أفرزت عملية طوفان الأقصى التي اندلعت في فجر السابع من أكتوبر 2023 عددا من النتائج الفورية منها إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في صدارة القضايا السياسية العالمية، وهي قضية محورية ذات أبعاد إنسانية سياسية متشابكة الأطراف، تتداخل فيها المصالح الدولية بالعربية.
كما أن القضية الفلسطينية في صميم جوهرها تثير قضية أخرى ممتدة في عالمنا العربي والإسلامي وهي “الهوية” بكل أبعادها، وبما أن الهوية في حد ذاتها تتعرض لموجات من التشويه في عصر العولمة لأغراض سياسية دولية لا تخفى على أحد، نجد أن المشهد الحالي أيقظ الهوية العربية من سباتها على المستوى الشعبي ولو للحظة ممتدة من الزمن بعمر الحدث، وذلك شيء في حد ذاته مقبول ولو بتحفظات فيما يخص “الزمن النفسي للحماس الشعبي”.
بما أن الهوية الإسلامية تتشابك مع نظيرتها العربية فيما يخص فلسطين، نجد أن الدور الإيراني يظهر دوماً في قلب الحدث، ليطرح كما هو المعتاد عشرات علامات الاستفهام على المستويين العربي والعالمي.
تسعى هذه المقالة إلى إلقاء الضوء على الموقف الإيراني من التطورات الحالية في غزة، وإن كان يجدر بنا في البداية، الحديث عن ثوابت الموقف الإيراني في الشأن ذاته.
محددات الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية
تشعبت التوجهات الخاصة بتحليل دور إيران في القضية الفلسطينية حول توصيف مضمونها ودافعها الرئيس، فمنذ الثورة الإيرانية عام 1979، ذهبت بعض الآراء إلى أن الاختيار الإيراني لقضية فلسطين كان ذريعة سياسية للنظام الجديد آنذاك في إيران للنفاذ إلى العالم العربي والتأثير في جماهيره.
بينما يرى اتجاه آخر اكثر اعتدالا من وجهة نظري، أن اهتمام إيران بالقضية الفلسطينية يمكن تفسيره بأنه يمثل نموذجاً لتلاقي الأيديولوجيا مع المصلحة القومية السياسية.
فالعقيدة الإيرانية تتبنى فكرة ثنائية المستضعفين والمستكبرين، وهي تناصر الصنف الأول وتكافح الصنف الثاني، بالإضافة إلى حسابات الأمن القومي الإيراني والتي تعد منطقة الشرق الأوسط أحد دوائره المهمة، ومن ثم أصبحت فلسطين في هذا السياق خط مواجهة أساسي على مستوى التوازنات الإستراتيجية الإقليمية لإيران.
وبالتالي تتمثل ثوابت الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية في الآتي:
ــ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض المحتلة.
ــ حق العودة لجميع الفلسطينيين.
ــ إنشاء حكومة مستقلة في القدس تعبر عن المسلمين والمسيحيين واليهود.
ــ رفض الاعتراف بعملية السلام القائمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار أن منظمة التحرير لا تمثل كل الشعب الفلسطيني.
ــ لن تؤدي عملية السلام إلى الحل العادل والثابت للقضية، لأن النظام الصهيوني لا يريد السلام، ولذلك تؤيد إيران المقاومة في كل من فلسطين وجنوبي لبنان باعتبارها تمثل ــ من وجهة نظرها ــ طريق إحقاق الحقوق الضائعة.
إذن تمثل النقاط السابقة الاتجاه العام للنظام الإيراني نحو القضية الفلسطينية والمقاومة كتوجه سياسي للحصول على الحق الضائع للفلسطينيين.
الشكوك الدولية حول الدور الإيرانى
مع تفاقم الأحداث منذ السابع من أكتوبر من العام الحالي، تباينت المواقف فيما يخص حجم الدور الإيراني في الأحداث الجارية.
وقد أشارت صحف أجنبية منها وول ستريت جورنال إلى وجود إيران كعامل محرك وراء طوفان الأقصى، علاوة على الاتهامات الإسرائيلية في الشأن ذاته، بينما نفت إيران مشاركتها على نحو مباشر مؤكدة على دعمها للمقاومة من منطلق أنها دفاع مشروع في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال القمعي.
كما نفى الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله مسؤولية إيران المباشرة في الشأن ذاته من خلال كلمته يوم الجمعة 3 نوفمبر 2023 وتداولت الأخبار عناوين صريحة مقتبسة من تصريحاته عن أن حزب الله لن يتدخل في الموقف حماية لإيران من احتمالات تعرضها لهجوم، كما أن إيران تدعم حركات المقاومة لكن لا تتدخل في قرارها، وأن المواجهات مع إسرائيل كانت لأسباب تتعلق بفلسطين ذاتها ولا تتصل بأي ملف إقليمي ودولي.
أشار المرشد الإيراني على خامنئي إلى أن أولئك الذين يقولون إن تصرفات الفلسطينيين تأتي من غير الفلسطينيين ليس لديهم فهم حقيقي للشعب الفلسطيني ولديهم حسابات خاطئة في هذا الشأن.
أما المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني فقال إن إيران سترد بقوة على إسرائيل في حال القيام بعمل ضدها.
ومن ثم تتباين التصريحات حول حقيقة موقف إيران كدور وممارسة فعلية فيما يخص المشهد الحالي بفلسطين، لكن يمكن التأكيد على الآتي:
ــ أن وجود دور حقيقي لإيران في دعم المقاومة حالياً ــ بصرف النظر عن التصريحات الرسمية للنظام والمتوقعة أيضا ــ يُعد ورقة في صف القضية الفلسطينية مهما كانت التداعيات وبالنظر إلى ردود الأفعال الخاصة بالدول العربية والتي تجنح للطابع للدبلوماسي عبر العصور المختلفة، وبالتإلى فليس هناك جديد في ذات الشأن.
ــ ينطبق الرأي نفسه على تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، فيما يخص إيران، بالنظر إلى أن التحالفات والعلاقات السياسية تنطوي على جانب خفي يعلو في درجة الأهمية على المشهد الصريح المعلن الذي تتداوله الفضائيات ومواقع الصحف الإخبارية.
ــ يعد المشهد الحالي معبأ بكل الاحتمالات فيما يخص الموقف الإسرائيلي والأمريكي من إيران ودورها في التطورات الحالية، وإن كان موقفها بطبيعة الحال يقتصر (افتراضاً) على دعم المقاومة بشكل مباشر، فليس من المتوقع أن يكون لها دور دبلوماسي في إنهاء الموقف بالنظر إلى عقيدتها وطبيعة العلاقات المعلنة السائدة بينها وبين الغرب عموماً.
خاتمة
بناء على كل ما تقدم يمكن القول إن الموقف الأيديولوجي لإيران والموقف العملي (في حالة وجوده) يعُد نوعاً من التوازن المطلوب مع الدور العربي في القضية الفلسطينية القائم على توجه سياسي مغاير.
وفي ظل تطورات المشهد الحال يوماً بعد يوم، يصعب الوصول إلى تحليل حاسم للموقف خاصة مع تداخل الأطراف المتعددة في هذا الشأن وتباين المصالح والدوافع السياسية في قضية بحجم أمة وهي قضية العرب الأولى.