ألقى محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب”، محاضرة تحت عنوان “الأزمة الاقتصادية في إيران (١٩١٧ – ١٩١٩).. أسباب المجاعة الكبرى وتداعيات الكساد العظيم” في اللقاء الخامس لسيمنار التاريخ المعاصر في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، يوم السبت الماضي، الموافق 7 مارس 2020، وفيما يلي نص المحاضرة:
اللهم إن للسان زلات؛ فاغفر زلات ألسنتنا، وللكلام سقطات؛ فاغفر اللهم سقطات كلامنا، وارزقنا الرشد قولا وعملا، إنك على كل شيء قدير.
وبعد؛
يسعدني أن أكون في هذا الصرح العلمي العظيم والذي جاوز عمره 75 عاما، وأشرف على لحظات مهمة في تاريخ أمتنا، وأخرج إلى المجتمعين المصري والعربي باحثين نابهين ساعدوا على إنارة طرق الفهم وتعبيدها أمام الرأي العام، وأمام صناع القرار على حد سواء، ورسم خطا فاصلا لا يمكن تجاوزه بين العلم والجهل وبين النور والظلام.
لذلك واحتراما مني لحيث ما أنا جالس واحتراما لما أقوم به، وقبل أن أشرع في عرض مجموعة الأفكار التي تساعدنا على تحري موضوع هذه المحاضرة وهو “الأزمة الاقتصادية الكبرى في إيران 1917 ـ 1919” وتتبع مآلاتها؛ يطيب لي أن أضع مجموعة من المحددات من شأنها إعانتنا على تنظيم الأفكار في سبيل الوصول إلى هذا المبتغى:
أولا: أن ما سأقوله هو محاولة للفهم وليس محاولة للحكم، أي أنني لن أحاول إطلاق أحكام نهائية عن إيران أو ما جرى وما يجري فيها، أو حتى ما ستؤول إليه الأمور فيها، بل أحاول جهد الطاقة أن أضع مجموعة من النقاط فوق أحرفها الصحيحة، حتى يتسنى لنا جميعا الوصول إلى رؤية واضحة عن هذه البلاد.
ثانيا: أن ما سأقوله هو حديث في أصول علم التاريخ، وليس حديثا في فنون السياسة، بمعنى أن استدعاء التاريخ للترويج لخطاب سياسي يساق في كثير من المنصات، وإن كان يصلح للاستهلاك الشعبي العام؛ لكن المقام هنا لا يسمح به، ولذلك فإني أؤثر أن أرتكز على الأسس التي تعتمد عليها هذه الرؤى، كي تكون بمثابة أوتاد العلم والبحث والدرس، وليست دواعي الحشد أو الاستقطاب.
ثالثا: تفهم أن منطلقات تقييم الوضع في إيران في أحقاب التاريخ المختلفة تعتمد على الدراية والإلمام بشؤونها؛ ذلك أن “الناس يفسرون المجردات وفقا لخبراتهم”، كما قال الفيلسوف الأمريكي، روبرت دال (١٧ ديسمبر ١٩١٥ ـ ٥ فبراير ٢٠١٤)، ولذلك فإن خبرة الأشخاص على عمقها أو سطحيتها هي المحدد الأبرز للتعامل مع مجريات الوضع أو مآلاته في هذا البلد.
رابعا: يتعين إدراك الخصوصية المعقدة للشخصية الفارسية وطريقة النخب في صنع القرار أوقات الأزمات سواء مسألة القحط العظيم 1917 أو حتى العقوبات الأمريكية الراهنة، ومن المهم فهم أن النخب الإيرانية على اختلاف أيديولوجياتها تتقدم عندها القومية على الدين، وللتدليل على ذلك يمكن القول إن الفرس أخذوا من العرب الإسلام، لكنهم لم يأخذوا اللغة ولا الحضارة؛ بل على العكس صدروا منتجهم الثقافي من مرادفات وكتابات وفلاسفة ومفكرين إلى الحضارة الإسلامية.
خامسا: مراعاة أن دراسة التاريخ والعودة إلى الماضي ليست سردا للحكايات، بل هي علم يقصد به الاعتبار من أحداث الأسلاف لفهم الحاضر وإيجاد تفسير لوقائعه، ثم التنبؤ بالمستقبل ومحاولة استقرائه، في وقت تطفو فيه الشؤون الإيرانية على واجه الأحداث ولا تكاد نشرة أخبار واحدة حول العالم تخلو من خبر عن إيران سلبا أو إيجابا، وبالتالي فإن مهمتنا العودة إلى التاريخ لاستخلاص دروسه والتعلم منه في تحليل السياسات.
وهذه المحاضرة تنقسم إلى أربعة مستويات وهي كالتالي:
المستوى الأول: أسباب الأزمة الاقتصادية في إيران 1917م
تعتبر الأزمة الاقتصادية الكبرى في إيران 1917 ـ 1919م، والتي نتجت عن كساد كبير في البلاد، واحدة من الأحداث المفصلية في الذاكرة الإيرانية بالتاريخ الحديث والمعاصر؛ ذلك أنها أدت إلى عدد من النتائج المباشرة منها:
ــ حدوث مجاعة كبرى، وتغير بنية المجتمع الذي شرع في الانتقال من الريف إلى الحضر.
ــ تبدل شكل العلاقة بين النخب الحاكمة المكونة من رجال الدين والعسكريين وتجار البازار والعائلة القاجارية.
ــ حدوث وفيات تقدر بما يتراوح بين 8 و10 ملايين نسمة، أي نحو نصف الشعب الذي كان يقدر تعداده في هذا الوقت بحوالي 20 مليون نسمة.
ــ صعود رضان خان مؤسس الأسرة البهلوية إلى واجهة الأحداث واعتلائه سدة الحكم.
ــ حدوث موجات متتالية من انتشار المجاعة وتفشي الأمراض الوبائية مثل الكوليرا والأنفلونزا والتيفوس.[1]
وقد بلغ عدد سكان إيران في عام 1914 حوالي 20 مليون نسمة، ووفقا للمعدل الطبيعي كان من المفترض أن يصل هذا العدد إلى 21 مليون في عام 1919 على الأقل، لكن التعداد الفعلي في عام 1919 كان 11 مليون نسمة، وهذا يعني أن 10 ملايين فقدوا إثر كارثة القحط والمجاعة والأمراض وانتشار الأوبئة.[2]
وبحلول عام 1917 واحتدام أحداث الحرب العالمية الأولى شهدت إيران تنافسا محموما بين القوى السوفيتية والبريطانية خاصة في فترة ما قبل نشوب الثورة البلشفية، ونجحت بريطانيا في السيطرة على أغلب الأراضي الإيرانية ـ بعد انسحاب القوات الروسية والعثمانية[3] ـ على اعتبار أنها ذات صفة استراتيجية كبيرة في الحرب، ومن شأن الذي يسيطر عليها التفوق الاستراتيجي في كثير من ميادين القتال بين قوات المحور وبين جيوش الحلفاء، وبالتالي أصبحت بريطانيا هي القوة الأجنبية الرئيسة في هذا البلد[4]
في تلك الفترة كانت إيران واحدة من الموردين الرئيسيين لحبوب الغذاء للقوات البريطانية المتمركزة في مستعمرات جنوبي آسيا ضمن الإمبراطورية البريطانية التي وصفت في ذلك الوقت بأنها لا تغيب عنها الشمس، ولأن إيران القاجارية وقفت على الحياد في الحرب؛ فقد منعت القوات البريطانية واردات القمح وغيرها من الحبوب الغذائية إلى إيران والتي كانت تأتيها من بلاد ما بين النهرين وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ويعاد توزيعها على القوات البريطانية وعلى تجار الغلال في إيران، ومنعت كذلك السفن من تفريغ القمح في ميناء بوشهر المطل على الشاطي الشرقي للخليج العربي.[5]
وبالرغم من أن القوات العثمانية والروسية انسحبت تماما بحلول ربيع 1917 من إيران، وبالتالي تركت الساحة خاوية بالكلية لبريطانيا، فإن بلاد فارس من شرقها إلى غربها بالإضافة إلى الأراضي الواقعة على الخليج العربي كانت تحت الاحتلال البريطاني، ما يعني أن المتسبب الرئيس في إحداث المجاعة هي بريطانيا التي رأت بضرورة معاقبة الشاه أحمد القاجاري لوقوفه على الحياد في الحرب وعدم دعم قوات الحلفاء.[6] وضرورة معاقبة الشعب الإيراني لأن بعض طوائفه أعلنوا تأييدهم للثورة البلشفية في رسالة أرسلوها إلى مجلس النواب الروسي وغيرها من مظاهر الدعم للبلاشفة الممسكين حديثا على مقاليد الحكم في موسكو.[7]
كما أنه من الأسباب المهمة لحدوث المجاعة اضطراب حكم أحمد شاه القاجاري الذي لم يستطع حماية البلاد من القوى الأجنبية ذلك أن قوام كل الجنود الإيرانيين في تلك الفترة لم يكن يتجاوز 8 آلاف جندي، وكلهم من الجندرمة والمتطوعين، فضلا عن ذلك اتسمت فترة حكمه بالضعف الشديد وسوء الإدارة لدرجة أنه كان يغير رؤساء الوزراء مرة كل عام، وأحيانا مرتين في العام الواحد، لدرجة أنه عين 28 رئيسا للوزراء في فترة حكمه (16 يوليو 1909 ـ 31 أكتوبر 1925) ونشأت في تلك الفترة صراعات محتدمة بين رجال الدين وبين النخب القاجارية أعضاء العائلة الحاكمة أضعفت وجود الحكومات على الأرض ولم تمكن المسؤولين التنفيذيين من مساعدة ضحايا المجاعة، إلى جانب اشتداد الجفاف في كثير من المدن الإيرانية وهو ما أدى إلى تراجع إنتاج القمح والغلال في وقت لم تتمكن الحكومة من فعل شيء يذكر للحيلولة دون حدوث القحط.[8]
هذا إلى جانب الامتعاض البريطاني من لجوء الإيرانيين إلى الألمان لحمايتهم من النفوذ البريطاني، خاصة أن عملاء الألمان قد نشطوا في تلك الفترة بدورهم متخذين من الإسلام وسيلة لإثارة الشعب ضد بريطانيا فروجوا إشاعة اعتناق الإمبراطور الألماني وليم الثاني (1888 ـ 1918) الإسلام، واتخاذه اسم الحاج وليم، كما ركزت الصحافة الألمانية على الأصل الآري المشترك للشعبين الألماني والإيراني وبرز اسم واسموس القنصل الألماني في بوشهر وهو الأمر الذي مثل خطرا داهما على النفوذ البريطاني في الجنوب الإيراني الذي كان نصيب لندن من اتفاق تقاسم النفوذ في إيران مع موسكو التي كانت تستحوذ قبل انسحابها على النصف الشمالي في البلاد لدرجة أن جميع ضباط الجندرمة الفارسية كانوا مؤيدين للألمان وأنهم تعاونوا مع واسموس ضد المصالح البريطانية، عليه قررت بريطانيا القيام بعقاب شامل ضد المجتمع الإيراني، بأن تصدت للنشاط الألماني المتزايد لدى عشائر إيران ومنها القشقائيون، وشكلت بريطانيا قوة مسلحة على يد القائد بروس أوكس وأطلقت عليها عام ١٩١٧ اسم south Persian rifles أو “حملة بنادق جنوبي فارس”.[9]
وأذهب إلى أنه برغم أن بريطانيا أوكلت إلى تلك القوة معاقبة القبائل المتعاونة مع الألمان، إلا أن قرار حرمان البلاد من المؤن التي تحتاجها ومنع الغلال عن الموانئ هدفه تعجيز الشعب عن التحرك ضد التطلعات البريطانية والتي كانت تبغي استثمار الموقع الإيراني الفريد على خريطة الشرق الأوسط للسيطرة الاستراتيجية في ميادين الصراع المسلح، عملا بالمبدء الإنجليزي “جوّع كلبك يتبعك”، لأن قيادة شعب من الجوعى أسهل كثيرا من قيادته وهو بِشَمان.
ويرى بعض المؤرخين الإيرانيين أن ضعف الحكومة المركزية في إيران كان سببًا مركزيا في اشتداد المجاعة، إذ كان بإمكان حكومة قوية أن تمنع الكثير من هذه الكوارث. ومع ذلك، كانت حكومة أحمد شاه قاجار غير قادرة على معارضة القوات الأجنبية، وبالتالي فشلت في مساعدة الناس في مثل هذه الظروف، إلى جانب عوامل أخرى ومنها:
أن القوى العثمانية والسوفيتية والبريطانية بطبيعة الحال التي حاربت على الأراضي الإيرانية استهلكت جزءًا كبيرًا من موارد البلاد حتى في الفترة التي سبقت حدوث المجاعة.
تبني تلك القوات سياسات مدمرة، مثل سياسة الأرض المحروقة، التي بررت تدمير العديد من المرافق والإمدادات الحضرية، ما زاد من شدة المجاعة.
خروج القوات العثمانية والسوفيتية في عام 1917م، وقد تركت البلاد بلا احتياطيات أو مؤن استراتيجية.
أن هذه القوات الأجنبية (البريطانية بالتحديد) كانت تسيطر على نظام الضرائب الذي استزف موارد المواطنين وعطّل عمل الحكومة عن القيام بواجبها في الأزمة.[10]
وقد تصادف ذلك كله مع مواسم متتالية من الحصاد السيء للمحاصيل وانتشار الكوليرا ووباء التيفوس، ووباء الأنفلونزا الأكثر إهلاكا بعام 1919، وفي الإجمال مات بين عامي 1917 و1921 حوالي مليوني إيراني من سكان الحضر، بالإضافة إلى ربع سكان الريف الذين كانوا يقدرون بنحو 60 بالمئة من مجموع الشعب البالغ عدده 20 مليون نسمة؛ بسبب الحرب والأمراض. وبحلول عام 1919م، كان رجال القبائل الجياع يقومون بالسطو على المناطق الريفية بينما كانت تسري روايات عن أن الفلاحين المتضورين جوعا بفعل القحط والمجاعات والأمراض لجأوا إلى أكل لحوم بعضهم البعض.[11]
المستوى الثاني: أحداث المجاعة الكبرى (1917 ـ 1919)
أدت الأزمات الاقتصادية المتتالية ومنها فشل الحكومة في إيجاد موارد بديلة للبلاد عن استيراد السلع من الخارج، إلى جانب مواسم الحصاد السيئة فضلا عن الإجراءات العقابية البريطانية ضد الحكومة والمجتمع في إيران إلى مجاعة قتلت الكثير من الناس في طهران، بحيث كانت جثث الفقراء الذين ماتوا من الجوع مبعثرة في شوارع العاصمة، وفي مدن البلاد بطولها وعرضها كان الطعام والخبز سلع نادرة للغاية.
والواقع أن هذه الكارثة لم تقتصر على طهران فحسب، بل عمت جميع أنحاء البلاد. ويؤكد العديد من المؤرخين الذين تناولوا تلك الفترة، مثل الجنرال ميجور دنيسترفي، النطاق الكارثي للمجاعة لدرجة أن هناك تقارير عن أكل لحوم البشر في البلاد. وكانت هناك حالة واحدة قتلت فيها الأم ابنها البالغ من العمر ست سنوات بسبب الجوع. في مثل هذه الحالة الرهيبة، لم يكن من المستغرب أن توجد حالات عن أكل لحم الكلاب والقطط، أو نشوب المعارك بين الناس على جثة حيوان نافق.[12]
وبين عامي 1917 ـ 1918 على سبيل التحديد شهدت إيران ندرة بالغة في الأمطار وما تلا ذلك من جفاف على مساحة واسعة من البلاد، إلى جانب تفشي الآفات النباتية التي أدت إلى تدهور المحاصيل الزراعية، وفي تلك الأثناء ومع عدم وجود حكومة مركزية قوية غير قادرة على إدارة الجفاف وعدم وجود مرافق نقل مناسبة، اشترت القوات البريطانية القمح أكثر مما كانت في حاجة إليه، وأرسلت القمح الذي اشترته من الإيرانيين إلى القوات المتمركز في العاصمة الأذربيجانية “باكو”، في حين كان بإمكان الإنجليز شراء القمح والحبوب الأخرى من الدول المجاورة، مثل بلاد ما بين النهرين والهند، لكنهم مارسوا هذه السياسة من أجل توفير الوقت وشراء الإمدادات بأسعار منخفضة.[13]
ويعزز ذلك ثبوت شراء الإنجليز كميات ضخمة من الحبوب في خراسان؛ من أجل تأمين غذاء القوات بقيادة الجنرال مالسون في جنوبي الاتحاد السوفييتي، وتشير الأدلة والوثائق من تقارير الصحف وتقارير المبشرين الأمريكين، أن الإنجليز كانوا منشغلين بشراء الحبوب في المنطقة، في الوقت الذي عانى سكان مشهد عاصمة إقليم خراسان شمال شرقي البلاد من قحط مروع، وكذلك أشار العقيد سير مارك سايكس إلى موضوع شراء الإنجليز للحبوب في شيراز عاصمة إقليم فارس في جنوبي البلاد.[14]
وبالتالي كان من الطبيعي أن يؤدي هذا الاتجاه إلى نقص كبير في الحبوب وإساءة استخدام المستغلين والمضاربين لحالة عدم وجود الدولة؛ وعليه ارتفع سعر القمح 714 بالمئة خلال تلك المرحلة. وبحلول يناير من العام 1918 كان الإيرانيون لا يتمكنون من شراء القمح، وأكل حتى الخبز بدون طعام آخر، وتعرضوا للهلاك واحدا من بعد آخر.[15]
وبالرغم من أن مدينتي جيلان ورشت، كانتا تبعدان عن المناطق الإيرانية التي اجتاحتها المجاعة المروعة، لكن أغلب سكان رشت كانوا كذلك معرضون للجوع والمرض؛ لأنهم قاموا بمعلاجة وتغذية لاجئي المناطق الإيرانية المتاخمة لهم تلك التي طالها القحط، بيد أن المدينة سقطت كليا في يد الإنجليز بحلول يوليو 1918، بعد اكتساح الغابات، وأصحبت جيلان من جملة مدن رشت التي عانت المجاعة. وبعد فترة وجيزة من احتلال جيلان اشترى الإنجليز من جياع تلك المدينة الأرز وسائر المواد الغذائية كالبطيخ والعسل وحتى الكافيار؛ من أجل تغذية الجيش الإنجليزي في باكو؛ وعليه أعلنت الحكومة الإيرانية مرسوما يمنع تصدير المواد الغذاية من سواحل الخرز إلى أذربيجان أو أي مكان آخر[16] غير أن المرسوم لم يطبق نظرا لعدم تمكن الحكومة من إخضاع الأقاليم لسلطتها، وأصبحت تلك البلاد بالفعل دولة فاشلة بشكل كامل وفق للاصطلاح السياسي الكلاسيكي.[17]
ولعل أهم توثيق حول شراء الإنجليز للحبوب كان تقرير القنصل الأمريكي أديسون ساوثهارد كشف فيه أن مهمة شراء السلع الغذائية في غربي إيران أوكلت إلى إدارة الموارد المحلية في بلاد ما بين النهرين، وكان مقرها في العاصمة العراقية بغداد وكان عدد موظفيها لا يقل عن 2000 موظف، وحينما جاء الجنرال هارولد ديكسون رئيس إدارة الموارد المحلية في بلاد ما بين النهرين إلى إيران، أبلغ القنصل الأمريكي أديسون ساوثهارد في حديث معه أن شراء الحبوب الإيرانية من الجانب الإنجليزي تجاوز 500 ألف طن حينها، في الوقت الذي كانت إيران تعاني المجاعة.[18]
وروى أنه في حال عدم توفير تلك الكمية عبر إيران؛ فسيتعين استيرادها من الهند، وهو ما يعني أن القوات البريطانية كانت قادرة على إنقاذ جوعى إيران باستيراد سفن من الهند محملة بالقمح، لكنها لم تفعل هذا فحسب، بل اشترت القمح من إيران لتحسين قدرة سفنها في المحيط الأطلسي، أي تمت التضحية بملايين الإيرانيين حتى تعزز بريطانيا التموضع الاستراتيجي لسفنها في المحيط الأطلسي.[19]
وذاعت أحداث المجاعة الكبرى في البلدان الأخرى لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم دائم بتطورات الأوضاع الميدانية وكانت مدركة تماما معدل الشراء البريطاني للحبوب في إيران، ومع ذلك لم تحرك الحكومة الأمريكية ساكنا لمنع تدهور الوضع، غير أن عددا من المؤسسات الخيرية الأمريكية أرسلت كميات من المواد الغذائية إلى بعض الأماكن المنكوبة لتدارك جانب من تداعيات الكارثة.[20]
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى ما هو أبعد فانخفضت صادرات الفواكه الجافة من سبعين مليون قران (القران عملة مالية أقل من الريال) إلى ٤٨ مليون قران في عام ١٩١٨ وضرب الكساد صناعة وتصدير الجلود بدرجة غير مسبوقة؛ فانحدرت عوائد تثصدير هذه السلع من سبعين مليون قران إلى ثلاثة ملايين قران فقط. أما القطن فقد انخفضت إنتاجيته وسعره في السوق المحلية وانحدر من ثلاثة وثمانين مليون قران إلى أربعة وعشرين مليون قران، كما انخفض سعره إلى الربع تقريبا؛ وبالتالي انهدمت أو دمرت مشاريع الري فتحولت بعض القرى إلى صحارى مهجورة.[21]
وترتب على هذا الوضع الاقتصادي صراعا محتدما في العاصمة بين النخب وآخر في الأقاليم بين العشائر؛ ما أدى إلى أن يهجر الفلاحون أراضيهم إما بسبب الحروب الأهلية أو اضطرارا أمام قسوة الضرائب، وعليه قل إنتاج الحبوب الضرورية وندر الطعام. وعمت المجاعة الحضر والريف وهلك ربع سكان الريف بولاية طهران وحدها عام ١٩١٨ وتراوحت أعداد الموتى ما بين مئة ومئة وخمسين فردا يوميا على الأقل في طهران على سبيل التحديد، وارتفع ثمن الخبز من اثنتي عشرة مرة إلى خمس عشرة مرة، ولم ينج من اﻟﻤﺠاعة سوى مقاطعتي گيلان (جيلان) ومازندران الغنيتين بالحبوب والخضراوات، واللتين لم تتمكنان من مساعدة بقية الأقاليم بسبب عدم وجود طرق معبدة لنقل البضائع وانتشار اللصوص وقطاع الطرق على خلفية غياب الدولة، وتفشي الصراعات الداخلية، واضطراب الأوضاع.[22]
نتيجة لذلك أثر الوضع الغذائي على الوضع المالي لإيران التي كانت دولة زراعية لا تعتمد في اقتصادها على الصناعة الحديثة، وكانت تعتمد على الضرائب التي عجز الناس عن الوفاء بها للحكومة، فأصبحت خزينة الدولة مهددة بالإفلاس؛ حتى أن الحكومة عجزت عن تسديد الرواتب والأجور الشهرية، ثم انخفضت نسبة الواردات من الخارج إلى الثلث تقريبا واضطرت الحكومة القاجارية للاستدانة من بريطانيا من جديد حتى وصلت ديونها بنهاية الحرب العالمية الأولى عام 1919م، إلى سبعة ملايين جنيه إسترليني، بالإضافة إلى مليون جنيه فوائد للدين وتعهدت الحكومة بدفع ربع دخلها أقساطا لسداد ديونها إلى المملكة المتحدة فقط.[23]
المستوى الثالث: نتائج الأزمة الاقتصادية وآثارها الاجتماعية والسياسية
أفرزت الأزمة الاقتصادية الكبرى في إيران وما تمخض عنها من مجاعة وكساد عظيم عددا من النتائج المباشرة الاجتماعية والسياسية على البلاد، ومنها:
أ ـ تغيير نظام الحكم
نظرا لفشل الساسة الإيرانيين على مدى عام كامل في إقناع الشعب بالاتفاق الأنجلو ـ إيراني لعام ١٩١٩ ذلك الذي فرض الوجود البريطاني بكل قوة وبساتر قانوني، وفي الوقت نفسه لم يكلف الخزانة البريطانية نفقات جديدة، وبعد رفض البرلمان التصديق عليه مرارا تأكد الإيرانيون من ضعف الدولة القاجارية وتطلعوا إلى قيادة سياسية تحتل من عقولهم مكانة الاحترام. أما البريطانيون فكانوا مدركين تماما أنه بات ضروريا استبدال العرش بزعامة قوية قادرة على نيل احترام شعبها وفاعلة بحيث تقنع مواطنيها بأهمية تدعيم العلاقات البريطانية ـ الفارسية، وكان الوجه المرشح على الساحة قائد قوات القوزاق الفارسي رضا خان، وبالفعل نجح رضا خان بمساعدة بعض القوى الداخلية والخارجية في قيادة انقلاب عسكري ناجح ضد العرش القاجاري في ٢١ فبراير سنة ١٩٢١ وإذا كانت القوى التي دعمت انقلاب رضا خان تختلف في أهدافها ودوافعها فقد ساندته في الانقضاض على السلطة واتفقت على هدف واحد وهو: إزاحة السلطة القاجارية وبلا عودة من إيران.[24]
ب ـ تشرذم المجتمع وصراعاته
أدت كل تلك الاضطرابات السياسية والاقتصادية إلى حالة من حالات الاختلاف الشعبي حول أسباب المجاعة فبينما حمّل قطاع من المجتمع التدخل الخارجي فقط المسؤولية، عزى جزء آخر المسألة برمتها إلى سوء الإدارة. وبوجه عام ظهر تذمر شعبي تمثل في عدد من الإضرابات العمالية والانتقادات الحادة في الصحافة ضد بريطانيا والحكومة القاجارية؛ ما جعل الحكومة الإيرانية تعلن الأحكام العرفية وهددت المعارضة بالسجن والنفي كما شددت الرقابة على الصحف محتمية في إجراءاتها بوجود القوات البريطانية في العاصمة طهران، وبالرغم من انتخاب أعضاء جدد للبرلمان الإيراني فقد فشلت بريطانيا في الحصول على تصديقه على معاهدة 1919م، وعليه تكونت جمعية إيرانية سرية أطلقت على نفسها اسم “مجازات” Magazat ركزت نشاطها على اغتيال العناصر الإيرانية الموالية للمعاهدة ولبريطانيا على حد سواء.[25]
واستمر هذا الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المأساوي، ومات ما يقرب من نصف سكان إيران بحلول نهاية الحرب، وانتصار الحلفاء، وقد قسمت البلدان المتحاربة ممتلكاتها وغنائم الحرب فيما بينها. وقد قامت إيران، برغم إعلان الحياد الذي عانت منه في الحرب وفقدت عددًا كبيرًا من سكانها، بإعداد وثيقة من أربع عشرة صفحة موجهة إلى “المؤتمر التحضيري للسلام في باريس” للمطالبة بالتعويضات. ومع ذلك، لم تذكر هذه الوثيقة العديد من الكوارث في إيران كنتيجة للحرب، ولم ينجح الإيرانيون في مطالبتهم بالتعويض في معاهدة فرساي، بل لم يتمكنوا حتى من حضور المؤتمر على اعتبار أن إيران لم تكن إحدى الدول المتقاتلة.[26]
هذا إلى جانب قيام عدد من الحركات الانفصالية عن الدولة في تلك المناطق التي كانت أكثر تأثرا بوطأة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مرحلة ما بعد الكساد والمجاعة. وفي منطقة جيلان شمال غربي إيران قام ميرزا كوجك خان بإنشاء حزب انفصالي أطلق عليه حزب الاتحاد الإسلامي، إلى جانب نشوء عدد من التنظيمات الشيوعية المتأثرة بنجاح الثورة البلشفية الروسية والتي تلقت بالفعل دعما روسيا عسكريا ميدانيا في رشت الواقعة على بحر قزوين، وهو ما أدى كذلك إلى استقالة حكومة وثوق الدولة ونتج عن ذلك كله اضطراب اجتماعي بين الطبقات لم يوضع حد له إلا بانتهاء حكم الأسرة القاجارية وصعود رضا خان إلى السلطة في عام 1925م.[27]
المستوى الرابع: تعامل نظام ولاية الفقيه مع الأزمات المشابهة
يعزي نظام الثورة الإيرانية الراهن “ولاية الفقيه” كل مشاكله إلى العوامل الخارجية، وكثيرا من يحمل القوى الاستعمارية الكبرى المشاكل المتأصلة في البلاد، ويعود كثيرا إلى التاريخ القريب لاستدعائه في الأزمات الكبرى مثل العقوبات الأمريكية على إيران بعد خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وبعد التأييد الأوروبي للولايات المتحدة الأمريكية في كثير من حالات الصراع ومن ذلك تأييد بريطانيا للبنتاجون في عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بالعراق يناير الماضي.
وينشط الإعلام الإيراني والمواقع الرسمية الإيرانية حتى تلك التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي نفسه في نشر ـ وإعادة نشر ـ الدراسات والمقالات التي تتناول الدور الاستعماري في الأزمات الكبرى سياسيا واقتصاديا ومنها أزمة المجاعة والكساد العظيم التي بين أيدينا.
ولا يكاد النظام الإيراني الراهن يترك فرصة سانحة إلا ويستحضر فيها دروس التاريخ خاصة في حالات النزاع مع القوى الغربية، على سبيل المثال: عندما نجحت إيران في الإفراج عن ناقلتها “جريس وان” 16 أغسطس 2019 خرج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وطالب بريطانيا بألا تتعامل مع إيران كما كانت تتعامل معها في أوقات سابقة، فلم تعد إيران البلد الذي تعين فيه بريطانيا الوزراء والمسؤولين كما كان يحدث سابقا.
ويرى النظام الإيراني أن التاريخ المفعم بالأزمات بين بريطانيا وإيران هو أساس كل المشاكل الراهنة، فهو “سجل أسود للممكلة المتحدة في التعاطي مع طهران”، فالإنجليز شاركوا الاتحاد السوفياتي في غزو إيران، كما أنهم أصحاب الدور الأبرز في الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953 وإعادة شاه إيران محمد رضا بهلوي للحكم وهم الذين نصبوا أباه بالأساس على عرش البلاد. بعض المثقفين الإيرانيين ينظرون إلى بريطانيا والغرب عموما على أنه يمارس حربا لمنعهم من العودة إلى التاريخ كحضارة كبرى منافسة للغرب على المستوى العلمي والتكنولوجي وحتى العسكري وأن هناك بعدا صراعيا بين الحضارات أدى إلى أن تكون بريطانيا سببا في أغلب الأزمات الكبرى في تاريخ إيران الحديث والمعاصر.[28]
خلاصة ما أعلاه أن التاريخ مادة خام يستدعيها النظام الإيراني في كل أزماته الراهنة مع الغرب عموما، وبريطانيا على وجه الخصوص، ولا يزال الإيرانيون حتى اليوم يلومون بريطانيا على المجاعة الكبرى عام 1917م، ويفهم من ذلك كله أن “إيران مسكونة بفكرة بريطانيا المتآمرة وتتسيد هذه الفكرة الخطاب الإيراني بطريقة لا يمكن تخطيها”.[29]
ولعل هذا الأمر نفسه يمكن أن ينسحب على خطاب النظام الإيراني تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وعقوباتها المشددة في سنوات ما بعد 1979، لكن الفارق الوحيد أن النظام الراهن يبدو موحدا من الداخل بلا صراعات تذكر على السلطة وقويا ومسيطرا على كل أقاليم البلاد، ولديه قدرات عسكرية نوعية تجعله بمعزل عن تطبيق القوى الغربية “لعبة كبرى” جديدة، أو حتى فرض أجندته بقوة السلاح كما حدث في عهد الشاه أحمد قاجار.
ـــــــــــــــ
[1] Abbasi, Sadegh, 8-10 million Iranians died over Great Famine caused by the British in late 1910s, documents reveal, khamenei official website, Nov 4, 2015.
[2] هناك دليل آخر بشأن معدل ضحايا المجاعة وانخفاض التعداد السكاني لطهران، وفقا للتقديرات الإيرانية فإن تعداد سكان طهران كان 350 ألف، وفي نتائج انتخابات 1917 فاز 12 مرشحا باقتراع 56 ألف ناخب ممن لهم حق التصويت، وفي عام 1920 انخفض هذا العدد إلى 12 ألف ناخب مقيدين في جداول الانتخاب، بمعنى أن تعداد سكان إيران وصل إلى 20 مليون نسمة عام 1956 أي ما يعادل عدد السكان في عام 1914. المصدر/ مجد، محمد قلي، قحطي بزرگ 1298 1296 ش/ 1919 1917م، ترجمه: محمد كريمي، مؤسسه مطالعات و پژوهشهاي سياسي بهار 1387ش، تهران، ص 20.
[3] في 16 ديسمبر ألقى الزعيم الروسي لينين بيانا موجها إلى مسلمي روسيا وبلدان الشرق قال فيه “إن موسكو تعلن إلغاء المعاهدات السرية بشأن تقسيم إيران وإنهاء العمليات الحربية فيها، وها هو الجيش الروسي ينسحب من إيران”. المصدر/ الصباغ، سيعيد دكتور، تاريخ إيران السياسي.. جذور التحول 1900 ـ 1941م، القاهرة، الدار الثقافية للنشر، ط1، 2000، ص66.
[4] Op. cit, Abbasi, Sadegh.
[6] مجد، محمد قلي، قحطي بزرگ 1298 1296 ش/ 1919 1917م، منبع گذشته، ص22.
[7] الصباغ، سيعيد دكتور، تاريخ إيران السياسي.. جذور التحول 1900 ـ 1941م، مرجع سبق ذكره، ص67.
[8] كتابى، احمد، درآمدي بر بررسي علل اجتماعي قحطي ها در ايران مورد پژوهيِ قحطي عام وعظيم 1288ق/ 1249ش، جامع هپژوهي فرهنگي، پژوهشگاه علوم انساني و مطالعات فرهنگي، تهران، سال دوم، شمارة اول، بهار و تابستان 1390، ص169.
[9] السبكي، آمال، دكتورة، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين 1906 ـ 1979، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ط1، 1999، ص39.
[10] Pordeli, Mohammad Reza, and others, A Study of the Causes of Famine in Iran during World War I, Review of European Studies, Canadian Center of Science and Education, Vol. 9, No. 2; 2017, P. 299.
[11] Abrahamian, Ervand, A history of modern Iran, Cambridge University Press, 2008, P. 66.
[12] Op. cit., Pordeli, Mohammad Reza, and others, A Study of the Causes of Famine in Iran during World War I, P. 299.
[14] مجد، محمد قلي، قحطي بزرگ 1298 ـ 1296 ش/ 1919 ـ 1917م، منبع گذشته، ص23.
[15] Op. cit., Pordeli, Mohammad Reza, p. 299.
16 نسبة إلى بحر قزوين حيث كان يسمى في القرون الوسطى باسم بحر الخزر نسبة لمملكة الخزر اليهودية التي قامت على شواطئه الشمالية بين القرنين السابع والعاشر الميلاديين.
Look: Encyclopedia Britannica, Caspian Sea. Link: http://bit.ly/2wydmh2
[17] Op. cit., Abrahamian, Ervand, A history of modern Iran, P. 62.
[18] مجد، محمد قلي، قحطي بزرگ، منبع گذشته، ص24.
[19] منبع گذشته، همين صفحه.
[20] منبع گذشته، ص25.
[21] السبكي، آمال، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، مرجع سبق ذكره، ص40.
[22] السابق، الصفحة نفسها.
[23] محمد، صابر فوزية، إيران بين الحربين العالميتين ١٩١٨ ـ ١٩٣٩م، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة، البصرة، العراق، ١٩٨٦، ص٧٩.
[24] السبكي, آمال، تاريخ إيران السياسي بين ثورتين، مرجع سبق ذكره، ص46.
[25] السابق، ص42.
[26] Op. cit., Pordeli, Mohammad Reza, p. 299.
[27] الصباغ، سعيد، تاريخ إيران السياسي، مرجع سبق ذكره، ص ص: 79 ـ 81.
[28] خلف، كمال، التاريخ يطل في أزمة بريطانيا وإيران، موقع التلفزيون الرسمي الإيراني، السبت ٣ ديسمبر ٢٠١١. الرابط: http://bit.ly/2PQzs5e تاريخ الزيارة: 6 مارس 2020.
[29] Alexander, Caroline and Golnar Motevalli, Iran Confrontation With U.K. Reflects History of Bad Blood, Bloomberg, July 20, 2019. Link: https://bloom.bg/38tckQF