عادت مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مرة أخرى إلى الواجهة في الأيام الأولى من ولاية الرئيس إبراهيم رئيسي، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي أن إيران أبلغته بعودتها إلى الطاولة من خلال الجولة السابعة بمباحثات فيينا بدءا من سبتمبر المقبل، وهو ما يفتح الباب أمام عدة علامات استفهام تتعلق بمآل المسار الذي من المحتمل أن يسلكه الرئيس المحافظ الجديد.
طبيعة شخصية رئيسي
أدى فوز الرئيس إبراهيم رئيسي بانتخابات الرئاسة الإيرانية يوم 18 يونيو الماضي إلى توقف مباحثات فيينا بعد 6 جولات من التفاوض حول إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي بدأ في إبريل الماضي، ويعود هذا التوقف لسببين رئيسين، أولا: عدم التوصل لحل بخصوص القرارات العصيبة، مثل رفع العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة على الرئيس نفسه وعلى المرشد الإيراني بشكل خاص. والآخر وهو الأهم: صعوبة التوصل لاتفاق يحقق للجانبين ما يطلبه كل منهما من الآخر.
يلعب العامل الشخصي دورا محوريا في توجيه السياسات الكلية خاصة في مثل تلك الحالة التي يجلس فيها رئيس محافظ على قمة السلطة التنفيذية، وهو إبراهيم رئيسي الذي تسلم السلطة رسميا يوم الثلاثاء 3 من أغسطس 2021، بدعم كامل من المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي.
قبل منصبه في قصر سعد آباد كان رئيسي رئيسا للسلطة القضائية منذ 2019، ويمكن القول إن هذا المنصب لعب دورا كبيرا في صنع عقليته الاستراتيجية وشخصيته التكتيكية، كما أن العقوبات المفروضة على شخصه من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية في 2019، بسبب اتهامه في قضايا انتهاك حقوق الانسان للسجناء الذين تم إعدامهم بغير حق من وجهة النظر الأمريكية في 1988، ستلعب دورا في تحديد مطالبه من الطاولة في فيينا.
البيئة الداخلية لرئيسي
يحاصر رئيسي عدد من العوامل التي قد تمنعه من التوصل لاتفاق نووي مرضٍ، ويعتبر الوضع الإيراني الداخلي المهترئ بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة على إيران بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي في 2018، والذي أدى الى الحد من صادرات إيران النفطية، أبرزها إذ إن هذه المشاكل الاقتصادية لا تتيح للرجل تحقيق اتفاق مريح بسبب عامل الوقت الذي يخدم المفاوض الأمريكي ولا يخدم المفاوض الإيراني بطبيعة الحال.
فضلا عن ذلك، فاقم تفشي فيروس كورونا وانتشار وباء كوفيد 19 من التداعيات الداخلية السلبية خاصة بعد أن تخطى عدد المصابين 4 ملايين نسمة في البلاد البالغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة، ولعل هذا العامل من الأمور التي تجعل إيران في عجلة من أمرها حال ذهابها إلى الجولة السابعة من مفاوضات فيينا.
إلى جانب كل ما سبق تعاني إيران من شح في المياه بعدد من الأقاليم غير المركزية على أطراف البلاد، ولعل أزمة الإقليم العربي الأحوازي وبوار الأراضي وجفاف الأنهار مثال بارز على تلك المسألة خاصة أن شح المياه هذا أدى إلى اندلاع المظاهرات وولد حالة من حالات عدم الاستقرار.
البيئة الخارجية لرئيسي
تتمثل البيئة الخارجية المحيطة بالرئيس المنتخب في التصعيد الدولي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة ورومانيا وإسرائيل، بعدما اتهمت الأخيرة إيران بأنها وراء الهجوم على سفينة ميرسر ستريت قبالة ساحل سلطنة عُمان، التي تديرها إسرائيل وأدت الى مقتل بريطاني وروماني، ورأت الدول الأربع أن إيران قامت بهذه الخطوة ردا على قصف إسرائيل لمواقع تخص تمركزاتها ونفوذها في الداخل السوري.
وقع الهجوم الإيراني على سفينة ميرسر ستريت في وقت بالغ الحرج، بسبب رغبة الغرب في إعادة إحياء اتفاق فيينا النووي، ورغبة الإيرانيين في رفع العقوبات الأمريكية، وتشير الصورة الكلية للأمر إلى أن الغرب سيستخدم تلك الحادثة كأداة ضغط دولية على إيران، ما قد يؤدي لإبرام اتفاق جديد على غير ما يطمح إليه الرئيس الجديد، قد يتحلل منه لو اضطر إلى ذلك.
بالإضافة إلى العامل السابق يمكن القول إن اعتراف روحاني بأن إسرائيل سرقت بالفعل الأرشيف النووي الإيراني، والذي كان السبب أساسا في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وفرض العقوبات على إيران في 2018، رغم نفي السلطات الإيرانية هذه السرقة، وضع هذا الاعتراف الرئيس الجديد في مأزق لأنه سيكون مطالبا على الأقل برد اعتبار إيران.
خاتمة
بناء على ما أعلاه يمكن القول إن التوصل إلى اتفاق يعظم الدور الإيراني في الإقليم ويقوي مركز النظام داخليا على غرار اتفاق العام 2015 أصبح أمرا بعيد المنال، بسبب اجتماع العوامل الضاغطة على حكومة إبراهيم رئيسي داخليا وخارجيا، إلى جانب الإصرار الأمريكي على تفادي أخطاء إدارة أوباما في إبرام التسويات الكبرى مع إيران.