل لحق إيران في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وضرورة التخلي عن العقوبات أو الضغوط أو التهديد باستخدام القوة، فالمطلوب هو رفع العقوبات غير القانونية المفروضة من جانب الولايات المتحدة.
ولا ينفصل موقف الصين من إيران على المستوى السياسي عن الموقف الاقتصادي، ومطالبة الولايات المتحدة بالكف عن التدخل في التعاون الاقتصادي بين إيران والصين وذلك رداً على قيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مصفاة نفط في مقاطعة شاندونغ شرقي الصين ومحطة نفطية في مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين بحجة استيراد النفط من إيران.
وتجدر الإشارة إلى وجود العوامل الاقتصادية الحالية المعززة من مناهضة الصين لموقف الولايات المتحدة من إيران وغيرها، وهي الإجراءات الاقتصادية الحالية فيما يخص التجارة الدولية وإعلان مجلس الدولة الصيني فرض رسوم جمركية بنسبة 34% على جميع السلع والمنتجات المستوردة من الولايات المتحدة كرد على الرسوم التي فرضها الرئيس الأمريكي إذ إن ذلك يمثل تعارضا مع قواعد التجارة الدولية ويقوض من مصالح الصين وحقوقها المشروعة.
وقد أعلنت الصين أن الأسواق الدولية حسمت موقفها من رفض الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي وذلك بعد الهبوط الحاد في الأسواق العالمية ومن ثم فإنه من الضروري حل الولايات المتحدة للخلافات التجارية على نحو قائم على الندية مع الشركاء الدوليين.
اقرأ أيضا:
من ناحية أخرى يكمن التهديد لمصالح الصين الاقتصادية في حالة توجيه ضربة لإيران وذلك من منطلق شراكتها الاقتصادية مع طهران خاصة في مجال استيراد النفط حيث تشتري نحو مليون برميل يومياً أي ما يعادل 15% من إجمالي واردات الصين النفطية، ومن ثم فإن أي اضطراب في امدادات النفط سيكون له تأثير سلبي مباشر علي الاقتصاد الصيني ومتطلبات تحمل تكاليف إضافية جديدة للبحث عن مصادر بديلة للنفط وما يشكله ذلك من ضغوط علي اقتصادها.
بوجه عام تكمن مصلحة الصين كقوة كبرى في التسوية السياسية بين إيران والولايات المتحدة وذلك من المنظور الاقتصادي البحت واتساقاً مع الرؤية الفكرية والسياسية للصين فيما يخص تسوية الصراعات الدولية.
ويمكن القول إنه يصعب التنبؤ بنهاية حاسمة يسفر عنها الصراع الحالي خاصة في ظل التطورات المتسارعة واللحظية التي تشهدها الأزمة الحالية في العلاقات الإيرانية ــ الأمريكية، لكن يظل العنصر الحاسم للصراع بين إيران والولايات المتحدة نابعاً بالأساس من المصلحة القومية الإيرانية ورؤية النظام الإيراني لإستراتيجية التحرك في ضوء المكاسب والخسائر الممكنة أو المتوقعة في ذلك السياق.
من ثم فإن مواقف الدول الأخرى الداعمة أو الرافضة ستظل دوما عنصراً مكملا للمشهد وليس حاسما حتى وإن كانت دولة بحجم الصين بما تمثله من توقعات وتحديات اقتصادية في الحاضر، وسياسية في المستقبل القريب أو البعيد.