تشهد التحالفات السياسية على الساحة الدولية تقلبات عبر العقود فهي لا تعرف الثبات والاستقرار كما أنها لا تتسم باللون الواحد إذا جاز التعبير، إذ يغلب عليها التعاون أو الصراع طبقاً للتوجه السائد ومسار التحولات الدولية في وقت ما، وقد ينقلب الوضع إلى النقيض إذا ما تغيرت المصالح والدوافع لكل دولة.
وبالنظر إلى العلاقات ما بين إيران وبين روسيا يمكن القول إن الدولتين تؤثران ــ علاوة على قيمة كل منهما الذاتية المستمدة من موقعيها ومكانتيها التاريخية وما تمثلانه من تحديات على المحيط الإقليمي الخاص بهما في حالة إيران والمحيط الدولي في حالة روسيا ــ بصورة لافتة في مسار الملف السوري على سبيل المثال بالإضافة إلى موقف روسيا من الملف النووي الإيراني الذي ينعكس بدوره على مصالح القوى الكبرى والإقليمية في آن واحد.
ملامح التعاون الروسي ــ الإيراني
تعطي الصورة العامة لمسار العلاقات بين الدولتين انطباعاً بغلبة نمط التعاون والشراكة، بالنظر إلى الدور الروسي في إنتاج إيران للطاقة الكهربائية بواسطة المفاعلات النووية كما أن روسيا هي الداعم الأول للبرنامج النووي الإيراني منذ اندلاع الأزمة المتعلقة به في عام 2003.
سعت إيران من جانبها ــ في ضوء المفاوضات التي خاضتها مع مجموعة الدول الست الكبرى ــ إلى اعادة صياغة علاقاتها الدولية ويتضمن ذلك دفع روسيا إلى ترسيخ علاقاتها الحيوية مع إيران بحيث ترقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.
كذلك يمكن القول إن التوجه الإيراني نحو أوروبا لا يؤثر تأثيراً سلبياً على العلاقات مع روسيا بالنظر إلى المصالح الإيرانية التي تربطها بتلك الأطراف كافة.
وبالنسبة للعلاقات الاقتصادية سبق وأن أعلن السفير الإيراني لدي موسكو كاظم جلالي أن قيمة الصادرات الإيرانية إلى روسيا زادت بنسبة 105% في عام 2020 تلك التي قدرت قيمتها بـ800 مليون دولار ومن الجدير بالذكر أن قيمة الصادرات المشار إليها قدرت بـ390 مليون دولار عام 2019 ما يوضح الزيادة الملحوظة في هذا المضمار.
بوجه عام تنظر إيران إلى روسيا بوصفها لاعباً أساسياً في الجهود المناهضة لواشنطن في الشرق الأوسط، ومن ثم يبدو البعد الدولي في العلاقات الثنائية ظاهراً بوضوح ويحمل في طياته تشارك فكري بين الدولتين وإن شابه بالطبع المكون المصلحي والذي يحكم العلاقات الدولية بالأساس.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مطلع العام الحالي حين قال إن تاريخ العلاقات الإيرانية ــ الروسية أطول من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كله، كما أضاف أن إيران على النقيض من واشنطن، التزمت ببنود الاتفاق النووي، فالإدارة الأمريكية لم تلتزم بتعهداتها حتى خلال فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ومن ثم تلعب العلاقات الروسية ــ الإيرانية دوراً في المعادلة التي تجمع كل منهما مع الولايات المتحدة الأمريكية.
القضايا الخلافية بين إيران وروسيا
لكل صورة نقيضها كما أن لكل عملة وجه آخر، سواء كان ظاهراً للعيان أو خفياً، وبالتالي لا تعتبر العلاقات الإيرانية ــ الروسية استثناءً في هذا الإطار. على سبيل المثال لا الحصر: موقف الدولتين من تقسيم الثروات الطبيعية الموجودة في بحر قزوين، كما أن من أبرز المشكلات الموجودة أمام ازدهار التجارة بين إيران وبين روسيا تلك المشكلات الخاصة بالنقل والمواصلات بالإضافة إلى توافر خطوط النقل الجوي بين موسكو وبين طهران فضلاً عن المشكلات البنكية والمالية وعدم وجود مراكز للتحكيم التجاري والاقتصادي.
وفيما يخص القضية السورية، ظهر التنافس بينهما بوضوح، إذ تشكلت منطقتا نفوذ في الجانب الغربي من نهر الفرات هما الجزء الشمالي من محافظة دير الزور الذي تديره عناصر من الجيش التابع للنظام السوري (الفرقة الرابعة) والفيلق الخامس الذي تسيطر عليه روسيا.
من جانبها ترى روسيا أن الغرب يبالغ في إظهار التناقضات بين روسيا وبين ايران بشأن الملف السوري في ضوء أن التعاون قائم بين الدولتين في ذات الشأن.
وبوجه عام يرى العديد من المحللين أن الاتجاه العام لمسار العلاقات بين الدولتين يتسم بالطابع الذي يمكن أن يطلق عليه “الشراكة الحذرة” بالإضافة إلى الآراء التي تتبنى اتجاها يؤكد على استفادة روسيا من الخلاف الإيراني ــ الأمريكي.
كما أشار وزير الخارجية الإيراني مؤخراً من خلال التسريبات الشهيرة إلى الدور الروسي السلبي في الصفقة النووية الإيرانية ومحاولة موسكو تدمير الاتفاق النووي مع طهران.
خاتمة
على هذا النحو يتأرجح مؤشر العلاقات الثنائية بين إيران وبين روسيا ما بين قطبي التعاون والخلاف لكن إذا ما تم النظر إلى العلاقات الإيرانية ــ الروسية من منظور أشمل، يمكن القول ــ بقطع الطرف عن أوجه الخلاف المزعومة والعقبات الخاصة بدعم العلاقات ــ أن كلا من إيران وروسيا يقومان بدور لا يستهان به في إحداث قدر مطلوب من التوازن والتأثير في مسار الملفات الشائكة على الساحة الدولية والإقليمية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
إضافة إلى ذلك فإن العلاقات الثنائية فيما بينهما مُرشحة للتوسع والنمو في المستقبل على نحو يندرج في إطار الصورة الأشمل لشكل النظام الدولي في المستقبل الذي يقوم على التعددية القطبية من خلال أطراف دولية متوازنة في مواقفها وتوجهاتها نحو الشرق الأوسط والقضايا الدولية بوجه عام، خاصة أن الولايات المتحدة أظهرت دوماً في تفاعلاتها الدولية إخفاقاً استراتيجياً ملحوظاً.
يأتي هذا بينما تستطيع روسيا والقوى الإقليمية الفاعلة دوماً إحداث التوازن المطلوب ولو على نحو نسبي، بحيث تعتمد توجهاتها الدولية على مبادئ الشراكة “الحقيقية البناءة” والمزج بين مفهومي المصلحة وبين الأبعاد الإنسانية في العلاقات بين الدول الكبرى والنامية.