أعلنت إسرائيل تأكيد اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله صباح السبت 28 سبتمبر 2024م، ثم ردت إيران ببيان موجز من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يفهم منه تثبت إيران من نبأ الاغتيال.
وإزاء هذا التصعيد، تقف إيران عند لحظة الحقيقة وتواجه التاريخ الذي يعيده نتنياهو بالحرف الواحد مرة كل شهرين تقريبا، وهي تعرف في أعماقها أن نتنياهو الآن لا يريد إلا جرها إلى الحرب واستدراجها إلى مستنقعه وتوريطها في صراع مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الإدراك الإيراني لإسرائيل
في أعماق العقلية الإستراتيجية الإيرانية، تبدو طهران في وضع يسمح لها بمحاربة إسرائيل برغم كل الظروف هذا إن كانت إسرائيل دولة عادية منفردة تتلقى دعما عاديا من حلفاء إقليميين أو دوليين شأنها شأن العراق مثلا كما في حرب السنوات الثمان 1980ــ1988م.
لكن إسرائيل عام 2024 ليست العراق عام 1980، وبالتالي تدرك إيران تمام الإدراك أن إسرائيل دولة وظيفية مهمتها تنفيذ مصالح القوى الاستعمارية الغربية الحديثة المتمثلة في حلف شمال الأطلنطي بقيادة “الشيطان الأكبر” وهو الولايات المتحدة الأمريكية، وتدرك أن التفوق الإسرائيلي الراهن مرجعه إلى الفجوات الحضارية والتكنولوجية والعلمية الكبيرة بين الشرق والغرب.
على هذا النحو يحسب صانع القرار في طهران حساباته الداخلية بتأن وبصبر، وهو ينظر إلى الداخل فيراه ممزقا وليس موحدا، وصانع القرار يقود مجتمعا تم العبث بقيمه تماما من القوى الغربية على مدى قرن كامل، وقد قال خامنئي ذلك يوم السبت 21 سبتمبر 2024 صراحة في مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران وبروزته الصحف المحافظة على صدر صفحاتها في الصباح التالي.
ثم إن صانع القرار في طهران ينظر إلى الوضع الاقتصادي فيدرك أنه يقود دولة خسرت في عام واحد نحو 150 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي GDP فبعد أن كان الناتج الإجمالي المحلي لإيران في العام الفارسي السابق نحو 550 مليار دولار أصبح في العام الفارسي المالي الراهن نحو 400 مليار دولار فقط، وهي خسارة مهولة ناتجة عن العقوبات الأمريكية واستشراء الفساد وتراجع التكنوقراط في البلاد.
عوامل الحرب وتوافرها
تعلم إيران علم اليقين أن الدعم الغربي لإسرائيل مهول ولا يمكن أن يتوقف، في مقابل دعم خجول تقدمه روسيا المشغولة في حرب مفتوحة في المستنقع الأوكراني، إلى جانب الصين التي تنظر بإحدى عينيها الخائفتين على الشرق الأوسط وما يجري فيه، وبالعين الأخرى على تايوان وما يحاك فيها من مؤامرات.
إذن كل عوامل الحرب الداخلية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وكل العوامل الخارجية المتعلقة بالتحالفات مع القوى الإقليمية والدولية غير متوافرة لدى صانع القرار في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وعليه لو اتخذ قرارا بالحرب فإنه يبدو أحمق أرعن وهو ليس كذلك وجميع من يدرس إيران ــ حق الدراسة ــ يعرف أنها لا تتبنى الأفكار الانتحارية ولم تكن ولن تكون.
في مثل هذا الوضع ستتخذ طهران عدة تدابير حمائية للخروج من هذه الورطة وحل هذه المعضلة والفكاك من هذا الشَّرَك الإسرائيلي المحكم، وهي تريد أن تكرر سيناريو العام 2006 حين حارب حزب الله منفردا ولم تتدخل وتركته وحيدا عند ساعة الفجر يواجه انكسار الهزيمة أو يحصد أكاليل النصر.
البرنامج النووي هدفا محتملا
في ما مضى كانت إيران تعلم أن برنامجها النووي في مأمن من أي عدوان إسرائيلي، نظرا لوجود المفاعلات الأساسية وأغلب أجهزة الطرد المركزية فائقة التطور أسفل منحدرات جبلية تحت الأرض بنحو 80 مترا، كما هو الحال في منشأة فوردو المهمة للغاية في منظومة البرنامج النووي لإيراني، غير أن دخول ما يعرف بـ”القنابل الغبية” أو قنابل “مارك 84” إلى ساحات الصراع ربما يغير من التفكير الإستراتيجي لصانع القرار في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.
ففي واقعة اغتيال حسن نصر الله استخدمت إسرائيل ــ وربما للمرة الأولى ــ نحو 85 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز “مارك 84” تزن الواحدة منها طنا تقريبا وأسقطتها على مكان وجود نصر الله ما أدى إلى مصرعه ورفاقه، بالرغم من أنه كان يجلس في مقر قيادة حزب الله بالطابق الرابع عشر أسفل الأرض، وهو ما يعني إمكانية وصول مثل تلك القنابل إلى المنشآت النووية الإيرانية التي لطالما اعتقدت إيران أنها عصية على الاستهداف.
على هذا المنوال يدرك صانع القرار في إيران أن العدوان الإسرائيلي الراهن في لبنان واغتيال حسن نصر الله هدفه استدراج طهران إلى الحرب وبالتالي خلق الظروف المواتية لشن هجمات على درة المشروع الإيراني وهو البرنامج النووي الذي قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال.
وعليه من المستبعد أن تتخذ إيران قرار الشروع في الحرب أو حتى إرسال متطوعين إلى الأراضي اللبنانية والفلسطينية لما سيترتب على ذلك من توسيع نطاق المعركة وجر الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصراع، وبالتالي تعريض رأس المال السياسي والاقتصادي والعلمي الذي أنفقته إيران على ذلك المشروع النووي إلى الخطر المؤكد نظرا لإدراك طهران الواقعي في الظرف الراهن للفارق التكنولوجي الكبير بين خندقين تقبع هي في أحدهما وتنظر إلى جثوم الطرف الآخر فيه.
خاتمة
على هذا النحو يمكن تلخيص ما يمكن أن تفعله إيران بالساعات التي تلي اغتيال نصر الله في عدة إجراءات ومنها: تأمين القادة الإيرانيين ونقلهم جميعا إلى أماكن آمنة وتشديد الحراسة عليهم مخافة تكرار سيناريو إسماعيل هنية ــ البحث الفوري عن بديل على وزن حسن نصر الله وإن كان هذا المطلب صعب المنال في المدى المنظور ــ فصل جهود قوات حزب الله عن جهود قوات بقية أطراف محور المقاومة في سوريا والعراق واليمن إذ إن انشغال قادة الحزب في عدة جبهات أدى إلى تراجع مستواه التنظيمي والأمني ــ شن حملات إعلامية ودعائية ضد الغرب الداعم لإسرائيل وضد من تعتقد إيران أنهم قوى إقليمية وإسلامية على ولاء في اللحظة الراهنة لتل أبيب.