ــ إيران تتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها “قميص عثمان” بالرغم من أن لديها دولاب ملابس كامل
ــ أخطر ما في النظام الإيراني أنه يتبنى استراتيجية الحرب اللا متماثلة
ــ اهتمام طهران بأمريكا اللاتينية يعكس حاجة النظام الإيراني إلى الحلفاء؛ لأنه يفتقر إليهم
ــ إيران أدركت أنها لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة فلجأت إلى الحروب بالوكالة
ــ من الصعب جدا أن يؤدي الضغط الاقتصادي إلى تغيير سلوك النخب الحاكمة في إيران؛ لأنهم متطرفون
ــ إيران تستهدف بناء علاقات مع الشبكات الإجرامية في المنطقة اللاتينية ويلعب حزب الله دور الوسيط في ذلك
ــ الوجود الإيراني في سوريا كان سببا كبيرا في قرارات بشار الأسد في الأيام الأولى للثورة خاصة عدم استجابته لمطالب الثوار
ــ طموحات إيران لا يمكن تغييرها لأنها جزء متأصل من أيديولوجيات النظام الإمبريالية التوسعية
ــ بالرغم من توقيع العقوبات الأمريكية على إيران إلا أن الأولى ما تزال تفتح الباب أمام الثانية، والدليل على ذلك مفاوضاتها مع النظام في كوريا الشمالية
ــ أعتبر نفسي شخصا براجماتيا وأريد أن أقدم في “الحرة” شيئا أفضل من الماضي الممل
ــ كوبا هي الضحية المتبقية من الحقبة الشيوعية في القرن العشرين
***
في العاشر من يناير الراهن ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خطابا بالقاهرة حث فيه دول المنطقة على تكوين تحالف يستهدف الحد من الدور الإيراني في الإقليم، وبالأخص في سوريا، على خلفية الانسحاب الأمريكي من هذا البلد الشهر الماضي، وقال إنه يجب التصدي للنظام الإيراني بدلا من إقامة العلاقات معه، ثم دعا إلى عقد قمة في العاصمة البولندية هلسنكي يومي 13 و14 من فبراير المقبل تزامنا مع الذكرى الأربعين لعودة آية الله روح الله الموسوي الخميني من منفاه بباريس إلى طهران وإعلانه نجاح الثورة الإيرانية وسقوط حكم الأسرة البهلوية الشاهنشاهية إلى الأبد.
“المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” باعتباره مجلسا فكريا يتخذ من عروبته وقوميته منصة للرصد والمتابعة والتحليل والاستقراء، ولأنه كان ـ وما يزال ـ مراقبا للسياسات الإيرانية وتفاعلاتها في بيئتيها الداخلية والخارجية والدور الأمريكي في الشرق الأوسط؛ فقد رأى أنه من الضرورة بمكان الاقتراب من العقلية الاستراتيجية لشخصية سياسية كانت وما تزال في القلب من صناعة السياسة الأمريكية الخارجية تجاه إيران، سواء في وزارة الخارجية عندما شغل منصب مدير مكتب الدبلوماسية العامة للشرق الأوسط، أو من خلال رئاسته شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN) تلك التي تضم قناة الحرة، والحرة ـ عراق، وراديو سوا، ومواقع أصوات مغاربية، والساحة، وارفع صوتك، ومحاورتها.
السفير ألبرتو فرنانديز
لكن قبل الخوض فى تفاصيل الحوار يتعين إجلاء عدد من الحقائق التى تساعد على فهم الحوار بالطريقة المثلى، بدون الخوض فى كيفية الوصول إلى – أو التواصل مع – السفير ألبرتو فرنانديز.
أولا: أن السفير ألبرتو فرنانديز تجاوز دوره الدبلوماسي والسياسي في الإقليم، دور أي دبوماسي أمريكي آخر، بمعنى أنه تقريبا خدم في أغلب البلدان العربية، وساعدته لغته العربية الطليقة على فهم – والتعامل مع – المتغيرات الناشئة والطارئة في الإقليم، بل يمكن القول إن الرجل لديه ثقافة استراتيجية عربية مكنته من فهم تعقيدات العلاقات العربية ـ الإيرانية، وهو ما يمكن استخلاصه من مفرداته واستعاراته التاريخية تلك التي يجلبها من قلب التراث العربي والإسلامي لتدعيم وجهات نظره حول المسائل الملحة، خاصة تجاه النظرة الإيرانية لقضايا العالم العربي وعلى رأسها ـ بطبيعة الحال ـ الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ولقد خطر ببالي وأنا أحاور السفير ألبرتو فرنانديز، الاستعارة التاريخية التي قالتها لي الإمبراطورة فرح بهلوي، زوجة الشاه محمد رضا بهلوي، في إحدى المقابلات، حين فتشت في بطن التاريخ أيضا للتدليل على الواقع الإيراني الراهن في ظل نظام ولاية الفقيه الممسك بتلابيب السياسة العليا للبلاد منذ العام 1979.
ففي يوم الاثنين الأول من يناير بالعام 2018 حين شهدت إيران، واحدة من أكثر حركات الانفجار الاجتماعي توهجا، سألت الإمبراطورة فرح عن رؤيتها للمظاهرات التي عمت البلاد منذ 27 ديسمبر 2017م؛ فشبّهت الشعب الإيراني بأحد الطيور الأسطورية في التاريخ الفارسي، وقالت: “أنا مقتنعة بأن الشعب الإيرانى، مثل طائر الفينيق الأسطوري، وسينهض مرة أخرى من الرماد ويتغلب على تيار جارف من التحديات التى تواجهه مرة أخرى، وأنا على يقين من أن الضوء يجب يسود على الظلام”.
مقابلة سابقة بين محمد محسن أبو النور والإمبراطورة فرح بهلوي
ثانيا: أن ألبرتو فرنانديز ينطبق عليه المثل القائل “إنه يعرف ما يقول ويقول ما يعرف”، إذ يجمع على نحو لافت بين الدور الوظيفي الدبلوماسي والخبرة البحثية الأكاديمية والإعلامية، ذلك أن الرجل عمل نائباً لرئيس معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط، وعمل عضوا في مجلس إدارة مركز الأمن السيبراني والأمن الوطني في جامعة جورج واشنطن، وهو أيضًا زميل غير مقيم في الشرق الأوسط للسياسة والإعلام في مركز أبحاث واستشارات TRENDS في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة؛ وعليه فإن التحاور معه يفوق بأشواط أهمية التحاور مع أي سياسي أو دبلوماسي أمريكي آخر له علاقة بالمنافسة الاستراتيجية الحاصلة بين العرب وإيران في المنطقة؛ لأن المنتدى في هذه الحالة يكون في حالة حوار مع باحث زميل يفتح آفاقا للفهم وليس مصدرا يصدر أحكاما بالقطع.
ثالثا: الخلفية الوظيفية بالغة الحساسية لألبرتو فرنانديز، تجعل منه الدبلوماسي الأكثر إلماما بقضايا العالم العربي والشرق الأوسط ككل، فضلا عن الدور الإيراني في كل بلد من هذه البلدان، وللدلالة على ذلك يمكن ذكر أنه شغل منصب منسق مكافحة الإرهاب الاتصالات الاستراتيجية (CSCC) في وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، ثم عمل سفيرا للولايات المتحدة في غينيا الاستوائية، وقبل ذلك شغل منصب القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم، وله سجل طويل في الأزمة بدارفور، كما عمل مستشارا للشؤون العامة في العاصمة الأفغانية كابول وعمان ودمشق والكويت وأبو ظبي.
الحرة والنشأة في كوبا
بدأت المقابلة بالحديث بالأسبانية ورحبت به بلغته الأم، إذ إن الرجل من مواليد الجمهورية الاشتراكية الكوبية في العام 1958 أي قبل اندلاع الثورة الكوبية تلك التي قادها فيدل كاسترو في العام 1959 حين تمكن من الإطاحة بحكم الجنرال لفولجنسيو باتيستا، وبالتالي فإن الرجل نشأ وترعرع في هذا البلد اللاتيني الواقع على البحر الكاريبي وفي ظل نظام ثوري اشتراكي، وعندما أخبرته أنني أتحدث الإسبانية وتعلمتها في مصر ضحك ثم قال إنه يتحدث العربية بطلاقة وهنا بدأنا الحوار باللغة العربية.
سألته عن توليه رئاسة قناة الحرة وطموحات ما بعد إعادة إطلاق القناة في نوفمبر الماضي، أخذ نفسا عميقا ثم قال:
“طموحاتنا تقديم إنتاج أفضل وأكثر تشويقا للجماهير العربية، فالحرة كانت مشروعا عالميا، لكنها لم تكن لتحصل على الإنجاز المطلوب، وعندما بدأت في مهمتي في العام 2017 كانت مهمتي هي إعادة إحياء كل وسائلنا الإعلامية الناطقة بالعربية وهي قناة الحرة وراديو سوا والمواقع الإلكترونية وكانت هذه المنصات تحتاج إلى المراجعة والتحسن بطريقة عميقة، وبدأنا ذلك في نوفمبر الماضي مع إعادة الإطلاق، والطموحات بنفس الوقت متواضعة؛ لأن المشاهد العربي له اختيارات كثيرة، وعلى هذا الأساس نريد على الأقل أن نقدم لهذا الجمهور شيئا متميزا ومشوقا ومرتبطا بنظرية التنوير والانفتاح والإنسانية، وهذا هو الهدف الأساسي للحرة، والحديث المرتبط بالإعلام الأمريكي الذي دائما ما ينادي بتشجيع الديمقراطية والتغيير وهذه الأشياء، لكنني بطبعي براجماتي وأريد أن أقدم شيئا أفضل من الماضي، وأعتقد أن القضية الكبرى تمثلت في أن الحرة كانت قناة مملة والآن لدينا برامج مشوقة ولدينا مستوى من الإنتاج أعلى بكثير من ذي قبل”.
السفير ألبرتو فرنانديز
بعد ذلك انتقلت في الحديث معه عن نشأته في كوبا وأثرها على سلوكه الشخصي وطبيعته المهنية وطريقة فهمه لمتغيرات السياسة فقال:
“أنا لاجئ كوبي وبالطبع التجربة الكوبية أثرت بطريقة عميقة على حياتي وتفكيري منذ زمن بعيد ذلك أن المسألة الكوبية ارتبطت بالشيوعية في القرن العشرين ولسوء الحظ فإن كوبا هي الضحية المتبقية من هذا الأمر حتى الآن ونتمنى أن تتحرر كوبا من هذا في القريب العاجل وهذا التحرر والانفتاج هو حلم لكل كوبي يحب كوبا بحق”.
إيران في أمريكا اللاتينية
ولأن إيران لها وجود بالغ الأهمية في عدد من الدول اللاتينية وعلى رأسها كوبا وفنزويلا بطبيعة الحال كان مهما جدا أن أسأله عن ما رصده في هذا الجانب خاصة أنه عمل في السفارة الأمريكية في غواتيمالا ويعرف على الدور الإيراني في هذه القارة الكثير من المعلومات ولديه الكثير مما يمكن أن يقال؛ فقال:
“هناك أسباب مختلفة للاهتمام الإيراني بأمريكا اللاتينية والواضح أن النظام الإيراني يريد حلفاء وهو يفتقر إلى الحلفاء ولذلك تقارب مع الأنظمة المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وهذا منطقي وطبيعي. كما أن النظام الإيراني لديه فكرة الحرب اللا متماثلة، فالإيرانيون يعرفون منذ زمن أن الحل العسكري لا يفيد في حالة وجود مواجهة بالطرق التقليدية. وأعتقد أن النخبة منذ الاشتباكات في عهد الرئيس ريجان عندما خسرت إيران 50 بالمئة من أسطولها في الخليج في يوم واحد رأت أنه من الأنسب مواجهة أمريكا بالوكلاء وبالحروب غير المتماثلة، ولذلك هي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بالطرق غير التقليدية وهذا هو أحد أسباب توجهها نحو أمريكا اللاتينية.
هنا قاطعته وقلت له أكيد أنك تقصد عمليتي “الرامي الرشيق” و”فرس النبي” اللتين وقعتا في عامي 1987 و1988 حين قامت القوات البحرية الأمريكية بقصف عمق القوات البحرية الإيرانية وكانت العمليتان من أهم الأسباب التي أدت إلى إضعاف إيران وقبولها وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب مع العراق في أغسطس من العام 1988، ويقين صناع السياسات العسكرية في الحرس الثوري أن تلغيم مياه الخليج معناه إنزال أقسى العقاب من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثم عاد فأكمل قوله:
“يجب أن تعرف أن وجود إيران في أمريكا اللاتينية هو تغلغل سياسي خلفه تغلغل أمني وتخريب وتجسس وكل هذه الأمور مرتبطة بالمواجهة مع أمريكا بطبيعة الحال. فضلا عن كل ذلك فإن إيران تستهدف بناء علاقات مع الشبكات الإجرامية في المنطقة اللاتينية، ومن ذلك دور حزب الله في أمريكا اللاتينية ومن المهم أن نفهم العلاقة الحميمة مع إيران، لأنه من المعروف أن حزب الله ليس شيئا منفضلا عن إيران والدليل على ذلك العملية التي حدثت في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس في العام 1994 حين فجرت إيران السفارة الإسرائيلية ومبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا)، تلك التي تعد ثاني أكبر عملية إرهابية في تاريخ الأمريكتين بعد عملية الحادي عشر من سبتمبر في 2001”.
***
العقوبات والدور الإيراني في سوريا
سألته، لو أردنا التحدث عن الدور الإيراني في سوريا، هل تعتقدون أن هذا الدور أدى إلى تعقيد سبل التوصل إلى تسويات شاملة في دمشق بعد مارس 2011؟ وهو أحد أسباب الامتعاض الأمريكي من سلوك إيران الإقليمي بحكم أن الوجود الإيراني في سوريا ليس سوى حلقة في سيرورة العداء الأمريكي لها؟
قال:
“بالتأكيد كان الدور الإيراني في سوريا مهما جدا خاصة في الأيام الأولى من الثورة وهو دور أساسي في تقوية النظام وتشجيعه على المضي قدما في سياسة عدم التنازلات وعدم الانفتاح وهو ما أساء إلى الشعب السوري وأدى إلى مئات الآلاف من الضحايا ومن المؤكد أن الدور الإيراني كان سببا كبيرا في قرارات بشار الأسد في تلك الأيام خاصة في عدم استجابته لمطالب الثورة، وللعلم بشار رجل ضعيف لكنه اعتمد على قرارات إيران واعتمد على دور حزب الله الذي مثل له دعما كبيرا في سوريا.
مقابلة سابقة للسفير ألبرتو فرنانديز مع قناة سكاي نيوز عربية، وهو ضيف دائم الظهور لدى الإخباريات العربية.
سألته ما رؤيتكم للعقوبات الأمريكية على إيران؟ وهل تتفق مع الآراء (الآراء للرئيس الأسبق محمد خاتمي ولحسن الخميني حفيد آية الله الخميني وفائزة هاشمي رفسنجاني) التي تقول إن العقوبات في ظل سياسات النظام قد تؤدي إلى انهياره؛ فقال:
“موضوع العقوبات هو جدال مهم ويقوم على أن السياسة الرسمية الأمريكية تستهدف تغيير السلوك وليس تغيير النظام وليس هناك من شك أن العقوبات الأمريكية أثرت كثيرا على الاقتصاد الإيراني، لكن الجدل يقوم على نتيجة العقوبات في النهاية فهل ستشجع العقوبات على تغيير سلوك النظام؟ أعتقد أن هذا الأمر وارد لو كانت النخبة السياسية في إيران مكونة من ناس طبيعيين ولكن أعتقد أن السؤال هو من في السلطة في إيران الآن؟! الموجودون في السلطة هم من المتطرفين. وعليه صعب جدا أن يؤدي الضغط الاقتصادي إلى تغيير سلوك النخب الحاكمة في إيران لأن لديهم أفكار متطرفة ولديهم وجهات نظر دينية ـ سياسية عن العالم.
كما أعتقد أن هناك مرونة أمريكية في الملف الإيراني والسياسة أصلا متأسسة على هذه المرونة. والأمريكان يريدون من إيران تحسين دورها في المنطقة في الملف النووي وغير النووي.
وواشنطن لا تقبل الدور الإيراني العدواني في المنطقة وأمريكا تريد تحسن الملفين الأمني والسياسي والنووي على حد سواء، والآن الباب مفتوح من جانب أمريكا تجاه إيران وهذه هي المرونة التي نتحدث عنها. لكن رأيي أن طموحات إيران لا يمكن تغييرها لأنها جزء متأصل من أيديولوجيات إيران الإمبريالية التوسعية.والدليل على أن أمريكا ما تزال تفتح الباب أمام إيران أن أمريكا فاوضت كوريا الشمالية وغيرها من الأنظمة”.
***
إيران والصراع العربي ـ الإسرائيلي
تعد إيران أحد العوامل المهمة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو بعبارة أخرى ـ ربما تكون أكثر مناسبة لمقتضى الكلام ـ أن إسرائيل تعد أبرز العوامل في العلاقات العربية ـ الإيرانية، ذلك أن إيران لم تكن تقاطع مصر في العام 1979 إلا لتوقيعها معاهدة السلام في كامب ديفيد مع إسرائيل، كما أن مصر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، لم تكن تقاطع إيران إلا بعد اعتراف الشاه محمد رضا بهلوي (صهر المصريين) بإسرائيل في العام 1961.
ولقد توقفت طويلا، بينما أضع الصياغة النهائية لهذا الحوار، أمام ما قالته لي، مريم رجوي، زعيمة المعارضة الإيرانية في الخارج، يوم الجمعة 27 إبريل 2018، حين حاورتها عن موقف النظام الإيراني من القضية الفلسطينية وإسرائيل، فقالت بالحرف الواحد: “إن الدكتاتورية الإرهابية الدينية التى تحكم إيران هى الوحيدة التى تضرّ بالسلام فى الشرق الأوسط، وهي الطرف الأكثر استماتة لوضع عراقيل أمام السلام، والسبب الرئيس للانقسام داخل فلسطين”.
وعليه كان من المهم أن أسأل السفير فرنانديز: في تصورك، هل تؤدي سياسات البيت الأبيض الراهنة تجاه القضية الفلسطينية إلى زعزعة المركز التاريخي للولايات المتحدة كوسيط نزيه وموثوق به في الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟ وما مدى استفادة اللاعب الإيراني من تلك السياسات؟
أجاب قائلا:
“أعتقد أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي هامشي بالنسبة لإيران لأنها كانت تؤيد وتدعم الجهات الأكثر تطرفا في المسألة الفلسطينية منذ زمن بعيد حتى قبل عهد ترامب أو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فالعلاقات مع حماس والجماعات الآخرى متأصلة، وعليه يمكن القول إن السياسة الأمريكية الجديد هي بمثابة قميص عثمان بالنسبة لإيران، مع العلم بأن إيران لديها أكثر من قميص، بل لديها صندوق كامل من الملابس في هذا الصدد”.
هنا سألته عن الفارق بين الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران في عهدي الرئيس الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري دونالد ترامب؛ فقال:
“إذا أردنا مقارنة الموقف الأمريكي الآن مع السياسة الأمريكية في إدارة الرئيس الديمقراطي الساباق باراك أوباما، فسنعرف أن إدارة الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب جادة جدا في معاقبة إيران وثنيها عن سلوكها المزعزع للاستقرار، لكن السؤال، هل يمكن أن تكون تلك السياسة أكثر فاعلية لوقف المشروع الإيراني في الإقليم؟الإجابة أننا يمكن أن نتجادل في هذا الأمر. لكن المؤكد أن أمريكا جادة بالفعل في إعادة إيران إلى حدودها والاستفادة القصوى من العقوبات والدليل على ذلك أن أمريكا عينت في مجلس الأمن القومي، ريتشارد غولدبيرغ، وهو متخصص في عملية منع تأييد الدول الأخرى لإيران، وهي رسالة قوية من واشنطن لطهران تقوم على أن أمريكا جادة جدا على الأقل في مجال إغلاق الأبواب المفتوحة الأخرى في أوروبا وآسيا أمام ايران وفي تطبيق العقوبات، وفي تتبع المتعاملين مع إيران وتتبع الأطراف التي تتاجر مع إيران، وعليه يمكن القول إن الأمريكيين سيكونون أكثر جدية في معاقبة إيران”.
***
التفوق الإيراني على العرب
قبل أن أنهي الحوار، سألته، بحكم إلمامك بالثقافات الشرق أوسطية واتقانك اللغة العربية، ما هي الفوارق بين الحضارات الإسلامية والحضارة الفارسية؟ وهل صحيح أن الفرس يمتكلون حضارة تعزز لديهم الشعور الدائم بالتفوق على كل أبناء الحضارات الأخرى في الإقليم؟!
فرد قائلا:
“إيران تعتقد أن لديها تفوق إمبريالي على العرب وهي فكرة تقوم على تعظيم الحضارة الفارسية الكبرى، وهذه الفكرة موجودة حتى منذ زمن الشاه، وقد تبلورت تلك الفكرة مع نجاح الثورة الإيرانية من خلال نظرية ولاية الفقيه، التي تريد أن تحكم العالم وتدافع عن كل المظلومين في كل أرجاء العالم، لكن مشكلة الإيرانيين هي الخلافة العربية التقليدية، فهم يعرفون أن هناك حضارة عريقة جدا في مصر وحضارات عريقة في بلاد ما بين النهرين وهي إمبراطوريات قديمة ولم تكن حضارات عربية بل فرعونية وآشورية وغير ذلك، وعليه فإن طهران تدرك أن البديل المنافس لها هي أمة عربية متحدة وموحدة، وهو مع الأسف غير موجود، وهذا ما يؤيد الأفكار الإيرانية التي تسعى نحو التفرقة بين العرب يعزز ذلك الشعور بالعنصرية تجاههم. وبعض الإيرانيين يعتقدون أنه لا توجد قوة في العالم العربي، وإذا كانت هناك قوة فهي في الخليج، ولا يؤمنون بالقوى التقليدية الثابتة مثل القاهرة وبغداد ودمشق، خاصة أن بغداد ودمشق أصبحتا في جيبهم”.
***
انتهت المقابلة، ولقد كانت بمثابة حوار بين باحثين أحدهما تقلد أرفع المناصب الدبلوماسية في بلاده ويعرف عن إيران أكثر بكثير مما يعرفه أقرانه على الجانب الغربي من المحيط، والآخر كرّس حياته المهنية بالكامل لسبر أغوار هذا البلد المفعم بالغموض والمترع بالتناقضات.