ألقى الدكتور/ محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب”، محاضرة في مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية بمقر المركز بحي جاردن سيتي، بدعوة من الأستاذ/ أحمد المسلماني، رئيس المركز، وذلك مساء الخميس 1 إبريل 2021.
نص المحاضرة
اللهم إن للسان زلات؛ فاغفر زلات ألسنتنا، وللكلام سقطات؛ فاغفر اللهم سقطات كلامنا، وارزقنا الرشد قولا وعملا، إنك على كل شيء قدير.
وبعد؛
يسعدني أن أكون في مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية وهو صرح علمي جاد ورصين، يرأسه الأستاذ أحمد المسلماني، وهو إعلامي وباحث له كاريزما شديدة الخصوصية، يعد ملهما لجيل كامل من الباحثين والمتخصيين في تحليل السياسات، كما يسعدني أن أكون في معية السادة العلماء والخبراء والباحثين المعنيين بإيران وتفاعلاتها في بيئتيها الداخلية والخارجية.
اقرأ أيضا:
وقبل الشروع في عرض مجموعة الأفكار التي تساعدنا على تحري موضوع هذه المحاضرة وسبر أغواره وهو “إيران والعرب.. الحرب الساخنة والحرب الباردة” وتتبع مآلاتها؛ يطيب لي ـ وهو أمر اعتدت عليه في جل محاضراتي ـ وضع مجموعة من المحددات المبدئية التي من شأنها الإعانة على تنظيم الأفكار في سبيل الوصول إلى هذا المبتغى، وهي كالتالي:
أولا: أن هذه المحاضرة تستخدم المنهج التاريخي في تحليل العلاقات العربية ـ الإيرانية؛ لأنه ما من أزمة راهنة في علاقات إيران مع دول العالم العربي، وفي علاقات نظام الحكم بطهران مع قضايا الأمة العربية إلا ولها أصل في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتد منذ نحو 42 عاما، وعليه فإن ما سأقوله هو محاولة للفهم وليس محاولة للحكم، أي أنني لن أحاول إطلاق أحكام نهائية على إيران أو ما جرى وما يجري أو حتى ما ستؤول إليه الأمور فيها، بل أحاول جهد الطاقة أن أضع مجموعة من النقاط فوق أحرفها الصحيحة من خلال الإطلالة على التاريخ القريب، حتى يتسنى ـ لمن أراد ـ الوصول إلى رؤية واضحة عن هذه البلاد وعن علاقاتها بالعالم العربي.
ثانيا: أن ما سأقوله هو حديث في أصول العلم، وليس حديثا في فنون خطاب الإعلام أو ممارسات السياسة، بمعنى أن استدعاء أي حدث تاريخي للترويج لخطاب سياسي يساق في كثير من المنصات، وإن كان يصلح للاستهلاك الشعبي العام؛ لكن المقام هنا لا يسمح به، ولذلك فإني أؤثر أن أرتكز على الأسس التي تعتمد عليها هذه الرؤى، كي تكون بمثابة أوتاد العلم والبحث والدرس، وليست دواعي الحشد والاستمالة والاستقطاب.
ثالثا: تفهم أن منطلقات تقييم الوضع في إيران تعتمد على الدراية والإلمام بشؤونها؛ ذلك أن “الناس يفسرون المجردات وفقا لخبراتهم”، كما قال الفيلسوف الأمريكي، روبرت دال Robert Alan Dahl (١٧ ديسمبر ١٩١٥ ـ ٥ فبراير ٢٠١٤)، ولذلك فإن خبرة الأشخاص على عمقها أو سطحيتها هي المحدد الأبرز للتعامل مع مجريات الوضع أو مآلاته في هذا البلد.
رابعا: يتعين إدراك الخصوصية المعقدة للشخصية الفارسية وطريقة النخب ـ في طهران بطبيعة الحال ـ في صنع القرار إزاء العالم العربي حيال أوقات الأزمات سواء في الفترة التي سبقت الثورة الإيرانية على عهد الأسرة البهلوية المازندرانية أو حتى على عهد نظام ولاية الفقيه الحاكم بعد نجاح الثورة في العام 1979، وما ترتب على ذلك من أحداث كبرى على رأسها الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988م).
خامسا: من المهم تفهم أن النخب الإيرانية على اختلاف أيديولوجياتها تتقدم عندها القومية على الدين، وللتدليل على ذلك يمكن القول إن الفرس أخذوا من العرب الإسلام، لكنهم لم يأخذوا اللغة ولا الحضارة؛ بل على العكس صدروا منتجهم الثقافي من مرادفات وكتابات وفلاسفة ومفكرين إلى الحضارة الإسلامية.
سادسا: أن دراسة إيران تقتضي دراسة الشخصية الفارسية وليس الأنظمة الحاكمة فحسب؛ ذلك أن النظام “الإسلامي” الراهن القائم على نظرية ولاية الفقيه الشيعية الإثنى عشرية حافظ على كل مكتسبات وسياسات الأسرة البهلوية المازندرانية (1925 ـ 1979) وبالخصوص الشاه محمد رضا بهلوي “العلماني”، بدءا من البرنامج النووي الذي دشنه الشاه في الستينيات واحتلال الجزر الإماراتية 1971 ومرورا باتفاقية الجزائر 1975 وانتهاء بسياسات فرسنة الأقاليم والجيوب غير الفارسية على أطراف المركز.
سابعًا: فهم طبيعة التركيبة “الإثنينية” الداخلية وعلاقة تلك التركيبة بمسألة صنع القرار الداخلي وبالتالي رسم السياسات الخارجية في ضوء دور إيران الإقليمي وعلاقتها بدول العالم العربي، ما يفهم منه أن الشكل الداخلي للنظام هو المحدد ليس الأبرز ولكن الأوحد في ثأثير السياسات الداخلية على السياسات الخارجية تجاه العالم العربي، وهو موضوع حديثنا اليوم.
وهذه المحاضرة تنقسم إلى ثلاثة مستويات وهي كالتالي:
المستوى الأول:
أصول التوتر في العلاقات العربية ـ الإيرانية
شهدت العلاقات الإيرانية ـ العربية تدهورا ملحوظا وتوترا عالي المستوى بعد تغير نظام الحكم في إيران عقب نشوب الثورة الإيرانية 1979، وبالرغم من ذلك فإن بعض المشاكل الأساسية في علاقات إيران بالدول العربية يعود إلى حكم الشاه محمد رضا بهلوي (1941 ـ 1979م)، مثل الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية عام 1971، والادعاء بأحقية إيران في ضم البحرين، والصراع الحدودي مع العراق والذي تم تسكينه باتفاقية الجزائر لعام 1975، وهي اتفاقية تنازل فيها العراق عن نصف نهر شط العرب لإيران مقابل وقف الأخيرة دعمها للحركات الكردية المسلحة في إقليم كردستان العراق.
ثم أدى نشوب الثورة الإيرانية وتولي آية الله الخميني منصب المرشد الأعلى لها (1979 ـ 1989) وما تمخض عن ذلك من أفكار حادة مثل “تصدير مبادئ الثورة” و”ولاية الفقيه” و”المد الشيعي” و”حماية المستضعفين” إلى حدوث مشكلات مستجدة بين إيران وبين أغلب بلدان العالم العربي تلك التي رأت في هذه الأفكار خطرا على أمنها واستقرارها، خاصة أن الخميني حض شعوب تلك الدول على الثورة على أنظمتها وحكوماتها.
ولم تلبث الثورة الإيرانية حتى قامت حرب بين طهران وبغداد، وقد أفرزت تلك الحرب العراقية ـ الإيرانية اصطفافا عربيا واسعا مع العراق ضد إيران ودعمت 20 دولة عربية العراق طيلة مراحلة الحرب، ولم يدعم إيران إلا دولتين فقط هما سوريا وليبيا، وأدى هذا الاصطفاف العربي إلى حدوث مشكلات في العلاقات الثنائية بين إيران وبين كل دولة من الدول العربية على حدة انعكست على العلاقات السياسية بينهما في الفترة محل البحث وفي الفترات التي تلتها.
في تلك الفترة وبالرغم من العداء المعلن بين نظام الخميني وبين إسرائيل إلا أنهما تعاونا في أثناء الحرب مع العراق، وقد تم الكشف عن هذا التعاون بعد إماطة اللثام عن اتفاقية “إيران ـ كونترا” تلك التي بموجبها أمدت تل أبيب طهران بالسلاح والذخائر، وتعاون الطرفان استخباراتيا في كثير من المجالات منها إمداد إيران لإسرائيل بصور جوية لمفاعل تموز العراقي الذي قصفته تل أبيب في العام 1981.
في هذه البيئة المتوترة شعرت دول الخليج بحاجتها إلى التوحد والتكتل، وبالفعل دشنت “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” في العام 1981 ليكون بمثابة حائط صد ضد التدخلات الإيرانية في تلك الدول الست، وكان من نتائج تأسيس هذا المجلس هو شعور إيران بالعزلة الخليجية وإحساسها بأن المجلس يهدف إلى تهميش دورها في الإقليم، ولذلك عبرت عن رفضها لقيام المجلس وعملت على إيجاد قنوات اتصال بكل دولة من دول المجلس على حدة كي تفتت القرارات الجماعية للدول الأعضاء فيه.
ولعل هذا ما جعل دول الخليج العربية تعمل على بناء حوائط صد ضد إيران من خلال دعمها للعراق دعما تفاوتت نسبته بناء على حالة العلاقات الثنائية بين كل دولة خليجية مع إيران على حدة، وتحملت دولة الكويت العبء الأكبر في دعم العراق، وهو ما جعلها مرمى صريحا لنيران إيران في كثير من مراحل الحرب ومنها مرحلة حرب الناقلات.
المستوى الثاني:
الحرب العراقية ـ الإيرانية كمحدد لعلاقات إيران بالعالم العربي
أثبتت الوقائع التي تلت الثورة الإيرانية ونشوب الحرب مع العراق، أن هذه الحرب هي المحدد الأكثر رسوخا في علاقات إيران بكل دولة من دول العالم العربي على حدة، سواء تلك التي دعمت العراق أو حتى تلك التي دعمت إيران، بمعنى أن إيران لا تزال تستخدم خبرتها التاريخية في الحرب مع العراق وما تمخضت عنها حتى الآن في تحليل مستويات تفاعلها مع دول العالم العربي خصوصا ودول العالم على وجه العموم.
فقد كان أن تقاربت إيران مع النظام السوري المعادي للنظام العراقي، وكانت سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي ساندت إيران في كل مراحل الحرب مع العراق، وقد لجأ النظام السوري إلى هذه السياسة نكاية في نظام الرئيس صدام حسين، وترتب على ذلك نشوء علاقات قوية مستديمة بين طهران وبين دمشق ما تزال مستمرة حتى الآن لدرجة أن كل الأوساط السياسية في قصر الشعب تعتبر أن إيران هي الضامن الأكبر لها وليس النظام الروسي على سبيل التحديد.
وحتى تثبت إيران نفوذها في سوريا عملت على إقامة نفوذ لها بدولة لبنان من خلال إنشاء حزب الله رغبة منها في أن تصبح الضامن الإقليمي الأكبر للاستقرار وفصل القوات الحليفة في لبنان (حزب الله وحركة أمل)، ومع ذلك أسفر الاقتتال بين الحلفاء (حزب الله وأمل وسوريا) عن هشاشة أسس التحالف بينهم وبالتالي لم تتمكن إيران ولا سوريا من لعب دور بعد ذلك في إنهاء الحرب الأهلية بلبنان.
في مقابل ذلك كان الأردن من أكبر الدول الداعمة للعراق في حربه مع إيران سياسيا وإعلاميا وعسكريا من خلال فتح الأراضي الأردنية للجيش العراقي للتدريب وكانت بلاده نقطة استراتيجية استخدمها الطيران والقوات العراقية في الحرب، إلى جانب قيام الملك الحسين بن طلال بالترويج لوجهة النظر العراقية في كل المحافل الدولية التي كان يحضرها.
في تلك الأثناء حاول الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لعب دور الوساطة بين بغداد وبين طهران ووقف إطلاق النار بينهما فور نشوب الحرب العراقية ـ الإيرانية، إلا أنه جهوده منيت بعدم النجاح، وبالتالي أدى موقف إيران الرافض لجهوده إلى تدهور علاقاتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأدى كذلك إلى اصطفاف عرفات مع الغالبية العربية الداعمة للعراق.
وللمفارقة فقد كان اليمن من أولى الدول العربية الداعمة للعراق صراحة في الحرب بل وأرسل الرئيس علي عبد الله صالح عددا من الألوية الرسمية كاملة التسليح للقتال إلى جوار الجيش العراقي، وأدى هذا الموقف إلى نشوب حالة عداء مع طهران طيلة بقاء صالح في السلطة وجعل إيران تفكر جديا في السيطرة على اليمن بسبب موقف صنعاء من تلك الحرب.
المستوى الثالث:
أصول علاقات إيران بدول إفريقيا العربية
حاولت إيران تقسيم علاقاتها بدول إفريقيا العربية إلى أربعة أقسام، كالتالي:
القسم الأول: علاقات الصِدَام مع الدولة العربية الإفريقية الأكبر وهي مصر.
القسم الثاني: علاقات المناكفة مع تونس والمغرب.
القسم الثالث: علاقات التحالف مع السودان وليبيا والجزائر.
القسم الرابع: علاقات محاولة مد النفوذ مع موريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر.
فيما يتعلق بمصر، حظيت العلاقات المصرية ـ الإيرانية بقدر هائل من الزخم خاصة أنها شهدت عددا من الأحداث الكبرى على رأسها الدعم المصري الكبير للعراق في الحرب، والدعم الإيراني للجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر.
وقد اتخذت إيران موقفا عدائيا من مصر على خلفية إيواء الشاه ودعم العراق في الحرب، اتضح هذا الموقف من خلال موقفها في عدة أزمات أحداث الأمن المركزي عام 1986م، وهاجمت طهران السياسة المصرية هجوما حادا قادها رئيس مجلس الشورى الإسلامي “البرلمان” هاشمي رفسنجاني الذي كان يخصص خطب الجمعة للهجوم على مصر.
وفي تلك الفترة برهنت أحداث الحرب العراقية ـ الإيرانية على أهمية عودة مصر إلى محيطها العربي، بعد أن رأت الدول العربية أنه لا سبيل لها في كسب الحرب إلا بدعم من مصر بحكم أنها الدولة العربية الأكبر وصاحبة الجيش الأضخم والأكفأ والأكثر جاهزية في المنطقة.
نجحت إيران في إقامة علاقات وطيدة بالنظام الليبي تحت قيادة الرئيس معمر القذافي في السنوات الست الأولى من الحرب وفي العامين الأخيرين من الحرب عادت طرابلس إلى بيتها العربي بعد أن اكتشفت اتفاقية إيران كونترا بين إيران وبين إسرائيل، وكانت إيران تهدف إلى زعزعة استقرار العالم العربي باستخدام سوريا في الشرق وليبيا والجزائر في الغرب.
وحاولت إيران إيجاد نفوذ لها في دولة تونس من خلال توطيد علاقاتها بالجماعات الإسلامية في هذا البلد ودعمت حركة الاتجاه الإسلامي (النهضة فيما بعد) بقيادة راشد الغنوشي، ما أدى إلى فتور على المستوى الرسمي بين البلدين إذ رأى الرئيس الحبيب بورقيبة في إيران خطرا يهدد دولته وبالتالي دعم العراق في الحرب، ولم تلك تشهد تلك العلاقات المتدهورة تحسنا إلا بعد صعود الرئيس زين العابدين بن علي إلى سد الحكم عام 1987.
بالرغم من نجاح إيران في تدشين علاقات وطيدة مع الجزائر إلا أن التوجه الإيراني نحو الجزائر لم يكن فقط بغرض إقامة علاقات سياسية معها بل هدف إلى استثمار الخلافات الجزائرية ـ المغربية حول العلاقات مع إسرائيل وقضية جبهة البوليساريو.
وفي الحقيقة لم تمنع العلاقات الوطيدة بين إيران وبين الجزائر في أن تعمل الأولى على المد الشيعي بها، وبالفعل حاولت نشر التشيع وسط الجاليات والطلاب الجزائريين في الدول الأخرى التي لها وجود بها مثل لبنان وسوريا والعراق لاسيما في فترة العشرية السوداء وما بعدها، ودعمت الأقلية الشيعية في الجزائر واستقطبت أفراد منها، وأدى هذا الأمر إلى الافتراق بين الجزائر وبين إيران، وتوجه الأخيرة إلى تحسين علاقاتها مع المغرب.
ولقد عانت العلاقات الإيرانية ـ المغربية من تدهور كبير بسبب دعم الخميني لجبهة البوليساريو من خلال فتح مكتب تمثيل لها في طهران وتشجيعها على الانفصال ودعمها عسكريا بالأسلحة ومنظومات الاتصال، وهو الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات الثنائية بينهما.
وحاولت إيران التغلغل في السودان من خلال علاقتها بالجماعات الإسلامية في هذا البلد، وعلى الرغم من هذه السمة الإسلامية الراديكالية المشتركة بين السودان وبين إيران، إلا أن العلاقة بينهما لم تكن راسخة تماما، بحيث لم تجد إجماعا سودانيا، حتى في أوساط الجماعات الإسلامية السودانية في تلك الفترة.
أيد الرئيس السوداني جعفر النميري (1969 ـ 1985م) توجهات الرئيس المصري محمد أنور السادات الذي استضاف الشاه على الأراضي المصرية، كما أنه دعم معاهدة السلام في كامب ديفيد، وبالرغم من ذلك ظلت العلاقات الدبلوماسية قائمة بين الدولتين إلى ما بعد اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية.
ما إن تمت الإطاحة بنظام الرئيس جعفر النميري بعد انتفاضة شعبية في 6 إبريل من العام 1985، إلا وشهدت العلاقات الإيرانية ـ السودانية تطورا كبيرا، خاصة أن المشير سوار الذهب الذي تقلد السلطة كان مقتنعا بأهمية الانفتاح على إيران، وفي العام 1985 شهدت العلاقات بين البلدين نشاطا رفيع المستوى، خاصة أن تلك الفترة مهدت لمدة انتقالية ثم تلاها حكم الجماعات الإسلامية الموالية لإيران.
وقد مثلت نواكشوط لطهران مكانة استراتيجية مهمة جدا خاصة في مخيلة النظام السياسي الذي أطاح بالشاه اعتبارا من فبراير بالعام 1979م، وقد سعت إيران لتعزيز وجودها في موريتانيا وجعلها قاعدة لتوسيع وجودها في شمالي وغربي إفريقيا، كما حاولت عن كثب التغلغل السياسي في هذا البلد، وبناء علاقات مع الأوساط السياسية والدينية فيه غير أنها ما لبثت أن باءت بالفشل، ومن ثم بدأت في الهجوم على تلك الدولة العربية الإفريقية بمجرد أن أعلنت تضامنها مع العراق، خاصة أن نواكشوط أصدرت تصريحا رسميا قالت فيه “إنها لا يمكن أن ترى بلدا عربيا يخوض حربا ولا تدعمه”.
وتعتبر موريتانيا من الدول العربية القليلة التي اتخذت موقفا مبدئيا ثابتا تجاه الحرب على طول امتداد سنواتها، فعندما اندلع القتال أكد الرئيس الموريتاني، المقدم محمد خونة ولد هيداله “استعداد موريتانيا لدعم العراق”، وأضاف قائلا إن: “ما يمس العراق يمس موريتانيا”.
وبالرغم من الوضع السياسي والاقتصادي غير المؤاتي ظلت موريتانيا تؤيد العراق في الحرب وتدعمه ضد إيران، حتى عندما تقلد السلطة رئيس جديد هو العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في يوم 12 ديسمبر من العام 1984، ذلك الذي قال تصريحا دالا وهو: “على الرغم من بعد المسافة بين العراق وإيران، إلا أن العراق يشكل جزءا مهما من اهتماماتنا، كما أننا تربطنا بالعراق علاقات وطيدة بسبب انتمائنا إلى أمة واحدة”.
أخيرا أخفقت إيران في مد نفوذها إلى دول: الصومال وجيبوتي وجزر القمر، حيث عملت مصر والسعودية عملت على اجتذابها إلى المحيط العربي، وبالتالي أصبح لها موقفا مناهضا إزاء السلوك الإيراني في سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية، بالرغم من أن إيران استخدمت كل وسائل قوتها الناعمة في الشؤون الثقافية والاجتماعية بتلك الدول لتغيير موقفها غير أنها منيت بعدم النجاح.