تسعى إيران لفتح بوابات جديدة في توجهاتها الخارجية من أجل تجاوز العقوبات الاقتصادية والحصار الغربي عليها، وذلك من خلال استغلال موقف الولايات المتحدة العدائي من قوى مهمة في الشرق الأقصى، فقد توجهت إيران لإبرام اتفاق مع الصين وتسعى لتوطيد تقاربها مجددا مع روسيا في شكل شبكة من العلاقات تنسج بشكل يجعل من الملف الإيراني محورا جديدا للصراع بين واشنطن وبين القوى الأكثر تهديدا لاستقرا النسق الدولي، وهي في ظل الأزمات الدولية الكبرى تراقب عن كثب تطورات الوضع على الحدود الأوكرانية ــ الروسية، وتسعى لاستثمار الأزمة الدولية الكبرى لتعزيز مكتسباتها في فيينا.
إيران وروسيا والأمن الإقليمي
طبقا لما جاء في خطاب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي من مجلس الدوما في موسكو، الذي يشير إلى عملية تحفيز للتبادلات بينهما على المستوى التجاري والأمني، تعبر التحركات في الشرق عن مستوى أعلى من العلاقات بين موسكو وطهران في الفترة المقبلة.
وقد جاء وصف رئيسي لمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين بأنه “مخيب” و”غير كاف” بما يفيد برغبة الجانب الإيراني في تطوير العلاقات في عدة مجالات، ويأتي التوجه الروسي بذات الرغبة وقد دل على ذلك تعليق الرئيس فلاديمير بوتين حين قال إن مستوى العلاقات “غير مقبول”.
في هذا الصدد من المهم التأكيد على أن التعاون بين طهران وبين موسكو ليس بدعة في العلاقات الدولية، إذ تشهد السنوات الماضية نموذجا ناجحا للتعاون بين البلدين على في سوريا.
كما أن سياسة بوتين في الملف السوري ترجمت على أرض الواقع من خلال القوات الإيرانية إلى جانب قوات الأسد، ويمثل استمرار الأسد على رأس السلطة في دمشق راية نجاح لهذا الحلف، وعليه يسعى رئيسي لتكرار التجربة في الملف النووي وأمام العقوبات الأمريكية على البلدين.
يأتي هذا كله في ظل حالة الفزع الغربي من إقدام الروس على غزو أوكرانيا وهو ما يجعل موسكو تبحث عن تحالفات أكثر استقرارا وعلاقات تخدم مصالحها على كافة المستويات.
المصالح المشتركة بين طهران وبكين
تلتقي مصالح إيران مع الصين وهما الدولتان الواقعتان تحت وطأة العقوبات الأمريكية، وعليه عقدت طهران وبكين اتفاقا يصل قيمته حد 400 مليار دولار في رسالة قوية للرد على واشنطن، وهي صفقة بين قوتين شرقيتين قديمتين تتعدى أهدافها الاقتصادية إلى مصالحهما الجيوسياسية.
فالصين تريد تعزيز وجودها في الشرق الأوسط عبر بوابة إيران، وفي المقابل تحتاج الأخيرة لشركاء لبيع النفط، وعليه جاء الاتفاق بما يسمح للصين أن تستثمر في جميع أنحاء إيران على مدار ربع قرن مقابل النفط الإيراني.
لعل الاتفاق الذي يشير كذلك لتعاون أمني وتنسيق استخباراتي، يضاعف من أهمية الصفقة في توقيت دقيق للغاية جعل منها تأخذ شكل رسالة الرد على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولئن كانت إدارة بايدن قد فرضت عقوبات جديدة مؤخرا على الصين، ولم تتراجع بشكل كامل عن عقوبات حملة “الضغط الأقصى” التي كانت فرضتها إدارة ترامب على إيران إثر انسحابه من الاتفاق النووي، فإن طهران تسعى لتعزيز موقفها في مفاوضات فيينا في سبيل محاولة إحياء الاتفاق من جديد.
سياسة إيران في الخليج العربي
لا تزال ميليشيا الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن توجه عملياتها الإرهابية التي تتجاوز الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية والعمق الإماراتي، على الرغم من أن حكومة طهران تسعى للتهدئة مع الخليج عبر بوابة السعودية الأوسع من خلال آليىة مباحثات بغداد.
في 17 ديسمبر الماضي أطلقت جماعة الحوثي طائرات مسيرة على أهداف حيوية داخل الإمارات العربية وصلت لمطار أبو ظبي في حدث يعيد خلط الأوراق من جديد، فإما طهران لم تصل لأرض صلبة في تقاربها مع حكومات الخليج العربية، أو أن الإمارات خارج نطاق التهدئة التي تسعى لها، وعليه سيكون على طهران دفع ثمن هذا الاعتداء.
ولقد جاء الرد الإماراتي في شكل تحركات وأفعال أكثر من الكلمات والأقوال، إذ أبدت سفارة الإمارات في واشنطن ترحيبا بقرار الولايات المتحدة نشر طائرات مقاتلة من الجيل الخامس لمساعدة الإماراتيين، وهو ما يعزز الوجود العسكري الأمريكي في هذه المنطقة ولا يخدم في المحصلة العامة مصالح إيران.
خاتمة
في ظل التوترات في القارة الأوروبية والتخوف من إقدام روسيا على غزو أوكرانيا، والتوتر الحاصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الصين بسبب العقوبات الأخيرة، والسعي المستمر لطهران للانفكاك من ضغوط واشنطن والأوروبيين عبر التقارب مع قوتي الصين وروسيا، بما يجعل إيران تستند لقوى اقتصادية وجيوبوليتيكة كبيرة تسمح لها أن تتجاوز الأزمات الحالية وتعمل على تطوير سلاحها النووي، يمثل ذلك تهديدا صارخا لنفوذ الولايات المتحدة الأمريكية عبر حلفائها في المنطقة، ويفتح المجال أمام سباق تسلح لا ينتهي في شكل صراع سيكون الخاسر الأكبر فيه هم شعوب دول المنطقة.