تزداد يوميًا حدة المواجهات بين إيران وإسرائيل على وقع استمرار الحرب الإسرائيلية العدوانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان، والاستهداف المستمر من إسرائيل لعناصر مهمة في محور المقاومة الإيراني، وعلى وقع تلك الاستهدافات خضعت كل من طهران وتل أبيب لاستراتيجية الرد والرد على الرد، استنادا إلى تغييرات جوهرية في قواعد الاشتباك العسكري المتعارف عليها.
اقرأ أيضا:
فقد ضربت إسرائيل موقعين عسكريين إيرانيين تستخدمهما طهران لإنتاج وقود الصواريخ تحت مسمى “أيام التوبة”، ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على تل أبيب في الأول من أكتوبر الجاري تحت مسمى “الوعد الصادق 2″، مع تنبيهات من وسطاء للحد من توسع نطاق الصراع.
أهداف العملية الإسرائيلية
يبدو من حجم ومواقع الضربات الإسرائيلية على إيران أن تل أبيب عملت على توجيه ضربة للعمق الإيراني لتحقيق أهداف محددة وهي:
أولا: أن تكون ضربة إسرائيل هي الضربة الأخيرة في الترتيب كنوع من الرد على الهجوم الإيراني لإثبات جدارتها على كسر حاجز الصمت على أي هجوم على الأراضي المحتلة، وللتدليل على أنها سترد على أي ضربة مع عدم الأخذ في الاعتبار أن ضربات إيران أصلا كانت ردا على اغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عمق طهران، وعباس نيلفورشان القيادي في الحرس الثوري في نفس الغارة التي شنتها إسرائيل على موقع الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله.
ثانياً: توجيه ضربة في عمق إيران لا تستوجب ردا عليها، وهو ما دفع إسرائيل لمهاجمة موقعين عسكريين في بارشين وخجير لإنتاج الصواريخ ووقودها الصلب، الذي يستغرق وقتا طويلا لإنتاجه، ولإيصال رسالة لإيران بقدرة إسرائيل على مهاجمة ذراعها الطويل الذي اعتادت أن تخترق إسرائيل من خلاله وهو “الصواريخ الباليستية”.
اقرأ أيضا:
ثالثاً: إظهار ولاء إسرائيل للرغبة الأمريكية بشأن عدم مهاجمة مفاعلات إيران النووية، حتى تستمر إسرائيل في الحصول على الدعم العسكري اللازم من واشنطن، بالرغم من التصريحات الإسرائيلية التي تنفي نزول إسرائيل على رغبة الولايات المتحدة، إلا أن استخدام إسرائيل لأجواء أمريكية في العراق لتوجيه ضربة لإيران يعزز تلك الفرضية بل وإشراف واشنطن على شكل الضربة قبل توجيهها من قبل الطيران الإسرائيلي الذي هو صناعة أمريكية في الأساس.
أما عن الجانب الإيراني، فإن الحديث عن ضآلة الضربة الإسرائيلية ومحدوديتها، وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها كانت رسالة موجهة للداخل الإيراني للتقليل من حدة الضربة الإسرائيلية، إذا ما رغبت إيران في عدم الرد عليها، لكن تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي التي أكد فيها أن بلاده تحتفظ لنفسها بحق الرد على تلك الهجمات تشير إلى نية إيرانية بأن تحتفظ لنفسها بالضربة الأخيرة وأن تكون ردة فعل نهائية لصراع لن ينتهي مادامت العربدة الإسرائيلية في الإقليم.
حديث المرشد الإيراني
ما سبق يدعمه ما قاله المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أية الله العظمى علي خامنئي خلال لقائه أسر ضحايا الهجوم الإسرائيلي على إيران، حيث قال “المسؤولون سيقررون كيفية تفهيم الكيان الصهيوني ارادة الشعب الايراني ويجب القيام بما يضمن مصلحة ايران وشعبها”، وقوله أيضاً: “على المسؤولين الإيرانيين أن يظهروا لإسرائيل مدى قوة إيران”، وهو ما يشير إلى ترتيبات داخلية لرد قد يبدو بسيطا إذا ما قورن بحجم الضربات الإسرائيلية على إيران، وعليه يمكن لإيران أن تستخدم أحد وكلائها في منطقة الشرق الأوسط لتوجيه ضربة لعمق إسرائيل، وقد تستخدم في ذلك الميليشيات الحوثية لضرب تل أبيب.
ويمكن القول إن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان حولت الصراع بين إيران وإسرائيل إلى صراع علني وحالة حرب حقيقية ومباشرة على أراضي الطرفين، وهو تحول نوعي في الصراع بين القوتين، اللتان اعتادتا أن يخوضا حروبا خفية أو حروبا بالوكالة لتكبيد كل طرف خسائر فادحة للطرف الآخر بعيدا عن مبدأ المواجهة المباشرة.
اقرأ أيضا:
كذلك فإن استمرار إسرائيل في حربها على لبنان وقطاع غزة يفتح الباب أمام الفعل ورد الفعل المستمر بين الجانبين خاصة وأن إسرائيل تستهدف أذرع إيران في الإقليم وشخصيات مهمة في محور المقاومة أو شخصيات الصف الأول، وهو ما سيستدعي دائماً رد فعل إيراني.
خاتمة
على هذا الأساس تتلاقى مصالح إيران وإسرائيل في جانب واحد فقط خلال هذا الصراع وهو ضمان بقاء الأنظمة السياسية الحاكمة في كلا الدولتين – مع الفارق الضخم ـ حيث يسعى نتنياهو للإستمرار في السلطة برغم انتهاء فترة ولايته من خلال استمرار الحرب على الجبهات العديدة المفتوحة حالياً، وكذلك يضمن النظام في إيران غض الطرف الشعبي الداخلي عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية في ظل دخول النظام في حرب مفتوحة مع إسرائيل وتستغل في ذلك القضية الفلسطينية كذريعة لتبرير ذلك الوضع.