استمرارًا لسياسات إيران التي تراها ردًا على الولايات المتحدة الأمريكية، وانسحابها أحادي الجانب من الاتفاق النووي، أعلنت طهران عن تخصيبها نسبة من اليورانيوم عند مستوى 20 بالمئة في منشأة فوردو النووية، بعد فترة قصيرة جدًا من إعلان البرلمان الإيراني موافقته على زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى النسبة المذكورة، خلافًا لما جاء في بنود الاتفاق النووي الذي ينص على ألا تتجاوز نسبة التخصيب 3.67 بالمئة.
اقتراب من صنع القنبلة
هذا الإعلان فتح الكثير من التساؤولات حول إمكانية وصول إيران إلى نسبة عالية من التخصيب تمكنها من الحصول على قنبلة ذرية في وقت قريب، حيث رجح محللون أن تكون إيران قد اقتربت بنسبة كبيرة من إمكانية تصنيع القنبلة النووية، في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة الأمريكية بكل طاقتها من أجل إعاقة حصول إيران على مواد انشطارية تمكنها من صناعة قنابل نووية تحملها الصواريخ الباليستية الإيرانية المثيرة للجدل.
تسبب الإعلان الإيراني في تحرك موسع للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أكدت صحة تلك الادعاءات، وتقليص إيران من التزاماتها في البرنامج النووي، برغم إعلان المسؤولين في طهران أنهم على استعداد للعودة مرة أخرى للاتفاق النووي شريطة أن تعود واشنطن، رافضين محاولات الأخيرة عقد اتفاق جديد ينص على تقويض المنظومة الصاروخية والباليستية والنووية.
وكذلك قطع الأذرع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط المتمثلة في ميليشيا الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان والعراق، والحشد الشعبي في العراق، والجهاد الإسلامي وحماس في قطاع غزة، وميليشيات زينبيون وفاطميون في سوريا، وغيرها من الميليشيات الأخرى الممولة من إيران بشكل مباشر.
المنظومة النووية الإيرانية
أما عن المنظومة النووية الإيرانية فإن التقديرات العلمية كافة تؤكد على أنه لكي تحصل إيران على القنبلة النووية، فإن ذلك يستلزم الوصول باليورانيوم إلى نسبة تخصيب تصل إلى أكثر من 90 بالمئة، وإذا وصلت إيران إلى نسبة تخصيب 20 بالمئة فإنها تحتاج إلى نصف المدة التي تستغرقها للوصول إلى 90 بالمئة.
بمعنى أنه لو استلزم الوصول إلى نسبة 90 بالمئة عام على الأكثر، فإن الوصول بنسبة التخصيب لـ20 بالمئة أو تخطيه يقلل الفترة الزمنية «عام» إلى النصف وهي 6 أشهر فقط، ما يسهل من فتح الباب أمام إيران للانضمام للقوى النووية، وهو ما تحاول أن تعرقله واشنطن بكل الطرق.
كذلك يمكن استخدام اليورانيوم منخفض التخصيب، الذي يحتوي على نسبة من U235 تتراوح بين 3 و4 بالمئة، لإنتاج الوقود لمحطات الطاقة النووية، والتي بدورها تسهل عملية الوصول بنسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما يزيد عن 20 بالمئة، وهي النسبة اللازمة لتسريع عملية الوصول إلى نسبة 90بالمئة وهي النسبة المطلوبة لإنتاج قنابل نووية.
اليورانيوم في الاتفاق النووي
أما عن الاتفاق النووي الموقع عام 2015، فقد كان ينص على تحديد مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنحو 202.8 كيلو جرام فقط، بعد أن كان قد وصل إلى 8 أطنان كانت تمتلكها قبل توقيع الاتفاق، لكن في عام 2019 قلصت إيران من التزاماتها في الاتفاق وتجاوزت هذا الحد، طبقًا لتأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أعلنت أن مخزون إيران من اليورانيوم ارتفع إلى2440 كيلوجرام بما يعادل أكثر 22 ضعف من الحد المسموح به.
ولأن إنتاج القنبلة النووية أمر معقد، فإنه يستلزم بجانب ارتفاع نسب التخصيب والمخزون اللازم للطاقة والمفاعلات، وجود أجهزة طرد مركزي حديثة ومتطورة، تمكن الفنيين العاملين في البرنامج النووي من الإسراع في إنتاج القنبلة النووية.
وكان الاتفاق النووي يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم المخصب باستخدام 500 جهاز من الجيل الأول في منشأة نطنز، وهو جيل من أجهزة الطرود لا يسمح بإنتاج القنبلة النووية أو التخصيب بنسب عالية، ما استلزم بعد ذلك في عام 2019 طبقًا لإعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن بدأت طهران في تخصيب اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي فوق الأرض في نطنز، طبقًا لما هو معلن، لكن الجزء الخفي هو أن إيران نقلت ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة إلى مصنعها تحت الأرض، وكذلك في منشأة فوردو النووية القاطنة في باطن أحد المرتفعات الجبلية، والتي تم الإعلان عن وصول العاملين في تلك المنشأة الحصينة بنسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة بكمية صغيرة.
أما عن السؤال المعهود وهو أين كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تلك الممارسات؟، فإن إيران كانت تتيح للوكالة الدولية تفتيش منشآتها النووية المعلنة فقط وتسمح للمفتشين بزيارات مفاجئة في أماكن أخرى بعينها، كما سبق أن نشب خلاف بين إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية استمر عدة أشهر على السماح بدخول موقعين سابقين حامت حولهما الشبهات، حتى خرجت التقارير تؤكد على وجود نشاطات مشبوهة في موقعي فوردو ونطنز النوويين.
خاتمة
بالرغم من أن نسبة اليورانيوم المخصب بواقع 20 بالمئة حاليًا هي نسبة صغيرة، إلا أن تلك النسبة قد تتطور مع الأيام إلى نسبة أكبر تمكنها من صنع قنبلة صغيرة توضع في صاروخ باليستي موجه إلى هدفه في محيط المنطقة، ما لم يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازما وصارمًا تجاه تلك الممارسات، ما يستدعي العودة إلى مربع القرار الأممي رقم 1929 لعام 2010، والذي يقضي بفرض حزم عقوبات من المجتمع الدولي على إيران وعقوبات أوروبية بجانب العقوبات الأمريكية المنفصلة، وقد سبق اتخاذ ذلك القرار بإجماع دولي حين أعلنت إيران في فترة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (2005 ـ 2013) عن وصول نسب تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة، وهو ما أفرز محاولات كل من الطرفين عقب تولي الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني ونظيره الأمريكي باراك أوباما للوصول إلى الاتفاق النووي عام 2015.