(الجزء الأول)
يتميز المجتمع الايراني بتركيبة متعددة معقدة من القوميات العرقية والإثنية ومن ثم اللغوية، موزعة على النحو التالي: الفارسية، العربية، الكردية، البلوشية، التركمانية، الآذرية، اللور، إضافة إلى الجيلاك والمازندران. وهناك إحصاءات متعددة ومختلفة تكشف عن تعداد تلك القوميات، لكنها في الغالب تفتقر إلى الدقة.
توجد هذه المكونات المجتمعية على حدود الدولة، فلو أمعنا النظر بالخريطة العرقية يتضح أن لها امتداداتها فى الخارج، فالعرب يمتدون إلى العراق ودول الخليج العربي فى الجنوب، والبلوش لهم امتدادهم فى إقليم بلوشستان فى باكستان وأفغانستان، أما التركمان فيجاورون تركمانستان، والآذريون يقطنون جنوب جمهورية أذربيجان، والأكراد جزء من الإقليم الكردي الكبير فى تركيا والعراق؛ ما يفرض تهديدا جديا للأمن القومي الإيراني، لأنه يسهل اختراقه من قبل قوى وأطراف إقليمية ودولية تتشابك مصالحها مع إيران في العديد من الملفات.
هذا الأمر هو ما دفع بالحكومة لاتخاد اجراءات ضد أي تحالف بين تلك المكونات واتباع سياسة القمع ضدهم لمنعهم من تشكيل مجتمع موحد ضاغط داخل إيران، بالرغم من تشابه معاناتها وأهدافها وحقها في ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية وفضح السياسات التمييزية والاقصائية ووقف سياسة العنف والترهيب التي تستعملها الحكومة ضدها.
وبالرغم من أن قوة الدولة وضعفها يُقاس بدرجة التجانس بين المكونات البشرية، خاصة عندما تكون مشكلة من مجموعة قوميات كما الحال في إيران، فكلما زادت نسبة التجانس الديني والثقافي والعرقي في الدولة كلما كان ذلك مؤشرا قويا على قوة الدولة والعكس صحيح، كلما قلت أو انعدمت درجة التجانس الديني والثقافي والعرقي في الدولة دلّ ذلك على ضعف تلك الدولة، خاصة عندما يُقسّم المجتمع الواحد إلى أقلية وأكثرية فتصبح الدولة مهددة بالانهيار في أي وقت كان.
إن تنامي الوعي القومي لدى الشعوب غير الفارسية خلال السنوات الأخيرة قد دفع بالأحزاب السياسية التابعة لها لزيادة نشاطاتها في الداخل والخارج وبدأت ترفع علنا شعارات رافضة لربط مصيرها بمصير إيران والدعوة إلى ضرورة البحث عن هوية مستقلة، إضافة إلى التخبط الداخلي الذي يعاني منه المجتمع الإيراني خاصة في السنوات الأخيرة.
ولعل ما تمر به إيران حاليا يشير إلى حقيقة أن الزمن يعيد نفسه على حد قول، رئيس الحرس الثوري السابق، محسن رضائي، الذي حذر من انهيار وتفكك النظام الإيراني، عندما قارن بينه راهنًا وبين الدولة الصفوية، قائلاً: “إيران كانت في الحقبة الصفوية في ذروة توسعها الخارجي، لكن في النهاية انهارت تمامًا وتآكلت من الداخل”.
واعترف الرجل بوجود أزمة داخلية مفصلية في إيران خلال كلمة ألقاها في مدينة لنجان بمحافظة أصفهان وقال بالحرف الواحد “إن النظام مهدد بالانهيار”، وذلك بسبب عدة عوامل، من بينها الفساد والفقر وأزمة البطالة التي بدأت تتفاقم، لافتًا إلى أن من عوامل انهيار النظام أيضًا تتمثل في عدم كفاءة بعض الأشخاص لتولي المناصب المهمة والعليا، واصفًا تلك المشاكل بالقنابل الموقوتة وأنها ستنفجر قريبًا ما لم يتم التصدي لها ومعالجتها في القريب العاجل، كما اعترف ضمنيا بوجود أزمة سنية شيعية وأزمة مع الشعوب غير الفارسية في إيران عندما قال: “لابد من العودة إلى مبادئ الثورة الإيرانية وأن نضع جانبا قضايا الطائفية والقومية حتى لا تلحق بنا الأضرار من الداخل”.
وعليه يمكن القول إن تفاقم الوضع الاقتصادي داخل إيران في الوقت الذي تتباهى فيه بنفوذها الإقليمي قد انعكس على وضعها الداخلي الهش القابل للانفجار في أي وقت، نتيجة الانفاق الباهظ لتمويل التخريب والإرهاب في كل من العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان ودول أخرى وصدامه مع محيطه الإقليمي بإنفاق نظامه المليارات على مليشياته العسكرية والسياسية في المنطقة، قد ألحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الإيراني وبتماسك الشعوب الإيرانية وبإثارة النعرات القومية والمذهبية فانتشرت المشاكل الاجتماعية كما نرى الآن.
فالوضع الداخلي بدأ يتجه نحو مزيد من التأزم، ليس فقط في المحافظات السنية والعربية والكردية والبلوشية (السنية)، بل حتى في المحافظات الفارسية نفسها بسبب تراجع الاقتصاد الإيراني ووجود أزمة بطالة وسكن وانتشار الإدمان على المخدرات بين فئات الشباب من الذكور والإناث.
وقد أكدت تقارير رسمية تزايد أعداد البطالة في بالبلاد ووصلت مؤخرا حسب تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى نحو 10 ملايين شخص، معظمهم يحملون شهادات عليا، كما أكد وزير الداخلية الإيراني وجود 10 ملايين إيراني يعملون في مجال تهريب المخدرات، في الوقت الذي أشار فيه مدير عام مركز البحوث في مكافحة المخدرات الإيرانية حميد صرامي إلى أن 37% من مدمني المخدرات في إيران هم من حَمَلة الشهادات العليا، في إشارة منه إلى تفشي المخدرات وسط إهمال الحكومة.
إضافة إلى كل ذلك يعيش 11 مليون إيراني في مناطق التهميش، ومليون ونصف المليون مدمن مخدرات، و600 ألف سجين، وهي أرقام تعد كارثية لبلد يصدر أكثر من 4 ملايين و500 ألف برميل من النفط يوميا إلا إن هذه النسب قابلة للزيادة في المستقبل القريب. وكانت الصحف الإيرانية قد نشرت مؤخرا تقارير مصورة بخصوص لجوء الفقراء إلى المقابر للسكن فيها، ما أحدث ضجة كبيرة داخل المجتمع الإيراني.