بدأت المباحثات بين إيران وبين السعودية منذ بداية عام ٢٠٢١م، وعلى الرغم من تعقيد المشكلات بين البلدين إلا أن هناك أملا في أن تصل المباحثات إلى نتائج خلال مدة متوسطة، ويقول فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي إن هذه المفاوضات لم تشهد تطورًا واضحًا حتى الآن، على الرغم من استمرار المباحثات “الجادة والمحترمة”، على حد تعبيره.
وإثر الغموض في عودة خطة العمل الشاملة المشتركة واحتمالية اشتداد التوترات مع دول الغرب على النظرة المستقبلية للمفاوضات في المنطقة، وتكهنات الخبراء المختلفة في هذا الشأن. سلطت صحيفة “اعتماد” الضوء على هذا الموضوع من خلال حوار مع فريدون مجلسي، الدبلوماسي الإيراني السابق الذي يعتقد أن: “المسألة الرئيسة لدول المنطقة مع إيران تكمن في أن طهران ترغب في الحفاظ على علاقاتها التقليدية بدول المنطقة بدون النظر إلى القضايا والمشكلات الموجودة بين إيران وبين الغرب. تقع رغبة طهران في استمرار حركة النقل، والعلاقات الدبلوماسية والتجارية في الأطر التقليدية نفسها، وذلك مع تصور أن مسالة الاتصال بالغرب تعد أولوية بالنسبة لتلك الدول”.
نص الحوار في الأسئلة والأجوبة التالية.
“اعتماد”: في حالة وصفت جمهورية إيران الإسلامية المباحثات مع المملكة العربية السعودية بالجدية والاحترام، وأملها في الوصول إلى نتيجة، ترى الرياض أن المباحثات الودية ستسفر عن مفاوضات بدون نتيجة. فما سبب هذا الاختلاف في الآراء؟
“مجلسي”: سببه أن المسؤولين الإيرانيين يعتبرون أن رغباتهم هي الصائبة، وينتظرون من الآخرين أن يتكيفوا مع رغباتهم الصائبة. وفي الحقيقة، توجد اهتمامات بين إيران والسعودية وهذا طبيعي. ومن ناحية أخرى، في حالة ربط علاقة منطقية بين طهران والرياض، سيكون هناك مصالح كثيرة من نصيب البلدين. لا أتحدث عن علاقة ودية قريبة، وإنما أعني علاقة منطقية قائمة على المصالح.
المشكلة وسبب اختلاف الآراء هنا؛ لأنه يكون من منظور رؤيتين مختلفتين تمامًا إلى العلاقة المنطقية، أحدهما رؤية إيران بمعنى قبول شروط إيران من قبل السعودية، والشاهد على هذه الرؤية موضوع خطة العمل الشاملة المشتركة إذ نريد أن تُقبل شروطنا من قبل الطرف الآخر. وينطبق كذلك هذا الأمر فيما يتعلق بالسعودية، وفي مثل هذه الظروف لمن سيكون السبق، وإلى أي مدى يمكن لأي طرف فرض إرادته. الرؤية الأخرى رؤية السعوديين وهم لهم مطالب لا يتنازلون عنها.
“اعتماد”: ما العوائق التي تسببت في عدم الوصول إلى نتيجة بين طهران والرياض بعد جولات عدة من المباحثات؟!
“مجلسي”: المسألة الرئيسة لدول المنطقة مع إيران تكمن في أن طهران ترغب في الحفاظ على علاقاتها التقليدية بدول المنطقة بدون النظر إلى القضايا والمشكلات الموجودة بين إيران والغرب. تقع رغبة طهران في استمرار التنقلات، والعلاقات الدبلوماسية والتجارية في الأطر التقليدية ذاتها، وذلك بالنظر إلى أن مسالة الاتصال بالغرب تعد أولوية بالنسبة لتلك الدول. فعلى سبيل المثال فيما يخص السعودية، عند مقارنة علاقة الرياض بإيران بعلاقتها بالفلبين أو كولومبيا ستعتبرها أولوية، ولكن عندما تتغير هذه المقارنة، ويتم ذكر أسماء الدول الأوروبية العظمى أو الولايات المتحدة بدلًا من الفلبين أو كولومبيا، سيكون واضحًا حينها أن الرياض حتمًا ستختارها.
من الطبيعي ألا تقبل السعودية الشروط في علاقتها بإيران والتي تناقض شروط ورغبات الغرب المقبولة من قبل الرياض. دعني أقولها بصراحة أكثر، إن القضية المهمة بالنسبة للغرب وحلفائه في المنطقة هي دور إيران في العلاقة بين فلسطين وإسرائيل. لقد قامت السعودية بتغيير موقفها تجاه إسرائيل منذ عهد الملك عبدالله. أي بعد الحروب العديدة والخسائر الفادحة التي تكبدها العرب، ومن ثم توصلوا إلى التنازل عن بعض حقوقهم في سبيل المصالح الدولية والسعي وراء النمو الاقتصادي والاجتماعي والرفاه، وبالتالي تغيرت توجهات بعض الدول العربية إلى أبعد الحدود بالمقارنة مع الماضي.
يتجلى هذا التغيير بوضوح في سياسات دول المنطقة مثل: قطر، الكويت، البحرين، الإمارات، السعودية. وكانت نظرية الملك عبدالله إما اتباع اللوائح الدولية أو عدم الأخذ بها على محمل الجد. والأمر نفسه فيما يخص إسرائيل. فإذا أردنا أن ننظر إلى الأمر من خلال الحقوق الدولية، فعلى أساس القرار رقم ٢٤٢ والقرارات الأخرى لمجلس الأمن، إسرائيل ملزمة بالتراجع عند حدود ١٩٦٧م، يجب أن تُشكل دولة فلسطين بعاصمتها القدس، وأن يتم تعويض أهل فلسطين المتضررين من تجاوزات إسرائيل.
ولقد تقبل الملك عبدالله هذه الأمور بحسب سياسته، وبالرجوع إلى هذه السياسة، اعتبرت العديد من الدول العربية في المنطقة الرياض أساس سياساتها. وبالتالي تخالف سياسة إيران سياسة السعودية بخصوص هذا الشأن. لا تريد الرياض أن تعاني توترًا مع إسرائيل لحفظ مصالحها الاقتصادية.
“اعتماد”: لقد أشرت إلى فترة الملك عبدالله والتغيرات السياسية للمملكة العربية السعودية تجاه إسرائيل، لكن في الفترة نفسها اختلفت العلاقات بين طهران وبين الرياض عن اليوم إلى حد كبير، وصارت الأوضاع بشكل أفضل. ما الذي تغير خلال هذه المدة؟
“مجلسي”: لقد تغيرت العديد من الأمور خلال هذه الفترة الزمنية. ففي ذلك الوقت كانت سياسة إيران في المنطقة مختلفة عن نظيرتها اليوم؛ لاختلاف مستوى النفوذ والأدوات الإيرانية. لم تكن الحرب في سوريا قد وقعت، ولم تظهر قضية اليمن، ولم تكن هناك حروب بالوكالة.
وقد أدى وقوع هذه الأحداث إلى تدهور العلاقات بين إيران والسعودية، وكان آخرها الهجوم على السفارة السعودية وحريق قنصليتها في اليمن. ومن هذا المنطلق أدى سوء سلوك السعوديين تجاه الإيرانيين المتجهين إلى السعودية للحج، وكذلك ضرب إيران في العديد من المجالات إلى جعل الأمر أكثر سوءًا، مما أدى إلى الوضع الحالي. وفي الحقيقة أدت مجموعة من الأحداث خلال السنوات الأخيرة إلى خروج العلاقات بين إيران والسعودية من الحالة الدبلوماسية ودخولها إلى جانب عسكري. أي أخذت اتجاه الهتاف والتفاخر المتبادل بدلًا من التعاملات الدبلوماسية، ومن ثم يؤدي أي من هذه الأمور إلى تأخير تحسين العلاقات والمساومة بين الطرفين.
“اعتماد”: مع أخذ الوصف الذي قدمته عن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في عين الاعتبار، فهل يمكن الوصول إلى اتفاق مربح للطرفين بهذا النهج والرؤى المختلفة بين طهران والرياض، بحيث لا يخرج أحد الطرفين مهزوما من الاتفاق؟
“مجلسي”: من وجهة نظري هناك احتمالية الوصول إلى اتفاق محدد بهذه الأوضاع؛ لأن السعودية تنظر إلى المسألة من خلال رؤية تجارية، وتقليل التوتر مع إيران فعال من الناحية الاقتصادية والسياسية بالنسبة للرياض. ومن ناحية أخرى، فتح طريق العمرة وحج التمتع يمكنه أن يحقق ربحًا اقتصاديًا مناسبًا يصب في مصلحة السعوديين، وقلة التوترات النسبية وإدارة العلاقات يمكنها أن تفسح هذا الطريق.
لكن إذا تصورنا أن السعودية ستتحول إلى دولة حليفة لإيران – باعتبارها دولة مخالفة لأمريكا – فهذا غير ممكن. فإذا نظرنا إلى التاريخ، لو وافقت الولايات المتحدة على العقوبات ضد إيران، فإنهم كذلك سيؤيدون العقوبات بشكل فعال، والحقيقة أنهم سيستفيدون من العقوبات على إيران. أسباب هذا الأمر واضحة، ستصبح منافستهم في المنطقة أكثر ضعفًا، ويمتد تأثير السعودية في المنطقة، وبزيادة سلطتها سيتحسن وضعها بالنسبة لمنافستها.
“اعتماد”: بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية ٢٠٢٠م، كانت المملكة العربية السعودية تتصور أن خطة العمل الشاملة المشتركة وعلاقات إيران والغرب ستعود، ووفقًا لزعم بعض الخبراء، تم تهيئة الطريق أمام المباحثات لنفس السبب. الآن عودة الاتفاق تشوبها الغموض، فهل يمكن أن يؤثر هذا الأمر على العلاقات بين إيران والسعودية؟
“مجلسي”: كانت هناك توقعات عن احتمالية عودة الاتفاق النووي وتحسن العلاقات بعد فوز جو بايدن، ولكن تم سد الطريق أمام هذه الرؤية بسرعة بالغة من قبل الأصوليين والضغط الممارس من طرفهم. في الأساس الخطوات التي اتخذتها إيران في فترة ما بعد فوز بايدن في الانتخابات وحتى استقراره في البيت الأبيض، أدت إلى تغيير الأوضاع بالمقارنة مع وقت تعهد بايدن بالعودة إلى الاتفاق والتفاوض مع إيران.
من وجهة نظر بايدن، كان انسحاب ترامب من الاتفاق غير مبدئي وحتى أنه غير قانوني. كان قد أعلن هذا بالإضافة إلى أن التراجع عن سياسة غير مبدئية وغير قانونية قابل للعودة على الدوام. لكن لم يكن قد صدق مجلس الشورى الإسلامي على التشديد على أي مباحثات مع أمريكا وكذلك على العودة إلى الاتفاق النووي.
لقد قامت الوكالة في ذلك الوقت بتثبيت الخطوات الجادة في مجال تطوير التخصيب واتخاذ خطوات تتعلق بتقليل مستوى مراقبة الوكالة الدولية. والآن نحن في وضع إما التجديد في الآراء الواجب حدوثها من خلال المواقف المعلنة، وإما الاستمرار بالأسلوب الحالي نفسه، بمعنى التجارة غير المباشرة وبالطريقة التقليدية مثل التجارة بنظام المقايضة مع دول محددة.
فمن الطبيعي أن تتأثر العلاقات في المنطقة في مثل هذه الظروف، وأن تستفيد دول مثل السعودية من الفرصة المنتشرة، فبدلًا من التعامل مع إيران، تسير المملكة بالمحاذاة مع الدول الأخرى في مسار زيادة الضغط والعمل على إضعاف ايران.
“اعتماد”: ما نصيحتك للمسؤولين الحاليين في الدولة لتحسين أوضاع إيران في الساحة الدولية؟
“مجلسي”: من وجهة نظري هناك أسلوبان من التفكير. التفكير الأول يكون في المصالح الوطنية، ولو سيتم التضحية ببعض الحقوق في سبيل تأمين هذه المصالح.
يضع هذا التفكير المصالح الوطنية للدولة في الأولوية، ويقيم اتخاذ أي سياسة يمكنها أن تحقق نتيجة أفضل لإيران.
وهناك تفكير آخر يصر على بعض الأمور التي لا تعتمد على المصالح الوطنية. أعتقد أن تأمين المصالح الوطنية حسب التفاعل مع العالم أفضل، وأؤمن أن على الدول الالتزام بقرارات مجلس الأمن واحترام القوانين والقواعد الدولية.
وأعتبر الانحراف عنها خطأ. اعتقادي الشخصي أننا نعود إلى الساحة الدولية باللجوء إلى القوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتي من خلالها يتم تأمين مصالح إيران.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
حوار صحفي أجراه الصحفي: محمد حسين لطفالهي، في جريدة “اعتماد” مع الدبلوماسي الإيراني السابق، فريدون مجلسي، بعنوان: “فريدون مجلسي در گفتوگو با «اعتماد»: عربستان از تحريم ايران منتفع ميشود”، يوم دوشنبه ۱۰ آبان ۱۴۰۰ هـ. ش الموافق الإثنين 1 نوفمبر 2021.
نقلته من الفارسية إلى العربية: إيمان مجدي