قبل شهرين بالتمام والكمال من تسلم الرئيس المنتخب دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في 20 يناير 2025 اصطدمت إيران بالتحالف الأوروبي ــ الأمريكي الذي يريد استثمار كل الأوراق السياسية الدولية للضغط الجيوستراتيجي والحصول على مكتسبات في ملفات متعددة.
صراع في وكالة الطاقة
فقد اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة يوم الخميس 21 نوفمبر 2024 قرارًا ينتقد رسميًا إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في ما يتعلق ببرنامجها النووي، بناء على مشروع قرار قدمته الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل أوروبا هنا تريد أن تشغل إيران في عدد من القضايا التي تبدو في ظاهرها فنية مثل قضايا الضمانات وإبلاغ الوكالة بمواقع المواد النووية والمعدات الملوثة في ما يتعلق بـجزيئات اليورانيوم داخل موقعين نوويين تقول أوروبا إن إيران لم تفصح عنهما، فضلا عن السماح لمفتشي الوكالة بالعمل بحرية في مفاعلات البرنامج النووي المنتشرة في محافظات البلاد.
المدقق في هذه المطالبات يرى بقليل من التركيز أن الغرب يستخدم الوكالة هنا لشغل إيران عن قضايا جيوستراتيجية أخرى بعضها مرئي والبعض غير ظاهر على مسرح الأحداث.
كما أن الملاحظ في هذا القرار أن 19 دولة فقط قد أيدته وهي: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا، الإكوادور، أوكرانيا، كندا، جورجيا، اليابان، كوريا الجنوبية، المغرب، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، باراجواي، بينما عارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو.
امتناع مصر
الملاحظ بشدة أكثر أن الدول الـ12 الباقية التي امتنعت عن التصويت، هي: جنوب إفريقيا، الهند، باكستان، إندونيسيا، البرازيل، غانا، تايلاند، الجزائر، أرمينيا، بنجلاديش، كولومبيا، مصر.
وهنا يمكن التوقف عند امتناع مصر عن تبني مشروع القرار لأنها تعلم علم اليقين أن هذه الوكالة لا تمارس عملها على نحو تقني وأن عملها تعلو فيه السياسة على الأمور الفنية النووية ومعنى الامتناع عن التصويت هو عدم اقتناع القرار تماما بالمسوغات التي ساقها مشروع القرار الأوروبي ـ الأمريكي.
من المهم للغاية التأكيد على أن امتناع مصر عن التصويت هو موقف سياسي سديد لدولة عريقة وكبيرة ومسؤولة بحجم مصر، ومعناه أن القاهرة لا تدعم طهران في المحافل الدولية لكنها لا تؤيد تسييس المواقف التقنية النووية.
كما يعني أن العلاقة بين الدولتين الإقليميتين الكبيرتين في طور التطور الملحوظ على كل المستويات.
وقد سبق وأعلنت القاهرة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقفها القائم على ضرورة مساءلة إسرائيل عن برنامجها النووي المكتمل، وتفتيش مفاعل ديمونة وأخواته، بدلا من شغل الوكالة بالبرنامج النووي الإيراني المحتمل، لكن الغرب طبعا لا يكترث بمثل هذه النداءات طالما أنها اقتربت من الدولة الخنجر التي زرعها في خاصرة الشعوب العربية والإسلامية بالشرق الأوسط.
تأييد المغرب
اللافت هنا أن جروسي كان في إيران وسمحت له السلطات يوم الخامس عشر من نوفمبر 2024 بالذهاب إلى أخطر موقعين في البرنامج النووي الإيراني وهما منشآتا فوردو وناتنز بالرغم من أن هذا الإجراء جر على حكومة بزشكيان متاعب داخلية ليس أقلها اعتراضات صارخة قادها نواب في مجلس الشورى، وليس أكثرها انتقادات بالجملة في أغلب الصحف بالبلاد.
كما أن التأييد المغربي للقرار يمكن التوقف عنده بالتحليل، وهو تأييد سياسي نظرا لتناقض المواقف الإيرانية ــ المغربية في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد اتهام المغرب إيران صراحة بدعم جبهة البوليسار الصحراوية الانفصالية بالمال والسلاح وخاصة بالطائرات من دون طيار الإيرانية المتقدمة، بل ووقوف إيران إلى جانب الجزائر في كثير من الاختلافات مع المغرب وهذا الموقف ليس وليد اليوم بل يعود إلى 45 عاما مضت منذ نشوب الثورة الإيرانية لعام 1979م.
عندما كان جروسي في طهران أخبره محمد إسلامي نائب الرئيس الإيراني ورئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أن إيران سترد على أي قرار للوكالة في اليوم نفسه وقبل أن يجف الحبر المكتوب به؛ ما كان يعني أن إيران لديها الخطة “أ” والخطة “ب” في حال أجهض القرار أو تم تمريره كما حدث يوم الخميس.
في وقت باكر من صباح الجمعة 22 نوفمبر 2024 أعلنت إيران عن صيغة سياسية فريدة وشبه نادرة ردا على هذا القرار إذ أصدرت بيانا مشتركا عن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية “سازمان انرژی اتمی ایران” ووزارة الخارجية الإيرانية يقضي باتخاذ إجراءات فعالة، بما فيها وضع مجموعة كبيرة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة وبأنواع مختلفة في الخدمة.
وهو ما يشير إلى أن التصعيد هو سيد الموقف الراهن بين إيران في خندقها وخلفها روسيا والصين، وبين أوروبا وخلفها سيدتها أمريكا في الجانب الآخر من جبهة الصراع، وأن هذا التصعيد سيكون ورقة من ورقات اللعب الأمريكية في عهد ترامب الذي سيواجه إيران 2024 المختلفة مع أوروبا على عكس إيران 2016 التي كانت في أعلى مستويات التنسيق مع هذا اللاعب الذي يتهم على منابر الجمعة في طول البلاد وعرضها بأنه تابع ذليل للإرادة الأمريكية التي تملى عليه من خلف المحيط.
خاتمة
في المجمل يمكن التأكيد على أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هي مؤسسة سيئة السمعة في إيران اليوم وأمس وغدا، كما أن مديرها الأرجنتيني رفاييل جروسي هو أيضا شخص سيء السمعة، ويشار إليه في الأدبيات الإيرانية كونه لا يمارس عملا فنيا وتقنيا نوويا بل ينفذ أجندات من يدفعون له راتبه وهم الأوروبيون والأمريكان، ويشي هذا التصعيد الراهن بأن مستويات الصراع آخذة في التطور بين إيران ودول الناتو الداعمة لدولة الإجرام والإبادة الجماعية المسماة بـ”إسرائيل”.