بعد الرحيل المفاجئ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (2021 ــ 2024) إثر سقوط مروحيته التي كانت تقله ومرافقيه خلال عودته من أذربيجان يوم 19 مايو 2024، أصبحت الأوساط السياسية الإيرانية وحتى الدولية تُثير أسئلة مختلفة حول الرئيس القادم لإيران، لاسيما وأن طهران على أعتاب انتخابات رئاسية مبكرة في وقت لايزال الداخل الإيراني يعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية.
من المفارقات أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المرتقبة، والتي تجري لانتخاب خليفة إبراهيم رئيسي ستُعقد يوم 28 يونيو المقبل، أي بعد يومٍ واحد فقط من المناظرة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهما المتنافسان البارزان في الانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر المقبل.
عليه المتوقع أن تكون سياسات إيران مطروحة على طاولة المناظرة، إلى جانب كيفية مواجهة واشنطن لطهران، خاصة أن الخلافات بين البلدين لم تُحسم بعد. ومع احتمالية صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى السلطة واحتدام الحراك معه على الساحة الدولية، إلى جانب الانتهاكات الإسرائيلية، سيكون من الضروري تشكيل حكومة إيرانية مركزية قوية يمكنها عقد اتفاقيات على الساحة الدولية وإرساء تفاهم مشترك في المنطقة.
التأثيرات السياسية لحادثة المروحية
لاشك أن وفاة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” جراء حادث جوي، ترتب عليها تأثيرات سياسية في إيران، وهو ما استوجب النظر إلى المادتين رقم 131 و 132 من الدستور الإيراني المعدل عام 1989، وهما اللتان تنظمان الوضع السياسي لإيران حال فراغ موقع الرئيس لأي سبب، حيث يتولى حاليًا – طبقًا لهاتين المادتين – النائب الأول للرئيس بعد موافقة المرشد الأعلى للثورة، مهام الرئيس مؤقتًا ولحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، ويقوم بهذا الدور حاليًا محمد مخبر، والذي تشير التقديرات إلى كونه أحد أبرز المرشحين المحتملين للرئاسة.
وقد شددت المادتان 131 – 132 من الدستور بعد تنقيح 1989م، على تشكيل مجلس مكون من رئيس السلطة القضائية ورئيس مجلس الشورى الإسلامي والنائب الأول للرئيس الجمهورية المُكلف بترتيب انتخابات رئاسية جديدة خلال مدة أقصاها خمسين يومًا.
لكن في المقابل تمنع المادة 131 البرلمان الإيراني من عزل أو التصويت على حجب الثقة عن الوزراء، كما لا يجوز الطعن في الدستور أو قانون الاستفتاء. بمعنى أن عمل البرلمان سيكون معلقًا مؤقتًَا لحين وصول الرئيس الجديد إلى السلطة.
بطبيعة الحال يُتوقع أن ترتفع فرص المشاركة في الانتخابات الرئاسية مقارنة بمستوى المشاركة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي التي عقدت في مارس الماضي، علاوة على ازدياد فرص المنافسة بين الأصوليين و الإصلاحيين لتقديم مرشحيهم بعد وفاة رئيسي، خاصة أن تكهنات المنصات الإعلامية الإصلاحية حول خليفة إبراهيم رئيسي ازدادت تدريجيًا بعد الإعلان عن حادثة سقوط مروحيته وقبل الإعلان الرسمي عن وفاته.
المرشحون المحتملون
تطرح الأوساط السياسية الإيرانية عدة مرشحين من المجموعة العسكرية والتكنوقراطية على الرغم من أن الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي لم يكن تكنوقراطيًا ولا عسكريًا، بل كان رجلًا أمنيًا وقضائيًا، إلا أن ملابسات وفاته جعلت أحد الاحتمالات المطروحة هو التحول إلى فكرة “الجيش التكنوقراطي”، بالإضافة إلى طرح مرشحين معتدلين وحكوميين.
مع ذلك، يُظهر تاريخ المنافسات الانتخابية السابقة ارتفاع المشاركة الشعبية كلما كان الفائز أقرب للإصلاحيين، كما يمكن الأخذ باحتمالات أن رئيس إيران المستقبلي ربما لن يرغب أن يسير على نهج رئيسي وحكومته، نتيجة آدائها الباهت اقتصاديًا، وتركيزها على قضية الحجاب، وتفعيل دوريات الإرشاد تحت اسم “مشروع نور”، وغياب سياسات الحكومة عن الحد من أزمة التضخم وغيرها.
أولًا: المرشحون المعتدلون
1 – رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسن أجائي هو الأوفر حظًا بين جموع المرشحين للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة كونه يحظى بجماهيرية واسعة في إيران، إذ يوصف بأنه صاحب قرارات قضائية وقانونية رادعة للفساد والمسؤولين المتورطين فيها، ويعتبره كثيرون الأنسب لقيادة البلاد، وإعادة هيكلة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة بسبب سوء الإدارة وانتشار الفساد.
2 – المستشار السياسي للمرشد الإيراني المعتدل علي شمخاني، والذي استقال بشكل مفاجئ من منصبه كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي، نتيجة ضغوط معارضيه، لكنه قد يتعرض للضغط خلال جولة الانتخابات من قبل معارضيه، بسبب قضايا الفساد التي تواجه أقاربه، واعتقال ابن شقيقه موعود شمخاني بشبهة فساد.
3 – المستشار العسكري للمرشد الإيراني ووزير الدفاع السابق المعتدل حسين دهقان، والذي يتولى حاليًا رئاسة مؤسسة المستضعفين التابعة للمرشد الإيراني، ويحظى بمكانة مهمة في نسيج التيار الأصولي، وقد يكون وافر الحظ سياسيًا، لكنه سيواجه صعوبة خصوصًا وأن شعبيته بين الجماهير الإيرانية ضعيفة.
ثانيًا: الإصلاحيون الحكوميون
من غير المرجح أن تكلف القيادة الإيرانية مرشحين إصلاحين لخوض الانتخابات، خاصة بعد رفض أهلية الرئيس الإصلاحي السابق حسن روحاني في دخول سباق انتخابات عضوية مجلس خبراء القيادة، ثم مجلس خليفة المرشد، وهو ما سبب توترًا سياسيًا بين الإصلاحيين والأصوليين في الداخل.
مع ذلك هناك عدة خيارات لمرشحين إصلاحيين مثل: محمد الصدر المستشار السياسي السابق للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، والنائب الأول في حكومة حسن روحاني إسحاق جهانغيري، والسياسي ورجل الدين الإصلاحي البارز مجيد أنصاري، علاوة على ترديد اسم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية في حكومة حسن روحاني الأخيرة.
ثالثًا: المرشحون المحافظون الكلاسيكيون
ترتفع فرص انتخاب المحافظين الكلاسيكيين في حالة دخول بعض الإصلاحيين لسباق الانتخابات الرئاسية، ومنهم:
1 – رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والذي تعتبره مجموعة من الأصوليين المعتدليين أنه شخصية تنفيذية قادرة على حل بعض المشاكل القائمة في البلاد، بينما المنافسين الذي عارضوا رئاسته للبرلمان في دورته الثانية عشر يُتوقع أن يستغلوا شبهات الفساد المالي التي تحوم حوله، لإقصائه من السباق الانتخابيي.
2 – أمين المجلس الأعلى لمجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، وهو خيار مُقترح لدى المحافظين، إلا أن حظوظه الشعبية ضعيفة بسبب ترشحه المتكرر في انتخابات الرئاسة والبرلمان، والتي باءت كلها بالفشل.
3 – الدبلوماسي الأصولي وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي، والذي تعرض لهزيمة قاسية أمام الرئيس السابق حسن روحاني في الانتخابات التي جرت بينهما، إلا أن سياساته الاقتصادية الداعية للعدالة الاجتماعية تختلف عن سياسة المرشد علي خامنئي الاقتصادية الداعمة للسوق والخصخصة، ومع ذلك توجهاته الفكرية هى الأقرب للمرشد مقارنة بالأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني.
خاتمة
جملة ما أعلاه، أنه لا يزال الوقت مبكرًا للجزم بالمرشحين النهائيين للانتخابات الرئاسية الإيرانية حتى الآن، لكن الشارع الإيراني أميل للمرشحين المعتدلين لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية في إيران خلافًا لنهج المحافظين، كما ستزداد فرص فوز المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، إذا لم يقم مجلس صيانة الدستور بعمليات شطب واسعة كما حدث في الماضي.