تعد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران إحدى طرق تحديد اتجاهات استراتيجية البيت الأبيض صوب الشرق الأوسط، رغبة من صناع القرار في المكتب البيضاوي في استدامة نموذج النظام الدولي الراهن القائم على أحادية القطبية والذي تتربع واشنطن علي عرش قيادته منفردة.
في ظل تلك الحقيقة تشهد العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية في السنوات الأخيرة اهتماما بالغا وتحولات عدة نظرا لطبيعة هذه العلاقات التى لا يقتصر أثرها فقط على البلدين وإنما يمتد ليأخذ طابعا إقليميا وعالميا، فالسباق بين الولايات المتحدة وبين إيران هو سباق على القوة والتسلح؛ لذا فالبرنامج النووي الإيراني يعد بمثابة هاجسا يثير قلق النظام الأمريكي؛ ما يدفعه للتعامل مع إيران على أنها دولة عدائية وبالتالي رسم سياسته الخارجية نحوها وفقا لذلك.
اقرأ أيضا:
انطلاقا من ذلك تحاول الفرضية التالية إلقاء الضوء على محطات ذات تأثير في مسار العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية.
أولًا: الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي
كانت سياسة الرئيس الأمريكي السابق ترامب تجاه إيران محفوفة بالشك والتخوف من برنامجها النووي، ففي أكتوبر 2017 رفض ترامب الشهادة بالتزام إيران بالاتفاق النووي الإيراني، وفق قانون مراجعة اتفاقية إيران النووية لعام 2015 (INARA)، بالإضافة إلى فرض واشنطن عقوبات جديدة على طهران في 18 يوليو 2017 واشتملت تلك العقوبات علي قسمين: الأول يتعلق بالإتفاق النووي، والثاني: يتعلق بقضايا مثل الإرهاب وحقوق الإنسان والصواريخ الباليستية.
بالرغم من ذلك جاء الرد الإيراني واضحًا بأن هذه العقوبات لن تؤثر في ما يوصف بأنه “نهج الصمود والمقاومة الذي يسلكه الشعب الإيراني” ولن تثنيه عن هدفه، وكان ذلك بمثابة إشارة لمدى الحزم التى يتعامل بها النظام الإيراني مع هذا الملف.
إثر ذلك أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني فى 8 مايو 2018 مبررًا ذلك بأن النظام الإيراني يصدر العنف والإرهاب والفوضى ويقوم بتطوير الصواريخ الباليستية ونشرها في أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي فهو يرى أن هذا النظام لا يجب السماح له بامتلاك أسلحة نووية.
في أعقاب ذلك الانسحاب وقعت واشنطن عقوبات جديدة على طهران ووجه ترامب تحذيرًا لشركاء الولايات المتحدة التجاريين من التعامل مع إيران.
اقرأ أيضا:
هذا الانسحاب بالإضافة إلى أنه شوه صورة الولايات المتحدة في النظام الدولي وأفقدها جزءا من صدقيتها كشريك مهم وموثوق به في الاتفاقات الدولية، إلا أنه جاء دليلا مباشرًا على أن النظام الأمريكي في عهد ترامب لم يكن يبالي بالمواثيق والاتفاقيات ما دامت لا تتوافق مع مصالحه عملًا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
ثانيا: الخليج العربي كمنطقة للصراع
تتبنى إيران سياسة التصعيد المضاد في منطقة الخليج العربي خاصًة في مضيق هرمز حيث تقوم بتطوير قدراتها الصاروخية واحتجاز ناقلات النفط والهجوم على الموانئ الإماراتية والأسطول الأمريكي في المنطقة.
في يونيو 2020 أعلنت الولايات المتحدة عن فقد طائرة مسيرة في مضيق هرمز واستيلاء إيران عليها، لتشير إيران من خلال تلك العملية إلى سياستها القائمة على مبدأ التصعيد مقابل التصعيد وأنها تملك أوراق ضغط في مقابل العقوبات والتهديدات التى تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية.
ردًا على إسقاط إيران الطائرة الأمريكية قامت القوات الأمريكية باغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني في 3 يناير 2020 وهو ما يعد تصعيدًا للصراع المسلح بين البلدين، واستمرارًا لذلك التصعيد جاء الرد الإيراني في 8 يناير 2020 إذ شنت قوات الجو فضاء التابعة للحرس الثوري الإيراني عملية عسكرية سميت باسم “عملية الشهيد سليماني” أطلقت خلالها العديد من الصواريخ الباليستية على قاعدة عين الأسد الجوية التابعة للقوات الأمريكية في العراق.
في اليوم نفسه وفي حدث نادر ألقى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي – صانع السياسات الإيرانية – خطاب تلفزيوني قال خلاله: “إن القوات الأمريكية يجب أن تغادر المنطقة وإن الوجود الامريكى مصدر الفساد”، ما يشير إلى رغبة النظام الإيراني في التصعيد وعدم الظهور بمظهر المتراجع أو المستسلم بل كان لدى خامنئي الرغبة في إظهار مدى قدرة الحرس الثوري على المواجهة والرد.
ثالثا: اتفاقية فيينا كبداية للاحتواء
مدفوعًا بالرغبة في رفع العقوبات وتحسين الأوضاع الاقتصادية من ناحية والحصول على مكسب سياسي وتأييد شعبي من ناحية أخرى لا يجد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمامه إلا المضي في مفاوضات فيينا ولعل هذا بطبيعة الحال يعكس التوجه الدبلوماسي للمرشد الأعلي الذي يرغب هو الآخر في إتمام الاتفاقية.
اقرأ أيضا:
على مستوى التفاوض صرح كبير المفاوضين الإيرانين السابق، عباس عراقجي، بأن الولايات المتحدة على استعداد لرفع جزء ملموس من عقوباتها على طهران، لكن الجانب الإيراني يرغب في المزيد لذا تستمر المفاوضات.
يدخل بايدن هذه المفاوضات والصورة الذهنية لبلاده لدى إيران سلبية بشكل كبير نتيجة لانسحاب ترامب من الاتفاق 2018 بالرغم من اختلاف التوجه والاستراتيجية التي يعمل بها بايدن مقارنًة بنظيره السابق.
فمن الواضح إلى الآن أن بايدن يسلك مسارًا دبلوماسيًا جادًا في تعامله مع ذلك الملف إذ أبدى في غير ما مرة استعداده لإعادة الانضمام للاتفاق النووي ورفع العقوبات في حالة التزام إيران بالاتفاق والعودة إلى خطة العمل قبل التحلل منها على خطوات بدءا من منتصف العام 2019.
بالرغم من ذلك إلا أن بايدن صرح قائلًا: “إذا لم تنجح الدبلوماسية في حل الأزمة النووية الإيرانية فإن أمريكا مستعدة للتحول إلى خيارات أخرى”، وبالتالى فإن مثل تلك التصريحات تفتح مجالًا للتكهنات حول ما سيؤول إليه مصير هذه المفاوضات.
خاتمة
تشوب العلاقات الأمريكية الإيرانية تعقيدات بالغة، فهي تتأرجح بين الصراع تارة والاحتواء تارة أخرى، لذا فإن مستقبل العلاقات بين البلدين مرهون بمدى ما ستصل إليه المفاوضات في فيينا من توافق وتقارب في المصالح وحرص كل دولة على تغليب الحل الدبلوماسي للوصول للغة حوار وأرضية مشتركة تجنب المنطقة حالة من الحرب لا يمكن تقدير عواقبها، وإن كانت معظم المؤشرات تشير إلى اقتراب الوصول لاتفاق وحل دبلوماسي، فإيران تحتاج إلى رفع العقوبات المفروضة عليها في حين أن الولايات المتحدة في ظل حكومة بايدن تسعى لعدم الدخول في صراعات وإنهاء الأزمات المثارة مع غيرها من الدول.
ــــــــــــــــــــــــــــ
محمد أحمد السيد
باحث مساعد في العلاقات الدولية