في وقت مبكر من صباح الأربعاء 8 يناير 2020 وجهت القوات الجو ـ فضائية للحرس الثوري الإيراني AFAGIR ضربات باستخدام الصواريخ الباليستية ضد قاعدتين عسكريتين عراقيتين تستخدمهما القوات الأمريكية، وهما قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غربي العراق، وقاعدة حرير في أربيل، وذلك انتقاماً لاغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري، والذي تم استهداف موكبه بواسطة طائرة مُسيّرة بدون طيار بالقرب من مطار بغداد يوم الجمعة 3 يناير 2020.
التسليح الأمريكي بعين الأسد
تُعد قاعدة عين الأسد واحدة من أهم وأكبر القواعد العراقية التي تستخدمها الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وتسع حتى 5000 فرد وتحوي حظائر وملاجئ طيران ومنشآت ذات حصانة مُكثّفة، وتمركزت بها أسراب وتشكيلات جوية تابعة لطيران سلاح المشاة البحرية الأمريكي في فترة الغزو الأمريكي للعراق بعد عام 2003 وحتى 2009. ثم عادت القوات الأمريكية للتمركز بها مرة أخرى بعد إعلان الحرب على تنظيم داعش عام 2014. ومازالت تتمركز بها حتى الآن طائرات أمريكية من الطرازات:
– طائرات النقل العسكري “هرقل” C-130 Hercules.
– مروحيات النقل العسكري “شينوك” CH-47 Chinook.
– مروحيات النقل والخدمات العامة والمهام الخاصة “الصقر الأسود.UH-60 Black Hawk.
– المروحيات الهجومية “أباتشي جارديان” AH-64E Apache Guradian (قامت بتأمين السفارة الأمريكية في بغداد بالاشتراك مع عناصر مشاة البحرية إثر حصارها من قبل مليشيات الحشد الشعبي الموالية لطهران قبل اغتيال قاسم سليماني).
– الطائرات المسلحة المُسيّرة بدون طيار “الحاصد” MQ-9 Reaper (المسؤولة عن تنفيذ عملية اغتيال قاسم سليماني) و “النسر الرمادي”MQ-1C Gray Eagle.
الصواريخ الإيرانية المستخدمة في العملية
الصواريخ الباليستية الإيرانية المُستخدمة في الهجوم هي من الفئة قصيرة المدى SRBM Short Range Ballistic Missile التي لا يتجاوز مداها 1000 كم وبلغ عددها حوالي 15 صاروخاً سقط 10 منها على قاعدة عين الأسد و1 على قاعدة إربيل و4 باقين فشلوا في أثناء الطيران. وقد تم إطلاق تلك الصواريخ من محافظة كرمانشاه غربي إيران، وهي من طرازات:
– “فاتح 313” قصير المدى وهو الجيل الأحدث والمطور من “فاتح 110” ويصل مداه إلى 500 كم ويحمل رأساً حربياً ثقيلاً لا يقل عن 0.5 طن. وكانت إيران قد استخدمت نسخة مُشتقة من هذا الطراز تحت اسم “ذو الفقار” ضد تنظيم داعش في سوريا حيث تم إطلاق 6 صواريخ على مواقع التنظيم في الميادين بمحافظة دير الزور وذلك شهر يونيو من عام 2017.
– “قيام 1” قصير المدى وهو نسخة مطورة من صاروخ “شهاب 2” والمطور بدوره من صواريخ “Scud-C” السوفييتية بمعاونة من كوريا الشمالية، ويصل مداه إلى 700 – 800 كم ويحمل رأساً حربياً ثقيلاً يزن 0.75 طن. وكانت إيران قد استخدمت هذا الطراز إلى جانب صواريخ “فاتح 110” ضد تنظيم داعش في البوكمال بمحافظة دير الزور السورية في أكتوبر 2018.
اللافت في الأمر أن كل الصواريخ الإيرانية لم ينتج عنها أي قتلى أو إصابات في صفوف القوات الأمريكية، لاسيما أن هناك تصريحات لمسؤولين عراقيين رفضا الإفصاح عن هويتيهما بأن هناك طائرة قد اشتعلت بها النيران بخلاف صور الأقمار الاصطناعية الصادرة في وقت لاحق من يوم الأربعاء 8 يناير 2020 والتي أظهرت وجود أضرار ليست بالكبيرة في بعض منشآت القاعدة والتي طالت بعض ملاجئ الطائرات بدون طيار ومخازن للذخيرة وخزاناً للوقود، في حين أن ثكنات الأفراد ومناطق الإعاشة ومدارج الطيران لم تمس بأية أضرار.
وفيما يتعلق بالدفاعات الجوية، فإن القاعدة لا تحوي منظومات Patriot أو THAAD المسؤولة عن التصدي للصواريخ الباليستية، بل تحوي فقط منظومات C-RAM المسؤولة في المقام الأول عن التصدي لقذائف الهاون والقذائف الصاروخية والطائرات بدون طيار.
رمزية الهجوم ودلالاته
لا مراء في أن استهداف القاعدة الحاضنة للطائرات المسلحة بدون طيار المسؤولة عن اغتيال سليماني له رمزيته ودلالته، خاصة الإصابات الدقيقة لملاجئ تلك الطائرات دوناً عن غيرها، بخلاف عدم المساس بأية منشآت وثكنات تحوي بداخلها جنوداً وعاملين ما يؤكد عدم رغبة إيران في أي تصعيد إضافي وأنها تهدف لتهدئة الرأي العام الداخلي، آخذة في الاعتبار ما يلي:
– الولايات المتحدة كانت تتابع وتراقب بكثب كل الأنشطة العسكرية الإيرانية خلال اليومين الماضيين بعد اغتيال قاسم سليماني وتحديداً تحركات منصات الصواريخ الباليستية بواسطة وسائل الاستخبارات والاستطلاع كالأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع الاستراتيجية، وكان لديها يقين وعلم بأن الضربة الانتقامية أمر حتمي.
– تصريح وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بأن إيران أبلغت الولايات المتحدة بالهجوم فوق البدء في تنفيذه وتصريحه بعد انتهاء الضربات بأن طهران قد انتهت من الرد ولا ترغب في التصعيد، وكذا تصريح الرئيس الأمريكي ترامب بأن كل شيء على ما يرام وبأنه لا وجود لضحايا أو خسائر أمريكية أو عراقية.
– لا ترغب الولايات المتحدة ولا إيران في إشعال حرب شاملة في منطقة لا تحتمل أية صراعات إضافية، وفي الوقت نفسه كان لابد من وجود رد إيراني يحفظ ماء الوجه من دون استفزاز أو تصعيد مع الجانب الأمريكي الذي يدرك حدود قدرة الأول، فكان من المنطقي ترك مجالٍ كافٍ لطهران التي تصرفت بما هو ممكن دون أن تجرؤ على ما هو أكثر من ذلك كونها لا تملك القوة العسكرية اللازمة لمجابهة القوة العسكرية الأولى عالميا ولما تعانيه من أزمة اقتصادية طاحنة في ظل عقوبات دولية وأمريكية قاسية.
– رغبة ترامب في الحفاظ على مكتسب اغتيال قاسم سليماني وشعبيته المرتفعة من دون خوض مغامرات غير محسوبة بإشعال حرب في المنطقة وقبل انتخابات الرئاسة الأمريكية المرتقبة نهاية العام الجاري.