أدت التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة الأفغانية من حيث الصراع بين حركة طالبان وبين نظام الرئيس أشرف غني، إلى بروز العامل الإيراني في القلب من تلك المعادلة، إذ تُعد العلاقات الإيرانية ــ الأفغانية نموذجاً لعلاقات دول الجوار الجغرافي التي تتداخل في إطارها المصالح المشتركة وتداعيات الأوضاع الداخلية لكل منهما على الأخرى، بالإضافة إلى الوضع الاستراتيجي الذي تمثله كل من الدولتين على الساحة الدولية والإقليمية، بالنظر إلى أفغانستان التي احتلت بؤرة الاهتمام العالمي ولازالت في إطار الحرب الأمريكية، ومفهوم الإرهاب الذي صاغته واشنطن لترويجه والتضخيم من النماذج المعبرة عنه، كما أن إيران بدورها لا تحتاج إلى الكثير من التوضيح فيما يخص الدور الإقليمي الخاص بها وانعكاساته على مقدرات العديد من الدول الكبرى والصغرى على حد سواء.
محددات العلاقات الثنائية
بالنظر إلى العلاقات بين إيران وبين أفغانستان، يمكن القول إن التفاعلات الثنائية بينهما تعود في بدايتها المعاصرة إلى عام 1935 إبان حكم سلالة آل بهلوي في إيران، ولكن حدثت الكثير من التغيرات بعد قيام الثورة الإسلامية بإيران 1979، كما ارتبط ذلك أيضاً بعدة قضايا خلافية أو شائكة بين البلدين ومنها قضية اللاجئين الأفغان، وطالبان، والنفوذ الأمريكي في أفغانستان، إلى جانب إعدام السجناء الأفغان في إيران وغيرها من القضايا.
ويمكن القول إن علاقات إيران مع أفغانستان تستند إلى عدة محاور وأسس على النحو الآتي:
ــ تُعد أفغانستان بمثابة ورقة رابحة ضمن أوراق إيران في إطار تفاعلاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
ــ نظرية المجال الحيوي مع دول الجوار، والعامل الجغرافي المتمثل في حدود مشتركة تبلغ نحو 920 كيلو مترا بين البلدين وكذلك الامتدادات العرقية عبر الحدود.
شكلت أفغانستان منفذاً لإيران نحو الخارج في ظل العقوبات الدولية المفروضة على الأخيرة في إطار قضية الملف النووي الإيراني، إذ كانت أفغانستان بمثابة معبراً تجارياً للبضائع الإيرانية إلى دول وسط أسيا.
ــ تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الجوار القريب لإيران ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام، والتي احتلت أفغانستان في إطارها مكانة لا يستهان بها من خلال تبني الولايات المتحدة مفهوم الحرب على الإرهاب.
ــ ارتباط عدد من ملفات إيران الأفغانية سواء الداخلية (قضية اللاجئين الأفغان) أو الخارجية (تحجيم نفوذ طالبان وتحييده) بديناميكيات التنافس الإقليمي بين الهند وبين باكستان على أفغانستان إذ إن التنافس بين الطرفين يؤثر على الأمن الداخلي لإيران من خلال قنوات متعددة أبرزها الملفات الإثنية.
دور ايران في تسوية المشكلة الافغانية
لا تعرف العلاقات السياسية بين الدول ما يسمى بالخط المستقيم الذي لا رجعة فيه، وبالتالي نجد أن السنوات الأخيرة شهدت تطورات على مستوى التفاعلات الثنائية فيما بين إيران وبين أفغانستان.
على سبيل المثال، أقرت الحكومة الإيرانية في يوليو 2019 قانوناً يتيح للمواطنين الأفغان (من أصحاب الإنجازات العملية والمهنية وكذلك الذين لديهم أزواج وأطفال إيرانيين) فرص الحصول على الإقامة في إيران.
وخلال شهر نوفمبر 2020 عقد رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية اجتماعات مع الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين خلال زيارته لطهران، حيث تم التأكيد على التعاون مع إيران وأهميته للاستقرار الإقليمي في ضوء الوثيقة الشاملة للتعاون الموقعة بين البلدين، ومن الجدير بالذكر أن تلك الزيارة جاءت على خلفية المفاوضات بين طالبان وبين الحكومة الأفغانية.
كما استضافت إيران مفاوضات مباشرة بين الحكومة الأفغانية وبين حركة طالبان، وسبق هذه المفاوضات اجتماعات عدة لمسئولين أفغان وقيادات لحركة طالبان في طهران، إذ أكد البيان الختامي الصادر عن المفاوضات المشار إليها على مخاطر استمرار الحرب وحتمية الحل السياسي كما تمت الإشارة إلى أن لقاء طهران يُعد بمثابة فرصة وأرضية جديدة لتعزيز الحل السياسي للمشكلة الأفغانية.
ومن الجدير بالذكر في هذا الإطار، القول إنه سبق للحكومة الأفغانية أن وافقت على عقد الاجتماع الإقليمي الثلاثي فيما يخص الدعم الإقليمي لعملية السلام الأفغانية، بالمشاركة مع باكستان وإيران.
المهم في هذا الإطار هو إشارة بعض المحللين إلى أن ذلك يُعد بمثابة تقديم تنازل سياسي من أفغانستان للدولتين المشار إليهما على اعتبار أنهما صاحبتا نفوذ معترف به داخل أفغانستان.
تخوفات الحكومة الأفغانية من النفوذ الإيراني
تثير إيران مخاوف الحكومة الأفغانية، بشأن تحركات الأولى نحو تنظيم مجموعات مسلحة شيعية أفغانية خاصة في العاصمة كابل وبقية المناطق التي يقطنها الشيعة الأفغان، وذلك بذريعة محاربة التنظيمات المتطرفة مثل طالبان.
كما نقلت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية المُقربة من مرشد النظام الإيراني علي خامنئي تقريراً عن الاستعدادات التي تقوم بها الوحدات الصغيرة من التنظيمات المُشكلة داخل الأحياء الشعبية في العاصمة كابل والمناطق الريفية.
وعلى الرغم من الردود الرسمية الإيرانية لتهدئة المخاوف الأفغانية من خلال القول إن عدد مقاتلي اللواء لا يتجاوز خمسة آلاف ويمكن أن يُشكل قوة مساندة للقوات الأفغانية لمكافحة داعش.
مع ذلك بوجه عام لا يمكن إغفال دلالة مثل تلك المواقف على الدور الذي تلعبه أفغانستان في منظومة إيران لتعزيز دورها الإقليمي وامتلاك الأوراق الرابحة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.
التفاعل الاقتصادي بين إيران وأفغانستان
على المستوي الاقتصادي يمكن القول إن إيران تعهدت منذ عام 2002 بتقديم ما يصل إلى 500 ملايين دولار أمريكي مساعدات اقتصادية لأفغانستان، وتم إنفاق معظم هذا المبلغ على الطرق والبنية التحتية للطاقة والمدارس، ومن هذا المنطلق تنظر الحكومة الأفغانية إلى الدور الاقتصادي الإيراني في أفغانستان على أنه دور إيجابي.
تشمل مجالات التعاون بين البلدين قطاعات الماء والطاقة والبيئة والاستفادة من إمكانيات ميناء جابهار بإيران، كما أنه خلال عام 2020 أعلن رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران وبين أفغانستان استئناف فتح المنافذ الحيوية بين البلدين.
وأشار إلى عودة الصادرات من إيران إلى أفغانستان إلى وضعها الطبيعي كما يتم إصدار التأشيرات لدخول سائقي الشاحنات الإيرانية إلى الأراضي الأفغانية ولا توجد ثمة مشكلة في مرورهم، وفي العام ذاته أعلن مساعد وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني عن تدشين خط سكة حديدية بين إيران وبين أفغانستان، ويستهدف ذلك دعم العلاقات الاقتصادية وتعزيز الصادرات وزيادة حصة إيران في شبكة الترانزيت الدولي.
خاتمة
مما تقدم يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية مُرشحة دوماً للصعود بين البلدين بالنظر إلى عدة عوامل أبرزها الجوار الجغرافي المشترك، ولكن يظل البعد السياسي في الاستراتيجية الإيرانية هو الحاكم لتنظيم حركة تفاعلاتها الدولية والعلاقات المشتركة مع أفغانستان، في ضوء تقديرها الذاتي لمدي تأثير تحركاتها السياسية على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
كما يظل العامل الأمني في أفغانستان ذو تداعيات متشعبة على كل الأطراف الإقليمية والدولية، وبالتالي يبقى دوماً في صالح إيران أن تكون طرفاً فاعلاً رئيساً في امتلاك زمام الأمور وإن تم تخفيف اللهجة على المستوى الدبلوماسي وعدم إظهار الأهداف العلنية مباشرة كعادة “اللعبة السياسية الخالدة على الدوام”.
ويبقى المجال مفتوحا دوماً لكل التقديرات والتطورات في ضوء أن توجهات السياسة الإيرانية (حتى وإن كانت محكومة في الخفاء بتأثيرات خارجية ربما تُناقض ما هو ظاهر للعيان) تبقي دوماً بمثابة “الكارت الرئيس الذي تؤثر حركته على كل اللاعبين في الساحة السياسية المُتضمنة في دائرة مصالحها الحيوية”.