يُعد دور المرأة في أي مجتمع مؤشراً رئيساً من مؤشرات التقدم ودلالة على الارتقاء الحضاري بالامتثال لقواعد العدالة والمساواة في الفرص بغض النظر عن النوع أو المكانة الاجتماعية.
في إيران مرت الحياة السياسية بمراحل متعاقبة انعكست بالضرورة على وضع المرأة، ففي عهد الشاه رضا بهلوي (الأب) حدث انفتاح نسبي في مكانة المرأة الإيرانية من حيث المظهر، وحتى على مستوى وجودها في البلاط الملكي وظهور زوجته وبناته الأميرات آنذاك.
عندما طلب رضا خان الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق عروسا لابنه وولي عهده محمد رضا؛ اعترضت الملكة نازلي والدة الملك فاروق على الفوارق الحضارية بين مصر وبين إيران عند إتمام الزيجة، وتساءلت عن كيفية تكيف ابنتها في هذا البلد القديم الذي لا تأخذ فيه المرأة حقها كما تأخذه في المجتمع المصري عام 1937.
ومن حيث الدور الاجتماعي كانت الإمبراطورة فوزية تظهر إلى جانب زوجها الشاه محمد رضا بهلوي عندما تقلد السلطة في عام 1941 في المناسبات والزيارات المختلفة، وكانت تتمتع بالشعبية وثقة الشاه الأب وقت وجوده في إيران؛ لكنها لعدة عوامل لم تكن صاحبة الدور الاجتماعي الموسع بالمعنى الذي نعرفه الآن.
وقد استمر الحال في عهد الإمبراطورة الثانية ثريا اسفندياري إلى أن حدثت النقلة المعروفة في وضع الإمبراطورة بإيران مع زواج الشاه من فرح بهلوي عام 1959، إذ اتسم دورها بالفاعلية الشديدة وبروح شديدة القرب من الأدوار الاجتماعية الحالية للعديد من زوجات الملوك والرؤساء في عصرنا الحالي وهو ما يتضح في مذكراتها الشخصية التي تمت ترجمتها إلى عدة لغات ومنها العربية.
عند قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انعكست تداعياتها الاجتماعية والسياسية على مكانة المرأة بطبيعة الحال، حيث تركز الاهتمام على ثياب النساء وغطاء الرأس؛ فالشاه رضا بهلوي كان قد منع الحجاب في الثلاثينيات من القرن الماضي، حتى إنه أمر الشرطة بنزع غطاء الرأس عن النساء بالقوة، ولكن في عام 1979، ألزمت السلطات الإسلامية جميع النساء بارتداء الحجاب.
وبالنسبة إلى آية الله الخميني، كانت حقوق المرأة شيئا ثانويا، والصورة النسائية المروج لها من جهة النظام الإسلامي، كانت كمشروع مضاد لنمط المعيشة الغربي المتحرر ، وفي عام 1983 أصدر البرلمان الإيراني قانونا يحث على معاقبة النساء اللاتي يظهرن في العلن بدون حجاب بـ74 جلدة، ومنذ 1995 تتم ملاحقة السيدات المخالفات بعقوبة سجن تصل إلى 60 يوما.
لكن من جانب آخر، في الوقت الحالي، تحظى المرأة الإيرانية بحق التصويت، والعضوية في البرلمان، كما تشكل المرأة الإيرانية أكثر من 70 في المئة من العدد الإجمالي للطلاب في إيران.
ومن الجدير بالذكر أن المشاركة النسائية في الثورة الإسلامية بإيران عام 1979 كانت لافتة لدرجة أن أطلق البعض عليها “ثورة من وراء الحجاب”.
وفي ظل الانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة التي أسفرت عن وصول إبراهيم رئيسي لسدة الحكم، ثار الحديث عن مطالبات المرأة الإيرانية بالحقوق المدنية التي ناضلت من أجلها مثل حق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وتقلد الحقائب الوزارية والمناصب الحساسة والسفر من دون إذن القيّم عليها، وحضانة الأطفال وغيرها من الحقوق.
وقد أشارت الصحف إلى قيام المرشحين للانتخابات الإيرانية برفع شعارات الاهتمام بالمرأة وتقديم الوعود لها فيما يخص النهوض بأوضاعها الاجتماعية والسياسية ، وذلك لكسب الأصوات بالطبع من دون أن يشترط الالتزام الواقعي والدقيق بالتنفيذ.
في الجلسة الأولى للتصويت على الحكومة الأخيرة (أغسطس 2021) انتقد بعض النواب غياب النساء والوزراء من السنة في الحكومة.
ومن الجدير بالذكر أنه في بداية الانتخابات الإيرانية، سادت خشية من أن يؤدي فوز المحافظين، إلى تعميق هوة المساواة السياسية بين الرجال والنساء.
كما سبق وأن وجهت أصوات نسائية عديدة انتقادات إلى سجل الرئيس المعتدل السابق، حسن روحاني، الذي وعد عند انتخابه بتعزيز التحرر الاجتماعي ولم يفِ بوعوده بإنشاء وزارة للنساء، وتسمية ثلاث وزيرات، بل إن ولايته الثانية شهدت انخفاضاً في عدد النساء اللواتي يتولين مناصب حكومية كما أشار منتقدوه.
في ضوء الممارسات الفعلية إبان حكم الرئيس السابق روحاني، سبق وأن أعلنت نائبة الرئيس السابق المكلفة بشؤون المرأة والأسرة أنها ترفض “استخدام القوة” لفرض ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.
وفيما يتعلق بالرئيس الحالي، يلاحظ المراقب أنه يصعب الجزم والتقييم في أوائل فترة الحكم لأي رئيس جديد، في ضوء أن ما يحتكم إليه بالأساس هو التطبيق بطبيعة الحال وليس المبادئ العامة المعلنة.
بوجه عام تثور الانتقادات عن أن إيران تعد واحدة من 6 دول أعضاء في الأمم المتحدة لم توقع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما تكرس التشريعات في إيران كثيراً من الحواجز التي تحول من دون حصول المرأة على الحقوق الأساسية في مجالات مثل العمل والزواج والمواطنةز
ولا تنعكس الحالة الثانوية للمرأة في تمثيلها المحدود في السياسة أو الهيئة القضائية فقط، بل أيضاً في المنازل، إذ يحتفظ الأزواج بموجب القانون بالسيطرة الأساسية على الشؤون الحياتية، حيث تعاني كثير من النساء من أنماط متعددة من الإكراه، والعنف الجسدي، وهي جريمة غير معترف بها حالياً في القانون الإيراني حسب انتقادات المهتمين بحقوق المرأة الإيرانية.
وعلى المستوى الدولي وبعيداً عن حقيقة الأوضاع الداخلية في إيران التي تتفاوت بطبيعتها فيما يخص وضع المرأة مثلها كبقية الدول، يلاحَظ أنه تم انتخاب إيران كعضو في لجنة “المرأة”، وهي مجموعة فرعية من المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة.
وكانت إيران قد تم اختيارها كعضو في هذه اللجنة عام 2010 وكانت موجات الاحتجاجات السياسية والنقابية والاجتماعية والعمالية على مستوي البلاد من بين أهم التحديات التي واجهت النظام الإيراني في الداخل.
أدى اشتداد القمع والقيود المفروضة على النساء، على وجه الخصوص، إلى المزيد من الانتقادات لهذه العضوية في ذلك العام المشار إليه، وفي العام الحالي أيضاً.
إذن يمكن القول إن تقييم الوضع الخاص بالمرأة في المجتمع الإيراني سياسياً واجتماعياً يتفاوت في النظر إليه تبعاً للوضع الاجتماعي لمن يدلي بدلوه وكذا الفارق بين التيارات الأيديلوجية التي تصرح بموقفها، بالإضافة إلى المواقف الخارجية الناقدة بطبيعتها.
لكن فيما يخص الوضع الحالي يمكن القول إن أفق التوقعات مفتوحاً بالنظر إلى قرب العهد بتاريخ تولي الرئيس الجديد في إيران لكن بالطبع تكون التوقعات في ضوء الثوابت الاجتماعية والخلفية الخاصة بالنظام الإيراني الداخلي.
مع ذلك لا ينبغي إغفال أن إيران كدولة تعيش في سياق لا تنفصل فيه بطبيعة الحال عن العالم سياسياً وكذلك اجتماعياً، ومن ثم ففرص التطور والتغيير قائمة ولا ينبغي أن تتوقف النظرة القاصرة داخلياً ودولياً عند انتقاد بعض سلبيات الوضع الحالي فيها من دون استشراف المستقبل في ضوء المتغيرات الحتمية والمتوقعة.