أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السابع من أغسطس الماضي فرض عقوبات شاملة على إيران كمرحلة أولى بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في الثامن من مايو الماضي والذي أبرم في 2015م، وفي الرابع من نوفمبر المقبل تطبق المرحلة الثانية من العقوبات، وربما هي العقوبات الأكثر تأثيرا في الشؤون الإيرانية، إذ تشمل عقوبات شاملة على قطاع الطاقة الإيراني، وخاصة قطاع النفط وأيضاً على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية، يأتي ذلك في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية داخلية في إيران ليس لها مثيل.
الحلفاء في ظل العقوبات
في الثامن من أغسطس الماضي أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على روسيا باعتبارها مدانة بتسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وابنته بغاز الأعصاب في بريطانيا في مارس 2018م، وكانت قضية العقوبات الأمريكية ضد روسيا في شكلها الجديد تعود للعام 2012م، وفي الأول من أغسطس أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على وزيري العدل والأمن الداخلي التركيين وذلك ردا على اعتقال السلطات التركية القس الأمريكي أندرو برانسون وإن لم يكن هو سبب الخلاف الوحيد بين البلدين، يأتي ذلك في عدم استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية إقناع الصين بخفض وارداتها من النفط الإيراني، فهل ينقذ الحلفاء إيران في ظل العقوبات الأمريكية؟
دافعت الصين عن علاقاتها التجارية مع إيران، وأكدت وزارة الخارجية الصينية في بيان صدر الجمعة 10 أغسطس 2018م اعتراضها على فرض عقوبات من جانب واحد”. وقالت “يوجد بين الصين وإيران تعاون صريح وشفاف وطبيعي منذ فترة طويلة، ولا يشكل هذا خرقا لقرارات مجلس الأمن الدولي أو التعهدات الدولية التي وعدت الصين بالالتزام بها ولا يلحق الضرر بمصالح أي دولة أخرى ولا بد من احترامه وحمايته”، يذكر أن الصين كان لها دور تجاري مع إيران في ظل العقوبات السابقة على إيران.
في التاسع من أغسطس 2018 قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي: “لا شك في أن تصرفات الإدارة الأمريكية ستسفر عن تداعيات سلبية طويلة الأمد بالنسبة للنظام العالمي لعدم انتشار الأسلحة النووية، كما ستعطي دفعة سلمية إضافية مزعزعة للاستقرار للأوضاع في الشرق الأوسط”، وفي 20 أغسطس 2018م قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، “إن التعاون بين بلاده وروسيا أكبر من عملية شراء النفط مقابل البضائع، إنه أبعد من ذلك بكثير، إنه تعاون تام يشمل مجالات التجارة والطاقة”، وأشار السفير الروسي لدى طهران ليفان جاجاريان، في تصريحات نقلتها وكالة فارس للأنباء، “إلى استمرار إيران وروسيا في العمل على اعتماد عملتيهما الريال والروبل في عمليات التبادل التجاري بينهما”، مضيفا “نعمل بنشاط في هذا الاتجاه، وهذا العمل مستمر منذ فترة طويلة، ولن يتوقف”، يأتي ذلك في ظل تعاون روسي ـ إيراني في سوريا، وفي ظل عقوبات أمريكية جديدة على روسيا.
لذلك يمكن القول إن إن التعاون الإيراني ـ الروسي اقتضته الضرورة بفعل العوامل الإقليمية والعالمية، في وقت يبحث فيه الجانبان عن تحقيق مصالحهما، إلا أن هذا التعاون على ما يبدو مستمر على المدى القريب وربما المتوسط في الجوانب الاقتصادية والعسكرية.
حول الموقف التركي
في تركيا قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في يوم 29 يونيو 2018م إن “تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع إيران، وأي تطورات سلبية في إيران ستؤثر على المنطقة بأكملها، تركيا، العراق، سوريا، فزعزعة الاستقرار والفوضى في إيران لن تفيد أحداً لا الاتحاد الأوروبي ولا البلدان الأخرى. إيران شريك مهم لنا، وسنواصل التعاون معها، مع أنه لدينا بعض الخلافات معها”.
وفي التاسع من أغسطس 2018م قال وزير الطاقة التركي فاتح دونماز إن بلاده ستواصل شراء الغاز من إيران تماشيا مع اتفاق توريد طويل الأمد، يأتي ذلك قبل فرض الرئيس الأمريكي مضاعفة الرسوم على الألومنيوم وحديد الصلب القادم من تركيا، بنسبة تصل إلى 20 بالمئة و50 بالمئة على التوالي، وعقوبات على وزراء أتراك في يوم الجمعة العاشر من أغسطس 2018م، وردت تركيا على تلك العقوبات برفع الرسوم الجمركية، على عدد من السلع الأمريكية، ردا على عقوبات واشنطن الأخيرة عليها، ووفقا للمرسوم الصادر عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يأتي ذلك في ظل تواجد تركي في الأراضي السورية.
يعتبر أردوغان إيران حليفاً استراتيجيا، ولكن الوضع الاقتصادي التركي ليس في أفضل حال.
أما الاتحاد الاوروبي فقد أكدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية به فيديريكا موغيريني في 21 مايو 2018م على “عدم وجود بديل آخر يضمن الأمن للمنطقة ككل من خطر الانتشار النووي سوى “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع إيران، وبتطبيق العقوبات الأمريكية انسحبت شركات أوروبية من إيران، وبناء عليه يبحث الاتحاد الأوروبي عن مصالحه فلن يدعم إيران بكل طاقته ويؤدي هذا الدعم إلى أن تخسر الشركات الأوروبية بسبب العقوبات، لذلك دائما ما تشكك إيران في دعم اوروبا الاتفاق النووي.
خاتمة
لدى إيران خبرات طويلة للعمل في ظل العقوبات، لكن هذه المرة تأتي في ظل تراجع اقتصادي وتوتر اجتماعي، ودعم لقوى خارجية في العديد من الدول العربية، وزيادة العداء لها لتواجدها في مناطق عديدة عسكريا تؤدي لتوترات إقليمية، فهل يستطيع الحلفاء دعم إيران للخروج من أزمتها؟
المصلحة هي لغة العلاقات الدولية، وكل حليف اليوم من الممكن ألا يكون حليفاً غدا، فالاعتماد على الحلفاء فقط أمر لن يجني الكثير ويلزمه إصلاحات داخلية اقتصادية واجتماعية وإصلاح إداري، فالأزمة الداخلية ليست بالأمر الهين وهي أكبر تهديد للنظام الإيراني، وانسحاب من مناطق كسوريا، يمثل ضغطا دوليا على إيران، وذلك في ظل وجود حزب الله الذي لا يمكن إخراجه من المشهد بسهولة، واستخدام تلك الورقة في تفاوض جديد مع المجتمع الدولي.