مع الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، والعقوبات الغربية الواسعة ضد روسيا، واجهت ممرات الترانزيت من روسيا إلى أوروبا كالفرع الشمالي لمبادرة طريق الحرير الصيني ومشاريع مثل: “الجسر البري الأوراسي الجديد” الذي كان من المقرر إنشائه قبل اندلاع الحرب الأوكرانية ليربط بين أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا، وبولندا، تحديًا وعائقًا حقيقًا.
تداعيات الحرب على ممرات النقل
يرتبط جزء من تطور حركة التجارة الدولية بين الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي بتطور خطوط السكك الحديدية في إطار ما يطلق عليه الجسر البري الأوراسي، حیث بدت الرغبة في تطويره ليربط روسيا بأوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا؛ وذلك من أجل تسهيل التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الدول الواقعة على طول “الحزام والطريق” وبين قارتي أسيا وأوروبا، ولعل هذا أحد الأسباب التي أزعجت أمريكا ودفعتها إلى استفزاز روسيا وتوريطها في حرب بالإنابة مع أوكرانيا.
هذا الوضع جعل الصين تواجه ظرفًا عصيبًا، وكذلك دول وسط أسيا نتيجة تضرر ممرات الترانزيت والتجارة الدولية مع أوروبا عبر روسيا، علاوة على تهديد الممر الشمالي لمبادرة الحزام والطريق عبر روسيا والبحر الأسود وأسيا الوسطى.
أخذا في الحسبان أن الممر البديل للدول الحبيسة في وسط أسيا للتغلب على هذه الظروف، هو الممر الشرقي – الغربي، أي بحر قزوين والممتد به خط سكك حديد يربط بين باكو – عاصمة جمهورية أذربيجان – وتبليسي – عاصمة جورجيا – ومدينة قارص في شمال شرقي تركيا.
ومع ذلك، سيكون هنالك طريق آخر بديل، وهو الممر الشمالي – الجنوبي عبر الموانئ الجنوبية لإيران في الخليج العربي وخليج عُمان، ومن بين تلك الموانئ، ميناء تشابهار – الميناء البحري الوحيد في جنوب شرقي إيران ـ والذي سيكون بمثابة أقرب ممر عبور لدول أسيا الوسطى إلى المحيط الهندي والمياه الدولية.
ويعد مشروع ترانزيت ميناء تشابهار، المبرم في 24 مايو 2016 بين الهند وإيران وأفغانستان، ضمن أحد مشروعات الترانزيت التي أٌعفيت في السنوات الأخيرة من سياسة العقوبات الأمريكية بما في ذلك “سياسة الضغط القصوى” من عام 2018 إلى 2020.
اهتمام أوزباكستان بميناء تشابهار
تدرك أوزباكستان أنها دولة حبيسة مضاعفة وبالتالي یتعین علیها عبور دولتين على الأقل من أجل الوصول إلى المياه الحرة من خلال الجهات الجغرافية الأربع، وذلك على عكس البلدان الحبيسة الأربعة (أفغانستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان) في وسط أسيا.
على إثر هذا، أبدت أوزباكستان اهتمامًا كبيرًا بالانضمام إلى مشروع ترانزيت ميناء تشابهار، وفي يناير 2022 وقع عقد انضمامها إلى هذا المشروع.
نظرًا لأن أكثر من 80 بالمئة من صادرات وواردات أوزباكستان تأتي من جهة الشمال أي روسيا، فقد دفعت الحرب الأوكرانية، أوزباكستان إلى الاهتمام بممرات الترانزيت ولاسيما ميناء تشابهار.
على الرغم من أن ممر طشقند ــ كابل ــ بيشاور وميناء كراتشي بباكستان يوصلان إلى أوزباكستان، إلا أن التضاريس الجبلية الوعرة لهذا الممر لا تجعله خيارًا على عكس ممر أفغانستان ــ إيران ــ الهند عبر ميناء تشابهار، والذي بدا أكثر جاذبية لأوزباكستان.
يعتبر دور أوزباكستان الفعال في محادثات السلام بين طالبان وبين الحكومة الأفغانية في السنوات الأخيرة، فضلًا عن العلاقات والمباحثات بين حكومة أوزباكستان وإيران مع أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان “دون اعتراف رسمي” عاملًا مهمًا في استمرار مشروع ترانزيت ميناء تشابهار، زيادة على ضم أوزباكستان لهذا المشروع مع وصول طالبان إلى السلطة.
براغماتية طالبان والهند في التوسع
احتاجت طالبان وبشدة بعد وصولها إلى السلطة، إلى تنفيذ مشروعات مثل مشروع ميناء تشابهار الذي يضم أوزباكستان وأفغانستان وإيران والهند، إضافة إلى مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي TAPI)) ومشروع نقل الطاقة بين أسيا الوسطى وجنوبي أسيا المعروف باختصار (CASA-1000) من أجل زيادة شرعيتها الداخلية والخارجية، والارتقاء بالمستوى الاقتصادي والرخاء داخل أفغانستان.
كذلك الهند وبالرغم من شكوكها وترددها في الانسحاب من مشروع ترانزيت ميناء تشابهار بعد صعود طالبان للحكم وإبدائها رغبة الانضمام للمشروع، إلا أنها استطاعت تدريجيًا التغلب على تلك الحيرة والتذبذب، بل وشجعت أوزباكستان على الانضمام إلى المشروع.
ترى الهند أن مشروع ترانزيت ميناء تشابهار يعد منافسًا استراتيجيًا للممر الاقتصادي الباكستاني الصيني (CPEC)؛ لهذا السبب، تولت مسؤولية بناء الطريق السريع زارانج – ديلارام أو طريق A71 على الحدود الإيرانية.
وطريق A71، يبلغ طوله 218 كم ويربط ديلارام في أفغانستان بحدود إيران، والاتجاه المعاكس له يتجه نحو الجنوب أي زارانج عاصمة نيمروز في أفغانستان والذي يسهل من الوصول إلى كابل وقندهار ومزار شريف، وقندوز، كما يلعب دورًا مهمًا في تفادي الممر الاقتصادي الباكستاني.
خاتمة
مجمل القول إن الحرب في أوكرانيا والعوائق والقيود المفروضة على الممرات الروسية والممر الشمالي لمبادرة طريق الحرير الصيني (الحزام والطريق)، دفعت أوزباكستان إلى إيلاء مشروع ترانزيت ميناء تشابهار مزيدًا من الاهتمام، بل وعززت من سعيها إلى الانضمام إلى المشروع من ناحية أخرى.
لذا جليّ أن هذا الأمر سيتطلب توسيع للعلاقات بين دول وسط أسيا مع أفغانستان الواقعة تحت سيطرة طالبان، وبالتالي قد يكون هذا أحد التداعيات الجيوسياسية غير المتوقعة للحرب الأوكرانية.
ــــــــــــــــــــ
مقالة للباحث الإيراني: ولى کالجی، نشرها في “مؤسسه مطالعات وتحقيقات بین المللی ابرار معاصر تهران”، بعنوان: “با انسداد مسیر روسیه، ازبکستان به پروژه بندر چابهار بین هند- ایران- افغانستان توجه می کند”، أو “إغلاق الممر الروسي.. جعل أوزباكستان تولي اهتمامًا بمشروع ميناء تشابهار الواصل بين الهند وإيران وأفغانستان” بتاریخ 31 فروردین 1401هـ. ش/ الموافق 20 إبريل 2022م.