وصفت إيران الهجوم الإسرائيلي على مواقعها العسكرية بأنه “غير حكيم” و”متسرع”، وأعلنت أن دفاعاتها الجوية قد تصدت بفاعلية للهجمات التي استهدفت مواقع عسكرية في محافظات إيرانية، منها طهران وخوزستان وإيلام، ما أسفر عن إجهاض محاولات الإضرار بهذه المواقع.
سخرية في الإعلام الإيراني
فقد رافقت الهجمات الإسرائيلية موجة من السخرية في الإعلام الإيراني ومنصات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر العديد من المحللين الإيرانيين أن هذه الهجمات قد أثبتت ضعف القدرات الهجومية الإسرائيلية، ووصفتها بعمل استعراضي يهدف للضغط النفسي.
اقرأ أيضا:
في الوقت نفسه، أشارت المصادر الإيرانية إلى جاهزية فصائل المقاومة في لبنان، فلسطين، اليمن، العراق، وسوريا للرد على أي استفزازات، مع تحذيرات من ردّ إيراني “غير متوقع” و”مدمر” يُحتمل أن يتجاوز الردود التقليدية.
هذا التوجه الإيراني يعكس ثقة متزايدة في قدرتها الدفاعية والإقليمية، بينما يرى محللون أن الخطوة القادمة قد تكون بداية لموجة جديدة من التصعيد المحسوب بين الطرفين، مع تداعيات محتملة على الوضع الإقليمي.
ردود الفعل الإيراني والإسرائيلي
تعكس ردود الفعل تجاه الهجوم الأخير تباينًا حادًا في التقييمات والإستراتيجيات، ما يكشف عمق التوتر بين الطرفين في ظل تصاعد الأعمال العسكرية.
من الجانب الإيراني، اعتُبِر الهجوم تراجعًا تدريجيًا لفاعلية الردع الإسرائيلية، وتزامن معه تركيز الإعلام الإيراني على نقاط الضعف التي كشفت عنها الهجمات، مع مقارنتها بهجمات سابقة كـ”الوعد الصادق 1 و 2″، والتي حققت نتائج فاعلة على الرغم من أنظمة الدفاع الإسرائيلية.
أما على الصعيد الإسرائيلي، فرأى الإعلام العبري أن الهجمات تمثل نجاحًا تكتيكيًا، مستهدفة تدمير قدرات إيران الإنتاجية في مجال الصواريخ.
بنك الأهداف الإسرائيلي
وقد أعلنت مصادر إسرائيلية أن العمليات استهدفت 12 وحدة خلط لصناعة الوقود الصلب للصواريخ الباليستية، إضافة إلى استهداف مواقع حيوية تابعة للحرس الثوري وقاعدة بارشين العسكرية القريبة من طهران.
هذا الاستهداف شمل موقعًا اعتبرته إسرائيل رمزيًا ضمن المنشآت القديمة الخاصة بتطوير الأسلحة النووية، ليؤكد الإعلام الإسرائيلي على نجاح الهجمات في الحد من الإمكانيات العسكرية الإيرانية.
اقرأ أيضا:
في المقابل، وجه بعض المحللين الإسرائيليين انتقادات للخطاب الإعلامي الداخلي، مشيرين إلى محاولة توظيف أحداث قديمة ضمن حملة تضخيمية، خاصةً بعد ظهور صور قديمة عُرضت كدليل على نجاح الهجمات، ما أثار تساؤلات حول مدى تحقيق أهداف الهجمات بشكل كامل وفعال.
يبدو مما سبق، أن الطرفين يسعيان لتعزيز الردع والاستفادة الإعلامية والدعائية القصوى من الأحداث العسكرية الأخيرة، إلا أن هذا التباين يعكس تعقيد المعادلة الإستراتيجية في المنطقة، وسط ترقب لخطوات جديدة قد تؤدي لتصعيد غير مسبوق.
سيناريوهات الرد الإيراني المرتقب
يعتمد الرد الإيراني المحتمل وسرعته على معايير إستراتيجية حساسة، تشمل مدى الضرر الذي أصاب الأهداف الإيرانية وتقييم طهران لمخاطر التصعيد مقابل جدواه، إلى جانب الظروف الإقليمية والدولية، وردود الأفعال المتوقعة من القوى العالمية والدول الإقليمية المتحالفة مع الطرفين.
وتقوم سيناريوهات الرد الإيراني على عدد من المحاور منها استهداف مباشر للوجود العسكري الإسرائيلي، الذي قد يكون من خلال عمليات محدودة تستهدف جنودًا إسرائيليين أو مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل، حيث تستطيع إيران استخدام نفوذها الإقليمي في المنطقة لإيصال رسالة واضحة من دون الدخول في مواجهة مباشرة كبرى.
ويقوم السناريو الآخر على اللجوء إلى الحلفاء الإقليميين حيث تختار إيران دعم حلفائها في المنطقة، مثل “حزب الله” في لبنان، و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين، بالإضافة إلى الميليشيات العراقية والحوثية في اليمن، للضغط على إسرائيل من جبهات متعددة، ما قد يزيد من تكلفة المواجهة على إسرائيل، ويؤدي إلى نشر الصراع على نطاق أوسع.
وهناك سيناريو يتركز حول ضربات على أهداف عسكرية واستخباراتية حساسة، ويشمل هذا الخيار استهداف منشآت ذات طابع عسكري أو استخباراتي قريب من الحدود الإسرائيلية، ما سيؤدي إلى توجيه ضربة مباشرة دون التصعيد إلى مواجهة شاملة.
وأخيرا ينهض سيناريو الهجمات السيبرانية على التوتر المتصاعد، يمكن لإيران أن تلجأ إلى حرب سيبرانية تستهدف البنية التحتية الحيوية الإسرائيلية، مثل شبكات الطاقة والاتصالات والأنظمة الحكومية، مستفيدة من نقاط الضعف التكنولوجية لتقليل خطر المواجهة العسكرية المباشرة.
خيارات الرد والرد على الرد
في حال جاء الرد الإيراني قويًا وواسع النطاق، قد تجد إسرائيل نفسها أمام خيارات تصعيدية كبيرة، من ضمنها احتمال استهداف المنشآت النووية الإيرانية.
ومع ذلك، تظل مثل هذه الضربة محفوفة بالمخاطر وتحتاج موافقة أمريكية ودعمًا دوليًا، نظرًا لتعقيدات الوصول الجغرافي إلى المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، والتداعيات الدبلوماسية والعسكرية التي قد تثيرها ضربة كهذه على المستويين الإقليمي والدولي.
اقرأ أيضا:
وبشكل عام، يميل الطرفان في إيران وفي إسرائيل إلى اعتماد تكتيكات الحذر والحسابات الدقيقة قبل اتخاذ خطوات تؤدي إلى صراع مفتوح، ولكن مستوى التصعيد سيظل مرهونًا بالردود الأولى وتقييمها من كلا الطرفين.
ومن المرجح أن يلجأ الطرفان إلى نهج حذر وعمليات محسوبة لعدم التصعيد إلى حرب شاملة، بحيث تعمد كل من إيران وإسرائيل إلى تقويم ردود الفعل بحذر شديد، ما قد يؤدي إلى ردود محدودة وقابلة للتصعيد التدريجي، مع الأخذ في الاعتبار التحالفات الإقليمية والدولية وعواقب الانزلاق إلى نزاع مفتوح.
خاتمة
يظهر ما سبق أن إيران تنظر إلى الهجوم الإسرائيلي على أنه مؤشر على ضعف الردع الإسرائيلي، وقوة علاقاتها الإقليمية بعد سلسل الإدانات الإقليمية لعملية “أيام التوبة”؛ ما قد يشجعها على الرد السريع، لا سيما في ظل تصريحات الإعلام الإيراني حول جاهزية محور المقاومة.
هذه الجاهزية قد تترجم إلى عمليات منسقة على عدة جبهات مفتوحة في الأساس ولها سيولتها، مثل لبنان وغزة والعراق واليمن، ما يزيد الضغط على إسرائيل وحلفائها الدوليين، ويخلق بيئة معقدة للتصعيد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يُرجح أن تتبنى الأطراف سياسة حذرة نسبيًا، حيث يبقى التصعيد المحسوب خيارًا أقل خطورة لضمان تحقيق المكاسب الإستراتيجية من دون التورط في مواجهة شاملة، لكن تظل المنطقة عرضة لتصعيد مفاجئ إذا وقع أي تحرك عسكري غير محسوب، ما قد يؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق تترك آثارًا كبيرة على استقرار المنطقة ككل.