عندما وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية حزمة العقوبات الثانية على إيران في الخامس من نوفمبر من العام 2018م، تلك المتعلقة أساسا بحظر التعامل النفطي معها بغية إيصال صادرات إيران من الطاقة إلى الصفر، استثنت 8 دول من تلك العقوبات، كانت تركيا إحداها، وهو ما عنى أن واشنطن أرادت إرجاء وقف تعامل أنقرة مع طهران في مجال النفط والغاز 6 أشهر حتى تتدبر موقفها وتبحث عن سوق نفطية بديلة، واختبار انحيازاتها الكلية تجاه الصراع الأمريكي ـ الإيراني.
ومع ذلك اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقفين على سبيل التدريج، أولهما: رفض بلاده العقوبات الأمريكية على إيران وإعلان إدارته عدم استجابتها إلى المطالب الأمريكية بإيقاف التعامل النفطي والتجاري مع إيران، وثانيهما: الاستجابة إلى سياسة العقوبات بل والتماهي معها تماما، ما فهم منه أن لتركيا موقفين أحدهما مثالي/ إعلامي ذو أبعاد دعائية، والآخر سياسي/ واقعي ذو أبعاد برجماتية.
أولا: أصول الموقف التركي من إيران وأمريكا وعقوباتها
تتبع تركيا مبدأ برجماتيا في علاقاتها الخارجية بشكل عام وإزاء دول الجوار بشكل خاص، وارتبط هذا المبدأ ارتباطا وثيقا بعلاقة أنقرة مع النظام الإيراني الراهن منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979م، فحين وقعت أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران أعلنت تركيا أن هذا الأمر مخالف للقوانين الدولية، وفي الوقت نفسه رفضت السماح للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قواعدها للقيام بعملية تحرير الرهائن أو حتى تزويد الطائرات الأمريكية بالوقود أو عبورها فوق أراضيها، واشترطت في سبيل ذلك تلقي طلبا أمريكيا رسميا.[1]
وعندما اندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية يوم 22 سبتمبر 1980م، اتخذت تركيا موقف محايدا ولم تمل إلى أي من الطرفين، وترسخت سياسة الحياد والنظر إلى المصالح الوقتية تلك، مع صعود الرئيس رجب طيب أردوغان إلى قمة السلطة في أنقرة عام 2003.[2]
في تلك الفترة كانت تركيا ـ كما هو الحال الآن ـ ترتبط بعلاقات وثيقة مع كل من بغداد وطهران، لذلك أعلنت حيادها الرسمي في بيان أصدرته الخارجية التركية يوم 2 نوفمبر 1980، جاء فيه “إن تركيا سوف تبقى على الحياد بين العراق وإيران”. وفي غضون ذلك أعلن الرئيس التركي كنعان إيفرن “أن وجهة نظر تركيا بشأن الحرب العراقية ـ الإيرانية، هي ضرورة التصرف بحكمة سواء من الأطراف المتحاربة، أو من الدول الأخرى”.[3]
ومع أنها أعلنت الحياد الرسمي، إلا إنها ساعدت طهران ضمنيا في الحرب وسمحت لها بتمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، تلك التي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلو مترا.[4]
ولعل هذا الإطار التاريخي يعطي فكرة عن ثوابت مؤسسات الدولة التركية أو أسس التفكير الاستراتيجي للنخب الحاكمة في أنقرة، تجاه الإقليم بشكل عام وتجاه إيران على وجه الخصوص، مهما اختلفت الأيديولوجيات في قراراتها المتعلقة بالصراعات الثنائية التي ليست طرفا فيها، خاصة تلك المتعلقة بالجارة الشرقية.
صحيح أن التعاون التركي ـ الإيراني شهد نموا ملحوظا في السنوات الماضية بسبب احتياج تركيا إلى الطاقة وموارد النفط والغاز الطبيعي الوفيرة لدى إيران وكان هذا دافعا مهما لزيادة التعاون التركي ـ الإيراني، على اعتبار أن إيران هي ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى تركيا بعد روسيا، كما أن إيران هي أيضًا مصدر مهم للنفط الخام، ومع ذلك، يجب ألا تتم المبالغة في درجة التعاون بين البلدين.[5]
فتاريخياً كانت، وتظل، كل من تركيا وإيران متنافستين بدلا من كونهما شريكتين وثيقتين. وفي حين أنهما قد تتشاركان في بعض المصالح الاقتصادية والأمنية، فإن مصالحهما تتعارض على كثير من الأصعدة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط. فالدولتان لهما هويتان سياسيتان مختلفتان وكذلك أيديولوجيتان مختلفتان جذرياً. وقد أعطت ثورات العام 2011م، زخمًا أكبر لهذا السِجال السياسي والأيديولوجي بين النظامين السياسيين، بل ساعد سقوط بعض الأنظمة العربية، على تقويض النظام السياسي في الشرق الأوسط؛ ولذلك سعت كل من تركيا وإيران، على حدٍ سواء، وفي إطار أحادي، إلى استغلال “الأنظمة الجديدة الناشئة” في تلك الدول لتحقيق مصالحها الخاصة، لكن الوضع في صورته الكلية أفرز اختلافا بنيويا لدى كل من الدولتين إزاء أغلب المشاكل في المنطقة وعلى رأسها اختلافهما العميق إزاء الوضع في سوريا والعراق ثم اختلافاتهما المتواصلة إزاء آلية أستانة.
مرد ذلك إلى سبب بسيط وهو أنه في الوعي الاستراتيجي لدى النخب الحاكمة في إيران تعتبر تركيا أحد مصادر الخوف والقلق العميق بل والتهديد القريب للأمن القومي الإيراني. على سبيل المثال صورت الملحمة الوطنية الإيرانية، الأشهر، “الشاهنامة”، الأمة التركية “كعدو لدود لإيران”.[6] ومن المعروف أن تلك الملحمة تمثل دستورا غير رسمي للسلطات الإيرانية تلك التي تمزج في قراراتها الاستراتيجية بين التاريخ القومي والمذهب الشيعي الإثنى عشري.
عليه يمكن القول إن تركيا تدرك تمام الإدراك أنها في التصور الإيراني دولة ليست صديقة، أي دولة منافسة ومناوئة، خاصة أن لدى أنقرة وطهران عشرات المواقف المتباينة في الملفات المختلفة، وعلى رأسها العلاقات مع إسرائيل والمسألتين السورية والعراقية، والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش؛ ولذلك فإن مواقفها في تلك الأمور لن تكون مبدئية ثابتة، بل نفعية تتماشى مع مصالحها حيثما اقتضت الضرورة ومتقلبات الأوضاع.
ثانيا: الموقف التركي التنازلي من العقوبات الأمريكية على إيران
للتدليل على ما أعلاه، يمكن إبراز عامل العقوبات الأمريكية على إيران كواحد من أهم المعطيات المساعدة على فهم تلك الحالة، فعندما دخلت الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران حيز التنفيذ يوم الاثنين 5 نوفمبر 2018م، وهو تاريخ يحمل رمزية من نوع خاص لأنه اليوم نفسه الذي احتلت فيها السفارة الأمريكية في طهران عام 1979م، وبالتالي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية إعادة تلك الذكرى إلى الأذهان من خلال إقناع الرأي العام الأمريكي ومجتمع السياسات الدولية في الإقليم والعالم، بأن النظام الإيراني يستحق العقاب، ليس للأسباب الراهنة فحسب؛ بل لتاريخه أيضا، اتخذت تركيا مواقفها التقليدية من الأزمة.[7]
ومرت تلك المواقف بمرحلتين، وهما:
أ ـ رفض العقوبات والهجوم على النظام الأمريكي
في اليوم التالي مباشرة لتوقيع العقوبات، أي الثلاثاء 6 نوفمبر 2018م، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأعلن أن بلاده لن تلتزم بالعقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على قطاعي النفط والشحن في إيران، بل وساند الموقف الإيراني دعائيا من خلال وصفه تلك العقوبات الأمريكية بأنها تهدف إلى “الإخلال بالتوازن في العالم”.[8]
ثم أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، في ديسمبر 2018م، أن أنقرة ستواصل التبادل التجاري مع طهران، وقال إن العقوبات الأمريكية ضد إيران “غير قانونية”. وشدد للمرة الثانية على أن بلاده “لن نلتزم بالعقوبات الأمريكية ضد ايران”.[9]
وترتب على ذلك جملة أخرى من التصريحات لأردوغان تؤكد موقفه الحاسم الرافض تمام الرفض للعقوبات الأمريكية على إيران بل وقال عن نفسه إزاء الخطوة الأمريكية “لا أريد أن أعيش في عالم إمبريالي”. ما يعني أنه هاجم الولايات المتحدة الأمريكية ووصف سياساتها بـ”التوسعية المهيمنة على مقدرات الشعوب”. وقال “بالتأكيد لن نلتزم بمثل هذه العقوبات إننا نشتري عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، ولا يمكن أن نسمح لتلك العقوبات أن تؤدي إلى تجميد شعبنا من البرد لاعتماده على الطاقة الواردة من إيران”.[10]
وفي مناسبة أخرى قال الرئيس التركي إن “انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق النووي كان أمرا غير قانوني وسيؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة وإلى مزيد من التوترات. نحن لا نؤيد هذا القرار ونسعى جاهدين للحفاظ على علاقاتنا الوثيقة والودية مع إيران”.[11]
ولم يقف الأمر عند الرئيس أردوغان بل امتد إلى عدد آخر من مسؤولي إدارته. على سبيل المثال قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن “الجمهورية التركية لن تستجيب للعقوبات الأمريكية على إيران بل وستواصل التعامل معها في مجالات التجارة والاقتصاد. وإنه من الخطر عزل إيران ومن الظلم معاقبة شعبها وليس من السهل على دولة مثل تركيا تنويع موارد الطاقة للالتزام بالعقوبات. ولذلك لا نعتقد أن العقوبات يمكن أن تحقق أي نتائج وأعتقد أن الحوار والمحادثات الجادة أكثر نفعا من العقوبات”.[12]
مع هذا الكم المتواتر والصلب من التصريحات الحاسمة الرافضة للعقوبات الأمريكية على إيران يمكن أن يظن غير المتخصص أن تركيا ستتشبث بهذا المنهج المبدئي، مهما قدمت الولايات المتحدة من حوافز شخصية لها وإغراءات سياسية واقتصادية، أو لوحت بعقابها، وهو ما لم يحدث فقد تغير الموقف التركي مع تغير المعطيات الميدانية.
ب ـ الهدوء ثم الحياد ثم الاستجابة للعقوبات
بعد ذلك اتخذت تركيا عددا من المواقف التراتبية التي تدرجت من الهدوء إلى الحياد إلى الاستجابة للعقوبات، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت مرونة كبيرة مع عدد من حلفائها حين أعفت 8 دول من العقوبات لمدة 6 أشهر بدأت في مطلع نوفمبر 2018م، وانتهت في بداية مايو 2019م؛ كي تتدبر تلك الدول موقفها وتبحث عن سوق نفطية بديلة عن إيران.[13]
وهو ما جعل إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي، يخرج في مقابلة صحفية متحدثا فترة الإعفاء المؤقتة وهي ستة أشهر وقال إن تركيا ستقيّم التطورات خلال هذه الفترة عندما تجري محادثات في أعقاب نهاية الإعفاء. وأضاف “لن نتخلى عن مصالحنا بسبب فرض الولايات المتحدة عقوبات على هذه الدولة أو تلك لأي سبب كان.. سنقيّم فترة الستة أشهر، لكننا لن نتنازل عن مبادئنا على الطاولة”.[14]
ثم مر الموقف التركي بحالة من حالات الهدوء والتروي لتدبر الموقف، خاصة أن أنقرة في تلك الأثناء كانت تتجهز لشراء صفقة منظومة إس 400 الصاروخية الروسية وهي تدرك أن هذه الصفقة ستثير حفيظة واشنطن تجاهها؛ لذلك ليس من المنطق التركي فتح جبهتين مرة واحدة مع أمريكا. ومن هذا الأساس المنطلق عملت تركيا على مقايضة علاقتها الروسية بعلاقتها الإيرانية وإقناع أمريكا أنها ستتخلى عن مساندة طهران نظير إفساح المجال لها للتعاون العسكري مع موسكو.
وفي منتصف إبريل 2019 أعلنت تركيا أنها تتطلع لحماية ترامب من أي عقوبات يفرضها الكونجرس عليها إزاء شراء منظومة الدفاع الروسية. وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا تتوقع من الرئيس دونالد ترامب أن يحميها من قرار الكونجرس الأمريكي فرض عقوبات بسبب الصفقة المخطط لها مع موسكو.[15]
وفي مايو 2019 اتخذت تركيا قرارا عُد بمثابة امتثال كامل للعقوبات الأمريكية على إيران، حين أغلقت موانئها أمام النفط الإيراني، وضغطت شركة توبراش، أكبر شركة تكرير نفط تركية، على واشنطن لتمديد إعفاء الواردات قبل انتهائه في أول مايو، وحينما لم تمددها الولايات المتحدة، أوضحت الشركة أنها ستُوقف جميع الواردات من إيران.[16]
عليه يمكن القول من خلال هذا الموقف التركي أن العقوبات الأمريكية على إيران كانت بمثابة ورقة ضغط من أنقرة على واشنطن للمقايضة مع ملفات أخرى ومنها الدعم الأمريكي للأكراد، إلى جانب الرفض الأمريكي التعامل العسكري التركي مع روسيا.
وقد بدا ذلك واضحا من خلال الرفض التركي شراء النفط الإيراني حتى قبل انتهاء فترة السماح التي انتهت في مايو 2019، فقد أظهرت البيانات أن تركيا بدأت تقليص وارداتها الإيرانية في أوائل مارس 2019. وأحلت أنقرة نفطا من العراق وروسيا وكازاخستان محل الخام الإيراني. وبعد انتهاء الإعفاء بأربعة أيام، أي في يوم 9 مايو 2019م، كانت هناك ناقلة إيرانية تحمل 130 ألف طن من الخام الإيراني في طريقها عبر البحر المتوسط إلى تركيا، إلا أنها غيرت مسارها وأغلقت نظام التتبع. ورجح محللون أن تكون الناقلة قد أفرغت حمولتها في ميناء بانياس السوري بدلا من تركيا.[17]
ثم تأكد الموقف التركي المستجيب تماما للعقوبات الأمريكية على إيران من خلال رفض السلطات التركية استقبال ناقلة النفط الإيرانية أدريان داريا، ذلك أنه في نهاية أغسطس بعد أن نجحت إيران في تحرير الناقلة من الاحتجاز قبالة جبل طارق، أظهرت بيانات “رفنيتيف” لتتبع حركة السفن، أن الناقلة التي كانت محل نزاع بين واشنطن وطهران، غيرت مسارها بعيدا عن الساحل التركي، ما فُهِمَ منه أنه استجابة عملية تركية تامة للعقوبات الأمريكية على إيران.[18]
وحتى تبرئ تركيا موقفها تماما أمام الولايات المتحدة الأمريكية، تفاديا لتحمل عبء مساندة إيران، أصدرت الخارجية التركية بيانا نفت فيه توجه ناقلة النفط الإيرانية المفرج عنها من قبل جبل طارق إلى ميناء مرسين التركي. وقال الناطق باسم الخارجية التركية، حامي أقصوي: “ليست لدينا أي معلومات حول تغيير ناقلة النفط الإيرانية مسارها وتوجهها إلى تركيا”.[19]
وقد فطنت الولايات المتحدة إلى تلك السياسة التركية التي تريد التنصل من مواقفها تجاه إيران كبديل لسماح أمريكا لها بالتعاون العسكري مع روسيا، وهو ما ترفضه واشنطن بطبيعة الحال؛ لذلك أعلنت الإدارة الأمريكية اعتزامها توقيع عقوبات على تركية على خلفية شرائها منظومة إس 400 الروسية الصاروخية.
ففي يوم الاثنين 9 سبتمبر 2019 قال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين إن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع من طراز S-400. وأضاف: “إننا ننظر في ذلك الأمر ولن أبدي تعليقات على أي قرارات محددة، لكننا ننظر فيها”.[20]
ومن الواضح أن هذا التصريح الأمريكي لم يأت بناء على نظرة الإدارة الأمريكية إلى السياسة التركية فحسب، بل جاء كذلك بناء على الضغوط التي يمارسها أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي على الرئيس دونالد ترامب وحثه على معاقبة تركيا جراء جملة سياساتها الإقليمية غير المتوافقة مع الخط الأمريكي، وهو ما دعا واشنطن إلى الإعلان عن أنها ستمنع تزويد تركيا بطائرات F-35 المتطورة.
خاتمة ونتائج
فوق هذه الأرضية السياسية، أردك اللاعب التركي حقائق نظرة النخب الحاكمة في طهران إلى سياساته، وتدبرَ التاريخَ القديمَ المفعم بالصراع بين الدولة العثمانية تلك التي يحاول إحياءها، وبين الدولة الصفوية الإيرانية، تلك التي يعد النظام الراهن في طهران امتدادا لها، من خلال الحروب التي دارت بين الجانبين، طورا خلافا على الحدود، وتارة خلافا على الوجود، ثم أردك الحقائق الميدانية المتعلقة بميزان القوى الاستراتيجية بين واشنطن وطهران المائل صوب الأولى.
عليه يمكن التوصل إلى عدد من النتائج السابرة أغوار عقلية تركيا الاستراتيجية في مسألة العقوبات الأمريكية على إيران، وهي كالتالي:
1 ـ اعتمدت تركيا سياسات براجماتية في علاقتها مع القوى الكبرى وفي علاقاتها مع الدول الإقليمية كذلك، وبنت موقفها الشامل من العقوبات الأمريكية على إيران، على دراسة التطورات الميدانية وتدبر مصالحها من صراع الطرفين، بغض النظر عن الاعتبارات المبدئية والأيديولوجية.
2 ـ تدرج الموقف التركي إزاء العقوبات الأمريكية على إيران، من الرفض الصارم إلى الهدوء الحذر، ثم الاستجابة التامة لتلك العقوبات، واتضح ذلك من خلال سلسلة المواقف التنازلية التركية التي انتهت إلى وقف التعامل النفطي مع إيران، ورفض استقبال ناقلتها محل الخلاف مع بريطانيا وأمريكا.
3 ـ حاولت تركيا استثمار الخلاف الأمريكي ـ الإيراني، وما تمخض عنه من عقوبات، واستخدامه كورقة مقايضة لعلاقاتها العسكرية المتنامية مع روسيا، على اعتبار أن تلك الورقة ستجعل أمريكا تتغاضى عن شرائها منظومة إس 400 الصاروخية الروسية.
4 ـ أدركت أمريكا طبيعة السياسات التركية في مسألة عقوباتها على إيران، وعملت على الفصل بين الاستجابة التركية للعقوبات، وبين العلاقات العسكرية التسليحية بين أنقرة وبين موسكو، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التوتر في العلاقات الأمريكية ـ التركية على خلفية هذا الأمر، ما لم تعالج أنقرة أوجه القلق لدى واشنطن حيال المسألة برمتها.
5 ـ من المنظور أن ترحب تركيا، على المستوى الإعلامي، بأي جهود وساطة أو تفاوض بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لكنها على المستوى السياسي لن تكون سعيدة بأي تهدئة بين الجانبين؛ لأن كل توتر أمريكي ـ إيراني، معناه تخفيف الضغط على الجبهة التركية، مع إدراك الرئيس أردوغان أن التوافق الأمريكي ـ الإيراني، لا يعني سوى تفرغ الرئيس ترامب لحلحلة خلافاته مع أنقرة، تلك المتعلقة بالعلاقات مع موسكو.
ــــــــــــــــ
(*) نشرت الدراسة في عدد الشتاء من فصلية “شؤون تركية”، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
[1] العقراوي، منهل الهام عبد، وآخران، العلاقات التركية ـ الإيرانية.. دراسة في العلاقات السياسية والاقتصادية، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2015، ص191.
[2] السويداني، حامد محمد طه أحمد، العلاقات العراقية ـ التركية 1980 – 1990م، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة الموصل، العراق، 2003، ص21.
[3] عقراوي، وآخران، العلاقات التركية ـ الإيرانية.. دراسة في العلاقات السياسية والاقتصادية، مرجع سبق ذكره، ص212.
[4] اللباد، مصطفى، (دكتور)، العلاقات الإيرانية – التركية وانعكاساتها على المنطقة، مجلة شؤون عربية، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، عدد رقم 127، خريف 2006، القاهرة، ص90.
[5] Larrabee, F. Stephen, Nader, Alireza, Turkish-Iranian Relations in a Changing Middle East, Rand, USA, 2013, p.vii.
[6] Ibid, p. 1.
[7] آمریکا تحریمهای ایران را برگرداند، بى بى سى فارسى، 14 آبان 1397ش، لینک خبر آنلاین: https://bbc.in/2khdQ5m
[8] تركيا تعلن أنها لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، الأناضول، 6 نوفمبر 2018. رابط الخبر: http://bit.ly/2kwsKF7
[9] اردوغان: ترکیه از تحریمهای آمریکا علیه ایران پیروی نمیکند، خبرگزاری دانشگاه آزاد اسلامی، پنجشنبه , ۲۹ آذر ۱۳۹۷ش. لینک خبر آنلاین: http://bit.ly/2kwQk4y
[10] تركيا تعلن أنها لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، مرجع سبق ذكره.
[11] ترکیه از تحریمهای آمریکا علیه ایران پیروی نمیکند، خبرگزاری دانشگاه آزاد اسلامی، منبع گذشته.
[12] اردوغان: از تحریمهای آمریکا علیه ایران پیروی نمیکنیم، راديو فردا، ۱۵ آبان ۱۳۹۷ش. لینک خبر آنلاین: http://bit.ly/2kIR1aN
[13] Manson, Katrina, US exempts eight countries from Iran oil sanctions, Financial Times, NOVEMBER 5, 2018. Link: https://on.ft.com/2lTzlcF
[14] تركيا تعلن أنها لن تلتزم بالعقوبات الأمريكية على إيران، دويتش فيلله، 6 نوفمبر 2018م. رابط: http://bit.ly/2kwsKF7
[15] Pamuk, Humeyra, Turkey eyes Trump protection from any sanctions for Russian defense purchase, Reuters, APRIL 16, 2019.
[16] تركيا تستجيب للعقوبات الأميركية على إيران، الشرق الأوسط، 21 مايو 2019. رابط التقرير: http://bit.ly/2kyuzRU
[17] المرجع السابق.
[18] Berberoglu, Omer, Gumrukcu, Tuvan, Iranian tanker changes course away from Turkish coast: tracking data, Reuters, AUGUST 29, 2019.
[19] أنقرة: لا معلومات لنا حول توجه ناقلة النفط الإيرانية إلى تركيا، روسيا اليوم، 24 أغسطس 2019. رابط الخبر: http://bit.ly/2kKAaEu
[20] Wingrove, Josh, Mohsin, Saleha, Mnuchin Says U.S. Weighing Turkey Sanctions Over Missile System, Bloomberg, September 9, 2019. Link: https://bloom.bg/2lSDu0u