تعتمد إيران في سياساتها الخارجية منذ نجاح الثورة الإسلامية وإزاحة الشاه محمد رضا بهلوي عن السلطة بالعام 1979، على استراتيجيات مرنة تجمع بين الأبعاد الدينية والمذهبية والنفعية، وتعمل في سبيل تحقيق أهدافها مستخدمة تلك الاستراتيجيات مجتمعة أو تنحي إحداها وتستخدم واحدة أو اثنتين فقط؛ لذلك حقق النظام الإيراني نجاحا في تشبيك علاقات وثيقة مع أنظمة سياسية مختلفة المشارب والتوجهات، ومن ذلك: علاقاته مع دول أمريكا اللاتينية الشمولية، وروسيا الشيوعية، وتركيا الإسلامية البراجماتية، والصين الشيوعية، وبعض الأنظمة والجماعات العربية البعثية والدينية السنية والشيعية، بالرغم من تعدد أيديولوجياتها واختلافها اختلافات قد تكون ـ في معظمها ـ جذرية.
إيران ثلاثية الأبعاد
عليه يمكن القول إن دراسة النظام السياسي الإيراني تؤكد أنه يعتمد على استراتيجية كبرى تقوم في جذورها على ثلاث ركائز أساسية وهي:
1ـ البعد الديني الإسلامي.
2ـ البعد المذهبي الشيعي الإثنى عشري.
3ـ البعد البراجماتي النفعي الذى يحقق لطهران مصالحها بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.
وحتى تكون صورة الوجود الإيراني فى الدول العربي ماثلة على نحو أوضح، فإنه من المفيد التأكيد على عدد من الاعتبارات التى تشرح أسباب إصرار طهران على مواصلة إنخراطها فى هذه البلدان:
أولا: تريد إيران الإبقاء على الخط البري موصولا من طهران إلى حزب الله فى جنوبي لبنان، مع العلم بأن هذا الخط لن يظل موصولا إلا بالوجود الإيراني الكثيف في منطقة الهلال الشيعي تلك التي تمر بالعراق ومنه إلى سوريا؛ لذلك تنفق الجمهورية الإسلامية بسخاء لإبقاء نظام حزب الدعوة الإسلامي في العراق ونظام الحزب البعثي العلماني في سوريا.
ثانيا: تريد إيران أن يظل العراق خاضعا لها تماشيا مع الثقافة الاستراتيجية الإيرانية تلك التي تجمع على نحو لا ينفك بين ضرورة السيطرة والشعور بالكبرياء القومي وبين الشعور العميق بعدم الأمن الناتج عن الخبرة الإيرانية التاريخية في الغزوات التي تعرضت لها على يد المغول في العصور السابقة والهجمات العنيفة التي تعرضت لها على يد البريطانيين والروس ثم الحرب التي شنها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في التاريخ المعاصر، ولذلك يمثل العراق ـ على وجه التحديد ـ بالنسبة لها حائط الصد المنيع ضد أي تدخل بري أجنبي محتمل من جهة الغرب.
ثالثا: تستهدف إيران الأبقاء على الأوراق اللبنانية والسورية والفلسطينية واليمنية والعراقية كأدوات ضغط إقليمية استراتيجية فى مواجهة أية احتمالات تصعيدية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك أطلقت قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثوري مجموعة من صواريخ “ذو الفقار” الباليستسة متوسطة المدى من الأراضى العراقية يوم 18 يونيو الماضي، نحو أهداف فى دير الزور السورية، وحملت تلك الصواريخ بطبيعة الحال رسائل متعددة إلى اللاعبين الإقليميين والدوليين بهذا الخصوص.
سياسات إيران المتغيرة
تعمل إيران في كل ملف بسياسة مستقلة فأحيانا تجمع بين استخدام الأدوات الدينية والاستراتيجية والبراجماتية وأحيانا تكتفي بالأدوات الدينية فقط أو تتجاوز الدينية وتقفز مباشرة إلى الأدوات البراجماتية، وهكذا بحسب الحالة أو المصلحة المرادة منها.
في العام الماضي تجاوزت إيران الركيزتين الأوليين وقفزت إلى الركيزة الثالثة والأخيرة متعدية المسألة الدينية الإسلامية والمسألة المذهبية الجعفرية إلى التعاون مع مجموعات وطوائف ليست إسلامية ولا تدين بمذهب الإمام الغائب بطبيعة الحال، وهى مجموعات الطوائف المسيحية فى محافظة نينوى تلك التى تحررت من أسر تنظيم داعش بعد أن فرض سيطرته عليها لمدة راوحت 3 أعوام.
وقد تمكن فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري، من تجنيد المسيحيين في تلك المناطق للعمل لحساب المصالح الإيرانية في هذا البلد.
خاتمة
مجمل القول إن دراسة السياسات الخارجية الإيرانية يجب أن تكون محكومة بهذه النقاط لفهم طبيعة النظام السياسي في طهران ذلك الذي يستخدم الدين والمذهب أو ينحيهما لصالح الأمور البراجماتية لتحقيق مصالحه السياسية، ويتنقل ببراعة على الحبال في سيرك السياسات الدولية، على حسب الطرف الآخر من معادلة العلاقات.