وقع التعاون الواسع والعلاقات الثنائية الوثيقة بين بكين وبين طهران تحت تركيز كبير من القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن العلاقات الصينية ـ الإيرانية شهدت تناميا ملحوظا في السنوات الأخيرة تكلل بالموقف الصيني الداعم لإيران في صفقتها النووية، ثم توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين الجانبين، وما نجم عن هذا الموقف من انعكاسات سلبية على علاقات الصين مع الولايات المتحدة، على ضوء رغبة الأولى في توسيع مصالحها الاستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط.
الموقف الصيني من العقوبات على إيران
حاولت الصين التخفيف من آثار ــ بل وإعاقة ــ العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في السنوات التي تلت المناقشات التي دارت بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام ٢٠٠٣ وعام ٢٠١٠، إذ منحت الصين باستمرار المعهد الجمهوري الدولي درجة كبيرة من الدعم ضد الضغط الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في هذا الصدد.
وقد تجلى ذلك من خلال تأجيل الصين وتخفيفها المستمر لعقوبات الأمم المتحدة التي تدعمها الولايات المتحدة ضد إيران، وبالتالي ساعدت في شراء إيران الوقت لمدة عامين لتعزيز تطويرها برنامجها النووي بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١٠.
ثم دعت الصين عام ٢٠١٠ إلى إعطاء “فرصة أخرى” إلى طهران خاصة إزاء العقوبات الأممية المفروضة عليها من مجلس الأمن الدولي، وهو موقف يتسق مع التوجه العام الصيني في تلك القضية المعقدة.
ويمكن القول إن السياسة الصينية تجاه الأزمة النووية الإيرانية حاولت الحفاظ على توازن وثيق بين الولايات المتحدة الأمريكية، الشريك الاستراتيجي المنافس من ناحية، وبين العلاقات الجيدة مع إيران، الحليف الإقليمي الرئيسي في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.
ويبدو أن بكين لا تريد استفزاز واشنطن، بينما تسعى في الوقت نفسه إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية الاستراتيجية مع طهران بطرقها الناعمة الحثيثة البطيئة.
تلاقي قوتين صاعدتين
يمكن تفسير استراتيجية الصين لتأخير وإضعاف عقوبات الأمم المتحدة على إيران من خلال حافزها للحفاظ على علاقة مزدهرة مع أهم مورد للطاقة لها في منطقة الخليج العربي، خاصة أن الصين هي أكبر مشتري أسيوي عالمي من النفط.
للتوضيح، لدى الصين مبادرة أساسية لأمن الطاقة لتقليل اعتمادها الشديد على واردات النفط البحرية من دول الخليج العربي. وبالتالي، فإن إيران جزء لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية الإقليمية لأن السلطات الصينية تخطط لبناء خط أنابيب للوصول إلى منطقة بحر قزوين عبر إيران.
في هذا الصدد يحتل شراء هذه الموارد النفطية مكانة حيوية في التنمية الاقتصادية لجمهورية الصين الشعبية، مما يوسع قوتها السياسية والعسكرية من خلال زيادة إنتاجها في مجالات البضائع الثقيلة والمنتجات ذات الصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
العامل الإيراني في صعود الصين
يمكن العثور على تفسير آخر من خلال النظر في علاقة الصين بالولايات المتحدة الأمريكية مع رغبتها في تعزيز ثنائية الأقطاب في النظام الدولي، إذ تفضل جمهورية الصين الشعبية تقليل سيطرة الولايات المتحدة على موارد النفط في الخليج العربي.
وتسعى بكين لذلك من خلال تعزيز هامش المناورة الدبلوماسية وتقليل تعرضها للضغط الأمريكي، خاصة أن الصين تعرضت لقرارات أمريكية عقابية تمثلت في زيادة الجمارك على بعض المنتجات ومنها المعادن على سبيل المثال وليس الحصر.
ناهيك عن أن التحالف بين الصين وإيران مبني تاريخيا على عدم الثقة المتبادلة بينهما وبين الولايات المتحدة الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن سبب المقاومة الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني هو أنه أحد معوقات الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على مصادر الثروة والنفوذ في الشرق الأوسط.
الصين تستخدم إيران كورقة للمساومة
يظهر التحليل الدقيق أن الصين تستخدم دعمها المحدود للطموحات النووية الإيرانية كورقة مساومة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية تايوان. إذ رأى البعض أن دعم الصين لطهران يمكن تبريره من خلال مبيعات الأسلحة الأمريكية بشكل منظم إلى تايوان.
وقد بنى البعض هذا التحليل على أنه كلما طلبت واشنطن من الصين إنهاء موقفها “السلبي” فيما يتعلق بالعقوبات النووية التي تفرضها الأمم المتحدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تشترط الصين، في مقابل موافقتها على مشروعات القرارات الأممية تلك، قطع الدعم الأمريكي عن تايوان.
عليه يبدو واضحا أن الصين تستخدم دعمها المحدود للطموحات النووية الإيرانية لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وورقة مساومة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية تايوان، ومع ذلك أظهرت الصين إلى حد كبير دهاء في الصعود الدولي إلى جانب قدرتها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية.
خاتمة
من المتوقع في الفترة المقبلة أن تستمر الصين في دعمها لإيران خاصة في مفاوضات محاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي في العاصمة النمساوية فيينا، ولكن على نطاق محدود في المديين القريب والمتوسط، حتى لا تثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما سيكسب الصين مزيدا من الوقت لتحقيق أهدافها الدولية، أخذا في الاعتبار ديناميكيات القوة الدولية والتي تحتم عليها السير في خطوات محسوبة نحو أهدافها بعيدة المدى.
أما على المدى البعيد فمن المتوقع أن تتخلى الصين عن طهران إذا استنفدت كل السبل غير المباشرة لمساعدتها أمام القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة أو إذا طرأ طارئ على الساحة الدولية يمثل فرصة أكبر لتحقيق المصالح الصينية، لاسيما أنها تراقب الأصوات الداخلية الإيرانية المطالبة بالانفتاح على واشنطن.
بعبارة موجزة، يمكن القول إن التصور الاستراتيجي الصيني لعلاقاتها مع إيران مبني على أنها دولة تربطها بها مصالح استراتيجية وليست عضوية؛ لذلك فهي عرضة للتغيير حال وجدت إحداهما فرصا أفضل لتحقيق مصالحها.
ــــــــــــــــــــ
مهرة ماجد
باحثة مساعدة في العلاقات الدولية