مدخل
ينص الدستور الإيراني في المادة ١٥٤ على الاستقلال والحرية وسيادة القانون والحق حقاً لجميع شعوب العالم. وعليه، فإن إيران تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم، ولكنها تمتنع امتناعاً تاماً عن جميع أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى.[١]
وتتمثل السياسة الخارجية الإيرانية في المادة ١٥٤ والازدواجية في النص ما بين دعم المستضعفين ضد المستكبرين في جميع أنحاء العالم، وما بين عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب. وإذا ما ألقيت نظرة على ميثاق الأمم المتحدة، والتي انضمت إليها إيران في عام ١٩٤٥م، يتضح أن الفصل الأول من المادة الثانية فقرة (٧) تنص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
أولاً: استراتيجية إيران في السياسة الخارجية
إن السياسة الخارجية هي أحد أفرع الاستراتيجية القومية لإيران، والتي تقوم على نظرية أم القرى لمحمد جواد لاريجاني مستشار كبير المرشد علي خامنئي في الشؤون الخارجية وسكرتير المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وقد ضمنها في كتابه: مقولات في الاستراتيجية الوطنية، والتي كتبها في عام 1987م.
“
هذه النظرية تفسر السلوك الإيراني تجاه الدول الخليجية والعربية والتي سعت من خلالها إلى تصدير الثورة وتكوين إمبراطورية فارسية، مستقطبة الشعوب العربية بالترغيب، أو المال أو السلاح أو جميعها معاً، لتحويل إيران إلى مركز الاسلام العالمي وتشكيل أمة إسلامية تحت حكم ولاية الفقيه.
“
يطرح محمد جواد لاريجاني نظرية أم القرى، أنه إذا أصبحت دولة من بين البلاد الإسلامية أم القرى ودار الإسلام على نحو تعد فيه هزيمتها أو انتصارها هزيمة أو انتصار للإسلام كله، فإن الحفاظ عليها يأخذ أولوية على أي أمر آخر، ومما لا شك فيه الحفاظ على حيز الدولة الجغرافي.[2]
“إن الأساس المذكور أعلاه يدل جيداً على علاقة النمو والتكامل بين أم القرى والعالم الإسلامي: إذا وقع هجوم على الإسلام من أي مكان في العالم أو جرى الاعتداء على حقوق المسلمين فإن أم القرى ترعد وتزمجر وتنهض للدفاع، ومن المؤكد أن الحكومات الجائرة والكافرة لن تتحمل ذلك، وستتهيأ لإزالة هذه؛ لذلك تستهدف حياة النظام. وفي مثل هذا الوضع فإن على كل الأمة الإسلامية واجب الدفاع، وليس فقط شعب أم القرى، ومن ناحية أخرى كلما أظهرت الأمة الإسلامية استعدادا أكثر للدفاع عن حياة أم القرى فإن حكومات ونماريد الكفر سيلتزمون ضبط النفس عليها؛ لأنها تحسب حساباً لأمة عظيمة مليارات وليس لعدة ملايين من السكان، وسيكون لأم القرى دور أكبر في الدفاع عن حقوق المسلمين”.[3]
وحسبما ذكر محمد جواد لاريجاني، فإنه يلخص نظرية أم القرى على النحو التالي:
أن العالم الإسلامي أمة واحدة.
أساس وحدة الأمة قيادتها.
قيادة العالم الإسلامي تقوم على أساس ولاية الفقيه.
عندما تقوم حكومة في إحدى بلاد الإسلام ويكون لدى قيادتها الأهلية لقيادة الأمة، في هذه الحالة تصبح أم القرى دار الإسلام.
إذا قامت دولة أم القرى ففي هذه الحالة واجب على القيادة أن تلاحظ مصالح كل الأمة، ومن ناحية أخرى فإن المحافظة على أم القرى هو فريضة ولها أولوية على أي أمر آخر.[4]
يحاول لاريجاني وضع استراتيجية تكون إيران هي مركز الإسلام العالمي وتكون فيها نقطة بداية وقاعدة الانطلاق نحو تحقيق الوحدة الإسلامية، وأن تكون الدولة القائدة ولها السلطة والصلاحية والولاية المطلقة على هذه الأمة الإسلامية جميعاً تحت حكومة الولي الفقيه، وبالتالي تعد إيران الحكومة الأمثل باعتبارها استطاعت إسقاط حكومة الشاه محمد رضا بهلوي الفاسدة، وقادرة أيضاً على تصدير ثورتها إلى الخارج.
كما قامت بإعطاء طموحها التوسعي صبغة قانونية من خلال الدستور حيث يتيح لها التدخل في الشؤون الداخلية للدول ويعطيها الحق المباشر لنشر الفوضى والمساس بسيادة الدول تحت ما يسمى بنصرة المستضعفين وحمايتهم ضد المستكبرين ليكون هناك سند قانوني تجاه الشعب الإيراني لتبرير تدخلاتها في المنطقة، وفي الوقت نفسه لا تسمح لأحد التدخل بشؤونها الداخلية أو المساس بسيادتها وباستقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري، من وجهة نظر لاريجاني.
“
يرى لاريجاني أن حماية الحكومة الإيرانية والدفاع عنها واجب على كل مسلم، لأن انتصار أم القرى يعني انتصار الإسلام، وهزيمة أم القرى يعني هزيمة الإسلام. هذا التناقض يساعد إيران في خدمة مشروعها للتوسع الخارجي، وحماية نظامها من أي تهديد خارجي، وتبرز هنا المصلحة القومية الفارسية الإيرانية لبناء الإمبراطورية الفارسية.
“
ويتعامل النظام الإيراني مع الدول وفق المصلحة القومية وليس على أساس مبدأ احترام سيادة الدولة وحق الجوار، فقد جاء في دستورها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب وليست الدول، فهي على استعداد للتدخل ودعم جميع الشعوب التي ترغب في الخروج على أنظمتها بما يتوافق مع مصالحها الاستراتيجية من الحركات أو الجماعات أو الفصائل أو أحزاب من أجل نشر الفوضى للتمدد والتوسع على حساب الدول العربية.
ثانياً: سياسات الاستقطاب
إن التوظيف السياسي للانقسامات «السنية – الشيعية» عبر الاستقطاب المذهبي له جذور دينية واقتصادية واجتماعية، وتتعلق بالأخطاء السياسية والتهميش الاجتماعي في بعض الدول العربية، ويساعد على ذلك ما حدث بعد غزو العراق عام ۲۰۰۳م، وإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية وفق مبدأ المحاصصة الطائفية، حيث استغل النظام الإيراني غرس الطائفية في مجتمع الدولة ومؤسساتها. لا شك في أن تطور المسألة المذهبية في العراق على مدى سنوات ما بعد الغزو الأمريكي كان عاملا أساسيا في تبلور ملامح الاستقطاب المذهبي الذي انحصر في البداية في الداخل العراقي، ثم توسع بدائرته إلى الخارج، حتى أصبحت إيران بمثابة مركز وفلك إقليمي لدائرة كبيرة تضم في إطارها وحدات وتكوينات مذهبية داخل دول المنطقة.[5]
إن أحد أهم الاستراتيجيات الإيرانية هي الأيديولوجيا الشيعية الثورية، وهي القوة المحركة لتمدد نفوذ إيران في سياستها الخارجية تجاه دول المنطقة حيث كان تأثير البعد الأيديولوجي المتطرف عبر مبدأ تصدير الثورة إلى الخارج واضحاً، والذي أثار الكثير من التوترات في العلاقات العربية ـ الإيرانية؛ لذلك نجحت في الاستثمار الطائفي كمادة شحن للصراعات العربية وفق مصالحها، فقد كان الشيعة العرب في العراق أداة في فترة من الفترات لمشروعها من خلال ضرب النسيج المجتمع العراقي، والذي أدى تكوين جماعات تعد أذرع للولي الفقيه.
ولم يقتصر الأمر فقط على العراق، فقد نجحت في سوريا ولبنان واليمن، واستطاعت في تكوين الهلال الشيعي عبر الدول الهشة وغير المستقرّة سياسياً وأمنياً، كما أصبح الكل يطوف في فلك النظام الإيراني، وأذرع عسكرية لخدمة مشروعها التوسعي عن طريق مدهم بالمال والسلاح، والاشراف على تدرّيبهم، كل ذلك من أجل بناء إمبراطورية فارسية على أنقاض الدول العربية.
في واقع الحال أصبح طموح إيران السياسي أكثر جرأة تجاه الوطن العربي، كما أصبحت توظف الانقسام السياسي «السني – السني» لصالحها، وتمزج الأيديولوجيا بشعارات أخرى، فإذا جاء في دستورها الدفاع عن حقوق الشعوب ومحاربة الاستكبار والقوى العالمية المهيمنة، في المقابل صادرت أهم القضايا التي يجتمع عليها المسلمين والعرب وهي القضية الفلسطينية، كما قامت بتفصيلها على مقاس طموحاتهم الإقليمية وتحويلها إلى ورقة تتلاعب من خلالها بعواطف الشعوب العربية والإسلامية مستغله التراجع العربي، الأمر الذي يساعدها خلق أذرع أو مناطق نفوذ في دول العالم العربي.
“
أصبح النظام الإيراني لا يعتمد على الأحزاب أو الحركات أو الجماعات التي يربطها في إيران المذهب الشيعي، بل تقف وتدعم الجماعات والتيارات والأحزاب الإسلامية السنّيّة ذات الصبغة السياسية والفاعلين ما دون الدولة في النظام الإقليمي، مثل دعمها لجماعة الإخوان وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وتبنّي إيران لقيادات القاعدة أبي مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، واستطاعت توحيدهم تحت رايتها وأن اختلفت التوجهات، كما جاء في أدبيات علم السياسة (عدو عدوي صديقي).
“
فالبعض أصبح ينظر إلى إيران كونها الدولة الرئيسة في محور المقاومة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، والبعض الآخر يشترك معها في الأحلام والطموحات في إقامة دولة إسلامية. وعلى الرغم من وجود ما يربطها معها من مصالح سياسية أو استراتيجية، إلا أن جميعهم يحققون الهدف الرئيس لإيران، تفكيك العالم العربي، والتقدُّم في طموحاتها التوسُّعية وخدمة مشروعها الاستراتيجي في جعل نفسها المرجع الديني والسياسي في العالمين العربي والإسلامي.
علاقة إيران بالإخوان المسلمين
ذكرت بعض المصادر أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر طرحت على الخميني في زيارة له، أن يبايعوه كخليفة للمسلمين، مقابل أن يعترف بأن الخلاف على الإمامة بعد وفاة الرسول محمد كان سياسيًا، وغير ديني. ويبدو أن الخميني قبل ذلك العرض، وهو ما أثمر عن تعزيز العلاقة بين الطرفين، عبر ترجمة كتب سيد قطب وحسن البنا وتدريسهما في مناهج إيران التعليمية.[6]
كما كشف موقع “The Intercept” الأمريكي أن وثائق سرية مسربة للاستخبارات الإيرانية تضمنت معلومات عن استضافة تركيا لاجتماع بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان للعمل ضد السعودية. وأوضحت الوثائق المسربة أن “تركيا استضافت في عام 2014م اجتماعاً بين الحرس الثوري والإخوان لمواجهة السعودية، والتحالف ضدها. وبيّنت المعلومات الواردة في الوثائق المسربة أن ممثل الإخوان طالب الحرس الثوري الإيراني بالعمل ضد المملكة باليمن من خلال توحيد صفوفهما، في ظل “تشاركهما في كراهية السعودية”. وتقدم الوثائق الإيرانية المسربة لمحة مثيرة للاهتمام حول اجتماع عام 2014م بشأن المحاولات السرية من جانب تنظيم الإخوان المسلمين والمسؤولين الإيرانيين للحفاظ على الاتصال، وتحديد ما إذا كان لا يزال بإمكانهم العمل معًا، بعدما تم عزل محمد مرسي من السلطة.[7]
علاقة إيران مع حركة حماس
يعد التقارب بين حركة حماس الفلسطينية والنظام الإيراني إلى أسباب مادية تتعلق بالدعم المالي والعسكري الذي تحصل عليه «حماس» من طهران، كما صرح خالد مشعل أن حركة حماس تطرق جميع الأبواب من أجل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد اتخذت طهران من القضية الفلسطينية ستارًا لها من أجل التغلغل في العمق العربي، وتمثل علاقة إيران بحزب الله اللبناني قاعدة أساسية انطلقت منها حركة حماس لوضع البنية التحتية في علاقاتها مع طهران، حيث يمثل حزب الله حائط صد في مواجهة إسرائيل، ولذلك تعتبر نقطة الانطلاق واحدة، ما عجّل بمزيد من التوافق بين أطراف القضية الفلسطينية. ويمثل الدعم المادي والعسكري أبرز النقاط التي بنت حماس عليها العلاقة مع طهران، في ظل التدريب العسكري والعتاد والأموال التي تحصل عليها الحركة من وقت لآخر من خزائن طهران، فضلًا عن تدريب عناصر القسام على يد أعضاء الحرس الثوري، وإمدادهم الحركة بمزيد من السلاح والعتاد العسكري لمواجهة الكيان الإسرائيلي.[8]
وقد عبر علي خامنئي خلال اللقاء الذي جرى في طهران مع 9 مسؤولين من “حماس”، عن استعداد طهران لرفع دعمها المالي الشهري للحركة إلى 30 مليون دولار.
كما صرح رئيس مكتب العلاقات الدولية لحركة “حماس”، موسى أبو مرزوق قائلاً: “هناك علاقات متينة مع الجمهورية الإسلامية ولم تنقطع إطلاقاً في أي مرحلة من المراحل، ولكنها بين شد وجذب، ولكنها الآن في أحسن صورها”، وفق تعبيره.
إن العلاقة بين حركة حماس وإيران هي علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة، فحماس تجني من طهران أموالا وتدريبا وأسلحة، وفي المقابل توظف إيران دعمها لحماس في سبيل تحصين موقعها في المعادلة السياسية بالمنطقة، ومحاولة كسب الرأي العام الجماهيري، وحتى في فترات سابقة استطاعت إيران أن توظف دعمها اللامحدود لحماس والجهاد الإسلامي وحزب الله خدمة لنشر التشيع في المنطقة، وقد وصلت ذروة ذلك كله بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والتي ارتفعت فيها أسهم حزب الله، وشهدت حركة حماس نفسها حالات تشيع في قواعدها.[9]
وفي ظل مقتل قائد فيق القدس قاسم سليماني، اتصل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية هاتفيا بوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، وقدم العزاء في مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وفي تصريحات تلفزيونية وصف إسماعيل رضوان، وهو قيادي بالحركة، مقتل سليماني بأنه خسارة كبيرة لفلسطين والمقاومة. كما وصل إلى طهران قيادات بارزة في حركة حماس وشاركوا في مراسم تشييع الجنازة.[10]
علاقة إيران بحركة الجهاد الإسلامي
تعد حركة الجهاد الإسلامي إحدى أذرع النظام الإيراني العسكري في فلسطين، وتحديدا في قطاع (غزة)، من خلال تلقي الدعم المادي والعسكري المباشر من طهران، وتعد علاقة حركة “الجهاد الإسلامي” بسليماني تطوّرت كثيراً في الفترة الأخيرة، حتى وصلت إلى درجة التعاون الكامل في التخطيط ورسم السياسات العامة، وكيفية التعامل مع إسرائيل وطبيعة الرد على انتهاكاتها في قطاع غزّة، وفقاً لما يراه المراقبون للساحة الفلسطينية. ويعتقد محللون سياسيون بأنّ سليماني كان المصدر الأول للقرارات العسكرية، بالنسبة إلى حركة الجهاد الإسلامي، التي بدا التقارب بينها وإيران واضحاً جداً، وباتت تُعرف بأنها ذراع عسكرية لإيران في قطاع غزّة.
“
في المقابل، أتى موقف حركة الجهاد الإسلامي قوياً، إذ أظهرت غضباً واضحاً على مقتل سليماني. وقال الناطق باسم “سرايا القدس” (الجناح العسكري لحركة الجهاد) أبو حمزة، إنّهم يودعون “قائداً بث الرعب في قلوب أميركا وإسرائيل. ولطالما أشرف الجنرال الإيراني على امتداد عقدين على دعم فلسطين ونقل الخبرات العسكرية والأمنية إلى الفصائل”.
“
واعتبرت “سرايا القدس” نفسها جزءاً من “محور المقاومة”. وأضاف أبو حمزة أن “محور المقاومة لن يُهزم ولن ينكسر وسيزداد تماسكاً وقوةً في مواجهة المشروع الإسرائيلي – الأمريكي، وسيكون الرد قوياً على عملية الاغتيال”. وكان ظاهراً في الفترة الأخيرة تقارب كبير بين إيران وحركة الجهاد الإسلامي، حيث يُعد فيلق القدس في الحرس الثوري الداعم الأساسي لها بالمال والسلاح. وقد عمل سليماني على بناء قاعدة قوية لإيران في قطاع غزّة، وتحديداً مع حركة الجهاد الإسلامي، وعمل على دعمها بالأفكار في المواجهة مع إسرائيل، ومد الفصائل بالسلاح ما مكّنه من بناء علاقة مميزة.[11]
علاقة إيران بتنظيم القاعدة
يدين تنظيم القاعدة الإرهابي بالفضل في وجوده وانتشاره الواسع في عدد من دول العالم إلى إيران، وتعد العلاقة السرية التي ربطت النظام الإيراني بأسامة بن لادن أحد الأسباب الرئيسة لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، التي تعد أكبر حادث إرهابي شهده العالم. وقد تعاونت إيران مع القاعدة سرا وفي كثير من الأحيان بالوكالة، حيث بدأ هذا التعاون في أوائل تسعينيات القرن العشرين في السودان، وبحسب معهد واشنطن، فإن إيران توصلت مع القاعدة إلى اتفاق غير رسمي للتعاون، حيث قدمت طهران المتفجرات الحرجة والمخابرات والتدريب الأمني لبن لادن. واستمر هذا التعاون بعد انتقال القاعدة إلى أفغانستان، وحتى تجلى في الأراضي الإيرانية قبل هجمات 11 سبتمبر وأثنائها وبعدها.
وعلى الرغم من أن هذا التعاون كان معروفا من قبل السلطات، إلا أن الولايات المتحدة اتهمت رسميا للمرة الأولى في يوليو 2011م، إيران بتشكيل تحالف مع القاعدة يشمل إيواء عملاء القاعدة على الأراضي الإيرانية ومساعدة تنظيم القاعدة في عبور الأموال والأسلحة والمقاتلين.
وفي عام 2003م، نشرت صحيفة واشنطن بوست عن العلاقة بين أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة آنذاك، وأحمد وحيدي، وزير الدفاع الإيراني الأسبق. وفي عام 2001م، قيل إن وحيدي، عندما كان قائدة لفيلق القدس، قدم «ملاذا آمنا لبعض قادة القاعدة الذين حوصروا في جبال تورا بورا» عقب مفاوضات مع الظواهري.[12]
وقد أقر محمد جواد أردشير لاريجاني، في تصريحات غير مسبوقة خلال مقابلة حصرية مع التلفزيون الإيراني في 30 مايو 2018م، بأن إيران سهلت مرور عناصر القاعدة الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م في مدينة نيويورك. وكشف لاريجاني عن تفاصيل علاقة النظام الإيراني بتنظيم القاعدة، وكيفية إشراف المخابرات الإيرانية على مرور عناصر التنظيم في إيران واستقرار بعضهم بها.
وكانت “وثائق أبوت أباد”، التي حصلت عليها القوات الأمريكية من مخبأ زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن لدى مقتله عام 2011م، في باكستان، ونشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)كشفت تفاصيل جزء من علاقة إيران بتنظيم القاعدة. وأظهرت إحدى الوثائق أن عضواً بارزاً في تنظيم القاعدة أكد في رسالة أن إيران مستعدة لتوفير كل ما يحتاجه تنظيم القاعدة، بما في ذلك الأموال والأسلحة، ومعسكرات تدريب لحزب الله في لبنان مقابل أن تقوم الجماعة الإرهابية، بالهجوم على مصالح أمريكا في المملكة العربية السعودية والخليج العربي”، وذلك بحسب تحقيق قام به من “توماس جوسلين” و”بيل راجيف” الباحثان في “معهد الدفاع عن الديمقراطيات” حول تفاصيل 19 صفحة مرتبطة بعلاقات تنظيم القاعدة إيران، من “وثائق أبوت أباد”.[13]
خاتمة
إن سعي إيران بعد نجاح ثورتها عام ١٩٧٩م إلى تصدير مبادئ تلك الثورة إلى خارج حدود الدولة وإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية، هدفه تسييس الإسلام وإزالة كل الأنظمة السنية المحيطة بها لتصبح ولايات تابعة لها تحت حكم الولي الفقيه؛ لهذا تنظر إيران دائماً إلى جوارها السني على أنها دول دكتاتورية وحكومات استكبارية تتعاون مع الأعداء وتتحالف معهم، ويجب تخليص المسلمين منهم، لذلك تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من باب السيطرة على ثروات هذه الدول تحت ذريعة ما تقول إنه “تحرير الشعوب العالم العربي والإسلامي من تبعية أنظمة الحاكمة”.
ويعد التنافس والصراع الديني على مدى عقود، بين مدينة النجف العراقية وبين نظيرتها مدينة قُم الإيرانية على الحكم والمرجعية لدى الشيعة، نقطة قوة يمكن استغلالها بسبب الأوضاع الإقليمية في المنطقة، فإيران تقترب من نقطة تحوّل سوف تعصف بها نظراً للأوضاع الداخلية في إيران، والمظاهرات المتكررة وتعطش الإيرانيين للانفتاح والخروج من العباءة الدينية، ومع المظاهرات الأخيرة التي حصلت في عام ٢٠١٩م، في العراق وانتفاضة الشيعة على المرجعيات الدينية، يجب استغلالها لعزل الشيعة العرب عن شيعة الفرس والولي الفقيه، وإعادة صناعة الهوية الوطنية العراقية تحت الدولة الجامعة وفق ميثاق سياسي يقوم على المواطنة أكثر منه على الطوائف والمذاهب والديانات ونظام المحاصصة، التي تزيد من التفرقة وتمزيق العراق إلى دول.
“
إن نجاح ذلك يعني عودة الدولة العراقية واستعادة مكانتها في الساحة الإقليمية والدولية، ووضع حد للتمدد الإيراني في المنطقة، لأن سقوط نظام الحكم في العراق سمح لإيران بالتمدد الجغرافي تجاه دول المنطقة.
“
كذلك ما يحدث في الدول العربية من انشقاقات، وسياسات استقطاب داخل الدول والتي من المفترض أن تعبر عن إرادتها السياسية كدولة وطنية مستقلة لا تخضع إلى جهات خارجية، قد أثر على الأمن القومي العربي باعتباره ركيزة أساسية في الوطن العربي، في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن، وقد انعكس ذلك أيضاً على الداخل.
كما أن جامعة دول العربية التي نشأت في عام 1945م، لم تعد قادرة على مواكبة النظام العالمي الجديد والمتغيرات الإقليمية والدولية، والتحديات التي طرأت وتواجهها الدول العربية، ما يؤثر دورها سلباً على الأمن القومي العربي. ويعد وجود مشروعًا عربيًّا ممزوجًا بالهوية الإسلامية الشامل والضامن لجميع الطوائف والبلدان العربية للوقوف والتصدي للسيطرة والهيمنة الإيرانية في المنطقة أصبح أمراً ضرورياً في ظل الهيمنة والقوة العسكرية التي تمتلكها إيران.
ـــــــــــــــ
1 ـ دستور إيران الصادر عام 1979م شاملاً تعديلاته لغاية عام 1989م، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات.
2 ـ العتوم، نبيل، إيران ونظرية أم القرى الشيعية: مركز أمية للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١٧، ص36.
3 ـ العتوم، نبيل، إيران ونظرية أم القرى الشيعية: مركز أمية للدراسات الاستراتيجية، 2017، ص100.
4 ـ العتوم، نبيل، إيران ونظرية أم القرى الشيعية: مركز أمية للدراسات الاستراتيجية، 2017، ص104.
5 ـ حال الأمة العربية العرب وعام جديد من المخاطر، ٢٠١٥-٢٠١٦: مركز دراسات الوحدة العربية. ص 95
6 ـ موقع كيوبوست، تعاون تاريخي وثيق بين إخوان إيران والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، نوفمبر 2018.
7 ـ موقع العربية، تسريبات: تعاون إيراني إخواني على أرض تركيا ضد السعودية، نوفمبر 2009.
8 ـ خيري، محمد، حماس وإيران صراع تبادل المصالح: المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب، 2018.
9 ـ موقع صحيفة العرب، إيران وحماس.. علاقات منفعة تعلو على الاختلاف الطائفي، يونيو 2017م.
10 ـ حماس “استشهاد” سليماني خسارة كبيرة لنا، موقع العربية، 5 يناير 2020.
11 ـ أبو عيشة، عز الدين، رد فعل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” على مقتل سليماني ليس واحد: موقع اندبندنت عربية، يناير 2020م.
11 ـ يماني، أماني، وثائق سرية تكشف علاقة طهران بالقاعدة: موقع صحيفة مكة، يونيو 2019م.
12 ـ حميد، صالح، قيادي إيراني آخر بالحرس يعرف: نعم تعاونا مع القاعدة: موقع العربية، إبريل 2019.